شرح زاد المستقنع - كتاب البيع [35]


الحلقة مفرغة

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ ولا تصح على عمل يختص أن يكون فاعله من أهل القربة، وعلى المؤجر كل ما يتمكن به من النفع كزمام الجمل، ورحله، وحزامه، والشد عليه، وشد الأحمال، والمحامل، والرفع، والحط، ولزوم البعير، ومفاتيح الدار وعمارتها، فأما تفريغ البالوعة والكنيف فيلزم المستأجر إذا تسلمها فارغة.

فصل: وهي عقد لازم، فإن آجره شيئاً ومنعه كل المدة أو بعضها فلا شيء له، وإن بدأ الآخر قبل انقضائها فعليه، وتنفسخ بتلف العين المؤجرة، وبموت المرتضع، والراكب إن لم يخلف بدلاً، وانقلاع ضرس أو برئه ونحوه، لا بموت المتعاقدين أو أحدهما، ولا بضياع نفقة المستأجر ونحوه.

وإن اكترى داراً فانهدمت، أو أرضاً لزرع فانقطع ماؤها أو غرقت انفسخت الإجارة في الباقي، وإن وجد العين معيبة، أو حدث بها عيب فله الفسخ وعليه أجرة ما مضى، ولا يضمن أجير خاص ما جنت يده خطأً، ولا حجام وطبيب وبيطار لم تجن أيديهم إن عرف حذقهم ].

تقدم لنا ما يتعلق بشروط العين المؤجرة، وتقدم أن من هذه الشروط معرفتها، وذكرنا طريقة المعرفة، وكذلك أيضاً القدرة على التسليم، وذكرنا دليل ذلك، وكلام أهل العلم رحمهم الله تعالى في هذه المسألة، كذلك أيضاً تقدم معنا ما يتعلق بشروط العين المؤجرة.

وتقدم لنا أيضاً من أحكام الإجارة ما يتعلق بإجارة الوقف، وذكرنا أن إجارة الوقف صحيحة؛ لأن الموقوف عليه مالك للمنفعة، وإذا كان كذلك فله أن يستوفيها بنفسه أو بنائبه عن طريق الإجارة.

ولكن ذكرنا أن الموقوف عليه لا يملك تأجير الوقف مدة طويلة، وذكرنا أيضاً حكم تأجير العين المؤجرة هل يملك المستأجر أن يؤجر العين المؤجرة؟

فمثلاً: لو استأجر دكاناً فهل يملك أن يؤجره لغيره أو لا؟

تقدم أنه يملك أن يؤجره بمثل الضرر أو بأقل منه، أما أن يؤجره بأكثر ضرراً فإن هذا لا يجوز.. إلخ ما تقدم.

المقصود بأخذ الأجرة على القربات

ثم قال المؤلف رحمه الله تعالى: ( ولا تصح على عمل يختص أن يكون فاعله من أهل القربة ).

هذه المسألة تعرف بما يسمى بأخذ الأجرة على القربات، هل يصح أخذ الأجرة على القربة وعلى فعل العبادة؟

والمقصود بالقربة: ما يتقرب إلى الله عز وجل به وهي العبادات، فهل يصح أخذ الأجرة على العبادات أو لا؟ كأخذ الأجرة على الإمامة، والأذان، والخطابة، والقضاء، والفتيا، والتدريس، وغير ذلك، أو أن هذا لا يصح؟

أقسام أخذ المال على القربات

سبق أن ذكرنا أن أخذ المال على القربات ينقسم إلى أربعة أقسام:

القسم الأول: أخذ الرزق من بيت المال فهذا جائز ولا بأس به؛ لأن بيت المال موضوع لمثل هذه المصالح، وقد جاء أيضاً: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى أبا محذورة صرة من فضة )، وكان أبو محذورة مؤذناً.

القسم الثاني: أخذ الجعل بلا مشارطة كأن يقول قائل: من أذن في هذا المسجد فله كذا وكذا، فهذا أيضاً جائز ولا بأس به.

