خطب ومحاضرات
شرح زاد المستقنع - كتاب البيع [25]
الحلقة مفرغة
قال المؤلف رحمه الله: [ وهو للمدعي بيع يرد معيبه ويفسخ الصلح ويؤخذ منه بشفعة وللآخر إبراء، فلا رد ولا شفعة، وإن كذب أحدهما لم يصح في حقه باطناً وما أخذه حرام. ولا يصح بعوض عن حد سرقة وقذف ولا حق شفعة وترك شهادة، وتسقط الشفعة والحد، وإن حصل غصن شجرته في هواء غيره أو قراره، أزاله، فإن أبى لواه إن أمكن، وإلا فله قطعه، ويجوز في الدرب النافذ فتح الأبواب للاستطراق، لا إخراج روشن وساباط ودكة وميزاب، ولا يفعل ذلك في ملك جار ودرب مشترك بلا إذن المستحق، وليس له وضع خشبة على حائط جاره إلا عند الضرورة إذا لم يمكنه التسقيف إلا به، وكذلك المسجد وغيره، وإذا انهدم جدارهما أو خيف ضرره فطلب أحدهما أن يعمره الآخر معه، أجبر عليه، وكذا النهر والدولاب والقناة ].
تقدم لنا: ما يتعلق بأن الصلح يكون على الدين، والصورة الثانية أن يكون على عين، وكذلك -أيضاً- صلح الإنكار؛ إما أن يكون على دينٍ أو أن يكون على عين، وذكرنا في صلح الإقرار أنه إذا ادعى عليه ديناً وأقر بالدين، ثم أسقط بعضه، فهو أسقطه تبرءاً، لكن لو أقر بالدين وصالحه على سيارة، أي: أن يعطيه بدل هذا الدين سيارة، فهذا حكمه حكم البيع، هذا بالنسبة لصلح الإقرار.
وأما بالنسبة لصلح الإنكار: فهو للمدعي بيع؛ لأنه يأخذ المال المصالح عليه مقابل ما يعتقده من ماله، ويدعيه من ماله، فهو بالنسبة للمدعي بيع، وأما بالنسبة للمدعى عليه فهو إبراء، يعني المدعى عليه يبذل هذا المال لكي يبرئ نفسه من اليمين أمام القاضي، فإذا ادعى عليه ديناً وأنكر ثم صَالح وقال: خذ هذا الألف الريال، فهذا إبراء بالنسبة للمدعى عليه، لكن بالنسبة للمدعي فهذا حكمه حكم البيع؛ لأنه يأخذه مقابل ما يعتقده من أنه مال له.
قال رحمه الله: (وهو للمدعي بيع يرد معيبه، ويفُسخ الصلح، ويؤخذ منه بشفعة، وللآخر إبراء فلا رد ولا شفعة).
تقدم الكلام على هذا، فهو للمدعى عليه إبراء؛ لأنه يدفع هذا المال المصالح عليه افتداء ليمينه وإبراء لنفسه، ولهذا قال المؤلف: ( فلا رد ولا شفعة )، فلو حصل بهذا المال المصالح عليه عيب فإنه لا يملك الفسخ؛ لأنه ليس بيعاً، وإنما هو إبراء، كذلك أيضاً لا تجري فيه الشفعة.
مثال ذلك: ادعى عليه ديناً قدره عشرة آلاف ريال فأنكر، قال: أنت لا تسألني شيئاً، أو سكت وهو يجهل، ثم بعد ذلك المدعى عليه صالح المدعِي، وأعطاه جزءاً له من أرض مشاعة، هل هذا في حكم البيع بالنسبة للمدعى عليه بحيث إن شريكه يملك أن يشفع المدعي، أو نقول بأنه ليس في حكم البيع؟ لو قلنا بأنه في حكم البيع فشريك المدعى عليه يشفع على المدعي؛ لأن هذا النصيب انتقل للمدعي.
