لمحات في نظام التنفيذ (5)
مدة
قراءة المادة :
12 دقائق
.
فقه التقاضيالحلقة (109)
لمحات في نظام التنفيذ (5)
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:
فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وحياكم الله - مستمعي الأفاضل - في برنامجكم: "فقه التقاضي"، وكنا في حلقات مضت قد دلفنا إلى نظام التنفيذ السعودي، الصادر في تاريخ 13 /8 /1433هـ، الذي أورد ما يتعلق بتنفيذ الأحكام القضائية، وفصَّل في آليات التنفيذ، ووضح اختصاصات قضاة وإدارات التنفيذ والأموال التي تكون محل التنفيذ.
والمقصود بتنفيذ الأحكام في الأنظمة القضائية: إجبارُ المحكوم عليه على القيام بما أُلزم به عينيًّا، أو القيامُ به على نفقته، أو الحجزُ على أمواله العقارية والمنقولة، ونزعُ ملكيتها وبيعُها جبرًا عنه لاستيفاء حق الدائن من قيمتها.
وقد صدر نظام التنفيذ في ثمان وتسعين مادة، انتظمت في خمسة أبواب واثني عشر فصلاً.
وأنهينا في الحلقات الماضية استعراض البابين الأول والثاني.
ووقَف بنا الحديث عند الباب الثالث الذي خُصص لبيان كيفية تنفيذ الأحكام على أموال المدين، بعنوان: (إجراءات التنفيذ)، ويتألف هذا الباب من أربعة فصول، الفصل الأول: الحجز التنفيذي، ومضى الحديث عنه في الحلقة الماضية، والفصل الثاني: بيع المال المحجوز، وخلاصته:
أن قاضي التنفيذ يحدد صالة المزاد؛ أي: المكان الذي سيباع فيه المال المحجوز، ولا يدخل هذا المكان المحدد إلا من تأهَّل للمشاركة فيه، ويتأهل المشاركون في المـزاد بموجب ترتيبات تضعها وزارة العدل بالاتفاق مع مؤسسة النقد العربي السعودي، تنظم إثبات ملاءمة المشاركين في المزاد، وطريقة خصم المبالغ والسداد فور رسو المزاد.
ويعلن عن المزاد قبل اليوم المحدد لإجرائه بمدة لا تزيد على ثلاثين يومًا، ولا تقل عن خمسة عشر يومًا في موقع بيانات التنفيذ، وبالإلصاق على باب المكان الذي فيه الأموال المحجوزة، مبينًا فيه يوم البيع وساعته ومكانه، ونوع الأموال المحجوزة ووصفها بالإجمال، ويجوز لقاضي التنفيذ أن يأمر بنشر هذا الإعلان في صحيفة أو أكثر من الصحف اليومية خصمًا من حصيلة البيع.
ويبدأ المزاد بحضور مأمور التنفيذ، وينادي الوكيل بالقيمة التي يفتتح فيها المزاد للمال المحجوز، ولا يجوز البيع بأقل من القيمة المقدرة، فإن لم يتقدم مشترٍ، حدد مأمور التنفيذ موعدًا آخر للمزاد خلال مدة لا تزيد على يومين، وتباع الأموال المحجوزة بما يقف عليه المزاد، إلا إذا كان المال عقارًا، أو كان من المعادن الثمينة أو المجوهرات أو ما في حُكمها، فيأمر قاضي التنفيذ بإعادة التقويم، ويفتتح المزاد بالتقويم الأخير، وتباع بما يقف عليه المزاد.
ويجب على من رسا عليه المزاد سداد الثمن فورًا.
وإذا لم يسدد مَن رسا عليه المزاد الثمن في الموعد المحدد، يعاد البيع على مسؤوليته بمزايدة جديدة، ويلزم المتخلِّف بما نقص من الثمن وبمصروفات المزايدة، ويُردُّ إليه ما زاد على ذلك.