القسم الثالث: الأخذ بلا مشارطة كأن يؤذن أو أن يؤم الناس في رمضان مثلاً، أو أن يدرس، ونحو ذلك، ثم يعطى فهذا جائز ولا بأس به.

القسم الرابع: وهو ما يتعلق بأخذ الأجرة وهو ما يكون عن طريق المؤاجرة والمشارطة، هل هذا جائز أو ليس جائزاً؟

فهذه المسألة موضع كلام كثير للعلماء رحمهم الله تعالى، فهم يفصلون في العبادات ويتكلمون على كل عبادة، وقد أفردت هذه المسألة بمؤلفات مستقلة.

أقوال الفقهاء في أخذ الأجرة على القربات

والخلاصة في ذلك: أن أضيق الناس في هذه المسألة هم الحنابلة والحنفية، ففي الجملة لا يرون أخذ الأجرة على القرب، وأوسع الناس في هذه المسألة هم المالكية، ثم يأتي من بعدهم الشافعية.

فعندنا في الجملة أخذ الأجرة على القرب في العبادات للعلماء رحمهم الله تعالى قولان:

القول الأول: وهو قول الحنفية والحنابلة: أنه لا يصح أخذ الأجرة على العبادات.

والقول الثاني: وهو قول المالكية والشافعية: أنه يصح، وهذا في الجملة، وإن كانوا يستثنون بعض الصور أنه يصح أخذ الأجرة على القُرَب، ولكل منهم دليل.

أدلة من قال بعدم جواز أخذ الأجرة على القربات

فأما الذين قالوا بأنه لا يجوز أخذ الأجرة على القرب فاستدلوا بأدلة، ومن أدلتهم حديث عثمان بن أبي العاص ، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( واتخذ مؤذناً لا يأخذ على أذانه أجراً )، وهذا الحديث رواه أبو داود والترمذي والنسائي ، وصححه الترمذي .

وكذلك أيضاً استدلوا بحديث عبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنه، وفيه: ( أن عبادة رضي الله تعالى عنه علم الناس من أهل الصفة القرآن والكتابة، فأهدى إليه رجل قوساً، قال: فقلت: هذه قوس وليست بمال أتقلدها في سبيل الله، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن سرك أن يقلدك الله قوساً من نار فاقبلها ). وهذا الحديث رواه الإمام أحمد والإمام أبو داود وابن ماجه لكنه ضعيف لا يثبت.

وكذلك أيضاً استدلوا بحديث عبد الرحمن بن شبل وفيه قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( اقرؤوا القرآن ) إلى أن قال: ( ولا تأكلوا به )، وهذا الحديث أيضاً فيه ضعف رواه الإمام أحمد وأبو يعلى والطبراني .

أدلة من قال بجواز أخذ الأجرة على القربات

والذين قالوا: يصح أخذ الأجرة على القرب استدلوا بأدلة، ومن أدلتهم حديث سهل بن سعد: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله )، وقوله: ( كتاب الله ) هذا شامل، وفي حديث أبي سعيد في قصة السرية التي بعثها النبي صلى الله عليه وسلم، فاستضافوا أناساً من العرب فلم يضيفوهم، فلدغ سيدهم، فأتوا إلى الصحابة رضي الله عنهم وسألوهم قارئاً يرقي، فقام أحد الصحابة وجعل يقرأ عليه بفاتحة الكتاب، وقبل ذلك شارطوهم وقالوا: لا نرقي إلا بكذا وكذا من الغنم، فجعل يقرأ عليه فاتحة الكتاب فقام كأنما نشط من عقال، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( خذوا واضربوا لي معكم بسهم )، وحديث سهل : ( إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله )، وحديث سهل بن سعد رضي الله تعالى عنه في قصة الواهبة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( زوجتكها بما معك من القرآن )، فهذه الأدلة تدل لما ذهب إليه المالكية والشافعية.

