شرح زاد المستقنع - كتاب الشهادات [1]


الحلقة مفرغة

قال رحمه الله: [كتاب الشهادات: تحمل الشهادة في غير حق الله فرض كفاية، وإن لم يوجد إلا من يكفي تعين عليه، وأداؤها فرض عين على من تحملها متى دعي إليه وقدر بلا ضرر في بدنه أو عرضه أو ماله أو أهله، وكذا في التحمل، ولا يحل كتمانها، ولا أن يشهد إلا بما يعلمه برؤية أو سماع أو باستفاضة فيما يتعذر علمه بدونها].

قال رحمه الله: (كتاب الشهادات).

الشهادات: واحدها شهادة، وفي اللغة تطلق على معان، منها: العلم، والبيان، والحلف، والإخبار.

وأما في الاصطلاح: فهو الإخبار بما علمه.

وهل يشترط أن يقول الشاهد عند القاضي أشهد أو أن هذا ليس شرطاً؟ لو قال: أخبر أو أعلم أن زيداً يريد من عمرو كذا وكذا إلى آخره، هذا موضع خلاف، والمشهور من المذهب أنه لا بد أن يأتي بلفظ الشهادة: أشهد، وهذا قول جمهور أهل العلم، واستدلوا على ذلك بقول الله عز وجل: وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ [البقرة:282]، وَأَشْهِدُوا ذَوَي عَدْلٍ مِنْكُمْ [الطلاق:2].. إلى آخره.

الرأي الثاني: رأي مالك ، واختاره شيخ الإسلام أنه لا يشترط، وأنه إذا أتى بأي لفظ فإن هذا مجزئ، ولا يشترط لفظ معين، وهذا القول هو الصواب.

فإذا قال: أخبر أو أقر أو أعلم.. إلى آخره، وكونه جاء لفظ الشهادة، لا يلزم من ذلك أن يكون هذا اللفظ متعيناً؛ لأن هذا اللفظ لا يتعبد به، والمقصود هو إيصال العلم إلى القاضي.

قال رحمه الله تعالى: (تحمل الشهادة في غير حق الله فرض كفاية، وإن لم يوجد إلا من يكفي تعين عليه).

تحمل الشهادة ينقسم إلى قسمين: التحمل، والأداء.

والتحمل: هو سماع الحق والعلم به، والأداء: إخبار القاضي ونحوه ممن يعنيه بهذا الحق.

فتحمل الشهادة إما أن يكون في حقوق الله عز وجل، وإما أن يكون في حقوق الآدميين.

القسم الأول: حقوق الآدميين: تحملها وأداؤها لا يخلو من أمرين:

إما أن يكون فرض كفاية.

وإما أن يكون فرض عين.

فإذا لم يوجد إلا من يكفي فهو فرض عين، وإن وجد من يكفي ومن يزيد على ذلك فهو فرض كفاية، ويدل لذلك قول الله عز وجل: وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا [البقرة:282]، فقد نهى الله عز وجل أن يأبى الشهداء إذا دعوا لأداء الشهادة، ولأن عدم التحمل والأداء يؤدي إلى ضياع الحقوق.

القسم الثاني: ما يتعلق بحقوق الله عز وجل، وحقوق الله عز وجل تنقسم إلى قسمين:

القسم الأول: ما لا يُستدام فيه التحريم، كشرب الخمر أو الزنا ونحو ذلك، هذا لا يجب فيه التحمل، فلو قال لك شخص: إن فلاناً يشرب الخمر، فاذهب معي لكي نشهد عليه، فلا يجب أن تذهب معه، لأن حقوق الله عز وجل مبنية على العفو والستر والتسامح ونحو ذلك، اللهم إلا إن كان مشهوراً بالفسق والتجرؤ على محارم الله، فهذا يُشهد عليه؛ لكي يردع ويزجر.

القسم الثاني: ما يستدام فيه التحريم، كالعتق والطلاق والخلع والظهار.. إلى آخره، هنا يستدام التحريم، لو أنه سمعه يطلق زوجته وأنكر ذلك، يجب أن تشهد فالتحريم يستدام؛ لأنه سيعاشر هذه المرأة وقد طلقها، أو أعتق رقيقه ثم بعد ذلك أنكر... إلى آخره، فهنا يستدام التحريم، فتجب الشهادة.

قال رحمه الله تعالى: (وأداؤها فرض عين على من تحملها متى دعي إليه).

يعني: إذا لم يكن إلا هذا الشخص ودعي إليه فإنه يكون فرض عين، كذلك أيضاً لو امتنع غيره ممن تحمل عن الأداء فإنه يتعين عليه.

قال: (وقدر بلا ضرر في بدنه أو عرضه أو ماله).

يعني: يشترط أن يكون قادراً على الأداء ولا يلحقه ضرر في بدنه أو ماله أو عرضه، فإذا كان سيلحقه في بدنه ضرب وأذى، أو سيجتاح ماله أو أهله؛ فإنه لا يجب عليه؛ لقول الله عز وجل: وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ [البقرة:282]، والقاعدة: لا ضرر ولا ضرار.

وكذا في التحمل يشترط انتفاء الضرر، فإذا كان تحمله سيلحقه ضرر؛ فإنه لا يجب عليه أن يتحمل.

قال: (ولا يحل كتمانها).

يعني: يحرم أن يكتم الشهادة؛ لقول الله عز وجل: وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ [البقرة:283]، فكتمان الشهادة محرم ولا يجوز.

قال: (ولا أن يشهد إلا بما يعلمه برؤية أو سماع أو استفاضة).

هذه طرق العلم بالمشهود عليه، يعني: يشهد بشيء رآه، رأى زيداً يضرب عمراً أو يقتل عمراً أو يشرب خمراً فإنه يشهد بشيء سمعه، سمعه يُقر، سمعه يقرض، سمعه يبيع فعليه أن يشهد.

الثالث: الاستفاضة، يعني: اشتهار الأمر بين الناس، يشهد بالاستفاضة، وطرق العلم بالمشهود به ثلاث:

الأول: الرؤية.

والثاني: السماع.

والثالث: الاستفاضة.