شرح زاد المستقنع - كتاب البيع [27]


الحلقة مفرغة

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وإن تصرف في ذمته، أو أقر بدين، أو جناية توجب قوداً، أو مالاً صح، ويُطالب به بعد فك الحجر عنه، ويبيع الحاكم ماله ويقسم ثمنه بقدر ديون غرمائه، ولا يحل مؤجل بفلس، ولا بموت، إن وثق ورثته برهن أو كفيل مليء، وإن ظهر غريم بعد القسمة رجع على الغرماء بقسطه، ولا يفك حجره إلا حاكم.

فصل: (في المحجور عليه لحظه) ويُحجر على السفيه، والصغير، والمجنون لحظهم، ومن أعطاهم ماله بيعاً أو قرضاً رجع بعينه، وإن أتلفوه لم يضمنوا, ويلزمهم أرش الجناية، وضمان مال من لم يدفعه إليهم، وإن تم لصغير خمس عشرة سنة، أو نبت حول قبله شعر خشن، أو أنزل، أو عقل مجنون ورشد، أو رشد سفيه زال حجرهم بلا قضاء، وتزيد الجارية في البلوغ بالحيض، وإن حملت حُكم ببلوغها. ولا ينفك قبل شروطه].

تقدم لنا شيء من أحكام الحجر، وذكرنا أن الحجر حجران: حجر لحظ الغير، وحجر لحظ النفس.

وذكرنا أن الحجر لحظ الغير أنواع، لكن الذي يبحثه العلماء في باب الحجر هو الحجر على المدين، وأما بقية أنواع الحجر لحظ الغير فإن العلماء -رحمهم الله- يبحثونها متفرقة في أبواب الفقه.

وتقدم لنا أحكام المدين, وأن المدين له ثلاثة أقسام:

القسم الأول: المدين المعسر الذي ليس عنده شيء، وهذا يحرم مطالبته بالمال, ويجب إنظاره, ويسن إبراؤه ولا يُحجر عليه.

والقسم الثاني: المدين المليء الذي ماله يوفي ديناً، أو أكثر من دين، فهذا أيضاً لا يُحجر عليه، بل يجب عليه أن يوفي، فإن أبى أن يوفي فإن الحاكم يستولي على ماله، ويوفي للغرماء حقوقهم، ويُحل عرضه وعقوبته.

والقسم الثالث: المدين الذي يُحجر عليه، وهو الذي عنده أموال لكن هذه الأموال لا تفي بدينه، أي أن دينه أكثر من ماله, فهذا يُحجر عليه بطلب الغرماء كلهم أو بعضهم، وسبق لنا جملة من أحكام الحجر, ومن ذلك: ما يتعلق بالتصرفات في أمواله على وجه المعاوضة.

ومن ذلك أيضاً: التصرفات في ماله على وجه التبرع. ومن الأحكام أيضاً هل يُقبل إقراره على ماله أو لا يُقبل؟ كذلك أيضاً من الأحكام من أدرك ماله بعينه عند رجل أفلس، يعني: مفُلس حجر عليه القاضي، هل يكون أحق به أو لا يكون أحق به؟ عند جمهور أهل العلم يكون أحق به، وعند الحنفية لا يكون أحق به.

وذكرنا أن الصواب في هذه المسألة ما ذهب إليه جمهور أهل العلم. إلى آخر الأحكام السابقة، وبقيت أيضاً جملة من الأحكام سيأتي بيانها إن شاء الله.

البيع على المفلس وإقراضه

قال المؤلف رحمه الله: (ومن باعه أو أقرضه شيئاً بعده رجع فيه، إن جهل حجره، وإلا فلا).

وهذه آخر مسألة تكلمنا عليها وقلنا: بأن من باع المفلس شيئاً ثم أدرك ماله بعينه فهو أحق به، لكن اشترط المؤلف رحمه الله أن يكون جاهلاً بالحجر، فإن كان عالماً بالحجر فإنه لا يكون أحق به.

وقوله رحمه الله تعالى: (باعه أو أقرضه)، يعني: لو أنه أقرضه جاهلاً بحجره ثم وجد عين ماله هل يكون أحق به أو لا؟ المؤلف رحمه الله يقول: بأن القرض كالبيع، فإذا أقرض أو باع وهو يجهل الحجر فإنه يكون أحق به.