أعيد الصورة، قال المؤلف: (لا شفعة). هذا زيد ادعى على عمرو عشرة آلاف، وعمرو أنكر، ثم تصالحا على أن يعطيه نصيبه من الأرض التي هي مشتركة مع صالح، عمرو -المدعى عليه الذي أنكر الدين- سيعطي زيداً -المدعي- نصيبه من الأرض المشتركة مع صالح، اتفقا على ذلك، وأخذ زيد هذا النصيب، هل لصالح أن يُشفع على زيد أو ليس له أن يُشفع على زيد؟، نقول: ليس له أن يشفع على زيد؛ لأن هذا ليس في حكم البيع بالنسبة للمدعى عليه، هذا إبراء، هو ما باع، هذا معنى قول المؤلف رحمه الله: (لا شفعة).
وأيضاً: ليس فيها رد بالنسبة للمدعى عليه؛ لأنه ليس في حكم البيع.
مثال ذلك: زيد ادعى على عمرو، قال: هذا الكتاب الذي بيدك لي، فأنكر عمرو قال: لا، الكتاب ليس لك، ثم صالحه وقال: هذه عشرة ريالات، ثم إن المدعى عليه وجد في الكتاب عيباً، فهل له الحق في الفسخ أو ليس له الحق في الفسخ؟ نقول: ليس له الحق في الفسخ؛ لأن هذا بالنسبة للمدعى عليه إبراء، ليس له حق الفسخ، لكن لو كان العكس هل للمدعي الحق في الفسخ أو ليس له الحق في الفسخ؟ نقول: له الحق؛ لأنه بالنسبة للمدعِي بيع.
فمثلاً: زيد ادعى على عمرو أنه يريد منه ديناً قدره عشرة آلاف، فأنكر عمرو ثم أعطاه كتاباً أو أعطاه سيارة فوجد المدعِي في هذا الكتاب أو في هذه السيارة عيباً، فهل له الحق في الفسخ أو ليس له الحق في الفسخ؟ له الحق؛ لأنه بيع بالنسبة للمدعي.
وكذلك أيضاً لو أن المدعي أعطاه نصيبه المشترك مع صالح، فهل لصالح الشريك أن يُشفع أو ليس له أن يُشفع؟ له أن يُشفع؛ لأنه بالنسبة للمدعي بيع، أما المدعى عليه فكما تقدم أنه إبراء وافتداء لليمين.
قال رحمه الله: (وإن كذب أحدهما لم يصح في حقه باطناً وما أخذه حرام).
هذا صحيح، إذا كان أحدهما كاذباً ،كذب المدعي في دعواه أو كذب المنكر في إنكاره، فما أخذه من المال محرم ولا يجوز: ( ولا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة نفس منه )، فمثلاً: ادعى عليه ديناً، قال: لي عليك عشرة آلاف ريال وهو كاذب، والمدعى عليه -بدلاً من أن يذهب المدعي إلى القاضي ويحضره ويحلفه- قال: خذ هذه ألف ريال، والمدعي يعلم أنه كاذب، ما الحكم هنا بالنسبة لما أخذه من المال؟ نقول: حرام، والصلح في حقه محرم.
وكذلك أيضاً لو أن المدعى عليه يعلم أن المدعِي صادق لكن أنكر لكي يسقط، نقول: ما أخذه من المال حرام، وما أُسقط عنه فإنه محرم ولا يجوز له.
فمثلاً: قال: لي عليك عشرة آلاف ريال وأنكر وهو يعلم أنه صادق في دعواه، ثم تصالحا على أن يعطيه خمسة آلاف أو يعطيه سيارة قيمتها خمسة أو سبعة آلاف، هل هذا جائز بالنسبة للمدعى عليه أو ليس جائزاً؟ نقول: هذا ليس جائزاً ويحرم عليه أن يأخذ المال بهذه الطريقة.
