شرح زاد المستقنع - كتاب الظهار [3]


الحلقة مفرغة

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فصل في أحكام كفارة الظهار: وكفارته عتق رقبة، فإن لم يجد صام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع أطعم ستين مسكيناً، ولا تلزم الرقبة إلا لمن ملكها أو أمكنه ذلك بثمن مثلها فاضلاً عن كفايته دائماً وكفاية من يمونه، وعما يحتاجه من مسكن وخادم ومركوب، وعرض بذلة وثياب تجمل ومال يقوم كسبه بمئونته، وكتب علم، ووفاء دين، ولا يجزئ في الكفارات كلها إلا رقبة مؤمنة، سليمة من عيب يضر بالعمل ضرراً بيناً؛ كالعمى، وشلل اليد أو الرجل أو أقطعها، أو أقطع الأصبع الوسطى أو السبابة أو الإبهام، أو الأنملة من الإبهام، أو أقطع الخنصر والبنصر من يد واحدة، ولا يجزئ مريض ميئوس منه ونحوه، ولا أم ولد، ويجزئ المدبر، وولد الزنا، والأحمق، والمرهون، والجاني، والأمة الحامل ولو استثني حملها.

فضل: يجب التتابع في الصوم، فإن تخلله رمضان أو فطر يجب كعيد وأيام تشريق وحيض وجنون ومرض مخوف ونحوه، أو أفطر ناسياً أو مكرهاً أو لعذر يبيح الفطر لم ينقطع، ويجزئ التكفير بما يجزئ في فطرة فقط، ولا يجزئ من البر أقل من مد، ولا من غيره أقل من مدين لكل واحد ممن يجوز دفع الزكاة إليهم].

قد تقدم لنا جملة من أحكام الظهار، وذكرنا من هذه الأحكام ما يتعلق بتشبيه الزوج زوجته بمن تحرم عليه، وأن ذلك ينقسم إلى أقسام عدة، ومن ذلك قول الزوج لزوجته: أنتِ عليّ حرام، وذكرنا كلام أهل العلم رحمهم الله تعالى في هذه المسألة، أن هذا لا يخلو من أمرين:

الأمر الأول: أن لا يقصد اليمين، فهذه يمين فيها الكفارة إذا قصد الحث أو المنع أو التصديق أو التكذيب.. إلخ.

الأمر الثاني: أن يقصد مجرد التحريم، فهذه ذكرنا فيها أقوال أهل العلم رحمهم الله تعالى، وترجح لنا أن فيها كفارة اليمين إلا إن نوى والطلاق لورود ذلك بين الصحابة رضوان الله تعالى عنهم، إذ أن ذلك كناية عن الطلاق.

وتقدم لنا أيضاً ما يتعلق بتأقيت الظهار، وتعليق الظهار، وأن ذلك كله صحيح، ثم بعد ذلك شرعنا فيما يتعلق بكفارة الظهار، وأن كفارة الظهار حكمها الوجوب، وأن هذه الكفارة على الترتيب، وهذا باتفاق الأئمة فيجب أن يعتق رقبة، فإن لم يستطع فإنه يصوم شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإنه يطعم ستين مسكيناً.

وشرعنا فيما يتعلق بأحكام الخصلة الأولى وهي الإعتاق، وأن الإعتاق يشترط له شروط وذكرنا جملة من الشروط، فذكرنا ثلاثة شروط أو أربعة.

قال رحمه الله: (فاضلاً عن كفايته وكفاية من يمونه، وعما يحتاجه من مسكن وخادم ومركوب).

هذه من شروط وجوب الكفارة، وأن الكفارة لا تجب إلا بعد وجود النفقات الشرعية له ولمن يمونه من طعام وشراب ونحو ذلك لمدة عام، وكذلك أيضاً أن يكون ذلك فاضلاً عن الحوائج الأصلية.

