جلسة رمضانية في البدائع


الحلقة مفرغة

نحمد الله تعالى حمداً كثيرا طيباً مباركاً فيه، كما يحب ويرضى،فهو مستحق الحمد وأهله، وهو أهل التقوى وأهل المغفرة: هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [الحديد:3].

أحبتي الكرام.. ربما لا يسمح وقت هذا الشهر الكريم بمزيدٍ من العناية بمثل هذه المجالس، ولكن حسبكم وأنتم تعكفون في مثل هذا المكان الطيب أن تسمعوا اسم الله جل جلاله، فتذكروه وتوقروه وتحمدوه وتكبروه، أو تسمعوا اسم نبيه محمد، فتصلوا وتسلموا عليه صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، فيكتب لكم بذلك أجر، ويرفع لكم به قدر، ويحط عنكم به وزر.. نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من الأبرار الأخيار الأطهار..

أيها الأحبة: هذه جلسة رمضانية في هذه الليلة، ليلة الثالث من رمضان -ليلة الجمعة- في هذا المسجد في البدائع، وهذه الجلسة الرمضانية -أيها الأحبة- سوف أتحدث فيها على عجل وإيجاز مراعاة لظروفكم وأوقاتكم عن عدد من الدروس التي لا بد أن يخرج بها المسلم في رمضان، ثم أدع الفرصة إذا كان ثمة أسئلة يرى عرضها وطرحها للإجابة عليها.

فأول ما يقف عنده الإنسان وهو يتسامع بخير شهر رمضان هو أن يتعجب من سرعة مرور الأيام والليالي وكرورها، فما أن يودع الإنسان شهراً حتى يستقبل آخر، ويطوي من ذلك أياماً ثم أسابيع ثم شهوراً، وإذا بالعام الثاني يأتي وكأنه لمحة بصر أو خطفة برق! فسبحان من يرث الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين..!

البرد يسلمك إلى حر، والحر يسلمك إلى برد، والعمل يسلمك إلى إجازة، والإجازة تسلمك إلى عمل، والشهر يسلمك إلى آخر، وهكذا أيام وليالٍ تمر وتكر، وإنما هي مراحل ينتقل الإنسان عبرها إلى قبره ومستقره إلى أن يأذن الله تعالى ببعث الناس من قبورهم: يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ [المطففين:6].

حب الحياة يورد الموارد المهلكة

أيها الأحبة: لو تأملنا لوجدنا أن حب الحياة أورد كثيرين الموارد المهلكة، فكم من إنسان تلجلجت كلمة الخير في فمه واحتجبت وتوقفت! بل ونطق وجهر بالباطل الذي يعلم هو في قرارة نفسه أنه باطل لا يرضي الله تعالى ولا رسوله صلى الله عليه وسلم، وأنه سيسخط عليه أيضاً عباد الله الصالحين، ولكنه نطق وربما جهر به، لا لشيء إلا تشبثاً بهذه الحياة وحباً لها.

وكم من إنسان فر من المعركة خوفاً من الموت، فقد تكون هذه المعركة معركة السلاح التي تتلاقى فيها السيوف ولها بريقٌ ولمعان، وتنـزف فيها الدماء، وتتطاير فيها الرءوس، فربما فر منها وهو يرجو الحياة والبقاء، ويخاف أن يأتيه حتفه فيها، أو قد يكون فر من المعركة الكبرى: معركة الإسلام مع خصومه وأعدائه شحاً بالحياة وبخلاً بها.

وإنما شَحَّ وبَخل؛ لأنه لم يفقه معنى الحياة، ولم يفقه سر تغير الأيام والليالي وتبدلها وتحولها؛ وأن الإنسان كما لو كان في قطار يسير به سيراً وعلى ظهر هذا القطار الإنسان الغافل، والإنسان اليقظ، والنائم، والصاحي، والعاقل والمجنون وغيرهم.

هوان الحياة الدنيا

ولو تأمل الإنسان وتبصر لوجد أن حقيقة هذه الدنيا أقل من أن يتعب الإنسان وراءها أو يضحي بشيءٍ في سبيلها، فقد كانت الحياة هينةً، لا أقول فقط عند الذين يؤمنون بالله تعالى والدار الآخرة، ويرجون ما عند الله، فهؤلاء -نعم- هانت عليهم الحياة، فبذلوا في سبيل الله تعالى الحياة رخيصة، وكان الواحد منهم يخوض المعركة وروحه على راحته، يلقي بها في مهاوي الموت ولا يبالي..!

