خطب ومحاضرات
شرح زاد المستقنع - كتاب البيع [24]
الحلقة مفرغة
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الصلح: إذا أقر له بدين أو عين فأسقط أو وهب البعض وترك الباقي صح إن لم يكن شرطاه، وممن لا يصح تبرعه، وإن وضع بعض الحال، وأجل باقيه صح الإسقاط فقط، وإن صَالح عن المؤجل ببعضه حالاً، أو بالعكس، أو أقر له ببيت فصالحه على سكناه، أو يبني له فوقه غرفة، أو صَالح مكلفاً ليقر له بالعبودية، أو امرأة لتقر له بالزوجية بعوض لم يصح، وإن بذلا هما له صلحاً عن دعواه صح، وإن قال: أقر لي بديني وأعطيك منه كذا، ففعل صح الإقرار لا الصلح.
فصل: الصلح على إنكار.
ومن ادُعي عليه بعين أو دين فسكت، أو أنكر وهو يجهله، ثم صَالح بمال صح، وهو للمدعي بيع يرد معيبه ويفسخ الصلح].
تقدم لنا جملة من أحكام الحوالة، وذكرنا من هذه الأحكام ما يتعلق بتعريف الحوالة في اللغة والاصطلاح، وأن الحوالة: هي نقل الحق من ذمة إلى ذمة أخرى، وأيضاً سبق لنا أن الحوالة يشترط لها شروط:
الشرط الأول: أن تكون على الدين المستقر، فالدين المحال عليه يشترط أن يكون مستقراً على ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله.
والشرط الثاني: اتفاق الدينين، وذكر المؤلف رحمه الله أنه يشترط اتفاق الدينين في أربعة أمور: في الجنس وفي الوصف وفي القدر وفي الوقت.
والشرط الثالث: رضا المحيل، وهل يشترط رضا المحال؟ ذكرنا أن المشهور من مذهب الإمام أحمد : أن المحال لا يشترط رضاه، ويجب عليه أن يتحول إذا كانت الحوالة على مليء، وعند جمهور أهل العلم أنه يشترط رضا المحال، وكذلك أيضاً المحال عليه لا يشترط رضاه.
وتقدم لنا أيضاً فائدة الحوالة، وأن فائدة الحوالة أنها إذا تمت بشروطها فإنها تنقل الحق من ذمة إلى ذمة أخرى، وأيضاً تقدم لنا ما يتعلق باصطلاح المليء في باب الحوالة، وأن المليء في باب الحوالة: هو القادر على الوفاء ببدنه وماله وقوله، وكنا في آخر مسألة في باب الحوالة وهي قول المؤلف رحمه الله: (ومن أُحيل بثمن مبيع، أو أُحيل به عليه، فبان البيع باطلاً فلا حوالة، وإذا فُسخ البيع لم تبطل ولهما أن يحيلا).
وذكرنا أن هذه الجملة تحتها صورتان:
الصورة الأولى: قول المؤلف رحمه الله: (ومن أُحيل بثمن مبيع)، وصورة المسألة: أن المشتري يحيل البائع على من يريد منه ديناً.
مثال ذلك: زيد باع السيارة على عمرو بعشرة آلاف، وعمرو له دين على صالح مقداره عشرة آلاف، فأحال المشتري عمرو البائع زيداً على صالح، الآن البائع تحول على صالح، فإذا تبين أن العقد فاسد فإن الحوالة فاسدة؛ لأن الحوالة فرع عن العقد، فلو كان العقد فاسداً لاختلال شرط من شروط صحة البيع -كأن يكون المثمن مجهولاً، أو يكون المثمن غير مقدور على تسليمه أو غير ذلك- فإن عقد الحوالة يبطل لكون الحوالة فرعاً عن هذا العقد.
