شرح زاد المستقنع - كتاب النكاح [8]


الحلقة مفرغة

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ فصل في النوع الثاني من الشروط الفاسدة: وإن شرط أن لا مهر لها أو لا نفقة، أو أن يقسم لها أقل من ضرتها أو أكثر، أو شرط فيه خيارًا، أو إن جاء بالمهر في وقت كذا وإلا فلا نكاح بينهما، بطل الشرط وصح النكاح.

وإن شرطها مسلمةً فبانت كتابية، أو شرطها بكرًا أو جميلةً أو نسيبةً، أو نفي عيب لا ينفسخ به النكاح، فبانت بخلافه فله الفسخ، وإن عتقت تحت حرٍ فلا خيار لها بل تحت عبد.

فصل في العيوب في النكاح: ومن وجدت زوجها مجبوبًا، أو بقي له ما لا يطأ به فلها الفسخ، وإن ثبتت عنته بإقراره أو ببينة على إقراره، أجل سنة منذ تحاكمه].

شرعنا فيما سلف في الشروط في النكاح، وذكرنا أن الشروط في النكاح تنقسم إلى قسمين: شروط صحيحة، وشروط فاسدة، والشروط الفاسدة تنقسم إلى قسمين: شروط فاسدة مفسدة للعقد، وشروط فاسدة لا تفسد العقد.

وتقدم أن من الشروط الفاسدة: نكاح الشغار، ونكاح المتعة، ونكاح التحليل، وتعليق عقد النكاح.

وتقدم أن نكاح المتعة له صور ذكرها المؤلف رحمه الله فقال: (أو إذا جاء غد فطلقها، أو وقته بمدة) كما لو قال: زوجتك لمدة شهرٍ أو شهرين ونحو ذلك، فهذا من نكاح المتعة، وأهل السنة مجمعون على تحريم نكاح المتعة، ويدل لذلك قول سمرة رضي الله تعالى عنه: ( أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمتعة عام الفتح حين دخلنا مكة، ثم لم يخرج حتى نهانا عنها ) أخرجه مسلم في صحيحه.

وهل المتعة حرمت بعد أن أبيحت ثم بعد ذلك أبيحت، ثم حرمت؟ يعني: هل حرمت مرتين، أو حرمت مرةً واحدة؟ للعلماء رحمهم الله في ذلك رأيان:

الرأي الأول وهو قول الشافعي رحمه الله: أن المتعة حرمت مرتين.

والرأي الثاني رأي ابن القيم رحمه الله تعالى: أن المتعة إنما حرمت مرةً واحدة، وذلك عام الفتح، وهذا هو الصواب: أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما نهى عنها عام الفتح، وأنه لم يثبت أنه أباحها بعد أن كانت محرمة، وإنما كانت مباحةً ثم حرمها صلى الله عليه وسلم بعد ذلك عام الفتح.

وأما ما جاء في حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن متعة النساء وعن لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر ) فالتبس على البعض وظن أن النهي عن المتعة وعن لحوم الحمر الأهلية جميعًا وقع يوم خيبر، والصواب في هذه المسألة: هو أن التحريمين كانا منفصلين، فقوله: ( نهى عن متعة النساء ) هذا منفصل، وقوله: ( وعن لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر ) هذا متصل، فقوله: (يوم خيبر) راجع إلى ما يتعلق بلحوم الحمر الأهلية ولا يرجع إلى قوله: ( متعة النساء ) كما ظن بعض الرواة، فالصواب في هذه المسألة: أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما حرمها مرةً واحدة.

النكاح بنية الطلاق

والصورة الثالثة من صور المتعة: النكاح بنية الطلاق، وذلك بأن يتزوج بنية أنه متى خرج فإنه يطلق، أو أن يتزوج وسيطلق بعد شهرٍ أو شهرين ونحو ذلك، وللعلماء رحمهم الله في ذلك ثلاثة آراء:

الرأي الأول وهو المشهور من مذهب الحنابلة رحمهم الله: يرون أنه من نكاح المتعة، وعلى هذا يكون حكمه حكم الزنا.

والرأي الثاني رأي الأئمة الثلاثة: أنه جائز ولا بأس به، ومنهم من ينص على الكراهة.

والرأي الثالث: أنه محرم ولا يجوز، لكنه ليس من نكاح المتعة.