قال رحمه الله: (من خادم) إذا كان مثله يخدم، يعني رقيق، فإذا كان عنده دراهم يحتاجها إلى أن يكون عنده رقيق يخدمه، فإن ذلك يقدم على الكفارة، فيبدأ بالخادم إذا كان مثله يخدم، فإن فضل شيء اشترى به رقبة إذا كان يؤدي ثمن الرقبة، قال: (ومركوب) أيضاً مثله المركوب إلخ، فإذا كان يحتاج إلى سيارة فنقول: ابدأ بالسيارة فإن فضل شيء أشتر به رقبة، قال: (وعرض بذلة وثياب تجمل) أيضاً الثياب، سواء كانت الثياب التي تبتذل ودائماً تلبس، أو الثياب التي تلبس للتجمل كأن يتجمل بها لصلاة العيد أو لصلاة الجمعة ونحو ذلك، فنقول: لا تجب الكفارة حتى يجد هذه الثياب سواء كانت ثياب البدلة أو ثياب التجمل.

قال رحمه الله: (ومال يقوم كسبه بمئونته، وكتب علم، ووفاء دين).

هذا الشرط الرابع أن يكون ذلك بعد وجود المال الذي يقوم بمؤنته، فمثلاً: إذا كان عنده خمسون ألف ريال، وهذه الخمسون يحتاجها لكي يفتح بها محلاً تجارياً يكتسب من ورائه ما يقوم بنفقته ونفقة من يمونه، فنقول: لا يجب عليه أن يعتق وأن يشتري رقبة حتى يوفر هذه الدراهم، فما فضل على هذه الدراهم يشتري به رقبة، فإذا كان عنده مال كسب -رأس مال لتجارة- فإنه مقدم على عتاق الرقبة، فلا يجب عليه أن يعتق رقبة حتى يجد المال الذي كسبه يقوم بنفقته ونفقة من يمونه، فإذا كانت نفقته ونفقة من يمونه في الشهر تساوي ألف ريال فنقول: يحصل من رأس المال ما يكون دخله في الشهر ألف ريال، وما زاد على ذلك يشتري به رقبة، أما ما دون ذلك فلا يجب عليه أن يشتري به رقبة، وإنما يكون هذا المال الذي كسبه ويقوم بنفقته ونفقة من يمونه يكون خارجاً عن تعلق الرقبة به.

أيضاً قال: (ووفاء دين) تقدم الكلام عليه وأنه لا بد أن يكون ذلك بعد قضاء الواجبات الشرعية، فإذا كان مديناً لزيد مثلاً بألف ريال نقول: ابدأ بالدين فإن فضل شيء فاشتر به رقبة.

أن يكون المال حاضراً

أيضاً الشرط الخامس: أن يكون المال حاضراً، فإن كان المال غائباً أو كان ديناً اختلف العلماء رحمهم الله، هل يجب عليه أن يكفر بالإعتاق أو نقول: لا يجب عليه أن يكفر بالإعتاق؟ فالمشهور من مذهب أبي حنيفة ومالك أنه إذا كان ماله غائباً أو كان ديناً فإنه لا يجب عليه أن يكفر بالإعتاق وإنما ينتقل للصيام، قالوا لأنه غير مستطيع.

والرأي الثاني؛ رأي الشافعية والحنابلة: أنه يجب عليه أن يكفر بالإعتاق؛ لأن من له دين أو مال غائب فهو مستطيع وهذا القول هو الصواب في هذه المسألة.

أيضاً الشرط الخامس: أن يكون المال حاضراً، فإن كان المال غائباً أو كان ديناً اختلف العلماء رحمهم الله، هل يجب عليه أن يكفر بالإعتاق أو نقول: لا يجب عليه أن يكفر بالإعتاق؟ فالمشهور من مذهب أبي حنيفة ومالك أنه إذا كان ماله غائباً أو كان ديناً فإنه لا يجب عليه أن يكفر بالإعتاق وإنما ينتقل للصيام، قالوا لأنه غير مستطيع.

والرأي الثاني؛ رأي الشافعية والحنابلة: أنه يجب عليه أن يكفر بالإعتاق؛ لأن من له دين أو مال غائب فهو مستطيع وهذا القول هو الصواب في هذه المسألة.

قال رحمه الله: (ولا يجزئ في الكفارات كلها إلا رقبة مؤمنة، سليمة من عيب يضر بالعمل ضرراً بيناً).

ما تقدم من الشروط شروط وجوب الكفارة، بمعنى: إذا توافرت الشروط السابقة فإنه يجب عليه أن يكفر بالإعتاق، فإن اختل شرط من تلكم الشروط فإنه لا يجب عليه أن يكفر بالإعتاق، وإنما ينتقل إلى التكفير بالصيام.