يجود بالنفس إن ضن البخيل بها     والجود بالنفس أقصى غاية الجود

بل كانت الحياة رخيصة حتى عند الذين عقلوا أمورهم عقلاً صحيحاً، فقد كان كثير من العقلاء -حتى في جاهليتهم قبل الإسلام وحتى في هذا الزمان- لا يفهمون من معنى الحياة إلا معنى العزة والكرامة والقوة، فإذا آلت الحياة إلى معاني الذل والمهانة؛ كان الموت عندهم خيراً منها، وكانوا يقولون: (موتٌ في عز خير من حياة في ذل) ويقول آخر:

الموت لا يكون إلا مَرَّةْ     والموتُ خيرٌ من حياةٍ مُرَّة

مواقف الناس تجاه سرعة الأيام والليالي

وأنت تجد كثيراً من العوام والخواص إذا قيل: ما شاء الله! أُعلِنَ رمضان، قال: سبحان الله! ما أسرع الأيام والليالي! كأنه أمس!.. وهكذا في كل مناسبة يقولون هذا الكلام، لكن يظل هذا الكلام مجرد كلماتٍ تداعب شفاههم، ولا يتحول إلى عقيدة في قلوبهم، وإلى مُسيِّر لأعمالهم، وإلى ضابط وحاكم لتصرفاتهم؛ بحيث تجد الإنسان قد فقه معنى الحياة، فأصبحت الحياة عنده هي الجهاد في سبيل الله، وقليلٌ من الناس من يكونون كذلك.

قيمة الأعمار بما أنجز فيها من الأعمال

يا أخي الكريم:

كم من إنسان لو حسبت عمره بميزان الأيام والليالي والساعات لوجدته قصيراً!

فلان عاش ثلاثين أو أربعين سنة، ولكنها مليئة بجلائل الأعمال، وبالبطولات والتضحيات، مليئة بالجهاد، وبالعلم، مليئة بالعمل، وبالدعوة؛ ولهذا كانت هذه السنوات كبيرة في ميزان الله تعالى، عظيمةً عند العقلاء! وربما ظل هذا الإنسان حياً في ذاكرة التاريخ تتسامع به الأجيال، جيلاً بعد جيل، ورعيلاً بعد رعيل، مع أنه لم يعش من زمانه إلا سنين قصيرة.

وكم من إنسان قد يكون من المعمَّرين وبحسبك أن تقرأ كتاب المعمرون والوصايا لـأبي حاتم السجستاني، فقد ذكر فيه أسماء المعمرين، ولو تصفحت هؤلاء المعمرين لم تجد منهم إنساناً يذكره التاريخ بالفضل إلا أقل القليل! أما الباقون فلا يعرفون إلا بأنهم طالت أعمارهم، كما يكتب في الجرائد أحياناً أن فلاناً مات عن مائة وثلاثين سنة أو مائة وأربعين سنة، وهذا بحد ذاته لا يحمد ولا يذم، إنما الذي يحمد ويذم هو العمل الذي ملأ به الإنسان هذه السنين، إن خيراً فخير وإن شراً فشر.

فلا أدري -أيها الأحبة- متى يصحو الإنسان من تقلبات الأيام والليالي، وكرور الشهور بعد الشهور، ومرور الأعوام بعد الأعوام؛ حتى ينتبه إلى أن الحياة ليست هي الساعات فحسب، وإنما الحياة هي الأعمال التي تسجل لهذا الإنسان!

والله يا إخوتي! إنها لحسرة وندامة للإنسان منا أن يموت ثم لا يسمع به أحد، ولا يعرفه أحد، ولا يثني عليه أحد، ويمحى اسمه من سجل الأحياء، ويمحى من سجل التاريخ؛ فلا يذكر بشيء.

وأسوأ من ذلك أن يذكر بشر، أو يُدعَى عليه، أو يُسَبَّ، أو يذم بالحق، أما الذم بالباطل فلا يضير.