قال رحمه الله: (ولا يصح بعوض عن حد سرقة وقذف).
الصلح في الحدود
أو مثلاً: وجده يزني، فقال: هذا مال قدر كذا وكذا، ولا ترفع بي، فهذا نقول: بأنه محرم ولا يجوز.
أو مثلاً: قذفه، فقال له: يا لوطي أو يا زانٍ وغير ذلك من ألفاظ القذف فقال: خذ خمسة آلاف ريال، واتركني، فنقول: هذا الصلح محرم ولا يجوز؛ لأن حد القذف شُرع للدرء عن أعراض المعصومين، ولم يُشرع حد القذف للكسب والتجارة والربح، فنقول بأن هذا محرم ولا يجوز.
وبهذا نعلم: أن الصلح بالنسبة للحقوق ينقسم إلى قسمين:
القسم الأول: ما يتعلق بحقوق الله عز وجل، من الصلاة والزكاة والصيام والحج والحدود وغير ذلك، فالصلح فيها إقامتها وعدم تعطيلها، وتعطيلها هو الظلم والجور وخلاف الصلح، فلو أنه صَالح، قال: هذه ألف ريال واتركوني أنام ولا أصلي؟ هل يصح ذلك أو لا يصح؟ نقول: لا يصح، وهذا الصلح محرم ولا يجوز.
فالصلح في حقوق الله هو إقامتها وعدم تعطيلها، ولا مدخل للصلح في حقوق الله عز وجل.
وأما حقوق الآدميين فالصلح له مدخل فيها، وهذا في الجملة، وإلا فمن حقوق الآدميين ما لا يدخله الصلح، كما ذكر المؤلف رحمه الله، حد القذف -كما سيأتينا في كتاب الحدود- أنه يغلب فيه حق الآدمي.
وعلى هذا؛ فإنه لو قذفه، وقال: خذ كذا ولا ترفع بي، نقول بأن هذا محرم، ولا يجوز، لكن القصاص في قتل العمد، هذا المغلب فيه حقوق الآدميين، يصح الصلح فيها، ووردت به السنة، وكما سيأتينا في باب القصاص: القصاص عند الجناية على النفس أو على ما دون النفس، يصح الصلح في ذلك.
الصلح في حق الشفعة
أيضاً يقول المؤلف رحمه الله: لا يصح الصلح في حق الشفعة. صورة المسألة: زيد وعمرو شريكان في أرض، وزيد باع نصيبه على صالح، من الذي يشفع الآن؟ عمرو الشريك يشفع على صالح المشتري، يعطيه ما دفعه لشريكه زيد، ويأخذ النصيب كله، فلو أن صالحاً قال لعمرو: لا تُشفع، واتركني في نصيب زيد، وأنت تبقى في نصيبك، وخذ كذا وكذا من المال يصالحه على ترك الشُفعة هل يصح الصلح أو لا يصح الصلح؟
أُعيد الصورة زيد وعمرو شريكان في هذه الأرض، زيد باع نصيبه على صالح، صالح حل محل زيد في الأرض، عمرو له حق الشُفعة له أن يُشفع على صالح فيعطيه ما دفعه لشريكه زيد ويأخذ جميع النصيب، فقال صالح -المشتري- لعمرو: لا تُشفع، وهذه كذا وكذا من الدراهم، فهل يصح ذلك أو لا يصح؟ قال المؤلف رحمه الله: لا يصح ذلك؛ لأن الشفعة شُرعت لدفع الضرر المتوقع من الشريك الجديد، فلكي يستقل الشريك الذي هو عمرو بكل النصيب ويدفع الضرر؛ لأنه سيكون له شريك -وهو صالح- بدل زيد ربما يلحقه ضرر بذلك شُرع له الشفعة، هذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله تعالى.
