شرح صحيح ابن خزيمة كتاب الوضوء [11]


الحلقة مفرغة

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ جماع أبواب المسح على الخفين.

باب ذكر المسح على الخفين من غير ذكر توقيت للمسافر والمقيم بذكر أخبار مجملة غير مفسرة.

قال: أخبرنا يونس بن عبد الأعلى الصدفي أخبرنا ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث عن أبي النضر عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عبد الله بن عمر عن سعد بن أبي وقاص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه مسح على الخفين.

وهذا الحديث متواتر في المسح على الخفين.

قال: [ أخبرنا محمد بن العلاء بن كريب الهمداني وعبد الله بن سعيد الأشج

قالا: حدثنا أبو أسامة عن زائدة عن الأعمش عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب عن بلال قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على الخفين) قال عبد الله بن سعيد ، قال: حدثني زائدة .

قال: [ أخبرنا أبو عمرو عمران بن موسى القزاز حدثنا محمد بن سواء بن عنبر السدوسي أخبرنا سعيد بن أبي عروبة عن أيوب عن نافع عن ابن عمر أنه رأى سعد بن مالك وهو يمسح على الخفين، فقال: إنكم تفعلون ذلك؟! فاجتمعا عند عمر فقال سعد لـعمر: افت ابن أخي في المسح على الخفين، فقال عمر: كنا ونحن مع نبينا صلى الله عليه وسلم نمسح على خفافنا، لا نرى بذلك بأساً، فقال ابن عمر: ولو جاء من الغائط؟ قال: نعم ]

كما في حديث صفوان إلا الجنابة لا يمسح على الخفين، أما الغائط والبول فلا بأس أن يمسح عليهما.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ باب ذكر مسح النبي صلى الله عليه وسلم على الخفين في الحضر

قال أخبرنا يونس بن عبد الأعلى أخبرني عبد الله بن نافع عن داود وحدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم حدثنا عبد الله بن نافع أخبرنا داود بن قيس عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أسامة بن زيد قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وبلال الأسواق فذهب لحاجته، قال: ثم خرجا، قال أسامة : فسألت بلال : ما صنع؟ قال بلال: ذهب النبي صلى الله عليه وسلم لحاجته ثم توضأ فغسل وجهه ويديه ومسح برأسه ومسح على الخفين، زاد يونس في حديثه: ثم صلى قال أبو بكر : الأسواق: حائط بالمدينة.

وأخبر أبو طاهر، أخبرنا أبو بكر قال: سمعت يونس يقول: ليس عن النبي صلى الله عليه وسلم خبر أنه مسح على الخفين في الحضر غير هذا ].

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ باب ذكر مسح النبي صلى الله عليه وسلم على الخفين بعد نزول سورة المائدة ضدَّ قول من زعم أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما مسح على الخفين قبل نزول المائدة ].

وهذا دليل على أن المسح على الخفين بعد المائدة، فلذلك جرير أسلم بعد نزول سورة المائدة ومع ذلك أخبره عن النبي وصحابته، وقيل له: قبل المائدة أو بعدها؟ فقال: ما أسلمت إلا بعد المائدة.

قال: [أخبرنا محمد بن العلاء بن كريب أخبرنا أبو أسامة وحدثنا سلم بن جنادة أخبرنا وكيع كلاهما عن الأعمش وحدثنا الحسن بن محمد الزعفراني حدثنا أبو معاوية أخبرنا الأعمش وحدثنا الصنعاني حدثنا خالد بن الحارث أخبرنا شعبة عن سليمان -وهو الأعمش - عن إبراهيم عن همام ، قال: رأيت جريراً بال، ثم دعا بماء وتوضأ، ومسح على خفيه، ثم قام فصلى، فسئل عن ذلك؟ فقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صنع مثل هذا، هذا حديث الصنعاني ، ولم يقل الآخرون: رأيت جريراً .

وفي حديث أبي أسامة قال إبراهيم : وكان أصحابنا يعجبهم حديث جرير لأن إسلامه كان بعد نزول المائدة ].