فالسؤال الذي يطرح نفسه عليك الآن: إذا مت -وأنت ميت لا محالة- فما هو العمل الذي قدمته وسوف تذكر به؟ هل سيثنى عليك بخير؟ هل سيمدحك الأخيار شهود الله في أرضه؟ هل ستكون قد تركت وراءك علماً نافعاً: كتاباً، دروساً، محاضرات، أعمالاً، جهاداً، كلمة حق قلتها في مناسبة، طلاباً خرجتهم تذكر بهم ويدعى لك بسببهم وينفعون الناس، أولاداً صالحين تذكر بهم، أموالاً أنفقتها في سبيل الله؟! أم أنك سوف تموت ويطوى ذكرك وتخمل، ولا أحد يعرف عنك شيئاً؟!

إذا مِتُّ كان الناس صنفين شامتٌ     وآخرُ مثنٍ بالذي كنتُ أصنعُ

أيها الأحبة: لو تأملنا لوجدنا أن حب الحياة أورد كثيرين الموارد المهلكة، فكم من إنسان تلجلجت كلمة الخير في فمه واحتجبت وتوقفت! بل ونطق وجهر بالباطل الذي يعلم هو في قرارة نفسه أنه باطل لا يرضي الله تعالى ولا رسوله صلى الله عليه وسلم، وأنه سيسخط عليه أيضاً عباد الله الصالحين، ولكنه نطق وربما جهر به، لا لشيء إلا تشبثاً بهذه الحياة وحباً لها.

وكم من إنسان فر من المعركة خوفاً من الموت، فقد تكون هذه المعركة معركة السلاح التي تتلاقى فيها السيوف ولها بريقٌ ولمعان، وتنـزف فيها الدماء، وتتطاير فيها الرءوس، فربما فر منها وهو يرجو الحياة والبقاء، ويخاف أن يأتيه حتفه فيها، أو قد يكون فر من المعركة الكبرى: معركة الإسلام مع خصومه وأعدائه شحاً بالحياة وبخلاً بها.

وإنما شَحَّ وبَخل؛ لأنه لم يفقه معنى الحياة، ولم يفقه سر تغير الأيام والليالي وتبدلها وتحولها؛ وأن الإنسان كما لو كان في قطار يسير به سيراً وعلى ظهر هذا القطار الإنسان الغافل، والإنسان اليقظ، والنائم، والصاحي، والعاقل والمجنون وغيرهم.

ولو تأمل الإنسان وتبصر لوجد أن حقيقة هذه الدنيا أقل من أن يتعب الإنسان وراءها أو يضحي بشيءٍ في سبيلها، فقد كانت الحياة هينةً، لا أقول فقط عند الذين يؤمنون بالله تعالى والدار الآخرة، ويرجون ما عند الله، فهؤلاء -نعم- هانت عليهم الحياة، فبذلوا في سبيل الله تعالى الحياة رخيصة، وكان الواحد منهم يخوض المعركة وروحه على راحته، يلقي بها في مهاوي الموت ولا يبالي..!

يجود بالنفس إن ضن البخيل بها     والجود بالنفس أقصى غاية الجود

بل كانت الحياة رخيصة حتى عند الذين عقلوا أمورهم عقلاً صحيحاً، فقد كان كثير من العقلاء -حتى في جاهليتهم قبل الإسلام وحتى في هذا الزمان- لا يفهمون من معنى الحياة إلا معنى العزة والكرامة والقوة، فإذا آلت الحياة إلى معاني الذل والمهانة؛ كان الموت عندهم خيراً منها، وكانوا يقولون: (موتٌ في عز خير من حياة في ذل) ويقول آخر:

الموت لا يكون إلا مَرَّةْ     والموتُ خيرٌ من حياةٍ مُرَّة

وأنت تجد كثيراً من العوام والخواص إذا قيل: ما شاء الله! أُعلِنَ رمضان، قال: سبحان الله! ما أسرع الأيام والليالي! كأنه أمس!.. وهكذا في كل مناسبة يقولون هذا الكلام، لكن يظل هذا الكلام مجرد كلماتٍ تداعب شفاههم، ولا يتحول إلى عقيدة في قلوبهم، وإلى مُسيِّر لأعمالهم، وإلى ضابط وحاكم لتصرفاتهم؛ بحيث تجد الإنسان قد فقه معنى الحياة، فأصبحت الحياة عنده هي الجهاد في سبيل الله، وقليلٌ من الناس من يكونون كذلك.

يا أخي الكريم:

كم من إنسان لو حسبت عمره بميزان الأيام والليالي والساعات لوجدته قصيراً!