والرأي الثاني في المسألة: والذي رجحه الشيخ السعدي رحمه الله وغيره من أهل العلم: أنه يصح الصلح عن حق الشفعة؛ لأن هذا حق مالي، وإذا كان حقاً مالياً فله أن يعاوض عنه، وهذا القول هو الصواب.
الصلح في الخيار
ومثله أيضاً خيار الشرط، لو أنه اشترى البيت وقال: لي الخيار لمدة يومين، فقال البائع: أسقط خيار الشرط لكي يكون العقد لازماً وهذا ألف ريال، هل يصح ذلك أو لا يصح؟ المشهور من المذهب أن هذا لا يصح.
والصحيح في ذلك: أن الصلح صحيح؛ لأن هذه حقوق مالية، هم يقولون: لا يصح الصلح عن حق الخيار؛ لأن حق الخيار ما شُرع لاستمالة المال، وإنما شُرع لكي ينظر ما هو الأحظ له، هل يفسخ أو لا يفسخ؟ والصواب في هذه المسألة: أن الصلح عن حق الخيار جائز ولا بأس به.
ويدل على صحة الصلح أنهم يقولون: يصح الصلح عن العيب بقليل وكثير، فمثلاً هذا رجل اشترى سيارة ثم وجد في السيارة عيباً، هل له حق الفسخ أو ليس له حق الفسخ؟ له حق الفسخ، لكن قال البائع: لا تفسخ هذا البيع خذ ألف ريال عن العيب، هل يصح أو لا يصح؟ المذهب أنه: يصح.
أو مثلاً: اشترى بيتاً ثم وجد في البيت عيباً، فقال البائع للمشتري: خذ هذا الألف الريال عن العيب الموجود في البيت. صح ذلك، وهذا الكلام يدل على أمرين:
الأمر الأول: أن ما تقدم من القول بصحة الصلح عن حق الشفعة أو حق الخيار، هو الصواب.
والأمر الثاني: يدل على أن الصلح يتوسع فيه ما لا يتوسع في غيره؛ لأن المشتري قد يطالب بالأرش، ما ندري كم الأرش، ربما يكون الأرش ألفين، يعني: هو الآن اشترى سيارة مثلاً بخمسين ألف، والمشتري وجد فيها عيباً لو ذهبنا نقدر العيب عند أهل الخبرة ربما يكون بألف، ربما يكون بألفين، ربما يكون بخمسة آلاف، لكن لو قال: خذ ألف ريال وانتهينا، هل يصح ذلك أو لا يصح؟ يصح؛ لأن الصلح يتوسع فيه.
الصلح عن الأشياء المجهولة والميراث
ومن ذلك أيضاً المواريث، مثلاً زيد يرث من عمرو، وأراد أن يخرج من هذا الميراث، فصالح بقية الورثة على أن يعطوه عشرة آلاف أو عشرين ألفاً، ويخرج، هل يصح ذلك أو لا يصح؟ هذه المسألة موضع خلاف بين أهل العلم، لكن إذا نظرنا إلى القاعدة العامة، أن الصلح يقصد منه دفع الخلاف والشقاق فأن هذا صحيح ولا بأس به.
الصلح على ترك شهادة
ترك شهادة سواء كانت هذه الشهادة بحق أو بباطل، فلا يصح الصلح على ترك شهادة، لو أنه صَالح زيداً على ألا يشهد عند القاضي سواء كانت الشهادة بحق أو بباطل فنقول بأن هذا الصلح محرم ولا يجوز؛ إذ لا يجوز للشاهد أن يأخذ العوض، فإذا كانت الشهادة بحق فيجب على الشاهد أن يؤدي الشهادة، وإن كانت الشهادة بباطل فلا يجوز له أن يؤدي الشهادة، وما يأخذه من العوض مقابل ترك الشهادة سواء كانت بحق أو باطل، نقول بأنه محرم، ولا يجوز. والصلح في الشهادة هو أن تقيمها كما علمت.
