مفاسد الغناء - محمد بن إبراهيم السبر
مدة
قراءة المادة :
8 دقائق
.
إن مفاسدَ استماع الأغاني كثيرة، وآفاتها خطيرة، ولعل من أهمها: أنه يُفسدُ القلب .قال الضحاك بنُ مزاحم: الغناء ُ مفسدة للقلب مسخطة للرب.
ومن مضاره: أنه ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء البقلَ والزرع كما قال غير واحدٍ من السلف.
قال الإمام أحمد: الغناء ينبت النفاق في القلب فلا يعجبني.
ومنها: أنه عدةٌ وعتاد للشيطان، يُغري بهما عباد الله على الفسوق والعصيان، ويفتنهم به عن عبادته، ويصدهم عن سبيله، قال - تعالى -: ((وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُوراً)) (الإسراء: 64).
قال ترجمانُ القرآن عبد الله ابنُ عباس: صوت الشيطان : الغناءُ والمزاميرُ واللهو، وكذا قال مجاهدٌ والضحاك.
ومن مفاسد الأغاني: أنها تمحوا من القلب محبة القرآن الكريم ، فإنه لا يجتمع في القلب محبة القرآن ومحبة الألحان، لأن القرآن وحيُ الرحمن، والغناءَ والمعازف وحي الشيطان، وهما ضدان لا يجتمعان أبداً، فهو خيارٌ فرد، وطريقٌ واحد، فاختر لنفسك أحد الطريقين.
قال ابنُ القيم - رحمه الله -:
حب الكتاب وحب ألحان الغناء *** في قلب عبدٍ ليس يجتمعان
ثقُلَ الكتابُ عليهمُ لما رأوا *** تقييده بشـرائع الإيمان
واللهوُ خفَّ عليهمُ لما رأوا *** ما فيه من طرب ومن ألحان
يا لذةَ الفساقِ لستِ كــلذةِ *** الأبرارِ في عقلٍ ولا قرآنِ
ومن مضار استماع الأغاني: أنها مجلبةٌ للشياطين، فهم للمغنين والمستمعين قرناء، وما كان مجلبة للشياطين فهو مطردة للملائكة، فالملائكة تحبُ الذكر وتحضره، فما ذا يكون حالُ أهل بيت يخالطون الشياطين!! فيا أسفى على بيوت خلت من ذكر الله وخلت من ملائكة الرحمن!! وعُمرت بالأغاني وامتلأت بالشياطين.
ومن المفاسد العظيمة بل الشنيعة للغناء: أنه رقية الزنا وداعية الفحشاء قال الفضيل ابن عياض: الغناء رقية الزنا، فالغناء دعوةٌ صريحةٌ إلى الفحشاء، ولهذا يحرص المغنون في أغنياتهم على ذكر محاسن النساء ، وقَصص الغرام والعشق، والمجون والغزل، والهيام، ووصف القدود والخدود، والثغور والنحور، وما في معنى ذلك مما يثير لدى السامعين الوَجد والهوى، ويحرك الغرائز، ويشعلُ نارَ الشهوات.
قال يزيدُ بنُ الوليد: يا بني أمية إياكم والغناء، فإنه يُنقص الحياء ، ويزيد في الشهوة ، ويهدم المروءة، وإنه لينوب عن الخمر، ويفعل ما يفعل السكر، فإن كنتم لابد فاعلين فجنبوه النساء، فإن الغناء داعية الزنا "، وذلك لأن غناء الرجل ذو أثر كبير على عواطف المرأة ومشاعرها..
ونزلَ الخطيئة الشاعر المشهور برجلٍ من العرب، ومعه ابنته مليكة، فلما جنَّ عليه الليل سمعَ غناءً فقال لصاحب المنزل: كفَ عني هذا فقال: وما تكره من ذلك؟ ! فقال: إنَّ الغناء رائدٌ من رادة الفجور ولا أحبُ أن تسمعه هذه، فإن كففته وإلا خرجت عنك!!
وقال العلامة ابن القيم - رحمه الله -: فإنه رقية الزنا ومُنبت النفاق، وشَرَك الشيطان، وخمرة العقل، وصدُه عن القرآن أعظم من صدِّ غيره من الكلام الباطل، لشدة ميل النفوس ورغبتها فيه " أهـ.
ومن مضار استماع الأغاني والاشتغال بها: وجعلها ديدناً وعادةً ومفتخراً: أنها سبب لأنواع العقوبات في الدنيا والآخرة.
قال ابنُ القيم: (والذي شاهدناه نحن وغيرنا وعرفناه بالتجارب، أنه ما ظهرت المعازف وآلات اللهو في قوم وفشت فيهم، واشتغلوا بها إلا سلط الله عليهم العدو، وبلو بالقحط والجدب، وولاة السوء) أهـ.