فلان عاش ثلاثين أو أربعين سنة، ولكنها مليئة بجلائل الأعمال، وبالبطولات والتضحيات، مليئة بالجهاد، وبالعلم، مليئة بالعمل، وبالدعوة؛ ولهذا كانت هذه السنوات كبيرة في ميزان الله تعالى، عظيمةً عند العقلاء! وربما ظل هذا الإنسان حياً في ذاكرة التاريخ تتسامع به الأجيال، جيلاً بعد جيل، ورعيلاً بعد رعيل، مع أنه لم يعش من زمانه إلا سنين قصيرة.

وكم من إنسان قد يكون من المعمَّرين وبحسبك أن تقرأ كتاب المعمرون والوصايا لـأبي حاتم السجستاني، فقد ذكر فيه أسماء المعمرين، ولو تصفحت هؤلاء المعمرين لم تجد منهم إنساناً يذكره التاريخ بالفضل إلا أقل القليل! أما الباقون فلا يعرفون إلا بأنهم طالت أعمارهم، كما يكتب في الجرائد أحياناً أن فلاناً مات عن مائة وثلاثين سنة أو مائة وأربعين سنة، وهذا بحد ذاته لا يحمد ولا يذم، إنما الذي يحمد ويذم هو العمل الذي ملأ به الإنسان هذه السنين، إن خيراً فخير وإن شراً فشر.

فلا أدري -أيها الأحبة- متى يصحو الإنسان من تقلبات الأيام والليالي، وكرور الشهور بعد الشهور، ومرور الأعوام بعد الأعوام؛ حتى ينتبه إلى أن الحياة ليست هي الساعات فحسب، وإنما الحياة هي الأعمال التي تسجل لهذا الإنسان!

والله يا إخوتي! إنها لحسرة وندامة للإنسان منا أن يموت ثم لا يسمع به أحد، ولا يعرفه أحد، ولا يثني عليه أحد، ويمحى اسمه من سجل الأحياء، ويمحى من سجل التاريخ؛ فلا يذكر بشيء.

وأسوأ من ذلك أن يذكر بشر، أو يُدعَى عليه، أو يُسَبَّ، أو يذم بالحق، أما الذم بالباطل فلا يضير.

فالسؤال الذي يطرح نفسه عليك الآن: إذا مت -وأنت ميت لا محالة- فما هو العمل الذي قدمته وسوف تذكر به؟ هل سيثنى عليك بخير؟ هل سيمدحك الأخيار شهود الله في أرضه؟ هل ستكون قد تركت وراءك علماً نافعاً: كتاباً، دروساً، محاضرات، أعمالاً، جهاداً، كلمة حق قلتها في مناسبة، طلاباً خرجتهم تذكر بهم ويدعى لك بسببهم وينفعون الناس، أولاداً صالحين تذكر بهم، أموالاً أنفقتها في سبيل الله؟! أم أنك سوف تموت ويطوى ذكرك وتخمل، ولا أحد يعرف عنك شيئاً؟!

إذا مِتُّ كان الناس صنفين شامتٌ     وآخرُ مثنٍ بالذي كنتُ أصنعُ

إن الواحد منا -وهو يصوم- يتذكر وقد مسه ألم الجوع والعطش أن ما يلاقيه الإنسان من حرمان في هذه الحياة يهون جداً إذا قيس بأمر الدار الآخرة، فالذين ينظرون إلى الدنيا فحسب تخطئ حساباتهم كثيراً، تخطئ من وجوه عديدة، وإليك بعض الأمثلة:

المترفون إنما هم في متاع قليل

المنعمون في الدنيا إذا كانوا من أهل النار ماذا ينفعهم نعيمهم؟! ماذا تنفعهم لذة ساعة؟! ما تنفعهم القصور إذا صاروا إلى القبور؟! ماذا تنفعهم الأرصدة إذا ذهبوا إلى الدار الآخرة بلا رصيد؟! وماذا تنفعهم الأموال والأولاد والكراسي والمناصب؟! وماذا ينفعهم الجاه العريض في الدنيا إذا كانوا قد خرجوا من هذه الدنيا إلى الدار الآخرة، ولم يكونوا قدَّموا من الخير عملاً صالحاً؟! ولهذا قال الله عز وجل: لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ [آل عمران:196-197].

متاع قليل! أين فرعون؟! أين هامان؟! أين قارون..؟! أين النمرود..؟! أين كسرى..؟! أين قيصر؟!

ذهبوا ولم يبق منهم إلا أسماؤهم وأعمالهم وآثارهم يذمون بها ويشتمون ويلعنون بها إلى يوم يبعثون.