والأقرب في هذه المسألة أن يقال: إنه يُتوقف على النص، فما دل النص على أنه لا تؤخذ عليه الأجرة، وذلك كالعبادات المحضة التي ليست متعدية، فهذا لا يجوز أخذ الأجرة عليه، مثل: الأذان، والإمامة، والخطابة.. إلخ، فهذه دل النص كما في حديث عثمان بن أبي العاص أنه لا تجوز الإجارة عليها.

أما ما عدا ذلك كالإجارة على الحج، والإجارة على تعليم القرآن، والفتيا، والقضاء، ونحو ذلك، فالذي يظهر والله أعلم أن هذا جائز ولا بأس به؛ ويدل لما سلف من قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله )، كما تقدم أيضاً قول النبي عليه الصلاة والسلام: ( زوجتكها بما معك من القرآن ).

ثم قال المؤلف رحمه الله تعالى: ( ولا تصح على عمل يختص أن يكون فاعله من أهل القربة ).

هذه المسألة تعرف بما يسمى بأخذ الأجرة على القربات، هل يصح أخذ الأجرة على القربة وعلى فعل العبادة؟

والمقصود بالقربة: ما يتقرب إلى الله عز وجل به وهي العبادات، فهل يصح أخذ الأجرة على العبادات أو لا؟ كأخذ الأجرة على الإمامة، والأذان، والخطابة، والقضاء، والفتيا، والتدريس، وغير ذلك، أو أن هذا لا يصح؟

سبق أن ذكرنا أن أخذ المال على القربات ينقسم إلى أربعة أقسام:

القسم الأول: أخذ الرزق من بيت المال فهذا جائز ولا بأس به؛ لأن بيت المال موضوع لمثل هذه المصالح، وقد جاء أيضاً: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى أبا محذورة صرة من فضة )، وكان أبو محذورة مؤذناً.

القسم الثاني: أخذ الجعل بلا مشارطة كأن يقول قائل: من أذن في هذا المسجد فله كذا وكذا، فهذا أيضاً جائز ولا بأس به.

القسم الثالث: الأخذ بلا مشارطة كأن يؤذن أو أن يؤم الناس في رمضان مثلاً، أو أن يدرس، ونحو ذلك، ثم يعطى فهذا جائز ولا بأس به.

القسم الرابع: وهو ما يتعلق بأخذ الأجرة وهو ما يكون عن طريق المؤاجرة والمشارطة، هل هذا جائز أو ليس جائزاً؟

فهذه المسألة موضع كلام كثير للعلماء رحمهم الله تعالى، فهم يفصلون في العبادات ويتكلمون على كل عبادة، وقد أفردت هذه المسألة بمؤلفات مستقلة.

والخلاصة في ذلك: أن أضيق الناس في هذه المسألة هم الحنابلة والحنفية، ففي الجملة لا يرون أخذ الأجرة على القرب، وأوسع الناس في هذه المسألة هم المالكية، ثم يأتي من بعدهم الشافعية.

فعندنا في الجملة أخذ الأجرة على القرب في العبادات للعلماء رحمهم الله تعالى قولان:

القول الأول: وهو قول الحنفية والحنابلة: أنه لا يصح أخذ الأجرة على العبادات.

والقول الثاني: وهو قول المالكية والشافعية: أنه يصح، وهذا في الجملة، وإن كانوا يستثنون بعض الصور أنه يصح أخذ الأجرة على القُرَب، ولكل منهم دليل.

فأما الذين قالوا بأنه لا يجوز أخذ الأجرة على القرب فاستدلوا بأدلة، ومن أدلتهم حديث عثمان بن أبي العاص ، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( واتخذ مؤذناً لا يأخذ على أذانه أجراً )، وهذا الحديث رواه أبو داود والترمذي والنسائي ، وصححه الترمذي .

وكذلك أيضاً استدلوا بحديث عبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنه، وفيه: ( أن عبادة رضي الله تعالى عنه علم الناس من أهل الصفة القرآن والكتابة، فأهدى إليه رجل قوساً، قال: فقلت: هذه قوس وليست بمال أتقلدها في سبيل الله، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن سرك أن يقلدك الله قوساً من نار فاقبلها ). وهذا الحديث رواه الإمام أحمد والإمام أبو داود وابن ماجه لكنه ضعيف لا يثبت.