وهذه الشروط التي شرع المؤلف رحمه الله تعالى في سردها هي شروط صحة الإعتاق، الآن توافرت شروط الوجوب ووجب عليه أن يعتق، فهذا الإعتاق لا بد له من شروط صحة.

أن تكون رقبة مؤمنة

فقال رحمه الله: أول شرط من شروط الإعتاق أن تكون الرقبة المعتقة مؤمنة، وهذا قول جمهور العلماء وعلى هذا لا يصح أن يعتق كافرة، ويدل لذلك أن الله سبحانه وتعالى قال في كفارة القتل: فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ [النساء:92]، وقال في كفارة الظهار: فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ [المجادلة:3] ، فأطلق هنا، والعلماء رحمهم الله يقولون: إذا اتحد الحكم واختلف السبب فإنه يقيد المطلق بالمقيد، هنا الحكم اتحد وهو إعتاق رقبة في كفارة، والسبب اختلف قتل وظهار، فإذا اتحد الحكم واختلف السبب يحمل المطلق على المقيد، وأيضاً مما يدل على ذلك حديث معاوية بن الحكم رضي الله تعالى عنه: (وأنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم بجارية له يريد أن يعتقها في الرقبة التي كانت عليه، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: أين الله؟ قالت: في السماء، فقال: من أنا؟ قالت: رسول الله، قال: أعتقها فإنها مؤمنة)، رواه مسلم في صحيحه، وهذا كما ذكرنا مذهب جمهور أهل العلم خلافاً للحنفية، فإن الحنفية لا يرون أن تكون الرقبة المعتقة مؤمنة ويصح إعتاق الذمية، والصواب في ذلك هو ما عليه جمهور أهل العلم رحمهم الله تعالى.

السلامة من العيب المضر بالعمل

قال رحمه الله: (سليمة من عيب يضر بالعمل ضرراً بيناً).

هذا الشرط الثاني: أن تكون سليمة من العيوب التي تضر بالعمل ضرراً بيناً، وعلى هذا نقول بأن العيوب لا تخلو من أمرين:

الأمر الأول: عيوب لا تضر بالعمل، فهذه لا تؤثر في صحة إعتاق تلك الرقبة، كما لو كان عنده عرج يسير... إلخ، أو كان عنده قصر في النظر ونحو ذلك، فهذه عيوب لا تضر بالعمل ضرراً بيناً، وسيذكر المؤلف رحمه الله أمثلة على ذلك.

القسم الثاني: أن تكون العيوب مضرة بالعمل ضرراً بيناً، وسيذكر المؤلف رحمه الله جملة من العيوب، فأكثر أهل العلم أنه يشترط أن تكون الرقبة المعتقة سليمة من العيوب المضرة بالعمل ضرراً بيناً، هذا ما عليه أكثر أهل العلم، واستدلوا على ذلك بأن الله سبحانه وتعالى قال: فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ [المجادلة:3]، والإطلاق يقتضي السلامة.

والرأي الثاني: رأي الظاهرية وأن هذا ليس شرطاً وأنه يجزئ إعتاق المعيبة، والذي يظهر والله أعلم أن المعيبة يجزئ إعتاقها إلا إذا كان العيب يؤثر في هذه الرقبة بحيث يكون وجودها كعدمها، مثلاً لو كانت الرقبة مريضة مرضاً ميئوساً منه، كرقبة مثلاً مريضة بمرض يخاف على صاحبها من الموت ونحو ذلك، نقول: هذه وجودها كعدمها، فالذي يظهر والله أعلم أنه إذا كان العيب في الرقبة بحيث يكون وجود الرقبة كعدمها نقول بأنها لا تجزئ.

قال رحمه الله: (كالعمى).