فالذين قالوا بأنه من نكاح المتعة كما هو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله، استدلوا بحديث عمر رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئٍ ما نوى )، فما دام أنه نوى الطلاق فهو كما لو شرط الطلاق يصبح نكاح متعة، وكذلك إذا نواه.

ونظير ذلك ما تقدم: أن المحلل إذا نوى التحليل فإن النية معتبرة، كما لو شرط عليه الطلاق بعد التحليل، فكما أن النية معتبرة في التحليل وتكون كالشرط، فكذلك أيضاً نية الطلاق معتبرة فتكون كالشرط.

والذين قالوا بأنه جائز، قالوا بأنه ورد عن الحسن بن علي رضي الله تعالى عنه أنه كان مزواجًا وكان مطلاقًا، يعني: كان يتزوج كثيرًا ويطلق كثيرًا، وقالوا أيضاً بأن العنين يتزوج وزواجه صحيح مع أن المرأة ستفسخ منه ولا أحد يقول بأن زواج العنين ليس زواجًا صحيحًا، مع أنه يعلم أنه ستفسخ منه المرأة أو ستطلق منه المرأة.

وكذلك قالوا بأن الرقيق يتزوج الأمة وربما أنها تعتق، وإذا عتقت فإن لها حق الخيار، إلى آخره.

والذين قالوا: بأنه محرم ولا يجوز لكن لا يعتبر من المتعة، قالوا بأن هذا فيه غش وتدليس على المرأة، ولا يرضاه لموليته، فكيف يرضاه لغيره، وفي حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه )، ويظهر -والله أعلم- أن هذا القول وسط في هذه المسألة، وأما القول بأنه مباح أو أنه مكروه، فهذا يظهر -والله أعلم- أنه قول ضعيف.

وأما القول بأن الحسن رضي الله تعالى عنه كان مزواجًا، أي أنه يتزوج ويطلق، فلا يقطع بأن الحسن رضي الله تعالى عنه كان ينوي الطلاق، وأين الدليل على أنه نوى الطلاق؟ وربما أنه يتزوج بنية الاستمرار ثم يبدو له أن يطلق، فليس هناك دليل على أنه يجوز له نية الطلاق.

وأما القول بالنسبة للمعيب وبالنسبة للأمة تتزوج، وربما أنها تفسخ، فنقول: بأن النية هنا غير موجودة، فربما أنها تستمر وربما أنها لا تفسخ منه، وإلا فكل نكاح ربما يحدث فيه طلاق، وما أحد يقول بأن النكاح إذا حصل فلا طلاق، فكل زوج يرى في قرارة نفسه أن زوجته إذا لم تستقم ولم تحسن العشرة ونحو ذلك فإنه سيطلقها ويبحث عن غيرها، فلا فرق بين هذه المسألة وهذه المسألة، بخلاف مسألتنا فإنه تزوج على نية الطلاق وهذا فرق بين المسألتين.

النكاح السياحي

فالذي يظهر -والله أعلم- أن القول الثالث وسط بين القولين، وأنه محرم لما فيه من التدليس، ولكن لا بد أن نفهم أيضاً أن هذه المسألة أعني: النكاح بنية الطلاق، كانت موجودة في الزمن السابق، حيث كان الرجل يسافر ويغترب، ثم يتزوج وقد يستمر وقد يطلق، ليس هناك حواجز نظامية أو سياسية أو نحو ذلك تمنعه من الطلاق، أما الموجود الآن في النكاح بنية الطلاق الذي يسلكه بعض الناس بأن يسافر إلى البلاد الفلانية والبلاد الفلانية من أجل أن يتزوج لمدة أسبوع أو أسبوعين أو شهر أو نحو ذلك، ثم يطلق بعد ذلك، فهذا لا شك أنه من المتعة وأنه داخل في الزنا؛ لأن مثل هذا الشخص الذي لا يسأل عن المرأة ولا عن حسبها ولا نسبها، ولا عن عفتها، وربما أنها طلقت بالأمس وهي في العدة ثم يتزوجها، وهذا حاصل.

