شرح زاد المستقنع - كتاب النكاح [14]


الحلقة مفرغة

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ ومن صومه واجب دعا وانصرف، والمتنفل يفطر إن جبر، ولا يجب الأكل، وإباحته متوقفة على صريح إذنٍ أو قرينة، وإن علم أن ثم منكرًا يقدر على تغييره حضر وغيره وإلا أبى، وإن حضر ثم علم به أزاله، فإن دام لعجزه عنه انصرف، وإن علم به ولم يره ولم يسمعه خير، ويكره النثار والتقاطه، ومن أخذه أو وقع في حجره فله، ويسن إعلان النكاح والدف فيه للنساء.

باب عشرة النساء:

يلزم الزوجين العشرة بالمعروف، ويحرم مطل كل واحد بما يلزمه للآخر، والتكره لبذله، وإذا تم العقد لزم تسليم الحرة التي يوطأ مثلها في بيت الزوج إن طلبه، ولم تشترط دارها أو بلدها، وإذا استمهل أحدهما أمهل العادة وجوبًا لا لعمل جهاز، ويجب تسليم الأمة ليلًا فقط، ويباشرها ما لم يضر أو يشغلها عن فرض، وله السفر بالحرة ما لم تشترط ضده، ويحرم وطؤها في الحيض].

تقدم لنا ما يتعلق بوليمة العرس، وذكرنا حكم هذه الوليمة، وأن العلماء رحمهم الله اختلفوا في حكمها على قولين، وأيضًا تقدم لنا ما يتعلق بزمنها وقدرها، وحكم الإجابة لمن دعي إليها، وأن العلماء رحمهم الله لهم في ذلك رأيان:

الرأي الأول وهو رأي أكثر أهل العلم: أن الإجابة إلى الوليمة واجبة.

والرأي الثاني وهو رأي الحنفية: أن الإجابة إلى الوليمة ليست واجبة، وذكرنا دليل كل قول.

ثم بعد ذلك ذكر المؤلف رحمه الله شروط الوجوب عند من قال بوجوب الإجابة، وأنه يشترط للوجوب شروط، وتقدمت هذه الشروط.

حضور الصائم وليمة العرس

ثم قال رحمه الله: (ومن صومه واجب دعا وانصرف، والمتنفل يفطر إن جبر).

يعني: إذا دعي وهو صائم فإن هذا لا يخلو من أمرين:

الأمر الأول: أن يكون الصوم واجبًا كالقضاء والنذر فإذا دعي هذا للوليمة فإنه يحضر، وهذا الحضور واجب؛ لأنهم يرون أن الإجابة إلى الوليمة واجبة كما سلف، ولكنه لا يفطر، ولهذا قال المؤلف رحمه الله تعالى: (دعا)، يعني: دعا لصاحب للزوجين ونحو ذلك، ويدعو هنا استحبابًا لحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا دعي أحدكم فليجب، فإن كان صائمًا فليدع، وإن كان مفطرًا فليطعم ) رواه مسلم في صحيحه، ثم ينصرف ولا يأكل؛ لأنه لا يجوز له أن يبطل الواجب لغير عذر؛ لقول الله سبحانه وتعالى: وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ [محمد:33] ، ويدعو كما ذكر المؤلف رحمه الله.

قال رحمه الله تعالى: (والمتنفل يفطر إن جبر).

هذا هو الأمر الثاني: أن يكون صومه نفلًا، وفيه تفصيل: إن جبر قلب صاحب الوليمة، بمعنى: أدخل على قلبه السرور والفرح عندما يأكل فالسنة أن يفطر؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي سعيد لما رأى رجلًا معتزلًا وقال: إني صائم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( دعاكم أخوكم وتكلف لكم، صم يومًا مكانه إن شئت ) وهذا في سنن البيهقي وحسنه الحافظ ابن حجر .

وأما إن كان الأمر عند صاحب الوليمة سيان فيبقى على صيامه؛ لأن الأصل عدم إبطال العبادة؛ لقول الله سبحانه وتعالى: وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ [محمد:33].

الأكل من وليمة العرس

قال رحمه الله: (ولا يجب الأكل).

الواجب هو أن تجيب الدعوة، وأن تحضر إلى مكان الدعوة، ولكن لا يجب الأكل، والدليل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم كما تقدم: ( إذا دعي أحدكم فليجب، فإن شاء أكل وإن شاء ترك ) رواه مسلم في صحيحه من حديث جابر ، مما يدل على أن الأكل ليس واجبًا، وهذا قول جمهور أهل العلم رحمهم الله تعالى.

وذهب بعض الشافعية إلى وجوب الأكل؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم كما تقدم في حديث أبي هريرة : ( وإن كان مفطرًا فليطعم ) وهذا أمر، والأمر يقتضي الوجوب.