هنا ضرب المؤلف رحمه الله أمثلة للعيوب التي تضر بالعمل ضرراً بيناً، قال كالعمى وهذا كان في الزمن السابق أن العمى يضر بالعمل أما الآن فتجد أن الأعمى يعمل في كثير من الصنائع والأعمال كالبصير، تجد أنه يعمل في القضاء.. يعمل في التدريس.. إلخ، يعني هناك أعمال كثيرة يقوم بها الأعمى: يعمل في الإمامة.. يعمل في الآذان... إلخ، فالضابط والمرجع في ذلك إلى أعراف الناس، هذا الذي ذكره المؤلف في زمن مضى، يعني في زمان مضى العمى يضر بالعمل، لكن في زماننا هذا تجد أن العمى لا يؤثر في بعض الصنائع، ولا شك أنه يؤثر في بعض الأعمال لكن للأعمى كثير من الأعمال التي يقوم بها.

قال رحمه الله: (وشلل اليد أو الرجل) الكلام في هذه المسألة كالكلام في قوله كالعمى، قال: (أو أقطعهما أو أقطع الإصبع الوسطى أو السبابة أو الإبهام، أو الأنملة من الإبهام، أو إذا كان أقطع الوسطى).

هذا يضر بالعمل وكما تقدم هذا كان في الزمن السابق، أما الآن يجد أن أقطع الأصبع الوسطى أو السبابة أو أقطع الإبهام لا يضر بالعمل، ويؤخذ من كلام المؤلف أنه إذا كان أقطع الخنصر لا يضر، أو أقطع البنصر لا يضر، ويكون حينئذ داخلاً في القسم الأول: العيوب التي لا تضر بالعمل ضرراً بيناً.

قال: (أو الأنملة من الإبهام)، يؤخذ من ذلك أن الأنملة من غيرها يجزئ؛ كالأنملة من السبابة تجزئ، أو الأنملة من الوسطى تجزئ... إلخ.

قال رحمه الله: (أو أقطع الخنصر والبنصر من يد واحدة). يعني: إذا قطع الخنصر وحده هذا لا يضر بالعمل ضرراً بيناً، فيكون في القسم الأول، لكن إذا قطع البنصر والخنصر فيرى أنه يضر بالعمل ضرراً بيناً.

التمييز

الشرط الثالث: أن تكون الرقبة مميزة. وهذا اشترطه بعض أهل العلم كـالشعبي وإسحاق.. أن تكون مميزة، وعلى هذا لا يجزئ إخراج الرقبة غير المميزة، وعند كثير من أهل العلم أن هذا ليس شرطاً وأنه يجزئ إخراج الرقبة المميزة وغير المميزة.

السلامة من المرض الميئوس منه

قال رحمه الله: (ولا يجزئ مريض ميئوس منه ونحوه).

هذا هو الشرط الرابع، قلنا: شروط صحة إعتاق الرقبة أن تكون مؤمنة، وأن تكون مميزة، وألا تكون معيبة عيباً يضر بالعمل ضرراً بيناً.

الشرط الرابع: أن لا يكون مريضاً ميئوساً منه، هذا الشرط صحيح، فمثلاً إذا مرض بمرض ييئس من صاحبه وهذا يختلف كما ذكرنا باختلاف الزمان واختلاف المكان، الآن عندنا بعض الأمراض إذا أصابت الشخص فإن مرضه يكون مخوفاً، يعني: يخشى عليه من الهلاك، فهذا لا يجزئ إعتاقه والله أعلم، كما ذكر المؤلف رحمه الله قال: ونحوه مثل الزمن والمقعد... إلخ، وهذا أيضاً كان في الزمن السابق، المقعد كان في الزمن السابق ربما لأنه لا يعمل؛ لكن في هذا الزمان قد يعمل.. المقعد الذي يعاني شلل الرجلين قد يعمل.. قد يكتب في الحاسب.. قد يكون موظفاً... إلخ، هناك كثير من الأعمال يقوم بها هذا المقعد.

كمال الرق

قال رحمه الله: (ولا أم ولد).