ولهذا الذين يقعون في مثل هذا الزواج وقعوا في الأمراض التي يقارفها أصحاب الفواحش نسأل الله السلامة. وقد أفادني بعض الأطباء أن الأمراض التي بسبب الفواحش تتوالد بسبب اختلاط المياه وكثرتها، بخلاف النكاح الشرعي الذي شرعت فيه العدة، فالزوج إذا طلق تمكث المرأة ثلاث حيض أو ثلاثة أشهر ونحو ذلك حتى يبتعد الماء السابق، أما هنا فيحصل اختلاط للمياه، فتتولد مثل هذه الأمراض.

فأقول: فرق بين الصورتين، فإذا كانت الصورة كالصورة الموجودة في الزمن السابق من أن إنساناً غريباً أو نحو ذلك يتزوج، وربما أنه استمر، وربما طلق فهذه المسألة هي التي تكلم عليها العلماء، أما الآن فتجد أن هناك حواجز كثيرة تمنعه من الاستمرار في هذا النكاح فهو قطعًا مطلق، فهذه صورة من صور المتعة.

والصورة الثالثة من صور المتعة: النكاح بنية الطلاق، وذلك بأن يتزوج بنية أنه متى خرج فإنه يطلق، أو أن يتزوج وسيطلق بعد شهرٍ أو شهرين ونحو ذلك، وللعلماء رحمهم الله في ذلك ثلاثة آراء:

الرأي الأول وهو المشهور من مذهب الحنابلة رحمهم الله: يرون أنه من نكاح المتعة، وعلى هذا يكون حكمه حكم الزنا.

والرأي الثاني رأي الأئمة الثلاثة: أنه جائز ولا بأس به، ومنهم من ينص على الكراهة.

والرأي الثالث: أنه محرم ولا يجوز، لكنه ليس من نكاح المتعة.

فالذين قالوا بأنه من نكاح المتعة كما هو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله، استدلوا بحديث عمر رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئٍ ما نوى )، فما دام أنه نوى الطلاق فهو كما لو شرط الطلاق يصبح نكاح متعة، وكذلك إذا نواه.

ونظير ذلك ما تقدم: أن المحلل إذا نوى التحليل فإن النية معتبرة، كما لو شرط عليه الطلاق بعد التحليل، فكما أن النية معتبرة في التحليل وتكون كالشرط، فكذلك أيضاً نية الطلاق معتبرة فتكون كالشرط.

والذين قالوا بأنه جائز، قالوا بأنه ورد عن الحسن بن علي رضي الله تعالى عنه أنه كان مزواجًا وكان مطلاقًا، يعني: كان يتزوج كثيرًا ويطلق كثيرًا، وقالوا أيضاً بأن العنين يتزوج وزواجه صحيح مع أن المرأة ستفسخ منه ولا أحد يقول بأن زواج العنين ليس زواجًا صحيحًا، مع أنه يعلم أنه ستفسخ منه المرأة أو ستطلق منه المرأة.

وكذلك قالوا بأن الرقيق يتزوج الأمة وربما أنها تعتق، وإذا عتقت فإن لها حق الخيار، إلى آخره.

والذين قالوا: بأنه محرم ولا يجوز لكن لا يعتبر من المتعة، قالوا بأن هذا فيه غش وتدليس على المرأة، ولا يرضاه لموليته، فكيف يرضاه لغيره، وفي حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه )، ويظهر -والله أعلم- أن هذا القول وسط في هذه المسألة، وأما القول بأنه مباح أو أنه مكروه، فهذا يظهر -والله أعلم- أنه قول ضعيف.

وأما القول بأن الحسن رضي الله تعالى عنه كان مزواجًا، أي أنه يتزوج ويطلق، فلا يقطع بأن الحسن رضي الله تعالى عنه كان ينوي الطلاق، وأين الدليل على أنه نوى الطلاق؟ وربما أنه يتزوج بنية الاستمرار ثم يبدو له أن يطلق، فليس هناك دليل على أنه يجوز له نية الطلاق.

وأما القول بالنسبة للمعيب وبالنسبة للأمة تتزوج، وربما أنها تفسخ، فنقول: بأن النية هنا غير موجودة، فربما أنها تستمر وربما أنها لا تفسخ منه، وإلا فكل نكاح ربما يحدث فيه طلاق، وما أحد يقول بأن النكاح إذا حصل فلا طلاق، فكل زوج يرى في قرارة نفسه أن زوجته إذا لم تستقم ولم تحسن العشرة ونحو ذلك فإنه سيطلقها ويبحث عن غيرها، فلا فرق بين هذه المسألة وهذه المسألة، بخلاف مسألتنا فإنه تزوج على نية الطلاق وهذا فرق بين المسألتين.