وتنص المادة الحادية والخمسون على أنه: (يحظر التأثير على أسعار المزاد بأي ترتيب يؤدي إليه، وعلى قاضي التنفيذ أن يطلب من هيئة التحقيق والادعاء العام إجراء التحقيق اللازم إذا قامت شبهة التواطؤ)، وذلك منعًا للتلاعب بأموال الناس.
وتضيف المادة الثانية والخمسون: (يوقف مأمور التنفيذ البيع على باقي أموال المدين إذا نتج مما بِيعَ من أموال مبلغٌ كافٍ لوفاء الدَّين المحجوز بسببه، مضافًا إليه نفقات التنفيذ، أو أحضر المحجوز عليه المبلغ الواجب دفعه).
وتبين المادة الثالثة والخمسون أن مأمور التنفيذ يحرر محضرًا يثبت فيه ما تم من إجراءات، واسم مَن رسا عليه المزاد، ومقدار الثمن، ويصدر قاضي التنفيذ قرارًا بترسية المزاد على من رسا عليه بعد تحصيل المبلغ لحساب محكمة التنفيذ، متضمنًا ملخص محضرَيِ الحجز والبيع، ويتضمن القرار تسليم المشتري المال المبيع، ويكون قرار البيع سندًا تنفيذيًّا.
وأما إذا كان المال المحجوز من الأوراق المالية الخاضعة لنظام السوق المالية، فإن بيعها يكون من خلال شخص مرخَّص له من هيئة السوق المالية بالوساطة في الأوراق المالية، ويتم الاتفاق بين وزارة العدل وهيئة السوق المالية على وضع الضوابط اللازمة لبيع هذه الأوراق، بما يحقق عدالة السعر، وضمانات التنفيذ.
وتضيف المادة السادسة والخمسون: أنه (تفتح حسابات مصرفية باسم المحكمة تودَع فيها وتصرف منها أموال التنفيذ)، و(تودع المعادن الثمينة والمجوهرات - وما في حكمها - في خزانة البنك الذي لديه حسابات محكمة التنفيذ).
وأما توزيع حصيلة التنفيذ فبيانه في الفصل الثالث، وخلاصته: أن حصيلة التنفيذ توزع - بأمر من قاضي التنفيذ - على الدائنين الحاجزين، ومن يعد طرَفًا في الإجراءات؛ كوكيل البيع، والحارس القضائي، ونحوهم.
وإذا كانت حصيلة التنفيذ لا تكفي للوفاء بجميع حقوق ذوي الشأن (الدائنين الحاجزين ومن يعد طرفًا في الإجراءات)، واتفق هؤلاء على تسوية ودية فيما بينهم لتوزيعها، يثبت قاضي التنفيذ اتفاقهم في محضر، ويوقعه مأمور التنفيذ، والمنفذ لهم، والقاضي، وتكون لهذا المحضر قوة السند التنفيذي في مواجهتهم.
وإذا لم تكن الحصيلة كافية، ولم يتفق ذوو الشأن على تسوية ودية لتوزيع الحصيلة، يثبت قاضي التنفيذ الاعتراض في محضر يوقعه القاضي، ومأمور التنفيذ، والأطراف ذوو الشأن، ويصدر قاضي التنفيذ حكمًا يتضمن توزيع الحصيلة بين الدائنين، وفقًا للأصول الشرعية والنظامية.
مستمعيَّ الأفاضل، نلحظ من أحكام هذين الفصلين وإجراءاتهما العناية التامة بآلية بيع المال المحجوز، وإجراءات تسليم المبالغ المتحصلة من البيع على الدائنين، وغيرهم ممن وجب لهم حق في مال المدين الممتنع عن السداد، وفي هذه الإجراءات ضبط للأمور، وحفظ لحقوق الدائنين، وكذلك رعاية لمال المدين الممتنع عن التنفيذ؛ إذ إن امتناعه عن السداد لا يبيح اجتياح ماله والتهاون بحقوقه، بل يُباع المال المحجوز كما تباع سائر الأموال، مع اتخاذ السبل الكفيلة بمنع إيقاع الظلم على المدين.