وكذلك أيضاً استدلوا بحديث عبد الرحمن بن شبل وفيه قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( اقرؤوا القرآن ) إلى أن قال: ( ولا تأكلوا به )، وهذا الحديث أيضاً فيه ضعف رواه الإمام أحمد وأبو يعلى والطبراني .

والذين قالوا: يصح أخذ الأجرة على القرب استدلوا بأدلة، ومن أدلتهم حديث سهل بن سعد: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله )، وقوله: ( كتاب الله ) هذا شامل، وفي حديث أبي سعيد في قصة السرية التي بعثها النبي صلى الله عليه وسلم، فاستضافوا أناساً من العرب فلم يضيفوهم، فلدغ سيدهم، فأتوا إلى الصحابة رضي الله عنهم وسألوهم قارئاً يرقي، فقام أحد الصحابة وجعل يقرأ عليه بفاتحة الكتاب، وقبل ذلك شارطوهم وقالوا: لا نرقي إلا بكذا وكذا من الغنم، فجعل يقرأ عليه فاتحة الكتاب فقام كأنما نشط من عقال، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( خذوا واضربوا لي معكم بسهم )، وحديث سهل : ( إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله )، وحديث سهل بن سعد رضي الله تعالى عنه في قصة الواهبة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( زوجتكها بما معك من القرآن )، فهذه الأدلة تدل لما ذهب إليه المالكية والشافعية.

والأقرب في هذه المسألة أن يقال: إنه يُتوقف على النص، فما دل النص على أنه لا تؤخذ عليه الأجرة، وذلك كالعبادات المحضة التي ليست متعدية، فهذا لا يجوز أخذ الأجرة عليه، مثل: الأذان، والإمامة، والخطابة.. إلخ، فهذه دل النص كما في حديث عثمان بن أبي العاص أنه لا تجوز الإجارة عليها.

أما ما عدا ذلك كالإجارة على الحج، والإجارة على تعليم القرآن، والفتيا، والقضاء، ونحو ذلك، فالذي يظهر والله أعلم أن هذا جائز ولا بأس به؛ ويدل لما سلف من قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله )، كما تقدم أيضاً قول النبي عليه الصلاة والسلام: ( زوجتكها بما معك من القرآن ).

ثم قال المؤلف رحمه الله تعالى: ( وعلى المؤجر كل ما يتمكن به من النفع كزمام الجمل، ورحله، وحزامه، والشد عليه، وشد الأحمال، والمحامل، والرفع، والحط، ولزوم البعير، ومفاتيح الدار وعمارتها ).

هذا ضابط ذكره المؤلف رحمه الله تعالى، وهو أن المؤجر عليه كل ما يتمكن به المستأجر من استيفاء المنفعة، يعني: يجب على المؤجر كل ما يتمكن به المستأجر من استيفاء المنافع، وهذا يختلف باختلاف الزمان والمكان والأعراف.

وكما سلف لنا في باب الشركات والمساقاة والمزارعة، أيضاً يقال هنا في باب الإجارات: إذا كان هناك لفظ فإنه يرجع إلى الشرط اللفظي، وإذا لم يكن هناك لفظ فإننا نرجع إلى العرف، وإذا لم يكن هناك عرف فنرجع إلى ما ذكره العلماء رحمهم الله، وهو أنه يجب على المؤجر كل ما يتمكن به المستأجر من الانتفاع -من استيفاء المنفعة- والذي ذكره المؤلف رحمه الله تعالى هذا كان في زمن سلف.

قوله: ( كزمام الجمل ). يعني: يجب على المؤجر أن يوفر زمام الجمل الذي يقاد به.

قوله: ( ورحله ) الرحل هو الذي يكون على الجمل، ويكون عليه الراكب.