فالذي يظهر -والله أعلم- أن القول الثالث وسط بين القولين، وأنه محرم لما فيه من التدليس، ولكن لا بد أن نفهم أيضاً أن هذه المسألة أعني: النكاح بنية الطلاق، كانت موجودة في الزمن السابق، حيث كان الرجل يسافر ويغترب، ثم يتزوج وقد يستمر وقد يطلق، ليس هناك حواجز نظامية أو سياسية أو نحو ذلك تمنعه من الطلاق، أما الموجود الآن في النكاح بنية الطلاق الذي يسلكه بعض الناس بأن يسافر إلى البلاد الفلانية والبلاد الفلانية من أجل أن يتزوج لمدة أسبوع أو أسبوعين أو شهر أو نحو ذلك، ثم يطلق بعد ذلك، فهذا لا شك أنه من المتعة وأنه داخل في الزنا؛ لأن مثل هذا الشخص الذي لا يسأل عن المرأة ولا عن حسبها ولا نسبها، ولا عن عفتها، وربما أنها طلقت بالأمس وهي في العدة ثم يتزوجها، وهذا حاصل.

ولهذا الذين يقعون في مثل هذا الزواج وقعوا في الأمراض التي يقارفها أصحاب الفواحش نسأل الله السلامة. وقد أفادني بعض الأطباء أن الأمراض التي بسبب الفواحش تتوالد بسبب اختلاط المياه وكثرتها، بخلاف النكاح الشرعي الذي شرعت فيه العدة، فالزوج إذا طلق تمكث المرأة ثلاث حيض أو ثلاثة أشهر ونحو ذلك حتى يبتعد الماء السابق، أما هنا فيحصل اختلاط للمياه، فتتولد مثل هذه الأمراض.

فأقول: فرق بين الصورتين، فإذا كانت الصورة كالصورة الموجودة في الزمن السابق من أن إنساناً غريباً أو نحو ذلك يتزوج، وربما أنه استمر، وربما طلق فهذه المسألة هي التي تكلم عليها العلماء، أما الآن فتجد أن هناك حواجز كثيرة تمنعه من الاستمرار في هذا النكاح فهو قطعًا مطلق، فهذه صورة من صور المتعة.

قال رحمه الله تعالى: (فصل: وإن شرط أن لا مهر لها، أو لا نفقة، أو أن يقسم لها أقل من ضرتها أو أكثر أو شرط فيه خيارًا).

هذا هو النوع الثاني من الشروط الفاسدة التي لا تفسد النكاح على ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله تعالى، وقد ذكر أنواعًا منه، وسبق أن ذكرنا ضابط الشرط الفاسد المفسد، وضابط الشرط الفاسد غير المفسد.

شرط إسقاط المهر

قال المؤلف: (وإن شرط أن لا مهر لها).

يعني: إذا شرط فقال: أنا أتزوج هذه المرأة لكن بلا مهر، فهذا شرط فاسد غير مفسد للعقد، بمعنى: أنه يجب لها المهر بالعقد، والعقد صحيح وهذا قول جمهور العلماء رحمهم الله تعالى.

والرأي الثاني وهو ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: هو أنه شرط فاسد مفسد لعقد النكاح؛ لأن الله عز وجل اشترط لحل المرأة أن يبتغي بماله، قال سبحانه وتعالى: أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ [النساء:24]، ولأنه إذا شرط ألا مهر لها يكون متشبهًا بالنبي صلى الله عليه وسلم فيما هو من خصائصه، فإن الزواج بالهبة من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ [الأحزاب:50]، وليس لأحدٍ أن يتشبه بالنبي صلى الله عليه وسلم فيما هو من خصائصه، فـشيخ الإسلام يرى أنه فاسد مفسد، وعلى هذا؛ فهذا النوع يلحق بالنوع الأول، ويكون من أنواع الشروط الفاسدة المفسدة، ولكن الجمهور يقولون بأن هذا شرط فاسد لا يفسد العقد؛ لأنه لا يخالف مقتضى العقد.