وقوله: (بعده) أي بعد الحجر من أدرك ماله عند هذا الرجل المفلس هل هذا خاص بالبيع، أو أنه يشمل البيع والقرض؟ المؤلف رحمه الله يقول: بأنه شامل للبيع وللقرض، فمن أدرك ماله بعينه بعد أن باعه للمفلس وهو يجهل حجره إذا كان التعامل معه بعد الحجر فهو أحق به، وتقدم أنه أحق به بشروط.

لكن هل هذا الحكم ينطبق على القرض أو لا ينطبق على القرض؟ بمعنى: لو أن شخصاً أقرضه بعد الحجر وهو يجهل الحجر عليه، ثم أدرك ماله بعينه عند هذا المفلس، هل يكون أحق به أو لا يكون؟ للعلماء رحمهم الله في ذلك رأيان:

الرأي الأول: وهو المشهور من المذهب وهو مذهب الشافعية، أنه يكون أحق بماله؛ لعموم الحديث: ( من أدرك ماله عند رجل أفلس فهو أحق به ).

والرأي الثاني: أنه لا يكون أحق به إنما يكون أحق به إذا باع، أما إذا أقرض فإنه لا يكون أحق به، وهذا ذهب إليه بعض الشافعية وبعض الحنابلة، وقالوا: بأن الأمر خاص بالبيع، واستدلوا على ذلك بأنه ورد في بعض ألفاظ الحديث لفظ البيع، فيتقيد ذلك بالبيع.

والصواب في هذه المسألة: أنه يشمل البيع والقرض في إطلاق الحديث، وكونه وجد بعض ألفاظ البيع هذا لا يقتضي التخصيص؛ لأن القاعدة كما تقدم أن الخاص يخص العام إذا اختلفا في الحكم، أما إذا اتفقا في الحكم فإن الخاص لا يخص العام.

تصرفات المحجور عليه في ذمته

قال المؤلف رحمه الله تعالى: (وإن تصرف في ذمته).

هذا هو الحكم السابع: تصرفات المحجور عليه في ذمته، نقول: بأن تصرفاته في ذمته تصرفات صحيحة؛ لأن الحجر تعلق بأعيان ماله، وأما الذمة فإنها صحيحة لا حجر على ذمته؛ لأنه رشيد يُحسن التصرف، وعلى هذا إذا تصرف في ذمته كأن اشترى شيئاً بثمن مؤجل، أو ضمن شخصاً أو كفل آخر، فإن هذه التصرفات صحيحة؛ لأنه تصرف في الذمة, والذمة قابلة للتصرف.

إقرار المحجور عليه بجناية أو مال

قال المؤلف رحمه الله تعالى: (أو أقر بدين أو جناية توجب قوداً أو مالاً صح).

هذا هو الحكم الثامن: إذا أقر بدين، أيضاً هذا الإقرار صحيح؛ لأنه أقر في ذمته، وهو أهل للتصرف والإقرار، والحجر إنما هو متعلق بأعيان ماله لا تعلق له بذمته.

وقوله: (أو جناية توجب قوداً أو مالاً صح). كذلك أيضاً: لو أقر بجناية توجب قوداً قصاصاً، كما لو أقر أنه قتل، أو أنه قطع يداً أو نحو ذلك, توجب قوداً، أو توجب مالاً، يعني: هذه الجناية ليس فيها قصاص، ويجب فيها المال مثل الجائفة, فالمشهور من المذهب أن الجائفة لا قصاص فيها، وحينئذ يجب فيها المال، فإذا أقر أنه جنى على شخص جائفة، فإن هذا الإقرار يقول المؤلف رحمه الله أنه صحيح.

والعلة في ذلك -كما سلف- أن الحجر متعلق بأعيان ماله ولم يتعلق بذمته، فهذه الإقرارات تلحق الذمة أي تلحق البدن، والحجر إنما هو متعلق بأعيان ماله.

قال رحمه الله: (ويُطالب به بعد فك الحجر عنه).

يعني: إذا أقر لشخص بدين، أو أقر بجناية توجب قصاصاً، أو قوداً، أو مالاً.

يقول المؤلف رحمه الله: هذا الدين الذي أقر به يُطالب به بعد فك الحجر عنه.

وكذلك أيضاً: هذه الجناية التي توجب المال إذا أقر بها يُطالب بها بعد فك الحجر عنه.

ومثله أيضاً: لو تصرف في ذمته، كأن اقترض أو ضمن أو كفل فهذه تصرفات صحيحة؛ لأنها متعلقة بالذمة وليست متعلقة بالمال، فيطالب بهذه الأشياء بعد فك الحجر عنه.