قوله: ( وحزامه، والشد عليه، وشد الأحمال... ) إلخ. المهم أن نقول: إن هذا يختلف باختلاف الزمان والمكان، فإن كان هناك شرط لفظي رجع إليه، وإذا لم يكن هناك شرط لفظي فنرجع للشروط العرفية، وإذا لم يكن هناك شرط عرفي فنرجع إلى كلام العلماء رحمهم الله.

واليوم مثلاً إذا استأجر سيارة لا يخلو من أمرين:

الأمر الأول: أن يستأجر السيارة دون قائدها؛ فعرف الناس أن ما يتعلق بقيادة السيارة يكون على المستأجر، وكذلك أيضاً ما يتعلق بزيت السيارة ونحو ذلك أنه يكون على المستأجر، لكن المؤجر عليه ما يتعلق بالسيارة وأن تكون السيارة سليمة لكي يستوفي المستأجر المنفعة، وأيضاً ما يتعلق بالمفاتيح على المؤجر أن يمكن المستأجر منها وهكذا، هذا إذا استأجر السيارة أو المركوب دون قائد.

الأمر الثاني: إذا استأجر السيارة مع القائد؛ فعرف الناس اليوم أن ما يتعلق بوسائل التشغيل ونحو ذلك -كوقود المحركات- أن هذه تلزم المؤجر ولا تلزم المستأجر.

وهذا قريب مما ذكره المؤلف رحمه الله، يعني ما ذكره المؤلف رحمه الله فيما يتعلق بالجمل في الزمن السابق وقريب مما يوجد الآن في المراكب سواء كانت سيارات أو قاطرات أو طائرات، أو نحو ذلك.

قال رحمه الله: ( ومفاتيح الدار وعمارتها ).

أيضاً عمارة الدار تجب على المؤجر؛ لأن المستأجر لا يتمكن من استيفاء المنفعة إلا بهذه العمارة.

فمثلاً لو سقط حائط من حيطان الدار فالذي يلزم ببناء هذه الحائط هو المؤجر مالك الدار، ولو فسدت الأنوار أو تمديدات الكهرباء أو تمديدات الماء فالذي يلزم بإصلاح هذه الأشياء هو المؤجر، وهذا هو كلام المؤلف رحمه الله؛ لأن المستأجر لا يتمكن من استيفاء المنافع إلا عن طريق إصلاح مثل هذه الأشياء؛ ولأن الذي يجبر على إصلاحه هو المؤجر.

فما يتعلق بعمارة الدار وإصلاح السيارة ونحو ذلك فالذي يلزم به هو المؤجر؛ لأنه لا يتمكن المستأجر من استيفاء المنافع إلا بعد هذه العمارة، فلو فسدت تمديدات المياه، أو تمديدات الكهرباء، أو تعطلت بعض الأنوار، أو انكسر شيء من الأبواب، أو تهدم شيء من الحيطان، فهذه كلها تجب على المؤجر؛ إذ إن المستأجر لا يتمكن من الاستيفاء إلا بعد إصلاح مثل هذه الأشياء.

قال رحمه الله: ( فأما تفريغ البالوعة والكنيف فيلزم المستأجر إذا تسلمها فارغة ).

معنى كلام المؤلف رحمه الله: أن ما يتعلق بتفريغ البالوعة والكنيف فيلزم المستأجر، فلو أن المستأجر تسلم البيت والبالوعة فارغة ثم امتلأت، أو الكنيف، -المكان الذي يكون فيه فضلات الآدميين- تسلمها فارغة ثم اشتغل بهذه الفضلات، فيقول المؤلف رحمه الله: هذه يلزم المستأجر تنظيفها.

وهذا كما أسلفنا يختلف باختلاف أعراف الناس، فإذا كان هناك لفظ فإنه يرجع إلى الشرط اللفظي، وإذا لم يوجد لفظ فيرجع إلى العرف، والآن عرف الناس أن المستأجر لا يفرغ مثل هذه الأشياء، ولا يلزمه أن يستأجر من يفرغ مثل هذه الأشياء، وهذا القول هو الصواب؛ أن المرجع في ذلك إلى العرف.