بل حتى ملوك المسلمين وخلفاؤهم الذين توسعوا في ملاذ الدنيا، وبنوا القصور وعمروها وشيدوها، وجمعوا الأموال، وحشدوا الجنود، وفعلوا ما فعلوا.. أين هم؟! أين قصر الحمراء، ومن بناه؟! أين قصر بني أمية في دمشق؟! كلهم ذهبوا، ولم تبق إلا آثار درست، تقول للعقلاء: اعتبروا واتعظوا...!

بالله! سل خلف بحر الصين عن عربٍ     بالأمس كانوا هنا واليوم قد تاهوا

وإن تراءت لك الحمراء عن كثبٍ     فسائل الصرح: أين العز والجاه؟!

وانـزل دمشق وسائل صخر مسجدها     عَمَّنْ بناه لعل الصرح ينعاهُ

هذي معالمُ خرسٌ كل واحدة     منهن قامت خطيباً فاغراً فاه

إني لأشعر إذ أغشى معالمهم     كأنني راهب يغشى مصلاه

الله يعلم ما قلبتُ سيرتهم     يوماً وأخطأ دمع العين مجراه

أين الرشيد وقد طاف الغمام به     فحين جاوز بغداد تحدَّاهُ

ماضٍ تعيش على أنقاضه أمم     وتستمد القوى من وحي ذكراهُ

ذهبت الآثار، ذهبت الأسماء، والقصور، ذهبت الأموال والجيوش والجنود، لم يكن هؤلاء الجنود يستطيعون أن يسعفوا حاكماً أو ملكا أو جباراً، ولا أن يحولوا بينه وبين قدر الله النافذ لا محالة...!

فالحساب ليس حساباً دنيوياً بحتاً. ومن كان في الآخرة من الضالين الكافرين الفاسقين، فلا ينفعه أن يكون في هذه الدنيا من المنعمين، وفي صحيح مسلم يقول المصطفى عليه الصلاة والسلام: {يؤتى يوم القيامة بأنعم أهل الدنيا من أهل النار فيصبغ في العذاب صبغةً، ثم يقال له: يا ابن آدم! هل رأيت خيراً قط؟ هل مر بك نعيم قط؟ فيقول: لا والله يا رب، ما رأيت خيراً قط! ولا مر بي نعيم قط!} لحظة واحدة من عذاب الجبار جل وعلا تنسي الإنسان كل ما كان في هذه الدنيا قد أكل، وكل ما قد شرب، وكل ما ركب، وتنعم، وكل ألوان اللذائذ التي يتسابق فيها المتسابقون ويتنافس فيها المتنافسون، فهل يعي هذا الدرس من رمضان أقوامٌ قد رتعوا في النعيم إلى أذقانهم، وتخوضوا في مال الله تعالى بغير حق، وتسلطوا على عباد الله فاستضعفوهم واستغلوهم، وتجبروا وتكبروا وظلموا، ونسوا الواحد الأحد الذي يرث الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين؟!

إنما يربح المجاهدون

خذ مثالاً آخر وهو عكس هذا: المطاردون في الدنيا وهم كثير، هل يضيرهم ذلك شيئاً إذا كانوا في الآخرة من أهل الجنة وممن حصل على رضوان الله تبارك وتعالى؛ فأسلمه ذلك إلى جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر؟! لا! لا يضيرهم، بل يودون يوم القيامة أن أجسادهم قرضت بالمقاريض، يتمنون أن العذاب الذي أصابهم كان أشد وأنكى وأصعب وأوجع؛ لأن الأجر الذي أعطاهم الله تعالى إياه نظير صبرهم ورضاهم بذلك في ذات الله تعالى جعلهم يستعذبون في سبيل الله تعالى كل مُرٍ، ويَستحْلُون من أجل الله تعالى كلَّ علقم، فواحدهم يقول:

ربي لك الحمد لا أحصي الجميل إذا     نفذت يوماً شكاة القلب في كرب

فلا تؤاخذ إذا زل اللسان فما     شيء سوى الحمد في الضراء يجمل بي

لك الحياة كما ترضى بشاشتها     فيما تحب وإن باتت على غضب

رضيت في حبك الأيام جائرة     فعلقم الدهر إن أرضاك كالعذب

شكـراً لفضلك إذ حملت كاهلنا     مما وثقت بنا ما كان من نوب

فكل ما يلقاه المؤمنون في سبيل الله تعالى من أذى وسخرية وتكذيب، من تسلط وسجن، وتشريد، من طرد وحرمان ومضايقة، كله عذب لذيذ!!

يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة وابن عمر:{ بدأ الإسلام غريباً، وسيعود غريباً كما بدأ؛ فطوبى للغرباء!} الغرباء الذين يلقون من الناس السخرية والصد والتعذيب والتكذيب والسجن والإيذاء والاستغراب والإنكار، وألوان المضايقة، هؤلاء وعدهم المصطفى عليه السلام بطوبى، أي بالخير الكثير الطيب في الدنيا فهم يجدون في الدنيا، نعيماً في قلوبهم، ويتقلبون -ولو كانوا يتقلبون على جمر الغضا- على فرش الحرير والديباج في حقيقة الأمر؛ لأن قلوبهم تعيش في سعادة.

ومن مقدميهم وزعمائهم الكبار الإمام ابن تيمية رحمه الله، الذي كان ينتقل من سجن إلى سجن ومن بلاء إلى بلاء، وطالما أوذي وضرب، حتى ضايقه الناس مرة في مصر في الشوارع وكادوا يضربونه، وسجن مرات في مصر، وسجن في الشام، بل مات وهو في السجن!! ماذا كان يقول؟ ما قال: سئمت من هذه الحياة التي لا أمل فيها في انتصار، ولا أمل فيها بفرج، لا! قال لما أقبل على السجن: فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ [الحديد:13] فالداخل إلى السجن في نظرهم أنه يدخل إلى الضيق والظلمة والحبس، هذا في نظر الناس عذاب، ولهذا قال باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب.

أما باطن السجن بالنسبة للشيخ وأمثاله فهو رحمة، فيه الأنس بذكر الله، والقرب من الله، والتفرغ لذكر الله وقراءة القرآن وطلب العلم النافع، وقال رحمه الله كلمته المشهورة: "ما يصنع أعدائي بي؟! أنا جنتي وبستاني في صدري! حيثما ذهبت فهي معي لا تفارقني، سجني خلوة، وإخراجي من بلدي سياحة، وقتلي في سبيل الله تعالى شهادة" إذاً، المقياس ليس دنيوياً محضاً وليس مادياً بحتاً، بل المشردون المطرودون لا يضيرهم ذلك إذا كانوا من أولياء الله ومن أهل الجنة.

تكدر نعيم الدنيا لغير المؤمنين وصفاؤه للمؤمنين

مثال ثالث: نعيم الدنيا لغير المؤمنين هل تعتقد أنه صفا لهم؟! هل تعتقد أن هذا الذي يتقلب على ألوان النعيم في الدنيا وهو غير مؤمن.. هل تظن أن نعيم الدنيا صفا له؟! لا! إن أشباح الموت تطارده، ولهذا فهو كل فترة يذهب إلى كشف طبي من ألوان الكشوف، ومع ذلك مخاوف الموت تطارده، فإذا أحس بصداع في رأسه؛ قال: ها! ربما يكون هذا سرطاناً في المخ! وإذا أحس بأشياء في جسده؛ قال: قد يكون هذا مرض الإيدز! لأنه يعرف حقيقة حساباته، ويعرف ماذا يصنع، ويعرف أنه قد تعرض لسخط الله، وقد ارتكب ألوان الموبقات والجرائم.

فتجد أن شبح الموت يطاردهم وينغص عليهم عيشتهم، كما قال بعض السلف: [[فضح الموت الدنيا، فلم يُبْقِ لذي عقل فيها نظراً]] فهو سر سلّطه الله تعالى على العباد عامة وعلى المترفين والمتكبرين خاصة، فهو يتسلل إليهم بهدوء حتى وهم في أقصى قصورهم، وفي خواص غرفهم، ودون أن يطلب إذناً من الحجاب ولا من الجنود، ودون أن يملك أحد إزاءه رداً ولا حجباً ولا تأخيراً ولا صرفاً ولا عدلاً، فيتسلل ويقطف أرواحهم، ثم يغادرهم وقد تركهم جثثاً هامدة لا حراك بها، كما ترك الفرعون من قبل، يقول الله تعالى: فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً [يونس:92].