ويظهر -والله أعلم- أن يقال في مثل هذه المسألة: إن كان عدم الأكل سيدخل الوحشة والحزن في نفس صاحب الوليمة فإنه يأكل، وإن كان لا يتضمن شيئًا من ذلك، فإنه لا يجب عليه أن يأكل.

قال رحمه الله: (وإباحته تتوقف على صريح إذنٍ أو قرينة).

يعني: إباحة الأكل تتوقف على صريح إذنٍ أو قرينة، فيباح إذا وجد الإذن الصريح كأن يقول: كلوا ونحو ذلك من العبارات، أو قرينة كأن تقوم قرينة على أن الداعي أذن في الأكل، كما لو قدم الطعام وتعارف الناس على أن تقديم الطعام إذن في الأكل.

حضور الوليمة مع وجود المنكرات

قال رحمه الله: (وإن علم أن ثم منكرًا يقدر على تغييره حضر وغيّره وإلا أبى).

يعني: إذا كان في مكان الوليمة منكر، كالضرب بالطبول أو الغناء ونحو ذلك فهذا لا يخلو من أمرين:

الأمر الأول: أن يقدر على التغيير فيحضر ويغير، لسببين:

السبب الأول: لإنكار المنكر؛ لحديث أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان ).

والسبب الثاني: لإجابة الدعوة، وهذا إذا كان يقدر على التغيير.

والأمر الثاني: إن كان لا يقدر على التغيير فإنه لا يحضر؛ لأن الإنكار مراتب: باليد، ثم اللسان، ثم القلب: والإنكار بالقلب هو أن يفارق محل المنكر، ويدل لذلك قول الله عز وجل: وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ [الأنعام:68] فلا يكفي إذا أردت أن تنكر بالقلب أن تكره هذا المنكر فقط، بل لا بد أن تفارق محل المنكر.

قال رحمه الله: (وإن علم أن ثم منكرًا يقدر على تغييره حضر وغيره وإلا أبى، وإن حضر ثم علم به أزاله، فإن دام لعجزه انصرف).

يعني: إذا حضر وكان لا يعلم أن هناك منكرًا، ثم علم فيجب أن يزيله، فيغيره بيده، فإذا لم يستطع فبلسانه، بمناصحة صاحب الوليمة حتى يزيل المنكر، فإذا استمر المنكر فإنه ينصرف، وهذا هو التغيير بالقلب، ودليل ذلك ما سلف من قول الله عز وجل: وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ [النساء:140] ، وقال سبحانه وتعالى: وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ [الأنعام:68] .

قال رحمه الله: (وإن علم به ولم يره ولم يسمعه خير).

يعني: إذا علم أن هناك منكرًا لكنه في المكان الثاني، ولنفرض أن مكان الوليمة فيه مكانان: فمكان ليس فيه منكر، والمكان الآخر فيه منكر، فمثلًا: الأسفل ليس فيه منكر، والأعلى فيه منكر، فما دام أنه في الأسفل لا يرى المنكر، ولا يسمعه فهو مخير، إن شاء جلس؛ لأنه لا يرى المنكر ولا يسمعه، وإن شاء انصرف؛ لأن هذا المكان فيه منكر، وهذا هو المشهور من المذهب، والرواية الثانية عن الإمام أحمد رحمه الله: أن ينصرف.

والصواب في ذلك أن يقال: إذا علم أن هناك منكرًا وإن لم يره ولم يسمعه فإذا كان يستطيع أن ينكر بيده فيجب عليه أن ينكر، وإن لم يتمكن إلا من الإنكار بلسانه فيجب عليه، وأما الانصراف فيظهر -والله أعلم- ما دام أنه بعيد عن المنكر، والمجلس الذي هو فيه ليس فيه منكر.

أنه مخير بين الجلوس والانصراف.

حكم النثار والتقاطه

قال رحمه الله: (ويكره النثار والتقاطه).

النثار: هو ما ينثر على الحاضرين من مال أو ثمر أو حلوى ونحو ذلك، وهذا كان يوجد في الزمن السابق وربما يوجد في بعض البلاد، فإذا كان في وليمة العرس فإنه ينثر شيئاً من المال ويلتقطه الناس، أو ينثر شيئاً من الحلوى أو شيئاً من الأمتعة ونحو ذلك، فحكم هذا النثار هو الكراهة، وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد وبه قال الإمام مالك ، ويدل لهذا ما ثبت في صحيح البخاري : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن النهبى والمثلة ) ولا شك أن النثار سيترتب عليه تناهب وتزاحم وفقد المروءة ونحو ذلك.

الرأي الثاني: أن النثار جائز ولا بأس به، وهذا مذهب الحنفية والشافعية، واستدلوا على ذلك: ( بأن النبي صلى الله عليه وسلم نحر خمس بدنات أو ست بدنات، قربهن ثم قال: من شاء اقتطع ) وهذا رواه الإمام أحمد وأبو داود وصححه ابن حبان ، وهذا نوع من النثار.