بيع الحاكم مال المحجور عليه وقسمته على الغرماء

قال المؤلف رحمه الله: (ويبيع الحاكم ماله، ويقسم ثمنه بقدر ديون غرمائه).

هذا الحكم التاسع من أحكام المحجور عليه بالفلس، وهذا هو فائدة الحجر، أن الحاكم يستولي على ماله ويقسم هذا المال على الغرماء بقدر ديونهم بالقسط.

فمثلاً: لو كان لزيد مائة ألف ديناً، وعمرو له مائتان، وبكر له مائتان، هذه خمسمائة ألف هي الديون، والمال يساوي مائة ألف، فكيف نقسم هذه المائة على هؤلاء الغرماء الثلاثة؟

نقول: أولاً: نجمع الديون, فالديون الآن بعد الجمع تساوي خمسمائة ألف ريال، ننسب المال إلى مجموع الديون، ثم نعطي كل واحد من الغرماء بمقدار تلك النسبة، فمائة ألف إلى خمسمائة تساوي الخمس، نعطي كل واحد من الغرماء من دينه بمقدار تلك النسبة، فصاحب المائتين نعطيه من المائة أربعين ألفاً، وصاحب المائتين الآخر نعطيه أربعين ألفاً، وصاحب المائة الثالثة نعطيه عشرين، فأربعون مع أربعين مع عشرين تساوي المائة, هذا هو المال.

فالطريقة: أنك تجمع الديون ثم بعد ذلك تنسب المال إلى مجموع الديون، ثم تعطي كل واحد من الغرماء من ذلك المال بمقدار تلك النسبة، فعندك خمسمائة هذا مجموع الدين، المال يساوي مائة، المائة إلى الخمسمائة تساوي الخمس، فكل واحد نعطيه من المائة بمقدار تلك النسبة من دينه، فصاحب المائتين نعطيه أربعين, وصاحب المائة نعطيه عشرين، وهكذا يقسم مال المفلس.

الديون المؤجلة لا تحل بفلس أو موت

قال المؤلف رحمه الله: (ولا يحل مؤجل بفلس).

هذا الحكم العاشر: أن الديون المؤجلة لا تحل بتفليس المدين، فإذا حجر القاضي على شخص فإن الذين يعطون أو يقسم بينهم المال من لهم ديون حالة، أما من له دين مؤجل فإنه لا يملك أن يطالب، وهذا هو الرأي الأول من آراء العلماء.

ودليل ذلك أن التأجيل حق مالي كما تقدم. وسبق لنا أن ذكرنا أن بعض العلماء يرى أنه تصح المعاوضة عليه, وهذا هو قول جمهور العلماء رحمهم الله، وعلى هذا إذا حجر القاضي على هذا المدين, وهناك ديون مؤجلة فإن هذه الديون لا تحل بالحجر، ولا يملك أصحابها أن يطالبوا بسداد شيء من دينه؛ لأن الأجل حق للمحجور عليه، أي: للمفلس.

والرأي الثاني: رأي الإمام مالك رحمه الله تعالى: أنه إذا حُجر على الشخص وله دين مؤجل، فإن هذا الدين يحل، قالوا: لخراب ذمته؛ أي: لأن ذمته خربت بالحجر عليه.

لكن الصواب في هذه المسألة ما سلف: أنه لا يحل الدين المؤجل بالتفليس؛ لأن الأجل كما سلف حق.

قال المؤلف رحمه الله: (ولا بموت إن وثق ورثته برهن أو كفيل مليء).

وهذه أيضاً مسألة تحدث كثيراً، مثلاً: يموت الشخص وعليه ديون مؤجلة، هذا زيد يريد منه مائة ألف تحل بعد سنة، وهذا يريد منه مائتين تحل بعد سنتين، فإذا مات شخص وعليه ديون مؤجلة, فهل هذه الديون تحل ويملك الغرماء أن يطالبوا الورثة بسداد هذه الديون أو لا يملكون؟

للعلماء رأيان:

الرأي الأول: وهو رأي أكثر أهل العلم قالوا بأنها تحل، أي: تحل هذه الديون المؤجلة؛ لأن المال الآن انتقل للورثة، وربما أن حق الغريم يضيع؛ لأن الورثة سيقتسمون هذا المال. فأكثر العلماء خلاف المذهب، أن الدين المؤجل يحل بالموت.