إذاً حتى نعيم الدنيا لا يصفو لغير المؤمنين، أما المؤمن فمهما يكن مقتصراً في هذه الدنيا فهو يشعر بلذة في الدنيا عاجلة فضلاً عن لذة الآخرة، ولهذا كان بعض الصالحين يقول: "إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة" وهذا يشمل جنة التعبد، جنة الإقبال على الله تعالى والأنس بذكره، لكن أيضاً من ضمن ذلك أنه حتى نعيم الدنيا من الأكل والشرب، ونعيم السكن الطيب، ونعيم الزوجة لا يتمتع به على حقيقته إلا الخيرون، ولهذا والله! ذهب الأخيار بخير الدنيا والآخرة! لماذا؟ لأن الموت لا يشكل بالنسبة لهم قضية خطيرة! لماذا؟

لأن الواحد منهم يجعل الموت نصب عينه، فيستعد له، هذا من جانب.

ومن جانب آخر؛ فإن الواحد منهم يقول: الحمد لله! أنا -إن شاء الله- معي شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وأنا محافظ على الصلوات الخمس، وأنا -إن شاء الله- إن ذهبت إلى الدار الآخرة، فإنني أقدم على ربٍ رحيم كريم أرجو رحمته وأخشى عذابه، فيكون في قلبه اطمئنان، لا يكون الموت بالنسبة له شبحاً رهيباً مرعباً، وإن كان الإنسان من طبيعته أنه يكره الموت، كما في الصحيح من حديث عائشة وأبي هريرة: فكلنا يكره الموت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: {ليس ذلك، ولكن المؤمن إذا بشر برحمة الله فرح بذلك، فأحب لقاء الله وأحب الله لقاءه، أما الكافر فإنه يبشر بسخط الله، فيكره لقاء الله ويكره الله تعالى لقاءه} فحتى إن أردت بالمقياس الدنيوي فنعيم الدنيا لا يصفو لأهل الدنيا أبداً؛ إنما يصفو للصالحين البررة الأخيار الأطهار.

الدنيا ليست مقياساً للحق أو الباطل

الدنيا ليست هي الفارق أو المقياس للحق والباطل: فأنت تجد مثلاً أن من الأنبياء من قتل، ومنهم من ضرب، ومنهم من أوذي، ومنهم من شرد، ومنهم من طرد.. منهم من قتل كيحيى وزكريا، ومنهم من أوذي كما أوذي موسى في سمعته، وسبُّوه في خلقته، واتهموه بما هو منه براء، ومنهم من سجن كما سجن يوسف عليه الصلاة والسلام، وخرج عليه السلام من السجن ليكون على خزائن الأرض: قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ [يوسف:55].

والرسول صلى الله عليه وسلم أخرج من بلده، وأوذي وعُيِّر وسب، وكسرت رباعيته وشُجّ وجهه، وألقي السلى على ظهره صلى الله عليه وسلم.. ثم كانت العاقبة لهم.

فالدنيا ليست مقياساً للحق والباطل، فكون النصارى أرباب الصليب من الأمريكان والفرنسيين والبريطانيين والشرقيين أيضاً.. كونهم الآن يملكون نفوذاً، ويملكون سلاحاً ويملكون قوة, ويملكون بطشاً، لا يعني هذا أن الحق معهم، وكون المسلمين الآن -خاصة المسلمين الصادقين- مستضعفين حتى في بلادهم، ربما كلمة الحق يبخل بها عليهم، ولا يملكون من القوة ما يملك عدوهم، ولا يملكون من وسائل الإعلام ما يملك عدوهم لا يعني هذا أن الحق أصبح باطلاً أو أن الباطل أصبح حقاً، لا! ليس هذا هو المقياس في فترة محدودة من الزمان، بل فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ [الروم:60].

وكما يقول الله تعالى في قراءة: قُتِلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ [آل عمران:146] قتل أتباعه.

والقراءة الأخرى: وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ * وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ [آل عمران:146-148].

إذاً، من الخطأ أن تعتقد أن مقياس الحق هو القوة، لا! قد تكون القوة مع الباطل، قد تكون القوة مع اليهود كما هو الحاصل الآن، قد تكون القوة مع الكفار، قد تكون القوة مع المنافقين، ولكن: مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ [آل عمران:197].

وحتى في الدنيا نفسها فإن الله تعالى وعد -ووعده حقٌ- أن جنده هم الغالبون، ولكن أين جنده المخلصون الذين تخلصوا من شهوات الدنيا، وتخلصوا من الشح، وتخلصوا من رغبات أنفسهم، وتخلصوا من مطامعهم، فخلصت قلوبهم لله عز وجل؟! هؤلاء هم المنصورون بنص القرآن: وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ * وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ [الصافات:171-173].