شرط إسقاط النفقة

قال رحمه الله تعالى: (أو ألا نفقة لها).

إذا شرط ألا نفقة للمرأة، وهذا يحصل اليوم فيما يسمى بزواج المسيار، فإذا تزوج امرأةً وشرط عليها ألا ينفق عليها فهذا شرط فاسد؛ لأنه يخالف مقتضى العقد؛ لأن مقتضى العقد أن تنفق على المرأة، لكنه لا يفسد العقد، وهذا قول جمهور العلماء رحمهم الله.

والرأي الثاني في المسألة: أنه شرط صحيح؛ لأن المسلمين على شروطهم، وكما سلف أن الأصل في الشروط في العقود الصحة، وقد تكون المرأة غنية ليست بحاجة إلى نفقة، أو تكون عاملة ليست بحاجة إلى نفقة، لكنها بحاجة إلى زوجٍ يقوم على ولايتها ويتولى أمرها، وهي بحاجة إلى أن تنجب ولدًا ونحو ذلك، وهذا القول، يعني: القول الثاني يظهر -والله أعلم- أنه قوي، وأنه أقوى من القول السابق.

شرط عدم المساواة مع الضرة في القسم

قال رحمه الله: (أو أن يقسم لها أقل من ضرتها).

الكلام في هذا الشرط كالكلام في الشرط السابق، فإذا شرط أن يقسم لها أقل من ضرتها، فقال مثلًا: لك ليلة ولزوجتي الأولى ليلتان، أو لزوجتي الأولى ثلاث ليال، فأكثر أهل العلم يرون أن هذا شرط فاسد؛ لأن مقتضى العقد أن يسوي بين زوجاته.

والرأي الثاني: أنه شرط صحيح؛ لأن الأصل في العقود الصحة، ولأن المرأة قد تتنازل عن بعض الشيء، وتدرك بعض الشيء، وما لا يدرك كله لا يترك كله، وهذا كما سلف لنا يدخل فيما يسمى بزواج المسيار؛ لأن زواج المسيار قد يشترط الزوج على الزوجة أن يكون لها ليلة في الأسبوع أو لها ليلتان أو نحو ذلك.

قال رحمه الله: (أو أكثر).

الغالب أن الشرط هنا يأتي من المرأة، إذا شرطت المرأة أن يقسم لها زوجها أكثر من ضرتها، فقالت: نعم أتزوج، لكن بشرط أن تقسم لي أكثر من زوجتك الأولى، كأن تقسم للأولى ليلةً وتقسم لي ليلتين، فالمشهور من المذهب وهو قول أكثر أهل العلم: أن هذا شرط فاسد، ويدل لذلك حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا تسأل المرأة طلاق أختها لتكفأ صحفتها ) خرجاه في الصحيحين، فقالوا بأن هذا شرط فاسد؛ لأنه مخالف لقول النبي صلى الله عليه وسلم، ولما فيه من الظلم والاعتداء على المرأة الأولى.

ونظير هذا: إذا شرطت طلاق ضرتها فإنه شرط فاسد كما سلف.

والرأي الثاني: أنه شرط فاسد مفسد، وقد ذهب إليه بعض الشافعية وبعض الحنابلة، لكن الذي يظهر -والله أعلم- أنه شرط فاسد غير مفسد؛ لأنه لا يعود إلى ركن أو إلى شرط العقد بالإخلال، حتى نقول بأنه شرط فاسد مفسد.

شرط الخيار

قال رحمه الله: (أو شرط فيه خيارًا).

يعني: لو قال مثلًا: لي الخيار لمدة يومين، أو قالت المرأة: أشترط الخيار لمدة يومين أو ثلاثة أيام أو نحو ذلك، فجمهور العلماء رحمهم الله على أن شرط الخيار لا يصح؛ لأن عقد النكاح لازم فلا يصح فيه شرط الخيار، ولما يترتب على ذلك من المفسدة، فإن الحرة تبتذل ثم ترد، يعني: يتزوج وقد يطأ ثم يردها فيفسخ.