والرأي الثاني: وهو المذهب أن الدين المؤجل لا يحل بالموت، لكن اشترط المؤلف رحمه الله فقال: (إن وثق ورثته برهن أو كفيل مليء) أي قالوا: للغريم أو للغرماء: هذا رهن فخذوه، أو هذا الشخص يكفل إذا حل الأجل. وهذا القول الذي ذهب إليه الحنابلة رحمهم الله يظهر أنه هو الصواب؛ لأن هذا القول فيه جمع لحق الورثة وحق الغرماء، فحق الغرماء الآن ضُمن بالرهن، أو بالضمين المليء، وحق الورثة نقول بأن الأجل حق مالي، وهذا الحق المالي يورث كما تقدم، وإذا كان كذلك فإن هذا الحق لا يسقط بالموت كما تقدم لنا، بل تصح المعاوضة عليه.

فالصواب في هذه المسألة: هو ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله، وأن الديون المؤجلة لا تحل بالموت، أي: بموت المدين لكن يجب على الورثة أن يوثقوا برهن يحرز, أو بكفيل مليء.

ظهور غريم بعد القسمة

قال المؤلف رحمه الله: (وإن ظهر غريم بعد القسمة رجع على الغرماء بقسطه، ولا يفك حجره إلا حاكم).

يعني أن القسمة لا تُحل بل القسمة تبقى على ما هي عليه, ويرجع على كل واحد من الغرماء بنسبة ماله.

فمثلاً: في المثال السابق كان المال مائة ألف، والديون تساوي خمسمائة، وأعطينا كل واحد من الغرماء من الدين بمقدار نسبة المال إلى مجموع الديون.

فنحن قسمنا الآن هذه المائة على ثلاثة غرماء، وخرج عندنا غريم رابع هو صالح، قال: أنا أريد منه أيضاً ديناً يساوي عشرين ألفاً، نقول: تبقى القسمة على ما هي عليه.

الآن أصبح عندنا مجموع المال مائة وعشرين, لكن هذه يصير فيها كسر، نفرض أن المال أولاً كان خمسين ألفاً.

نعيد المثال لكي لا يخرج عندنا كسر، زيد يريد عشرين ألفاً وعمرو يريد عشرين ألفاً، هذه أربعون، هذا الدين، والمال الذي عنده يساوي عشرة آلاف ريال، نسبة العشرة إلى الأربعين تكون الربع، فنعطي صاحب العشرين الربع. خمسة آلاف، ونعطي صاحب العشرين الثاني الربع خمسة آلاف.

فجاءنا صالح وقال: أنا أريد منه عشرة آلاف، كم أصبح الآن الدين؟ أصبح خمسين ألفاً، ونسبة العشرة إلى الخمسين الخمس، فالأول: زيد كم أعطيناه في المثال السابق؟ أعطيناه خمسة آلاف، فكم يستحق الآن؟ يستحق أربعة. نحن في الأول أعطيناه الربع (خمسة)، أما الآن فنعطيه الخمس. أربعة، كم زاد؟ زاد ألف.

نقول: أعطِ هذا الألف لصالح، وعمرو أيضاً أعطيناه في المثال الأول خمسة، وكم يستحق بعد ظهور صالح؟ أربعة، نقول: يعطي صالحاً الألف, فهذا يكون له أربعة, وهذا يكون له أربعة, وهذا صالح الذي ظهر غريماً جديداً يكون له ألفان.

فالقسمة تبقى على ما هي عليه، ويرجع الغريم الجديد على الغرماء بقدر حقه، فيرجع على زيد بألف ويرجع على عمرو بألف، ولهذا قال المؤلف رحمه الله: (وإن ظهر غريم بعد القسمة رجع الغرماء بقسطه).

وقوله: (ولا يفك حجره إلا حاكم) أي: لا يفك حجره إلا القاضي.

الأمور التي لا تدخل في الحجر

انتهينا الآن من القسم الأول من قسمي المحجور عليه. وهو المحجور عليه لحظ الغير، وهناك أحكام أيضاً ما ذكرها المؤلف رحمه الله تتعلق بالمحجور عليه لفلس.

الحكم الحادي عشر: أن الأسباب المحصلة للمال لا يُحجر عليه فيها، مثلاً: كالاحتطاب والاحتشاش والاصطياد ونحو ذلك نقول: بأنه لا يُحجر عليه في هذه الأشياء.