ولقد ارتكبت أمة الإسلام في الأندلس ما حذر منه النبي - صلى الله عليه وسلم - فاتخذت القينات والمعازف، وأسرفت في ذلك إسرافاً شديداً، وصرفت الأموال الطائلة في الأغاني والمعازف، فالدور والبساتين توقف على الموسيقي، وأصبح المرضى يعالجون في المستشفيات بالموسيقي، فكان الغناء من جملة ما عصوا الله به، فحل بهم بلاء استأصل شأفتهم، ودمر دولتهم، ((وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)) (البقرة: 57).
ومن مضار الأغاني ومفاسدها التي نراها في عصرنا هذا: ما فيها من تدمير للغة العربية لغة القرآن، ونشرٍ للعامية، ونشرٍ لكلمات الفساد، وتجرئ الناس على الجهر بالسوء من القول، فكلمات وعبارات لا تقال إلا في المخادع، أصبحت تملأ المسامع ويرددها الشباب علناً بلا حياء ولا رادع، والله - جل وعلا - لا يحب الجهر بالسوء من القول، ناهيكم عن الكلمات التي تحمل الكفر والاعتراض على القضاء والقدر ، وسب الدهر، والتأفف والتضايق من والأوامر الشرعية والقيود الاجتماعية، والأعراف النبيلة، مما يشجع السامع على التمرد على فطرته، والثوران على قيمه الإسلامية.
ومن مضارها السيئة: أنها تغير معنى القدوة، فيُصدرُ هؤلاء السفلة من المغنين على أنهم نجومٌ وأبطال، وإذا ماتوا سموا شهداء!! ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وإن تعجب فعجبٌ فعلُ صحافةٍ وشاشاتٍ وموجاتٍ أثير لا هم لها إلا المغني المشهور، ولا صوت لها إلا المطرب المغرور، ولا رصيد لها إلا الحفلات والمهرجانات والجلسات، مما يضل شباب الأمة ويفتنهم، بل ويعلقهم بالفسقة والسبهلل من المغنين والمغنيات، وقد تكون المغنية نصرانيةً أو يهودية، بل لربما كان اسم المغني يُفصح عن نصرانيته وفسقه، والقدوة محمد- صلى الله عليه وسلم - وصحبُهُ، قال - تعالى -: ((لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً)) (الأحزاب: 21).
القدوة هم العلماء الربانيون، والدعاة الصالحون، وأبطال الجهاد في الماضي والحاضر، قال - تعالى -: ((أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ)) (الأنعام: 90).
إن في تصدير هؤلاء المطربين والمطربات وتلميعهم إشغال لشباب الأمة عن الجهاد والعمل لدينهم، إن أعداءَنا يريدون شباب الأمة أن يعيشوا على الآهات والنغمات، ويحيوا على الفسق والغرام، يريدونهم أن يناموا في أحضان البغايا، لا أن يناموا في أحضان المنايا والجهاد والعمل لهذا الدين، إذ لو فعلوا لدمروهم واستأصلوا شأفتهم.
إن من أعظم أسباب سوء الخاتمة والعياذ بالله، الإصرار على المعاصي وإلفها كالغناء وغيره، فإن الإنسان إذا ألف شيئاً مدة حياته وأحبه وتعلق به، يعود ذكره إليه عند الموت ، ويردده حال الاحتضار في كثير من الأحيان.
وفي هذا يقول الحافظ ابن كثير - رحمه الله -: " إن الذنوب والمعاصي والشهوات تخذل صاحبها عند الموت، مع خذلان الشيطان له، فيجتمع عليه الخذلان مع ضعف الإيمان، فيقع في سوء الخاتمة، قال - تعالى -: ((وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولاً)) (الفرقان: 29) أهـ.
فينبغي علينا جميعاً أن نحذر من سوء الخاتمة، وليكن من رأيناه يسقط ميتاً وهو يدندن بالأغاني عبرةً لنا وعظةً في المبادرة إلى التوبة والرجوع إلى الله - تعالى -، وقد أخبر النبي- صلى الله عليه وسلم -: ((أن المرء يبعث على مات عليه)).
وقال أيضاً: ((إنما الأعمال بالخواتيم)).
وإنه لابد لكل من أراد حسن الختام أن يعمل بالتوبة النصوح قبل فوات الأوان، إن كان ممن يزاول مهنة الغناء، أو يستمع إلى الغناء أو يُصدره، فعليه أن يسارع بالتوبة والإنابة إلى الله - تعالى -حتى لا يقبض وتأتيه منيته وهو على تلك المعصية حينها لا ينفع الندم.