والرأي الثاني اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: أن شرط الخيار صحيح، وسبق أن ذكرنا أن شيخ الإسلام يقول بصحة شرط الخيار في سائر العقود، وأدلة هذا هي أدلة سائر الشروط في العقود، والأصل في ذلك الصحة؛ ولأن فيه مصلحة، أما الزوج فإنه إذا فسخ فلا يعتبر مطلاقًا عند الناس، ولا ينقص عليه عدد الطلقات، أما الزوجة فمصلحتها ظاهرة؛ لأن الزوجة لا تملك الطلاق، فإذا اشترط أن لها الخيار فلعل هذا الزوج أن يكون سيء الخلق أو ناقص الدين ونحو ذلك، فاشتراط الخيار لها فيه مصلحة ظاهرة.

فالذي يظهر -والله أعلم- هو ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله من صحة اشتراط الخيار.

قال رحمه الله: (أو جاء بالمهر في وقت كذا، وإلا فلا نكاح بينهما بطل الشرط).

هذا الاشتراط نوع من أنواع تعليق عقد النكاح، وسبق أن تكلمنا على تعليق العقود، وأن العلماء رحمهم الله اختلفوا في ذلك على قولين.

شروط مقصودة للزوج لا تخالف مقتضى العقد

قال رحمه الله: (وإن شرطها مسلمةً فبانت كتابيةً، أو شرطها بكرًا أو جميلةً أو نسيبةً أو نفي عيبٍ لا ينفسخ به النكاح، فبانت بخلافه فله الفسخ).

لأن هذا مخالف لمقتضى الشرط، قال لك المؤلف: إذا شرطها مسلمة، فلو تزوجها بشرط أن تكون مسلمةً ثم تبين أنها نصرانية أو يهودية، فالعقد صحيح؛ لأن المسلم له أن يعقد على اليهودية والنصرانية ونحو ذلك، فحكم العقد صحيح، لكن له الفسخ لتخلف الشرط.

وإذا شرطها بكرًا ثم تبين أنها ثيب، فالعقد صحيح، لكن له الفسخ؛ لتخلف الشرط، (أو جميلة) كذلك ، (أو نسيبة) يعني: ذات نسب، (أو نفي عيبٍ لا ينفسخ به النكاح)، وسيأتينا أن العيوب التي ينفسخ بها النكاح معدودة، أعني: يعددونها، وعلى هذا فلو شرط نفي عيب لا ينفسخ به النكاح، يعني: شرطها سميعة أو بصيرة أو ليست مقطوعة اليد وليست مقطوعة الرجل، ثم تبين أنها لا تسمع أو لا تبصر، أو أنها مقطوعة اليد أو مقطوعة الرجل، فله حق الفسخ؛ لتخلف الشرط؛ لأن كون المرأة لا تسمع أو لا تبصر، أو مقطوعة اليد أو أنها مقطوعة الرجل، هذه عيوب لا يثبت بها فسخ العقد ابتداء على المذهب، بل فسخ العقد بعيوب محددة معدودة كما سيأتينا إن شاء الله، أما إذا شرط فقال: أشترط أن تكون سميعةً، بصيرةً، كاملة الأعضاء ونحو ذلك، ثم تبين أنها ليست سميعة أو ليست بصيرة أو نحو ذلك، فله حق الفسخ، لكن لو أنه لم يشترط هذه الأشياء، يعني: تزوج هذه المرأة ولم يشترط أنها مسلمة، ثم بانت كتابية، فعلى كلام المؤلف ليس له حق الفسخ؛ وعلى هذا فإذا أردت أن تتزوج فقل: بشرط أن تكون مسلمة، لئلا تكون نصرانيةً أو يهوديةً، وإذا تبين أنها ثيب فليس له حق الفسخ على كلام المؤلف، وعلى هذا فقل إذا أردت أن تتزوج: بشرط أن تكون بكرًا، وإذا قلت ذلك ولم يعهد أنها تزوجت، فسيكون فتنة، ومثله لو أنه تزوج المرأة ووجدها لا تبصر أو لا تسمع، أو أنها مقطوعة اليد أو الرجل، أو مقطوعة الأصابع ونحو ذلك فليس له حق الفسخ؛ لأن هذه العيوب مما لا يفسخ به عقد النكاح ابتداءً، بل لابد أن تشترطها؛ وعلى هذا فإذا أردت أن تتزوج فقل: لا بد أن تكون سميعةً، بصيرةً، متكلمةً، ليست مقطوعة اليد، ليست مقطوعة الرجل إلى آخره، وهذا فيه مشكلة.

