شرح صحيح ابن خزيمة كتاب الوضوء [12]


الحلقة مفرغة

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ جماع أبواب فضول التطهير والاستحباب من غير إيجاز، باب استحباب الوضوء لذكر الله، وإن كان الذكر على غير وضوء مباحاً.

قال: أخبرنا أبو موسى محمد بن المثنى أخبرنا عبد الأعلى أخبرنا سعيد عن قتادة عن الحسن عن حصين بن المنذر -قال أبو بكر : هو ابن أبي ساسان - عن المهاجر بن قنفذ بن عمر بن جدعان : (أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يتوضأ، فسلم عليه فلم يرد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى توضأ، ثم اعتذر إليه، فقال: إني كرهت أن أذكر الله إلا على طهر أو قال على طهارة) ، وكان الحسن يأخذ به ].

قال في تخريجه: [ إسناده صحيح، أخرجه النسائي وأبو داود وابن ماجة ]

والحديث الآخر: أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء إليه رجل، فسلم عليه فلم يرد عليه السلام حتى تيمم بالجدار ثم رد عليه، وقال: كرهت أن أذكر الله إلا على طهر، لكن التيمم ليس وضوءاً لكن هذا سلم عليه وهو في أثناء الوضوء ولعله أتم الوضوء ثم رد عليه.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ باب ذكر الدليل على أن كراهية النبي صلى الله عليه وسلم لذكر الله على غير طهر كانت إذ الذكر على طهارة أفضل لا أنه غير جائز أن يذكر الله على غير طهر إذ النبي صلى الله عليه وسلم قد كان يذكر الله على كل أحيانه ]

كما في حديث عائشة فقد كان يذكر الله على كل حال، رواه مسلم في الصحيح.

قال: [ أخبرنا محمد بن العلاء بن كريب الهمداني ومحمد بن مسلم قالا: حدثنا ابن أبي زائدة عن خالد بن سلمة عن البهي عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه) هذا لفظ حديث أبي كريب ].

قال في تخريجه: [ أخرجه مسلم وأبي داود ]

وهذا الحديث دليل على أنه لا بأس بالذكر على غير طهارة، حتى ولو كان عليه جنابة، ومنه الأذان لو أذن وهو على غير وضوء فلا حرج عليه، لكن الأفضل أن يتوضأ، كما يسبح ويهلل من غير وضوء، كذلك قراءة القرآن على غير وضوء جائز.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ باب الرخصة في قراءة القرآن وهو أفضل الذكر على غير وضوء.

قال: أخبرنا بندار أخبرنا محمد بن جعفر أخبرنا شعبة عن عمرو بن مرة سمعت عبد الله بن سلمة قال: دخلت على علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنا ورجلان، رجل منا ورجل من بني أسد، أحسب فبعثهما وجهاً وقال: إنكما علجان فعالجا عن دينكما، ثم دخل المخرج ثم خرج، فأخذ حفنة من ماء فتمسح بها، ثم جاء فقرأ القرآن قراءةً فأنكرنا ذلك، فقال علي : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي الخلاء فيقضي الحاجة، ثم يخرج فيأكل معنا الخبز واللحم ويقرأ القرآن ولا يحجبه عن القرآن شيء، ليس الجنابة أو إلا الجنابة ].

قال في تخريجه: [ إسناده ضعيف، وعبد الله بن سلمة قال البخاري : لا يتابع على حديثه ].

هذا الحديث فيه ضعف، ولكن له شواهد، ففي الصحيح عن عائشة أنه كان يذكر الله على كل أحيانه وهذا عام يستشهد به.

قال أبو بكر : [سمعت أحمد بن المقدام العجلي يقول: حدثنا سعيد بن الربيع عن شعبة بهذا الحديث، قال شعبة: هذا ثلث رأس مالي.

قال أبو بكر : قد كنت بينت في كتاب البيوع أن بين المكروه وبين المحرم فرقاناً، واستدللت على الفرق بينهما بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله كره لكم ثلاثاً وحرم عليكم ثلاثاً، كره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال وحرم عليكم عقوق الأمهات ووأد البنات ومنع وهات) ففرق بين المكروه وبين المحرم بقوله في خبر المهاجر بن قنفذ : كرهت أن أذكر الله إلا على طهر، قد يجوز أن يكون إنما كره ذلك إذ الذكر على طهر أفضل، لا أن ذكر الله على غير طهر محرم، إذ النبي صلى الله عليه وسلم قد كان يقرأ القرآن على غير طهر والقرآن أفضل الذكر، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه على ما روينا عن عائشة رضي الله عنها، وقد يجوز أن تكون كراهته لذكر الله إلا على طهر ذكر الله الذي هو فرض على المرء دون ما هو متطوع به، فإذا كان ذكر الله فرضاً لم يؤد الفرض على غير طهر حتى يتطهر، ثم يؤدي ذلك الفرض على طهارة؛ لأن رد السلام فرض عند أكثر العلماء، فلم يرد صلى الله عليه وسلم وهو على غير طهر حتى تطهر ثم رد السلام، فأما ما كان المرء متطوعاً به من ذكر الله عز وجل ولو تركه في حالة هو فيها غير طاهر، لم يكن عليه إعادته، فله أن يذكر الله متطوعاً بالذكر وإن كان غير متطهر ].