وهذا فيه رد على من قال: إن آية المائدة نسخت المسح على الخفين، ولهذا كان يعجبهم حديث جرير ؛ لأنه فيه أنه رأى النبي يمسح على الخفين بعد نزول المائدة.

قال: [ وفي حديث وكيع : كان يعجبهم حديث جرير ، لأن إسلامه كان بعد نزول المائدة.

قال: أخبرنا أبو عمار الحسين بن حريث أخبرنا الفضل بن موسى عن بكير بن عامر البجلي عن أبي زرعة ابن عمر بن جرير : أن جريراً بال وتوضأ ومسح على خفيه فعابوا عليه فقال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على الخفين) ، فقيل له: ذلك قبل المائدة، قال: إنما كان إسلامي بعد المائدة.

قال: أخبرنا أبو محمد فهد بن سليمان البصري أخبرنا موسى بن داود أخبرنا حفص بن غياث عن الأعمش عن إبراهيم عن همام عن جرير بن عبد الله قال: أسلمت قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بأربعين يوماً ].

ومع ذلك رأى الرسول يمسح على الخفين، فدل على أن إسلامه بعد نزول المائدة.

تمسح المرأة على الخمار إذا كان الخمار على رأسها، وتديره تحت حلقها مثل العمامة المحنكة، فتمسح على طهارة، ويدار تحت حلقها في الشق العلوي كما قال العلماء: وخمر النساء المدارة تحت حلوقهن.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ باب الرخصة في المسح على الموقين

قال: أخبرنا نصر بن مرزوق المصري أخبرنا أسد -يعني ابن موسى - أخبرنا حماد بن سلمة عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي إدريس الخولاني عن بلال (عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه مسح على الموقين والخمار) ].

والموق يشبه الجورب أو أنه خشم قصير لا إشكال عليه.

قال الشيخ ناصر الألباني : إسناده جيد ورجاله ثقات معروفون.

والخف إذا كان يستر محل الفرض فإنه يمسح عليه سواء كان قصيراً أو جورباً من الجلد أو من القماش والخمار: العمامة تخمر الرأس وتغطيه للرجل، والخمار للمرأة: إذا كان مداراً تحت الحلق.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب ذكر الخبر المفسر للألفاظ المجملة التي ذكرتها والدليل على أن الرخصة في المسح على الخفين للابسها على طهارة دون لابسها محدثاً غير متطهر.

قال: أخبرنا أبو الأزهر حوثرة بن محمد البصري أخبرنا سفيان بن عيينة عن حصين بن عبد الرحمن عن الشعبي عن عروة بن المغيرة بن شعبة عن أبيه، قال: (قلت: يا رسول الله! أتمسح على خفيك؟ قال: نعم، إني أدخلتهما وهما طاهرتان) ]

وهكذا في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: دعهما إني أدخلتهما طاهرتين، وكما في غزوة تبوك أنه تبعه المغيرة بعد إسلامه قلما قضى حاجته صب عليه الماء فلما أراد أن ينزع خفيه قال: دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين، وهذا دليل على اشتراط الطهارة في لبس الخفين حتى يمسح عليهما، فلا بد أن يلبسهما على طهارة، ولا بد أن تكون ساترتين للمفروض، أي: ساترتين لقدمي الرجل.

قال: [ أخبرنا القاسم بن بشر بن معروف أخبرنا ابن عيينة عن زكريا وحصين ويونس عن الشعبي عن عروة بن المغيرة سمعه من أبيه قال: (قلت: يا رسول الله أتمسح على الخفين؟ قال: إني أدخلت رجلي وهما طاهرتان) قال: أخبرنا بندار وبشر بن معاذ العقدي ومحمد بن أبان قالوا: أخبرنا عبد الوهاب بن عبد المجيد أخبرنا المهاجر - وهو ابن مخلد أبو مخلد - عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه: (عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رخص للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن، وللمقيم يوماً وليلة، إذا تطهر فلبس خفيه أن يمسح عليهما) ].