سقوط الشفعة والحد بالصلح على إسقاطهما
يقول المؤلف رحمه الله: لا يصح الصلح عن حق الشفعة على المذهب، وتسقط الشفعة؛ لأنه رضي بإسقاط الشفعة، ولم يأخذ على الفور.
مثلاً: قال المشتري للشريك الذي سيشفع عليه: لا تشفع هذه خمسة آلاف ريال، فأخذها الشريك، مثلاً زيد وعمرو شريكان، زيد باع على صالح، فقام عمرو يشفع على صالح، وصالح المشتري قال لعمرو: لا تشفع وهذه خمسة آلاف ريال فأخذها عمرو ورضي بالصلح، قلنا له: على المذهب هذا الصلح لا يجوز، ويجب عليك أن ترد المال لصالح المشتري، فهل يسقط حقه من الشفعة، أو لا يسقط؟ قال المؤلف: يسقط حقه من الشفعة؛ لأنه رضي بالإسقاط في أول الأمر؛ ولأن الشفعة أيضاً من شروطها كما سيأتينا أنها على الفور، فيسقط حقه من الشفعة.
وهذا على القول: بأنه لا يصح الصلح عن حق الشفعة، لكن إذا قلنا: بأن الصلح يصح عن حق الشفعة، فالأمر في ذلك ظاهر، نقول: الصلح صحيح، وإذا قلنا بأنه غير صحيح فالحق يكون باقياً للشريك.
قال رحمه الله تعالى: (والحد).
يعني: حد القذف، أما حد السرقة والحدود التي يُغلب فيها حق الله عز وجل، فهذه لا تسقط بالمصالحة، لكن لو أن شخصاً صَالح من قذفه على أن يعطيه ألف ريال ولا يرفعه إلى القاضي، قلنا بأن هذا الصلح محرم ولا يجوز.
فلو قام برفعه آجلاً، هل يسقط حقه في حد القذف أو لا يسقط؟ يقول المؤلف رحمه الله: يسقط؛ لأنه رضي بالإسقاط وأخذ العوض، وتبين أن العوض أصبح محرماً، والحد ساقط، وهذا القول هو الصواب: أنه يسقط حقه كما ذكر المؤلف رحمه الله؛ لأنه رضي بإسقاط الحد، لكن يبقى حق الله عز وجل؛ لأن حد القذف فيه حق الله وحق الآدمي وإن كان يُغلب فيه حق الآدمي، لكن يبقى حق الله وهو التعزير فنقول: سقط الحد، ويُعزر القاضي.
هذا صحيح لا يصح الصلح في إسقاط الحدود، الصلح في الحدود: هو إقامتها، أما إسقاطها فهذا ليس من الصلح بل هو الظلم والجور، فلو أن رجلاً سرق من رجل فأمسكه، فقال: هذه ألف ريال ولا ترفع بي إلى القاضي، ما الحكم هنا؟ هذا محرم ولا يجوز؛ لأن الحدود لم تُشرع لجلب المال والكسب.
أو مثلاً: وجده يزني، فقال: هذا مال قدر كذا وكذا، ولا ترفع بي، فهذا نقول: بأنه محرم ولا يجوز.
أو مثلاً: قذفه، فقال له: يا لوطي أو يا زانٍ وغير ذلك من ألفاظ القذف فقال: خذ خمسة آلاف ريال، واتركني، فنقول: هذا الصلح محرم ولا يجوز؛ لأن حد القذف شُرع للدرء عن أعراض المعصومين، ولم يُشرع حد القذف للكسب والتجارة والربح، فنقول بأن هذا محرم ولا يجوز.