والأقرب في هذه المسألة: هو ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله تعالى، إن لم نقل بالحرمة، يعني: إذا كان يترتب عليه فساد كبير من إتلاف الأموال والأطعمة ونحو ذلك، وقد يترتب عليه شيء من التقاتل ونحو ذلك، فهو محرم، لكن إذا كان لا يترتب عليه شيء من ذلك فإنه يكره، وأما ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم من نحر خمس بدنات ثم قال: ( من شاء اقتطع ) فهذا ليس فيه نثار، بل فيه إباحة للاقتطاع من لحم هذه النوق.

قال رحمه الله تعالى: (ومن أخذه أو وقع في حجره فله).

لأن مالكه قصد تمليكه، ومن أخذه فقد تملكه وحازه.

إعلان النكاح

قال رحمه الله: (ويسن إعلان النكاح).

يعني: إظهار النكاح سنة، وعلى هذا لو أن النكاح لم يظهر وتواصوا بأن يكون سرًا، فإن هذا جائز ولا بأس به، وهذا هو المشهور من المذهب؛ لأن عقد النكاح قد اشتمل على أركانه وشروطه فيكون صحيحًا.

الرأي الثاني: أن إعلان النكاح واجب، ويدل لذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حديث عائشة : ( أعلنوا النكاح ) وفي لفظ: ( أظهروا النكاح ) وهو في سنن الترمذي وابن ماجه ، وله شاهد من حديث جابر في مسند أحمد وابن حبان ، فالنبي صلى الله عليه وسلم أمر بإعلان النكاح.

وأيضًا مما يدل على الوجوب: أن ذلك يفرق بين النكاح الذي أباحه الله عز وجل والسفاح الذي حرمه الله عز وجل، فالسفاح الذي حرمه الله عز وجل لا يكون ظاهرًا وإنما يكون خفيًا، وأما النكاح الذي أباحه الله عز وجل، فإنه يكون ظاهرًا ويعلن به، وقد تقدم أن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقول: إذا وجد إشهاد ولم يوجد إعلان ففي صحة النكاح نظر، فيظهر -والله أعلم- وهو الأحوط: وجوب أن يعلن النكاح.

ويكون إعلان النكاح وإظهاره بكل ما دل العرف على أنه إعلان كفتح الأنوار، وإشاعة العقد بين الناس والتحدث به، ووضع وليمة العرس والدعوة إليها .. إلى آخره، فهذا كله من إعلان النكاح، والشارع أمر بالإعلان ولم يقيده بشيء.

قال رحمه الله: (والدف فيه للنساء).

يعني: أن الضرب بالدف للنساء سنة في النكاح، ويدل لذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( فصل ما بين الحلال والحرام الصوت والدف في النكاح ) رواه النسائي ، وحديث عائشة لما زفوا امرأةً من الأنصار إلى زوجها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( ألا بعثتم معها من يضرب بالدف، فإن الأنصار يعجبهم اللهو ) أو كما قال النبي صلى الله عليه وسلم.

ويشترط في الدف: أن لا يكون له حلق ولا صنوج، فإذا كان له حلق أو صنوج فإنه لا يجوز.

وقول المؤلف رحمه الله تعالى: (للنساء) يؤخذ منه أن الدف لا يكون للرجال، وهذا هو المشهور من المذهب وهو مذهب الحنفية، ودليلهم على ذلك: أن الضرب بالدف إنما ورد للنساء فقط، ولم يرد للرجال الضرب بالدف، يعني: لم يعهد عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم ومن تبعهم بإحسان الضرب بالدف للرجال.

والرأي الثاني رأي المالكية والشافعية: أن الدف كما يكون للنساء فيكون أيضًا للرجال، واستدلوا على هذا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( أعلنوا النكاح واضربوا عليه بالدف ) وهذا الخطاب للرجال.

لكن الذي يظهر -والله أعلم- هو الرأي الأول وهو أن الدف خاص بالنساء؛ لأن مثل هذه الأعمال إنما تليق بالنساء، وكما تقدم أنه لم يحفظ عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم أنهم كانوا يضربون بالدف، وإنما المحفوظ عن النساء فقط، وكون الخطاب في الحديث للرجال لا يمنع أن يكون الحكم خاصًا بالنساء؛ لأن الرجل هو القائم على المرأة وهو الذي سيعلمها ويبين لها.

والدف: إطار خشبي يغطى بالجلد من جهة واحدة. والدف قد ورد استعماله في أربعة مواضع:

الموضع الأول: في النكاح كما هنا.