النبي صلى الله عليه وسلم قال: للمسافر ثلاثة أيام بلياليهن، وللمقيم يوم وليلة.

يبدأ من الحدث بعد اللبس، وقيل يبدأ من المسح، قولان لأهل العلم، والأقرب من الحدث بعد اللبس، إذا أحدث بعد أن لبسهما ولا يحسب ما قبل ذلك، فلو توضأ العصر ولبس خفيه وصلى بها العصر والمغرب والعشاء ولم يحدث إلا الساعة العاشرة من الليل فإنه يحسب من ذلك الوقت إلى الساعة العاشرة ليلاً من الغد وعلى القول الثاني يبدأ من وقت المسح فإذا لم يمسح إلا في الفجر يبدأ يحسب من الفجر إلى الفجر.

[ باب الدليل على أن لابس أحد الخفين قبل غسل كلا الرجلين إذا لبس الخف الآخر بعد غسل الرجل الأخرى غير جائز له المسح بعد ذلك إذا أحدث، إذ هو لابس أحد الخفين قبل كمال الطهارة، والنبي صلى الله عليه وسلم إنما رخص في المسح على الخفين إذا لبسهما على طهارة، ومن ذكرنا في هذا الباب صفته، هو لابس أحد الخفين على غير طهر، إذ هو غاسل إحدى الرجلين لا كلتيهما عند لبسه أحد الخفين.

قال: أخبرنا محمد بن يحيى ومحمد بن رافع قالا: حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن عاصم بن أبي النجود عن زر بن حبيش قال: أتيت صفوان بن عسال المرادي فقال: ما جاء بك؟ قلت: جئت أنبط العلم، قال: فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما من خارج يخرج من بيته في طلب العلم إلا وضعت له الملائكة أجنحتها رضاءً بما يصنع) قال: قد جئتك أسألك عن المسح على الخفين، قال: نعم، كنا في الجيش الذي بعثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمرنا أن نمسح على الخفين إذا نحن أدخلناهما على طهور، ثلاثاً إذا سافرنا، وليلة إذا أقمنا، ولا نخلعهما من غائط ولا بول، ولا نخلعهما إلا من جنابة، وقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن بالمغرب باباً مفتوحاً للتوبة مسيرته سبعون سنة، لا يغلق حتى تطلع الشمس من مغربها نحوه).

قال أبو بكر : ذكرت للمزني خبر عبد الرزاق فقال: حدث بهذا أصحابنا فإنه ليس للشافعي حجة أقوى من هذا ].

الحديث لا بأس به، والحديث فيه فوائد منها فضل طلب العلم وأن الملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم رضاءً بما صنع ومنها تمام الطهارة في لبس الخفين وأنه لابد أن تتم الطهارة، فلو غسل رجلاً وألبسها الخف قبل غسل الأخرى فلا يجوز له المسح، لأنه ما تمت الطهارة، فلابد أن يغسل رجليه أولاً ثم يلبس الخفين، وفيه أيضاً تحديد المدة وأن المسافر يمسح ثلاثة أيام، والمقيم يمسح يوماً وليلة، وفيه قبول توبة التائب قبل أن تطلع الشمس من مغربها.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ باب ذكر توقيت المسح على الخفين للمقيم والمسافر ]

هذا فيه رد على من قال: إنه ليس هناك توقيت للمسح على الخفين.

قال: [ أخبرنا الحسن بن محمد الزعفراني ويوسف بن موسى قال: حدثنا أبو معاوية قال أخبرنا الأعمش عن الحسن عن القاسم بن مخيمرة عن شريح بن هانئ قال: سألت عائشة عن المسح على الخفين، فقالت: ائت علياً فاسأله فإنه أعلم بذلك مني، فأتى علياً فسأله عن المسح على الخفين، فقال (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بذاك، يمسح المقيم يوماً وليلة والمسافر ثلاثاً) ]

قالت: سر إلى علي فإنه أعلم بذلك مني؛ لأنه صاحب النبي في أسفاره أما عائشة كانت تصلح البيوت، فالأحكام التي تتعلق بالبيوت يُسأل عليها نساء النبي، والأحكام التي تتعلق بالسفر يُسأل عنها أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.