التربية على الزهد في الدنيا

عندما كانت الدنيا ليست هي المقياس تعبد الله تعالى جنده وأولياءه بألوان من الإعراض عن الحياة الدنيا كالصيام مثلاً، حيث يمسك الإنسان عن الصيام طيلة النهار، وهو لا يقبض مقابل ذلك في الدنيا شيئا البتة، وقد تكون الظروف في كثير من الأحيان تتيح للإنسان ألا يصوم -لو أراد ألا يصوم- دون أن يلقى على ذلك جزاء في الدنيا أيضا، ولكنه يترك الطعام والشراب وهو في متناول يده ابتغاء ما عند الله تعالى، لأنه يؤمن بأنه توجد دار آخره ينبغي أن يستعد لها، كما يستعد ليومه وغده.

ومثله الإحرام سواء بسواء! فإن المحرم يمتنع مثلاً عن ألوان من الزينة كالتطيب وإزالة الشعر وقص الأظافر ولبس المخيط، وغير ذلك من ألوان الترفّه التي يمتنع عنها المحرم، ومن ذلك أيضاً النكاح: عقد النكاح، والجماع ومقدماته، يمتنع عن ذلك كله؛ لأنه يؤمن أن هناك داراً آخرة تتطلب أن يستعد لها الإنسان كما يستعد ليومه ولغده في هذه الدنيا سواء بسواء.

ومثله أيضاً الزهد وهو أمر تعبد الله تعالى به عباده أن يزهدوا في فضول المباحات التي لا يحتاجون إليها في الدنيا ولا تنفعهم في الدار الآخرة، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم سيد الزهاد يقول: {مالي وللدنيا؟! ما أنا والدنيا إلا كراكب استظل تحت ظل شجرة ثم قام وتركها!}.

فهذا درس آخر وفائدة ينتفع بها المؤمن: إن الدنيا ليست هي المقياس في كل أمر، بل المقياس هو الآخرة: وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ [العنكبوت:64] والكلام في هذا الموضوع يطول لكن المقصود الإشارة فحسب، وإلا فيكفيك أن تعلم أن الآخرة سرمد لا نهاية لها، وأن الدنيا مداها الزوال والفناء، وهب أن الإنسان عاش ما عاش كما قال الشاعر:

إذا كان الشتاء فأدفئوني     فإن الشيخ يهرمه الشتاء

إذا بلغ الفتى ستين عاماً     فقد ذهب المسرة والهناء

هب أنك عشت مائتي عام، فكان ماذا؟

موسى عليه الصلاة والسلام جاءه ملك الموت عند الموت فلطمه، فرجع ملك الموت إلى ربه، فقال: يا رب بعثتني إلى عبدٍ من عبادك لا يريد الموت، فرد الله تعالى إليه عينه، وقال له: اذهب إلى موسى فقل له: ضع يدك على متن ثور، فإن لك بكل ما غطت يدك: بكل شعرة سنة، فذهب ملك الموت إلى موسى وقال له ذلك، فقال: ثم ماذا؟ قال: ثم الموت، قال: فالآن، فما دام أنه لا بد من الموت فالآن، ثم دعا الله تعالى أن يدنيه من الأرض المقدسة رمية بحجر والحديث في صحيح البخاري.

وإذا لم يكن من الموت بُدٌّ     فمن العارِ أن تكون جباناً

الشجاع يموت بأجله، والجبان يأتيه حتفه ولو كان في أقصى غرفة من بيته، فلا الشجاعة تقلل الأجل، ولا الجبن يؤخره، ولا كون الإنسان يضحي في سبيل الله تعالى ويبذل ما يبذل؛ لا يقرب من أجل ولا يباعد من رزق.




استمع المزيد من الشيخ سلمان العودة - عنوان الحلقة اسٌتمع
أحاديث موضوعة متداولة 5007 استماع
حديث الهجرة 4966 استماع
تلك الرسل 4144 استماع
الصومال الجريح 4140 استماع
مصير المترفين 4078 استماع
تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة 4043 استماع
وقفات مع سورة ق 3969 استماع
مقياس الربح والخسارة 3922 استماع
نظرة في مستقبل الدعوة الإسلامية 3862 استماع
التخريج بواسطة المعجم المفهرس 3821 استماع