هذا الشرط الخامس، ويعني: أن تكون المعتقة كاملة الرق، وعلى هذا اختلف العلماء رحمهم الله في ثلاثة أصناف، هل يجزئ إعتاقها أو لا يجزئ إعتاقها؟ وهي: أم الولد والمدبر، وكذلك أيضاً المكاتب؛ لأن أم الولد والمدبر والمكاتب هل هم كاملوا الرق أو ليسوا كاملي الرق؟ نقول: إنهم ليسوا كاملي الرق؛ لأنه انعقد فيهم سبب الحرية فالرق فيهم ليس خالصا، أم الولد انعقد فيها سبب الحرية فتعتق بموت سيدها، والمدبر سيده علق عتقه بموته، والمكاتب اشترى نفسه الآن من سيده، فإذا سدد نجوم الكتابة فإنه يعتق على سيده، فعندنا هؤلاء الثلاثة هل يجزئ إعتاقهم أو لا يجزئ إعتاقهم؟ لأن رقهم ليس خالصاً؟ عندنا أم الولد جمهور العلماء رحمهم الله تعالى أنه لا يجزئ إعتاقها، وفي رواية الإمام أحمد رحمه الله أنه يجزئ إعتاقها.

والأقرب ما ذهب إليه الجمهور؛ لأن أم الولد ليست كاملة الرق، حيث انعقد فيها سبب الحرية فهي ستعتق بموت سيدها، فمن أعتقها ما يكون أعتق رقبة كاملة، كذلك أيضاً المدبر وهو الذي علق سيده عتقه بموته.

قال رحمه الله: (ويجزئ المدبر).

وهذا هو المذهب، ومذهب الشافعي بعموم الآية، ولأن التدبير يصح إبطاله يملك السيد أن يبطل التدبير، يقول لك المؤلف رحمه الله: أنه يجزئ.

والرأي الثاني: رأي أبي حنيفة ومالك أنه لا يجزئ إعتاق المدبر؛ لأنه انعقد فيه سبب الحرية، والأقرب والله أعلم ما ذهب إليه الحنابلة والشافعية؛ لأنه وإن انعقد فيه سبب الحرية إلا أن سيده يملك أن يبطل هذا التدبير، فالأقرب والله أعلم في هذه المسألة ما ذهب إليه الحنابلة والشافعية هو أن المدبر يصح إعتاقه في الكفارة.

أيضاً المكاتب وهو الذي اشترى نفسه من سيده هل يصح إعتاقه أو نقول: إنه لا يصح إعتاقه؟ المشهور من المذهب وأيضاً من مذهب الحنفية التفصيل: أنه إن أدى شيئاً من نجوم الكتابة فلا يصح إعتاقه في الكفارة؟ وإن لم يؤد فإنه يصح إعتاقه في الكفارة، وعند مالك والشافعي أنه لا يجزئ إعتاقه لأنه انعقد فيه سبب الحرية.

فعندنا رأي أبي حنيفة والإمام أحمد أنه إن أدى شيئاً من نجوم الكتابة لا يجزئ، وإن لم يؤد أجزأ، وعند مالك والشافعي أنه لا يجزئ إعتاقه، وفي رواية الإمام أحمد رحمه الله أنه لا يجزئ إعتاقه.

والأقرب في هذه المسألة: أن المكاتب يجزئ إعتاقه إذا رد السيد نجوم الكتابة إليه، يعني: إذا لم يؤد شيئاً من النجوم فإنه يجزئ إعتاقه، لكن إذا أدى شيئاً من هذه النجوم ورد السيد هذه النجوم إليه فيظهر والله أعلم أنه يجزئ إعتاقه؛ لأنه جاء عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم جاء في أسانيد صحيحة: أن المكاتب رقيق ما بقي عليه درهم.

ألا تكون الرقبة ولد زنا

قال رحمه الله: (ويجزئ المدبر) تكلمنا عليه.

قال: (وولد الزنا)، هذا الشرط السادس: هل يشترط في الرقبة المعتقة في الكفارة أن تكون ولداً شرعياً أو أن هذا ليس شرطاً؟

جمهور العلماء أن هذا ليس شرطاً لعموم قول الله عز وجل: فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ [المجادلة:3].

والرأي الثاني: ذهب إليه بعض السلف كـعطاء والشعبي والنخعي أنه يشترط أن تكون الرقبة المعتقة في الكفارة ولداً شرعياً، وعلى هذا إذا كانت ولد زنا فإنه لا يصح إعتاقها في الكفارة، واستدلوا على هذا بما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ولد الزنا شر الثلاثة) ومن هم الثلاثة؟ الزاني والزانية وما نتج عنهما بسبب الزنا، فاستدلوا بما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ولد الزنا شر الثلاثة)، والصواب في هذه المسألة: ما عليه جمهور أهل العلم رحمهم الله وهو أن ولد الزنا يصح إعتاقه في الكفارة، وأما هذا الحديث فالجواب عليه جوابان:

الجواب الأول: أن بعض العلماء ضعفوا هذا الحديث.