قال في تخريجه: [ أخرجه مسلم ]

هذا صحيح في التوقيت وأن للمسافر ثلاثة أيام والمقيم يوماً وليلة.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ باب ذكر الدليل على أن الأمر بالمسح على الخفين أمر إباحة، أن المسح يقوم مقام غسل القدمين، إذا كان القدم بادياً غير مغطى بالخف وأن خالع الخف وإن كان لبسه على طهارة، إذا غسل قدميه كان مؤدياً للفرض غير عاصٍ، إلا أن يكون تاركاً للمسح رغبة عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم.

قال: أخبرنا أبو هاشم زياد بن أيوب أخبرنا يحيى بن عبد الملك بن حميد بن أبي غنية أخبرنا أبي عن الحكم عن القاسم بن مخيمرة عن شريح بن هانئ عن علي قال: (رخص لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أيام للمسافر ويوم وليلة للحاضر يعني: في المسح على الخفين) ]

وهذا الحديث يفيد التوقيت فإذا كان خالع الخف قصده الرغبة عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه عاصٍ، والأفضل للإنسان أن يفعل الحال التي هو عليها، إن كانت رجله مكشوفة يغسلها ولا يلبس خفيه حتى يمسح، وإن كان رجله فيها خف يمسح عليها ولا يخلع حتى يغسل.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ باب ذكر الدليل على أن الرخصة في المسح على الخفين إنما هي من الحدث الذي يوجب الوضوء دون الجنابة التي توجب الغسل.

قال: أخبرنا محمد بن عبد الله المخرمي ومحمد بن رافع قالا: حدثنا يحيى بن آدم أخبرنا سفيان عن عاصم عن زر بن حبيش قال: أتيت صفوان بن عسال المرادي فسألته عن المسح على الخفين فقال: كنا نكون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمرنا أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام -يعني: في السفر- إلا من جنابة، ولكن من غائط وبول ونوم ]

وهذا فيه دليل على أن المسح بالخفين إنما هو من الحدث من البول أو الغائط أو النوم، فإنه يغسل رجليه ثم يمسح، أما إذا كان جنابة فلا يجوز له المسح، بل يجب عليه خلع الخفين ويغسل رجليه ويعمم جسمه بالماء.

قال في تخريجه: [ إسناده حسن وأخرجه النسائي ويحيى ].

قال المؤلف رحمه الله تعالى في صحيحه: [ باب التغليظ في ترك المسح على الخفين رغبة عن السنة.

قال: أخبرنا محمد بن الوليد أخبرنا محمد - يعني: ابن جعفر - أخبرنا شعبة عن حصين عن مجاهد عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من رغب عن سنتي فليس مني) ].

هذا الحديث عام لم يذكر فيه ترك المسح على الخفين رغبة عن السنة.


استمع المزيد من الشيخ عبد العزيز بن عبد الله الراجحي - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح صحيح ابن خزيمة كتاب الوضوء [9] 2884 استماع
شرح صحيح ابن خزيمة كتاب الوضوء [10] 2358 استماع
شرح صحيح ابن خزيمة كتاب الوضوء [8] 2168 استماع
شرح صحيح ابن خزيمة كتاب الوضوء [5] 1959 استماع
شرح صحيح ابن خزيمة كتاب الوضوء [3] 1846 استماع
شرح صحيح ابن خزيمة كتاب الوضوء [7] 1767 استماع
شرح صحيح ابن خزيمة كتاب الوضوء [12] 1584 استماع
شرح صحيح ابن خزيمة كتاب الوضوء [6] 1390 استماع
شرح صحيح ابن خزيمة كتاب الوضوء [4] 1289 استماع
شرح صحيح ابن خزيمة كتاب الوضوء [1] 1043 استماع