وبهذا نعلم: أن الصلح بالنسبة للحقوق ينقسم إلى قسمين:
القسم الأول: ما يتعلق بحقوق الله عز وجل، من الصلاة والزكاة والصيام والحج والحدود وغير ذلك، فالصلح فيها إقامتها وعدم تعطيلها، وتعطيلها هو الظلم والجور وخلاف الصلح، فلو أنه صَالح، قال: هذه ألف ريال واتركوني أنام ولا أصلي؟ هل يصح ذلك أو لا يصح؟ نقول: لا يصح، وهذا الصلح محرم ولا يجوز.
فالصلح في حقوق الله هو إقامتها وعدم تعطيلها، ولا مدخل للصلح في حقوق الله عز وجل.
وأما حقوق الآدميين فالصلح له مدخل فيها، وهذا في الجملة، وإلا فمن حقوق الآدميين ما لا يدخله الصلح، كما ذكر المؤلف رحمه الله، حد القذف -كما سيأتينا في كتاب الحدود- أنه يغلب فيه حق الآدمي.
وعلى هذا؛ فإنه لو قذفه، وقال: خذ كذا ولا ترفع بي، نقول بأن هذا محرم، ولا يجوز، لكن القصاص في قتل العمد، هذا المغلب فيه حقوق الآدميين، يصح الصلح فيها، ووردت به السنة، وكما سيأتينا في باب القصاص: القصاص عند الجناية على النفس أو على ما دون النفس، يصح الصلح في ذلك.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: (ولا حق شفعة).
أيضاً يقول المؤلف رحمه الله: لا يصح الصلح في حق الشفعة. صورة المسألة: زيد وعمرو شريكان في أرض، وزيد باع نصيبه على صالح، من الذي يشفع الآن؟ عمرو الشريك يشفع على صالح المشتري، يعطيه ما دفعه لشريكه زيد، ويأخذ النصيب كله، فلو أن صالحاً قال لعمرو: لا تُشفع، واتركني في نصيب زيد، وأنت تبقى في نصيبك، وخذ كذا وكذا من المال يصالحه على ترك الشُفعة هل يصح الصلح أو لا يصح الصلح؟
أُعيد الصورة زيد وعمرو شريكان في هذه الأرض، زيد باع نصيبه على صالح، صالح حل محل زيد في الأرض، عمرو له حق الشُفعة له أن يُشفع على صالح فيعطيه ما دفعه لشريكه زيد ويأخذ جميع النصيب، فقال صالح -المشتري- لعمرو: لا تُشفع، وهذه كذا وكذا من الدراهم، فهل يصح ذلك أو لا يصح؟ قال المؤلف رحمه الله: لا يصح ذلك؛ لأن الشفعة شُرعت لدفع الضرر المتوقع من الشريك الجديد، فلكي يستقل الشريك الذي هو عمرو بكل النصيب ويدفع الضرر؛ لأنه سيكون له شريك -وهو صالح- بدل زيد ربما يلحقه ضرر بذلك شُرع له الشفعة، هذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله تعالى.
والرأي الثاني في المسألة: والذي رجحه الشيخ السعدي رحمه الله وغيره من أهل العلم: أنه يصح الصلح عن حق الشفعة؛ لأن هذا حق مالي، وإذا كان حقاً مالياً فله أن يعاوض عنه، وهذا القول هو الصواب.
استمع المزيد من الشيخ الدكتور خالد بن علي المشيقح - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
شرح زاد المستقنع - كتاب الطهارة [17] | 2816 استماع |
شرح زاد المستقنع - كتاب النكاح [13] | 2730 استماع |
شرح زاد المستقنع - كتاب المناسك [5] | 2676 استماع |
شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [19] | 2643 استماع |
شرح زاد المستقنع - كتاب البيع [26] | 2638 استماع |
شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [32] | 2556 استماع |
شرح زاد المستقنع - كتاب الأيمان [2] | 2553 استماع |
شرح زاد المستقنع - كتاب الحدود [7] | 2526 استماع |
شرح زاد المستقنع - كتاب الإيلاء [1] | 2520 استماع |
شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [8] | 2496 استماع |