قال المؤلف رحمه الله: ( فصل: الإجارة وهي عقد لازم ).

يعني: عقد الإجارة من العقود اللازمة، وسبق لنا أن عقد الإجارة نوع من البيع؛ إذ إنها بيع للمنافع، وسبق أيضاً أنه يثبت فيها خيار المجلس؛ لأنها عقد لازم، ومعنى ذلك أنه لا يتمكن أحد المتعاقدين بعد لزوم العقد من فسخ العقد إلا برضا الآخر، فالإجارة: عقد لازم من قبل المؤجر ومن قبل المستأجر، فإذا آجره البيت نقول: هذا عقد لازم لا يملك أحدهما أن يفكه إلا برضا الآخر، أو بوجود شيء من مقتضيات فسخ عقد الإجارة كما سيأتينا إن شاء الله، وإنما كانت عقداً لازماً؛ لأنها نوع من البيع، والبيع من العقود اللازمة.

ورتب المؤلف رحمه الله على قوله بأنها عقد لازم فقال: ( فإن آجره شيئاً، ومنعه كل المدة أو بعضها فلا شيء له ). أي: إذا آجره عيناً كبيت أو دكان لمدة سنة، لكن المؤجر منع المستأجر فلم يمكنه من الانتفاع كأن لم يعطه المفاتيح، فقال المؤلف: ليس له شيء من الأجرة إذا منعه كل المدة.

كذلك أيضاً: لو منعه بعض المدة فليس له شيء من الأجرة، ولنفرض أنه آجره البيت لمدة سنة، وبعد أن مضى ستة أشهر أو عشرة أشهر وبقي شهران، قال المؤجر للمستأجر: اخرج، فقال المستأجر: بقي شهران، فقال المؤجر: لابد أن تخرج، الأصل أنه لا يجوز له أن يخرجه؛ لأن عقد الإجارة عقد لازم، لكن لو فرض أنه ألزمه بالخروج فهل يستحق شيئاً من الأجرة؟ قال المؤلف: لا يستحق شيئاً من الأجرة، وهذا الرأي الأول.

والرأي الثاني: يستحق المؤجر من الأجرة بقدر ما سكن المستأجر؛ وذلك لأنه استوفى هذه المنافع في تلك المدة، فيلزمه قيمتها، ونسبه ابن قدامة رحمه الله إلى أكثر الفقهاء.

والأقرب والله أعلم أن يقال: إنه ينظر إلى الضرر، فإن كان المستأجر يتضرر بخروجه بحيث يلحقه مضرة، أو لا يجد إلا بثمن أعلى، أو لا يجد إلا بعد المشقة والتعب ونحو ذلك، فنقول: ليس للمؤجر شيء، أو أنه ينقص ويخصم من نصيب المؤجر بقدر ما يحصل للمستأجر من الضرر.

قال رحمه الله: (وإن بدأ الآخر قبل انقضائها فعليه).

يعني: المراد بالآخر هنا هو المستأجر، فلو فرض أن المستأجر خرج من البيت أو خرج من الدكان وقد بقي له شهر، فهل يلزم المؤجر بأن يخصم أجرة هذا الشهر؟ نقول: لا يلزم، فما دام أنه مكنه من الانتفاع فلا يلزمه أن يخصم قيمة أجرة هذا الشهر، لكن المستأجر له أن يؤجر البيت لمدة هذا الشهر، نقول: أنت أيها المستأجر أجره، إن لم يخصم لك، يعني: لك أن تستوفيه ولك أن تنيب غيرك في استيفائه، وهذا الكلام الذي ذكره المؤلف رحمه الله كله مرتب على أن عقد الإجارة عقد لازم.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور خالد بن علي المشيقح - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح زاد المستقنع - كتاب الطهارة [17] 2816 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب النكاح [13] 2730 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب المناسك [5] 2676 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [19] 2643 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب البيع [26] 2638 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [32] 2556 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الأيمان [2] 2553 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الحدود [7] 2526 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الإيلاء [1] 2520 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [8] 2496 استماع