شرح عمدة الأحكام - كتاب الجهاد [4]


الحلقة مفرغة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: (بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سريةً إلى نجد، فخرجت فيها, فأصبنا إبلاً وغنماً, فبلغت سهماننا اثني عشر بعيراً, ونفلنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعيراً بعيراً).

وعنه رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إذا جمع الله عز وجل الأولين والآخرين يرفع لكل غادر لواء, فيقال: هذه غدرة فلان بن فلان).

وعنه رضي الله عنه: (أن امرأةً وجدت في بعض مغازي النبي صلى الله عليه وآله وسلم مقتولة, فأنكر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قتل النساء والصبيان).

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن عبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام شكيا القمل إلى النبي صلى الله عليه وسلم في غزاة لهما، فرخص لهما في قميص الحرير، ورأيته عليهما)].

الشرح:

حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: (بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سريةً إلى نجد، فخرجت فيها, فأصبنا إبلاً وغنماً, فبلغت سهماننا اثني عشر بعيراً, ونفلنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعيراً بعيراً).

تقدم لنا أن النفل في اللغة: الزيادة. وفي الاصطلاح: ما يستحقه المجاهد من الزيادة على سهمه، من السهم، وذكرنا أن النفل ينقسم إلى ثلاثة أقسام:

القسم الأول: الجعل، وذلك كأن يقول القائد: من فعل كذا وكذا فله كذا وكذا، من فتح هذا الحصن، من أغار على المشركين، من أتى بكذا.. إلى آخره فله كذا وكذا.

القسم الثاني: ما يختص به الإمام لبعض المجاهدين لبلائه وغنائه ونصرته، فهذا لا بأس به، فإذا أعطى بعض المجاهدين لكونه أبلي بلاءً حسناً في هذا القتال فله أن يخصه بشيء من الزيادة.

القسم الثالث: ما يعطيه الإمام أو القائد في السرية التي يبعثها، إذا خرج للقتال فإنه يبعث سرية، والسرية هذه إذا كانت بعثت في البدأة فإن العلماء يقولون: لها الربع بعد الخمس، ولنفرض أنه خرج للقتال وبعث سريةً، هذه السرية غنمت غنيمةً، فهذه السرية تختص بالربع بعد الخمس، يعني: يخرج الخمس ثم بعد ذلك تبقى أربعة أخماس لها الربع بعد الخمس، وإذا قفل من القتال يبعث سريةً أخرى، وما تأتي به من الغنائم لها الثلث بعد الخمس، يخرج الخمس ثم بعد ذلك يبقى أربعة أخماس تأخذ هذه السرية الثلث بعد الخمس، وبعض العلماء قال: هذا راجع إلى اجتهاد الإمام فما تأتي به السرية من الغنائم، سواء كان ذلك في البدأة أو في الرجعة، فإن هذا راجع إلى اجتهاد الإمام.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا جمع الله الأولين والآخرين، يرفع لكل غادر لواء)].

الشرح:

الغادر: هو الخائن الذي يخون العهود والمواثيق، واللواء هو العلم الذي يعرف به، ونحو ذلك.

(يرفع لكل غادر لواء، فيقال: هذه غدرة فلان بن فلان).

في هذا تحريم الغدر والخيانة في العهود والمواثيق التي تكون بين الناس، ومن ذلك العهود والمواثيق التي تكون بين المسلمين والكفار، فإنه يحرم الغدر بها، لكن الأصل أن يوفى للكفار عهدهم,

وبالنسبة لعهود الكفار فهي تنقسم إلى قسمين:

القسم الأول: أن يستقيموا على العهد، فيجب أن نستقيم على العهد؛ لأن الله عز وجل قال: (فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم).

القسم الثاني: أن ينقضوا العهد، فهؤلاء ينقض معهم.

القسم الثالث: أن يحس منهم أنهم سينقضون العهد، فهذا ينبذ إليهم عهدهم إلى مدتهم، كما قال الله عز وجل: وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ [الأنفال:58] .

وهذا الحديث أيضاً يدل على أن الغدر من كبائر الذنوب.

ويدل هذا الحديث أيضاً على أن يوم القيامة له أحوال؛ لأنه يوم عظيم، وأنه يرفع لكل غادر لواء، فيقال: هذه غدرة فلان.. إلى آخره.