وأما الفصل الرابع فهو مخصص للحديث عن حجز ما للمدين لدى الغير، وهو فصل حوى أحكامًا مهمة في طريقة إيقاع الحجز، وسيكون - بإذن الله تعالى - محور حديثنا في الحلقة القادمة.
المادة الستون:
1- تحجز الأموال المستحقة للمدين تحت يد المنشأة المالية - التي تحددها اللائحة - من خلال السلطة الإشرافية، وَفْق الضوابط الآتية:
• يكون حجز الحسابات الجارية الدائنة بقيام المنشأة المالية بمنع صاحب الحساب من السحب من رصيده الدائن، وما يضاف إليه من إيداعات لاحقة، وللمنشأة المالية - بعد موافقة قاضي التنفيذ - خصم الالتزامات المدينة الناشئة على الحساب قبل الحجز على رصيده.
• يكون حجز الحسابات الاستثمارية بقيام المنشأة المالية بمنع صاحب الحساب من السحب من الرصيد النقدي الدائن، وما يضاف إليه من إيداعات، وإذا كان الرصيد النقدي الدائن مخصصًا للوفاء بما يترتب على المراكز أو العمليات الاستثمارية عند تاريخ استحقاقها، والتي أنشئت قبل إبلاغ المنشأة المالية بالحجز، فلا تخضع لإجراءات الحجز إلا بعد إقفال جميع المراكز.
• يكون الحجز على الودائع لأَجَل بعدم تمكين المدين من سحبها مع استمرار تنميتها على الوجه الشرعي إن رغب المدين في ذلك، مع إشعار قاضي التنفيذ بطبيعتها، وتاريخ استحقاقها، وما يترتب على كسرها.
• يكون حجز موجودات خزائن الأمانات بانتقال مأمور التنفيذ إلى المنشأة المالية، وتفتح الخزائن، وتجرد محتوياتها، ويوقع المحضر مأمور التنفيذ وموظف المنشأة المالية، والمدين - إذا أمكن إحضاره - ويسلم مفتاح الخزائن الآخر الخاص بالمدين إلى محكمة التنفيذ.
• تحجز تعويضات التأمـين بالتأشير على سجل حقوق المدين في السجلات بمحتوى السند التنفيذي، ويسلم أي تعويض مستحق، أو سيستحق للمدين، إلى حساب محكمة التنفيذ.
• تضع السلطات الإشرافية على المنشآت المالية الآلية اللازمة التي تضمن سرعة تنفيذ أمر قاضي التنفيذ.
2- يبلغ قاضي التنفيذ بنتيجة الحجز خلال ثلاثة أيام عمل من تسلم أمر الحجز.
3- يأمر قاضي التنفيذ السلطة المشرفة على المنشأة المالية بأن تحول إلى حساب المحكمة الأرصدة النقدية الدائنة المستحقة للمدين الواردة في الفقرات (أ) و (ب) و (ج) و (د) و (هـ) من الفقرة (1) من هذه المادة بمقدار ما يفي بالدَّين.
المادة الحادية والستون:
1- تُحجَز حصص الملكية في الشركات، والأسهم غير المدرجة - عن طريق وزارة التجارة والصناعة - بالتأشير على سجل الملكية، والتأشير بمحتوى السند التنفيذي على سجل الشركة.
2- تُحجَز الأوراق المالية - عن طريق هيئة السوق المالية - وتُبلغ قاضي التنفيذ بنتيجة الحجز خلال ثلاثة أيام عمل من تسلم أمر الحجز، وفق الضوابط الآتية:
• يكون حجز الأوراق المالية بمنع المدين من التصرف فيها.
• يكون حجز المراكز القائمة للأوراق المالية بمنع المدين من التصرف في المبالغ المستحقة له بعد إغلاقها.