والموضع الثاني: عند قدوم الغائب؛ لما روى بريدة : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم لما رجع من بعض مغازيه جاءت جارية سوداء، فقالت: يا رسول الله! إني نذرت إن ردك الله سالمًا أن أضرب بين يديك بالدف، فقال: إن كنت نذرت فأوف بنذرك ) وهذا رواه الترمذي وصححه.

الموضع الثالث: في الأعياد.

والموضع الرابع: عند الختان؛ لورود ذلك عن عمر رضي الله تعالى عنه.

ويؤخذ من قول المؤلف رحمه الله: (يسن إعلان النكاح.. والدف فيه للنساء) أن الذي يرخص فيه من آلات اللهو إنما هو الدف، وأما ما عدا ذلك من آلات اللهو فإنه لا يرخص فيه، يعني: المرخص فيه في النكاح وفي غيره كما تقدم في المواضع إنما هو الدف، أما ما عدا ذلك من بقية آلات اللهو فإن الفقهاء رحمهم الله تعالى لا يرخصون في ذلك، بل يقولون: تحرم كل ملهاة، مزمار، طنبور، وعود ونحو ذلك، والأدلة على تحريم الغناء كثيرة، من ذلك قول الله عز وجل: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ [لقمان:6] وهذا كما ورد عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه: أنه الغناء، وأقسم على ذلك ثلاث مرات، وفي البخاري معلقًا من حديث أبي مالك الأشعري : ( ليكونن أقوام من أمتي يستحلون الحر والحرير والمعازف ) وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أيضاً: الدف حرام، والمعازف حرام، والمزمار حرام، والكوبة حرام إلى آخره، والله سبحانه وتعالى يقول: وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ [الإسراء:64]، وقد فسر كثير من المفسرين قوله: بِصَوْتِكَ [الإسراء:64] بأن المراد به الغناء، ولأن الغناء كما ذكر ابن القيم بريد الزنا، وإذا كان الزنا محرمًا، فما كان وسيلةً إليه فإنه محرم، وذكر ابن القيم رحمه الله من مفاسد الغناء: أنه ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل، فدل ذلك على أنه محرم، وكان عمر رضي الله تعالى عنه إذا سمع صوت الدف بعث من ينظر، فإن كان في وليمة عرس سكت، وإلا خرج بالدرة، وهذا مما يدل على أن الدف يمنع إلا فيما تقدم الترخيص فيه.

وإذا أردنا أن نبحث عن ما يتعلق بالغناء فنرجع إلى باب وليمة العرس، حيث يتكلم العلماء رحمهم الله عن حكم الغناء، وسبق أن أشرنا إلى شيءٍ من ذلك.

ثم قال رحمه الله: (ومن صومه واجب دعا وانصرف، والمتنفل يفطر إن جبر).

يعني: إذا دعي وهو صائم فإن هذا لا يخلو من أمرين:

الأمر الأول: أن يكون الصوم واجبًا كالقضاء والنذر فإذا دعي هذا للوليمة فإنه يحضر، وهذا الحضور واجب؛ لأنهم يرون أن الإجابة إلى الوليمة واجبة كما سلف، ولكنه لا يفطر، ولهذا قال المؤلف رحمه الله تعالى: (دعا)، يعني: دعا لصاحب للزوجين ونحو ذلك، ويدعو هنا استحبابًا لحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا دعي أحدكم فليجب، فإن كان صائمًا فليدع، وإن كان مفطرًا فليطعم ) رواه مسلم في صحيحه، ثم ينصرف ولا يأكل؛ لأنه لا يجوز له أن يبطل الواجب لغير عذر؛ لقول الله سبحانه وتعالى: وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ [محمد:33] ، ويدعو كما ذكر المؤلف رحمه الله.

قال رحمه الله تعالى: (والمتنفل يفطر إن جبر).

هذا هو الأمر الثاني: أن يكون صومه نفلًا، وفيه تفصيل: إن جبر قلب صاحب الوليمة، بمعنى: أدخل على قلبه السرور والفرح عندما يأكل فالسنة أن يفطر؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي سعيد لما رأى رجلًا معتزلًا وقال: إني صائم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( دعاكم أخوكم وتكلف لكم، صم يومًا مكانه إن شئت ) وهذا في سنن البيهقي وحسنه الحافظ ابن حجر .

وأما إن كان الأمر عند صاحب الوليمة سيان فيبقى على صيامه؛ لأن الأصل عدم إبطال العبادة؛ لقول الله سبحانه وتعالى: وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ [محمد:33].




استمع المزيد من الشيخ الدكتور خالد بن علي المشيقح - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح زاد المستقنع - كتاب الطهارة [17] 2814 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب النكاح [13] 2724 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب المناسك [5] 2674 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [19] 2639 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب البيع [26] 2636 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [32] 2554 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الأيمان [2] 2549 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الحدود [7] 2524 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الإيلاء [1] 2518 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [8] 2493 استماع