تدبر - [151] سورة الحجر (4)
مدة
قراءة المادة :
دقيقتان
.
{وَجَاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ} [الحجر:67]..يستبشرون؟!
وبِمَ يستبشرون!
برذيلةٍ هم عليها مُقدِمون!
بفُحشٍ هم له مُستحلِّون، وضلالة مبتكرة، ونقيصة مخترعة، ما سبقهمم بها من أحد من العالمين..!أحريٌّ بهم أن يبتئسوا ويحزنوا، بدلًا من ذلكم الاستبشار..!لكن هذا شأن الفطرة حين تنتكس..تفرح وتسعد بما حق لها أن تتأذى به وتحزن..
انطلق ذكور القرية، وعلى رأسهم سادتها وكبراؤها، قد ساوت بينهم جميعًا حرارة الشهوة، وجمعت بينهم نيران الفتنة، وصهرتهم في كيانٍ واحد..كيان الفسق وانتكاس الفطرة والفجور..هرع الكل إلى بيت لوط، يُمنِّي نفسه بالفريسة الشهية التي هو مُقبِلٌ عليها..لقد تعالى ضباب الشهوة ليطغى على كل شيء..لتنخرم المروءة، ولينطمس الخُلق القويم، وليُمحى أي أثر للفطرة السليمة، والرجولة والشرف..
ما أشبههم في تلك اللحظة بقطيعٍ من الحيوانات المفترسة؛ يسيل لعاب الجوع من بين أشداقها..ما أشبههم بجمعٍ من الضباع الخسيسة، لا تُفكِّر إلا في سدِّ رمقها، مهما كانت وسائلها..بلى والله إنهم لأدنى من الحيوانات، فإنها لا تأتي إلا ما فطر الله غريزتها عليه، إبقاء لجنسها وحفظا لنسلها، فلا تنحرِف أبدًا لشذوذهم ولا تتردَّى في دركهم، وهي مع إتيان ما أحل الله لها؛ ربما توارت عن الأنظار، فلا يكاد أحد يشعر بها، ولا تُجاهِر بما يُجاهِرون به ويأتونه في ناديهم بكل صفاقة ووقاحة..!الغريب أن الحيوان ليستقيم في فطرته، ويعلم وجهته، أفضل من أولئك المنحرفين المعوجين..!
يا له من سلوك فاحش منتكس مستقذَر ممجوج!يا لها من خيبةٍ وخزي؛ حين تنتكِس الفطرة الإنسانية لهذا الدرك السحيق ويذل البشر المُكرَّمون ويهونون على أنفسهم لهذه الدرجة!