والجواب الثاني: أن معنى هذا الحديث أن ولد الزنا شر الثلاثة، أي إذا عمل بعمل والديه، وإلا فكما قال الله عز وجل: وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [الأنعام:164] ، لا يتحمل شيئاً من جرم والديه، فالصواب في هذا أن نقول: ولد الزنا يصح إعتاقه في الكفارة.

ألا تكون الرقبة حمقاء

قال رحمه الله: (والأحمق).

هذا هو الشرط السابع، وهو ألا تكون الرقبة المعتقة في الكفارة حمقاء أو فيها حمق، وحمق يعني: قلة العقل؛ لأن هذا يمنعها من العمل يعني هذا يمنعها من العمل.

ألا تكون الرقبة مرهونة

قال رحمه الله: (والمرهون).

هذا الشرط الثامن: أن لا يتعلق بالرقبة المعتقة حق للغير، وعلى هذا لو أنه اقترض مالاً وأعطى هذا الرقيق الذي عنده رهناً، فهل يصح أن يعتق هذا الرهن على الكفارة التي وجبت عليه أو نقول بأنه لا يصح؟ يقول المؤلف رحمه الله: بأنه لا يصح؛ لأن ذلك يؤدي إلى إبطال حق الغير من الوثيقة.

قال رحمه الله: (ويجزئ المدبر، وولد الزنا، والأحمق، والمرهون).

المؤلف رحمه الله تعالى يرى أنه يجزئ إعتاق المرهون، وقلنا: الصواب في هذه المسألة: أنه لا يجزئ إعتاق المرهون لما يترتب على ذلك من إبطال حق الغير من الوثيقة، فالمذهب الحنفية يرون أنه يجزئ إعتاق المرهون.

والرأي الثاني: أنه لا يجزئ إعتاق المرهون لما يترتب على ذلك من إبطال حق الغير من الوثيقة.

ألا تكون على الرقبة جناية

قال رحمه الله: (والجاني).

الجاني هل يجزئ إعتاق الجاني أو لا يجزئ إعتاق الجاني؟ المؤلف رحمه الله يرى أن إعتاق الجاني مجزئ، والصواب في هذه المسألة التفصيل وهو أن يقال: إن كانت الجناية تحيط بالنفس فهذا لا يجزئ إعتاقه؛ لأن وجوده كعدمه، أما إن كانت الجناية لا تحيط بالنفس فنقول بأنه يجزئ إعتاقه، فمثلا لو فرضنا أن هذا الشخص قتل وحكم عليه بالقصاص لكونه قتل عمداً فهل يجزئ إعتاقه أو لا؟ ظاهر كلام المؤلف رحمه الله أنه يجزئ، والصواب في ذلك التفصيل كما ذكرنا، وعلى هذا نقول الشرط التاسع: أن لا يكون المعتق جانياً جناية تحيط بالنفس، فنقول بأنه لا يجزئ إعتاق هذه الرقبة.

أن يعتق من عليه الكفارة رقبة كاملة

قال رحمه الله: (والأمة والحامل ولو استثني حملها).

أيضاً يقول المؤلف رحمه الله يجزئ إعتاق الرقبة إذا كانت حاملا ولو استثني حملها؛ لأن الأصل في ذلك الصحة، لقول الله عز وجل: فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ [المجادلة:3].

أيضاً الشرط العاشر: أن يعتق من وجبت عليه الكفارة رقبة كاملة، وعلى هذا لو أعتق نصف هذه الرقبة ونصف الرقبة الثانية، هل يجزئ ذلك أو نقول أنه لا يجزئ؟ أو أعتق ثلث هذه الرقبة، وثلث الثانية، وثلث الثالثة، هل هذا مجزئاً أو نقول بأن هذا ليس مجزئاً؟ هذا موضع خلاف بين العلماء رحمهم الله تعالى، فالمشهور من مذهب الحنفية والمالكية أن هذا غير مجزئ.