المادة الثانية والستون:
تحجز الأوراق التجارية، وفق الضوابط الآتية:
1- إذا كان الشيك تحت يد المدين المستفيد منه، فيحرر المأمور محضر الحجز، وتحصل القيمة أو المتوافر منها، وتودع في حساب المحكمة.
2- يكون حجز قيمة الشيك المظهر بعد علم المدين بأمر التنفيذ عن طريق قيام البنك المسحوب عليه - عند تقدم المظهر له لتحصيل قيمة الشيك - بحجز القيمة، وإيداعها في حساب المحكمة.
3- إذا لم يتوافر مقابل الوفاء بالشيك محل الحجز، فيفوض قاضي التنفيذ الدائن في الحلول محل المدين، لمطالبة الساحب، أو المظهر بقيمة الشيك، وتودع القيمة في حساب المحكمة، وفي حال معارضة الساحب، أو المظهر في الوفاء، فعليه التقدم إلى الجهة القضائية المختصة بدعوى المعارضة خلال عشرة أيام من مطالبته بالوفاء، وإشعار قاضي التنفيذ بإجراءات نظر الدعوى وما تنتهي إليه، وإذا انتهت المدة المذكورة دون التقدم بدعوى المعارضة، وجب عليه الوفاء بقيمة الشيك للمحكمة.
4- يكون حجز السند لأمر، والكمبيالة المستحقة الدفع التي في حيازة المدين بتحرير المأمور لمحضر الحجز، وتودع القيمة التي تضمنتها الورقة التجارية في حساب المحكمة، وإذا كانت مؤجلة، أُجِّـل التحصيل إلى حين حلول أجلها.
5- إذا عارض أو اعترض الساحب أو المظهر في السند لأمر، أو الكمبيالة على حق المدين المستفيد في القيمة، فعليه إقامة دعوى المعارضة وفق ما ذكر في الفقرة (3) من هذه المادة.
المادة الثالثة والستون:
يكون حجز الأموال التي تستحق للمدين مستقبلاً تحت يد الملتزم بدفع تلك الأموال، ويقوم مأمور التنفيذ، والجهة الملتزمة، ومستحق تلك الأموال بتحرير محضر بتلك الأموال وتاريخ استحقاقها، وتودع تلك الأموال في حساب المحكمة، سواء أكانت نقودًا، أم منقولاً، أم عقارًا، بحسب الضوابط الواردة في هذا النظام لكل نوع منها.
المادة الرابعة والستون:
يكون حجز الملكية الفكرية - عن طريق الجهة المختصة بتسجيل الملكية الفكرية - بالتأشير على سجلها بمضمون السند التنفيذي، ويبلغ قاضي التنفيذ بنتيجة الحجز خلال ثلاثة أيام عمل من تسلم أمر الحجز.
المادة الخامسة والستون:
يجوز للدائن أن يوقع الحجز تحت يد نفسه على ما يكون مدينًا به لمدينه، ويكون الحجز بإعلان إلى المدين يشتمل على البيانات الواجب ذكرها في ورقة إبلاغ الحجز، وفي الأحوال التي يكون فيها الحجز بأمرٍ من قاضي التنفيذ، يجب على طالب الحجز - خلال الأيام العشرة التالية لإعلان المدين بالحجز - أن يرفع أمام الجهة القضائية المختصة الدعوى بثبوت الحق وصحة الحجز، وإلا عد الحجز كأن لم يكن.
المادة السادسة والستون:
إذا كان للمحجوز لديه أكثر من فرع، فيعد إبلاغ الحجز لأي فرع من تلك الفروع منتجًا لآثاره في مواجهة المحجوز لديه.
المادة السابعة والستون:
إذا تصرف المحجوز لديه في المال المحجوز بخلاف أمر قاضي التنفيذ، وجب على قاضي التنفيذ - بِناءً على طلب الحاجز - التنفيذ على مال المحجوز لديه بمقدار المال.
وبه نبدأ حلقتنا القادمة بإذن الله تعالى.
وحتى ذلك الحين أستودعكم الله تعالى.