يعني: أنه لا بأس للإنسان أن يقرأ القرآن عن ظهر قلب ولو لم يتوضأ بدون مس المصحف، فكما أنه يجوز له أن يأكل ويشرب، إلا إذا كان عليه جنابة، فإذا كان عليه جنابة لا يجوز له أن يقرأ القرآن حتى يغتسل، أما إذا لم يكن جنابة فله أن يقرأ القرآن، كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه، يقرأ القرآن عن ظهر قلب، وقال العلماء: الجنابة هي التي تمنع من قراءة القرآن، وما عدا ذلك فلا بأس أن تقرأ القرآن عن ظهر قلب من غير وضوء، أما الذكر فلا بأس به ولو كان عليه جنابة يذكر الله إلا القرآن.

قال في تخريجه: [ إسناده ضعيف، وعبد الله بن سلمة قال البخاري لا يتابع على حديثه، وأخرجه أبو داود والنسائي ].

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ باب استحباب الوضوء للدعاء ومسألة الله ليكون المرء طاهراً عند الدعاء والمسألة.

قال: أخبرنا الربيع بن سليمان أخبرنا شعيب -يعني ابن الليث - عن سعيد بن أبي سعيد عن عمرو بن سليم الزرقي عن عاصم بن عمرو عن علي بن أبي طالب أنه قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كنا بالحرة بالسقيا التي كانت لـسعد بن أبي وقاص قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ائتوني بوضوء، فلما توضأ قام فاستقبل القبلة، ثم كبر ثم قال: أبي إبراهيم كان عبدك وخليلك، ودعاك لأهل مكة، وأنا محمد عبدك ورسولك أدعوك لأهل المدينة أن تبارك لهم في مدهم وفي صاعهم، مثل ما باركت لأهل مكة، مع البركة بركتين).

وقال ابن أبي ذئب في هذه القصة: عن سعيد عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ثم صلى بأرض سعد فذكر القصة.

قال أبو بكر : أخبرنا بندار ومحمد بن يحيى قالا: أخبرنا عثمان بن عمر قال ابن أبي ذئب وقال محمد بن يحيى قال: أخبرنا ابن أبي ذئب ].

قال في تخريجه للأول: [ إسناده صحيح، وأخرجه الإمام أحمد وقال عن الثاني: هو الحديث المتقدم ]

لكن هذا أصله صحيح، يعني: أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا لأهل المدينة مثل ما دعا إبراهيم لأهل مكة، لكن يكتفي أنه توضأ، فالوضوء للذكر والدعاء مستحب ولا بأس أن يذكر الله ويدعو الله ولو على غير طهارة.

فإذا قصد القراءة فلا وإذا قصد بالدعاء لنفسه والقراءة فلا بأس، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، إن قصد الدعاء فلا بأس وإن قصد قراءة القرآن فلا، أما قراءة المعوذتين وآية الكرسي اقرأها قبل ذلك إذا أحببناه على جنابة، فإن الإنسان يتوضأ ويقرأها قبل، بعد الجنابة يتوضأ ثم يأتي بالذكر غير القرآن.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ باب استحباب الوضوء للجنب إذا أراد النوم.

قال: أخبرنا أحمد بن عبدة أخبرنا سفيان عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر عن عمر (أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أينام أحدنا وهو جنب؟ قال: ينام ويتوضأ إن شاء) ].

وفي الصحيح: أينام أحدنا وهو جنب؟ قال: نعم إذا توضأ، هذا رواه البخاري في الصحيح ولا إشكال عليه في التخريج.

قال في تخريجه: [ قال إسناده صحيح وبهامشه ما نصه من خط شيخ الإسلام ابن حسن رحمه الله: هو في صحيح مسلم بمعناه، وقال: هذه الرواية في مسند أحمد بن حنبل ولفظها: يتوضأ وينام إن شاء ]

أما في الصحيح قال عمر : أينام أحدنا وهو جنب؟ قال: نعم، إذا توضأ ليس فيه التعليق بالمشيئة، بل ينبغي للإنسان أن يتأكد، فهو مكروه أن ينام وهو جنب بدون وضوء، إما أن يغتسل وإما أن يتوضأ ثم ينام.

وذكر الإمام مسلم في التمهيد أن قوله: ( إن شاء) وهم من الراوي، وعلى ذلك في هذا الحديث بعض الضعف.

قال أبو بكر : [ أخبرنا به سعيد بن عبد الرحمن المخزومي أخبرنا سفيان بهذا الإسناد فقال: (إن عمر بن الخطاب سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أينام أحدنا وهو جنب؟ قال: إذا أراد أن ينام فليتوضأ) ]

وهكذا رواه البخاري في صحيحه.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ باب ذكر الدليل على أن الوضوء الذي أُمر به الجنب للنوم كوضوء الصلاة إذ العرب قد تسمي غسل اليدين وضوءاً.