فالصحيح: أن مثل هذه الشروط لا يلزم أن يشترطها باللفظ، وإنما العرف يكفي في ذلك، فإذا تزوج من مجتمعٍ مسلم فالعرف يشترط أن تكون مسلمةً، وإذا كانت المرأة لم يعهد لها نكاح سابق فكأنه يشترط أن تكون بكرًا، ولا حاجة إلى أن يشترط ذلك لفظاً، وكذلك يقال: الأصل السلامة ولا حاجة إلى أن يشترط أن تكون سميعة، وأن تكون بصيرة إلى آخره.

فنقول: الصواب في هذه المسألة أنه لا حاجة إلى أن تشترط مثل هذه الشروط، وأنه يكتفى بالعرف.

فسخ الأمة نكاحها إذا عتقت

قال رحمه الله: (وإن عتقت تحت حرٍ فلا خيار لها بل تحت عبدٍ).

أي: إذا عتقت الأمة فإن هذا لا يخلو من أمرين:

الأمر الأول: أن يكون زوجها رقيقًا، فهذه يثبت لها الخيار باتفاق الأئمة، ويدل لذلك قصة بريرة رضي الله تعالى عنها، فإنها كما ذكرت عائشة رضي الله تعالى عنها: ( عتقت وكان زوجها عبدًا، فخيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو كان حرًا لم يخيرها ) رواه مسلم في صحيحه، فخير النبي صلى الله عليه وسلم بريرة بين زوجها مغيث وبين الفسخ فاختارت الفسخ، وقالت: ( يا رسول الله! تأمرني؟ قال: إنما أنا شافع، قالت: لا حاجة لي به )، وكان رضي الله تعالى عنه يحبها، وكان يمشي في أسواق المدينة خلفها ويبكي، ومع ذلك لم تقبل شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم.

القسم الثاني: أن يكون زوجها حرًا، فهذا موضع خلاف بين أهل العلم رحمهم الله، وللعلماء رحمهم الله في ذلك رأيان:

فجمهور أهل العلم على أنه ليس لها حق الفسخ، ودليل ذلك ما تقدم من قول عائشة رضي الله تعالى عنها: ( ولو كان حرًا لم يخيرها ) .

والرأي الثاني: أن لها حق الفسخ، وهذا رأي أبي حنيفة واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وابن القيم ، واستدلوا على ذلك بما في سنن النسائي أن زوجها كان حرًا، ومع ذلك خيرها النبي صلى الله عليه وسلم، لكن أكثر الرواة -وهو الصواب- على أن زوجها كان رقيقًا وليس حرًا، والعلة في كونها تختار هي فوات المكافأة، فإذا كان زوجها رقيقًا فاتت المكافأة؛ لأنها الآن قد أصبحت حرة فلا تكافؤ، وهذا ما عليه كثير من العلماء رحمهم الله؛ وعلى هذا فإذا كان زوجها حرًا فليس لها الخيار؛ لأن التكافؤ قد حصل، فهي حرة وهو حر فلا خيار، وهذا ما عليه كثير من أهل العلم.

وعلى الرأي الثاني ليست العلة هي المكافأة، وإنما العلة أنها قبل العتق مغلوبة على أمرها، وهي بعد العتق قد ملكت نفسها، فيثبت لها الخيار، وهذا المعنى ينطبق على ما إذا كان الزوج رقيقًا أو كان الزوج حرًا، وهو الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وابن القيم رحمه الله، وعلى هذا نقول العلة ليست فوات المكافأة لكنها كانت قبل ذلك مغلوبة على أمرها ولا تملك نفسها، وأما الآن فقد ملكت نفسها، فلها الحق في الفسخ، وهذا القول هو الصواب.

وعلى هذا نقول: بأنه يثبت لها الخيار إذا عتقت، سواء كان زوجها رقيقًا أو حرًا، ويسقط الخيار إذا وجد منها دليل الرضا إما بالقول كأن تقول: رضيت بزوجي ونحو ذلك، أو اخترت زوجي ونحو لك من العبارات، أو بالفعل كأن تمكنه من الاستمتاع والجماع، فهذا دليل على الرضا.

لكن إذا مكنته من ذلك وهي بقصد أن تستشير أو أن تستخير ونحو ذلك، فنقول بأن حقها لا يزال ثابتًا، ولها حق الفسخ.