قال المؤلف رحمه الله: [عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما (أن امرأةً وجدت في بعض مغازي النبي صلى الله عليه وسلم مقتولةً, فأنكر النبي صلى الله عليه وسلم قتل النساء والصبيان)].

الشرح:

في هذا الحديث تحريم قتل النساء والصبيان، ومثل ذلك أيضاً الشيخ الفاني والرهبان الذين لا يقاتلون، لكن من قاتل أو ساعد الكفار بالقتال فإنه يقتل، ويدل لذلك أن دريد بن الصمة خرج به قومه في حنين، وكان شيخاً فانياً، لكن خرجوا به لكي يستعينوا برأيه، فقتله المسلمون، فنقول: إذا قاتل أو أعان على القتال فإنه يقتل، أما إذا لم يقاتل هؤلاء ولم يعينوا على القتال فإنهم لا يقتلون.

وفي هذا دليل على أن الذي يقاتل هم الرجال البالغون المكلفون الذين هم أهل القتال، والمرأة لا تقتل لا في حال الغزو ولا بعد الأسر، ومثله أيضاً قتل الصبيان وغيرهم ممن لا يقاتلون.

وقد استدل الإمام أبو حنيفة رحمه الله بهذا الحديث بأن المرأة إذا ارتدت فإنها لا تقتل بل تحبس، وجمهور أهل العلم أنها تقتل؛ لحديث ابن عباس في البخاري : (من بدل دينه فاقتلوه)، وهذه بدلت دينها، والحديث يشمل الرجل والمرأة، وعلى هذا نقول: النهي عن قتل النساء إنما هو في حال الحرب، وما عدا ذلك فإنها مثل غيرها، كما لو قتلت فإنه يقتص منها وتقتل.

وفي هذا: بيان ما اشتمل عليه الإسلام من المحاسن العظيمة، والتنظيمات التي شملت حتى ما يتعلق بأمور الحرب كما السلم.. إلى آخره.

وأن من محاسن الإسلام أن هؤلاء الذين لا يقاتلون كالنساء والصبيان والشيخ الفاني والرهبان ونحو ذلك لا يقتلون.

قال المؤلف فيما نقله في كتابه [عن أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن عبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام شكيا القمل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة لهما، فرخص لهما في قميص الحرير، فرأيته عليهما)].

في هذا الحديث: أنه يجوز التداوي بلبس الحرير عند الحاجة إلى ذلك، لما جاء في الحديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للزبير وعبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنهما في لبس الحرير).

وفي هذا أيضاً: العمل على إغاظة الكفار؛ لأن لبس الحرير يكسب الخيلاء، والعلو والرفعة فيه إغاظة الكفار، ولهذا الخيلاء محرمة إلا في مثل هذا الموطن.

والأصوليون يقسمون المحرم إلى قسمين:

القسم الأول: تحريم مقاصد.

القسم الثاني: تحريم وسائل.

والمحرم تحريم وسائل ما تبيحه الحاجة وتبيحه الضرورة، لكن المحرم تحريم مقاصد لا تبيحه إلا الضرورة، ويقولون: بأن الحرير تحريمه من باب تحريم الوسائل، فأبيح في مثل هذا الموطن، وذهب بعض أهل العلم إلى أن هذا التقسيم لا أصل له، وإنما يتوقف على مورد النص. والله أعلم.

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور خالد بن علي المشيقح - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح عمدة الأحكام - كتاب البيع [27] 2827 استماع
شرح عمدة الأحكام - كتاب البيع [22] 2549 استماع
شرح عمدة الأحكام - كتاب البيع [17] 2541 استماع
شرح عمدة الأحكام - كتاب الحدود [1] 2442 استماع
شرح عمدة الأحكام - كتاب الصيد [1] 2353 استماع
شرح عمدة الأحكام - كتاب البيع [3] 2234 استماع
شرح عمدة الأحكام - كتاب البيع [28] 2208 استماع
شرح عمدة الأحكام - كتاب الحدود [2] 2177 استماع
شرح عمدة الأحكام - كتاب اللعان [3] 2147 استماع
شرح عمدة الأحكام - كتاب البيع [23] 2140 استماع