أيضاً من الأحكام: العقود والفسوخ التي لا تتعلق بالمال لا يُحجر عليه فيها، مثل النكاح والطلاق وغير ذلك فالأشياء التي لا تعلق لها بالمال نقول بأنه لا يُحجر عليه فيها.

التعامل مع المحجور عليه لذمته

أيضاً قول المؤلف رحمه الله تعالى: (ومن باعه أو أقرضه شيئاً بعده رجع فيه إن جهل حجره وإلا فلا).

ظاهر كلام المؤلف أن البائع والمقرض يكون أحق بماله إذا وجده بعينه، إذا كان هذا التعامل بعد الحجر، وهو يجهل ذلك، وحينئذ تكون هذه المسألة لها ثلاثة أقسام:

القسم الأول: أن يكون التعامل بعد الحجر، نقول: لا يكون أحق به.

القسم الثاني: أن يكون التعامل بعد الحجر وهو يجهل الحجر، فهذا يكون أحق بماله ما دام أنه يجهل الحجر.

القسم الثالث: أن يكون التعامل قبل الحجر، فظاهر كلام المؤلف رحمه الله أنه لا يكون أحق به وظاهر الحديث أنه يكون أحق؛ لأن الحديث عام: ( من أدرك ماله بعينه )، فأصبح عندنا هذه المسألة لها ثلاثة أقسام.

قال المؤلف رحمه الله: (ومن باعه أو أقرضه شيئاً بعده رجع فيه، إن جهل حجره، وإلا فلا).

وهذه آخر مسألة تكلمنا عليها وقلنا: بأن من باع المفلس شيئاً ثم أدرك ماله بعينه فهو أحق به، لكن اشترط المؤلف رحمه الله أن يكون جاهلاً بالحجر، فإن كان عالماً بالحجر فإنه لا يكون أحق به.

وقوله رحمه الله تعالى: (باعه أو أقرضه)، يعني: لو أنه أقرضه جاهلاً بحجره ثم وجد عين ماله هل يكون أحق به أو لا؟ المؤلف رحمه الله يقول: بأن القرض كالبيع، فإذا أقرض أو باع وهو يجهل الحجر فإنه يكون أحق به.

وقوله: (بعده) أي بعد الحجر من أدرك ماله عند هذا الرجل المفلس هل هذا خاص بالبيع، أو أنه يشمل البيع والقرض؟ المؤلف رحمه الله يقول: بأنه شامل للبيع وللقرض، فمن أدرك ماله بعينه بعد أن باعه للمفلس وهو يجهل حجره إذا كان التعامل معه بعد الحجر فهو أحق به، وتقدم أنه أحق به بشروط.

لكن هل هذا الحكم ينطبق على القرض أو لا ينطبق على القرض؟ بمعنى: لو أن شخصاً أقرضه بعد الحجر وهو يجهل الحجر عليه، ثم أدرك ماله بعينه عند هذا المفلس، هل يكون أحق به أو لا يكون؟ للعلماء رحمهم الله في ذلك رأيان:

الرأي الأول: وهو المشهور من المذهب وهو مذهب الشافعية، أنه يكون أحق بماله؛ لعموم الحديث: ( من أدرك ماله عند رجل أفلس فهو أحق به ).

والرأي الثاني: أنه لا يكون أحق به إنما يكون أحق به إذا باع، أما إذا أقرض فإنه لا يكون أحق به، وهذا ذهب إليه بعض الشافعية وبعض الحنابلة، وقالوا: بأن الأمر خاص بالبيع، واستدلوا على ذلك بأنه ورد في بعض ألفاظ الحديث لفظ البيع، فيتقيد ذلك بالبيع.

والصواب في هذه المسألة: أنه يشمل البيع والقرض في إطلاق الحديث، وكونه وجد بعض ألفاظ البيع هذا لا يقتضي التخصيص؛ لأن القاعدة كما تقدم أن الخاص يخص العام إذا اختلفا في الحكم، أما إذا اتفقا في الحكم فإن الخاص لا يخص العام.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور خالد بن علي المشيقح - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح زاد المستقنع - كتاب الطهارة [17] 2816 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب النكاح [13] 2730 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب المناسك [5] 2676 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [19] 2643 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب البيع [26] 2638 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [32] 2556 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الأيمان [2] 2553 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الحدود [7] 2526 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الإيلاء [1] 2520 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [8] 2496 استماع