والرأي الثاني: أن هذا مجزئ، وهذا قال به بعض الشافعية.

والرأي الثالث: التفصيل في المسألة: فإن كان يعتق بإعتاق جزء هذا الشخص منه فإن هذا مجزئ، وإن كان لا يعتق فإن هذا لا يجزئ، وهذا قول بعض الشافعية وهذا هو القول الوسط، وعلى هذا إذا كان يملك بعض هذه الرقبة والبعض الآخر حر، فإذا أعتق هذا البعض الذي يملكه من الرقبة التي وجبت عليه فإن هذا الرقيق سيكون حراً، نقول بأنه يجزئ، ولنفرض أن شخصاً يملك نصف هذه الرقبة الأخرى، والنصف الآخر حر في هذه الرقبة والنصف الآخر حر أيضاً في هذه الرقبة الأخرى، فهل يجزئ أن يعتق هذين النصفين بحيث تتحرر الرقبة الأولى وتتحرر الرقبة الثانية أو نقول بأن هذا الرأي لا يجزئ؟

فنقول: الرأي الثالث: أن هذا مجزئ، وهذا القول هو الصواب؛ لأنه إذا أعتق هذين الشخصين فإنه يحصل بذلك تحرير هاتين الرقبتين، ولا شك أن الشارع يتشوف إلى التحرير.

ألا تكون الرقبة مما يعتق عليه

الشرط الحادي عشر: أن لا تكون الرقبة ممن يعتق عليه، فإن كانت الرقبة ممن يعتق عليه فجمهور أهل العلم أنه لا يجزئ إعتاقها، فمثلاً لو اشترى أباه يريد أن يعتقه في الرقبة -ومن يعتق عليه هو كل ذي محرم- يعني: لو فرض أنه أنثى فإنه ليس له أن يتزوجها فإن هذا يعتق عليه، وأبوه وأخوه وعمه... إلخ، هؤلاء كلهم لا يجزئ إعتاقهم في الرقبة خلافاً للحنفية، وهذا القول هو الصواب.

توفر النية عند إعتاق الرقبة

الشرط الثاني عشر: النية عند إخراج الرقبة. لأن الإنسان يعتق الرقيق قد يقصد بذلك التبرع وقد يقصد بذلك الرقبة الواجبة عليه، فلا بد من النية.

فقال رحمه الله: أول شرط من شروط الإعتاق أن تكون الرقبة المعتقة مؤمنة، وهذا قول جمهور العلماء وعلى هذا لا يصح أن يعتق كافرة، ويدل لذلك أن الله سبحانه وتعالى قال في كفارة القتل: فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ [النساء:92]، وقال في كفارة الظهار: فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ [المجادلة:3] ، فأطلق هنا، والعلماء رحمهم الله يقولون: إذا اتحد الحكم واختلف السبب فإنه يقيد المطلق بالمقيد، هنا الحكم اتحد وهو إعتاق رقبة في كفارة، والسبب اختلف قتل وظهار، فإذا اتحد الحكم واختلف السبب يحمل المطلق على المقيد، وأيضاً مما يدل على ذلك حديث معاوية بن الحكم رضي الله تعالى عنه: (وأنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم بجارية له يريد أن يعتقها في الرقبة التي كانت عليه، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: أين الله؟ قالت: في السماء، فقال: من أنا؟ قالت: رسول الله، قال: أعتقها فإنها مؤمنة)، رواه مسلم في صحيحه، وهذا كما ذكرنا مذهب جمهور أهل العلم خلافاً للحنفية، فإن الحنفية لا يرون أن تكون الرقبة المعتقة مؤمنة ويصح إعتاق الذمية، والصواب في ذلك هو ما عليه جمهور أهل العلم رحمهم الله تعالى.




استمع المزيد من الشيخ الدكتور خالد بن علي المشيقح - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح زاد المستقنع - كتاب الطهارة [17] 2820 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب النكاح [13] 2736 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب المناسك [5] 2682 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [19] 2650 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب البيع [26] 2645 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [32] 2563 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الأيمان [2] 2560 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الحدود [7] 2531 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الإيلاء [1] 2526 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [8] 2500 استماع