قال: أخبرنا عبد الجبار بن العلاء أخبرنا سفيان قال: حفظناه من الزهري أخبرنا أبو سلمة عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن ينام وهو جنب توضأ وضوءه للصلاة) ]

المراد توضأ وضوءه للصلاة: ليس المراد الوضوء اللغوي غسل الوجه واليدين، وإنما المراد الوضوء الذي هو شرط الصلاة.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ باب استحباب غسل الذكر مع الوضوء إذا أراد الجنب النوم.

قال: أخبرنا أبو موسى حدثني محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن عبد الله بن دينار قال: سمعت ابن عمر يقول: (سأل عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم: تصيبني الجنابة بالليل فما أصنع ؟ قال: اغسل ذكرك وتوضأ ثم ارقد)].

قال في تخريجه: [ أخرجه البخاري ومسلم ]

يعني: استنج وتوضأ ثم نم.

قال المؤلف رحمه الله تعالى في صحيحه: [ باب استحباب الوضوء للجنب إذا أراد الأكل

قال: أخبرنا سلم بن جنادة أخبرنا وكيع عن شعبة عن الحكم عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة : (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يأكل أو ينام وهو جنب توضأ) ].

قال في تخريجه: [ أخرجه مسلم ]

وهذا هو السنة، الجنب يتوضأ للأكل والشرب والنوم، كما في حديث عمر في البخاري أنه قال: يا رسول الله أينام أحدنا وهو جنب؟ قال: نعم، إذا توضأ فالسنة للجنب إذا أراد أن ينام يتوضأ ولا ينام على جنابة بدون وضوء؛ لأن ذلك مكروه كراهة شديدة ولأن النبي قال: نعم، إذا توضأ، وكذلك للأكل والشرب يستحب ويسن له أن يتوضأ.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ باب استحباب الوضوء عند النوم، وإن لم يكن المرء جنباً، ليكون مبيته على طهارة.

قال: أخبرنا يوسف بن موسى أخبرنا جرير عن منصور عن سعد بن عبيدة قال: حدثني البراء بن عازب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة ثم اضطجع على شقك الأيمن) ثم ذكر الحديث.

قال أبو بكر: هذه اللفظة إذا أتيت مضجعك من الجنس الذي نقول: إن العرب تقول: إذا فعلت كذا، تريد إذا أردت فعل ذلك الشيء، كقوله جل وعلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ [المائدة:6] ومعناه: إذا أردتم القيام إلى الصلاة ].

ومثل قوله تعالى: إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ [المائدة:6] قوله: فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ [النحل:98] يعني: إذا أردت القراءة، يعني إذا أردت ذلك فأت بهذا، وحديث البراء بن عازب رواه البخاري في الصحيح وفيه استحباب الوضوء قبل النوم، واستحباب الذكر عندما يضع شقه الأيمن ويقول: باسمك ربي وضعت جنبي، وروي عن ابن عمر أنه يقول: اللهم أسلمت نفسي إليك، ووجهت وجهي إليك وفوضت أمري إليك ، وألجأت ظهري إليك، رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت، وبنبيك الذي أرسلت.

حكم من ترك التشهد الأول

السؤال: هل يسجد سجود السهو من ترك التشهد الأول ثم رجع له قبل أن ينتصب قائماً ؟

الجواب: نعم، يسجد للسهو لأن هذه زيادة، كونه قام ثم رجع.

حكم تشبيه صفات الله بصفات المخلوقين

السؤال: ما حكم من يركز في كلامه على التشبيه في صفات الله ولا يتكلم عن التعقيد، هل هذه من أعمال الأشاعرة؟

الجواب: المشبهة يقولون: إن لله صفات مثل صفات المخلوقين، والمعطلة ينفون الصفات عن الله عز وجل، والمشبهة هم من غلاة الشيعة يقول أحدهم: لله يد كيدي، واستواء كاستوائي، وسمع كسمعي، هؤلاء هم المشبهة، والمعطلة ينفون هذه الصفات عن الله عز وجل.


استمع المزيد من الشيخ عبد العزيز بن عبد الله الراجحي - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح صحيح ابن خزيمة كتاب الوضوء [9] 2886 استماع
شرح صحيح ابن خزيمة كتاب الوضوء [10] 2361 استماع
شرح صحيح ابن خزيمة كتاب الوضوء [8] 2170 استماع
شرح صحيح ابن خزيمة كتاب الوضوء [11] 1991 استماع
شرح صحيح ابن خزيمة كتاب الوضوء [5] 1961 استماع
شرح صحيح ابن خزيمة كتاب الوضوء [3] 1848 استماع
شرح صحيح ابن خزيمة كتاب الوضوء [7] 1769 استماع
شرح صحيح ابن خزيمة كتاب الوضوء [6] 1393 استماع
شرح صحيح ابن خزيمة كتاب الوضوء [4] 1292 استماع
شرح صحيح ابن خزيمة كتاب الوضوء [1] 1046 استماع