وإذا فُسخ العقد فإن الحوالة تبقى على ما هي عليه ولا تبطل، ففي هذا المثال أحال عمرو المشتري البائع زيداً على صالح، فإذا حصل التفاسخ بين عمرو وبين زيد، فإن المشتري عمداً يطالب البائع زيداً بالثمن؛ لأنه سدد له عن طريق الحوالة، وإن كان ما أعطاه مباشرة لكن سدد له عن طريق الحوالة فله أن يطالبه.
فإذا فُسخ العقد فالحوالة باقية، أصبح زيد الآن يطالب صالحاً، وعمرو يطالب زيداً الذي باع عليه، فله أن يطالبه بالثمن والحوالة تبقى كما هي، لا نقول بأن الحوالة بطلت وزيد يرجع على عمرو بل نقول: الحوالة باقية وزيد إنما يرجع على صالح؛ لأن عقد البيع صحيح، وما تفرع عنه من حوالة فهو صحيح إنما فُسخ بتراضيهما، لكن قال المؤلف: (ولهما أن يحيلا).
يعني: الآن عمرو سيطالب البائع زيداً بالثمن، فله أن يحيله على صالح؛ لأنه هو يريد من صالح هذا الثمن، فعمرو أحال زيداً، فإذا جاء المشتري إلى البائع، وقال: أعطني الثمن فللبائع أن يحيله على صالح، ولهذا قال المؤلف رحمه الله: (ولهما أن يحيلا) هذه هي الصورة الأولى.
الصورة الثانية: قال رحمه الله: (أو أُحيل به عليه).
من أُحيل بثمن أو أُحيل به عليه فبان البيع باطلاً فلا حوالة، فالذي أحال البائع في الصورة الأولى هو الذي أحال المشتري، أما هنا فالذي أحال هو البائع.
مثال ذلك: زيد باع سيارة على عمرو بعشرة آلاف، وصالح يريد من زيد ديناً، فالبائع زيد أحال صالحاً على المشتري (عمرو)؛ لأن زيداً يريد من عمرو عشرة آلاف، فإذا بان البيع باطلاً فإن الحوالة تبطل لما تقدم من التعليل، فإذا فُسخ العقد بين المتعاقدين بإقالة أو ظهور عيب أو نحو ذلك فإن الحوالة تبقى على ما هي عليه، فصالح يريد من زيد عشرة آلاف، وزيد أحاله على المشتري عمرو، فيُفسخ العقد والحوالة تبقى على ما هي عليه ولا تبطل، وصالح لا يطالب زيداً وإنما يطالب المشتري الذي هو عمرو، لكن لعمرو أن يحيل صالحاً على البائع، ولهذا قال المؤلف رحمه الله: (ولهما أن يحيلا) للمشتري الذي هو عمرو، ولصالح الذي يطالب المشتري بالدين؛ لأن زيداً أحال صالحاً على المشتري فللمشتري أن يحيل صالحا على البائع.
ثم قال المؤلف رحمه الله تعالى: (باب الصلح).
هذا الباب يبحث فيه العلماء رحمهم الله تعالى ما يتعلق بأحكام الصلح، وكذلك أيضاً يبحثون فيه ما يتعلق بأحكام الجيران، ويبحثون فيه ما يتعلق بأحكام المرافق العامة كالطرقات ونحو ذلك.
كما أن جملةً من المرافق العامة كالطرقات، والأودية، والأنهار، وأماكن البيع والشراء، والصيد والاحتطاب، يبحث العلماء رحمهم الله جملة منها في باب الصلح، ويبحثون جملةً أخرى في باب إحياء الموات.
أما أحكام الجيران فيبحثها العلماء رحمهم الله تعالى في أحكام الصلح، والعلة في ذلك: أن الجيران وخصوصاً في الزمن السابق كثيراً ما يحدث بينهم شيء من النزاع والخلاف؛ لأنهم يشتركون في شيء من حقوق الملك، فيقع بينهم شيء من الخلاف والنزاع، فيُحتاج إلى الإصلاح بينهم فناسب أن تُذكر أحكام الجوار في باب الصلح.
تعريف الصلح ومشروعيته
والصلح من العقود التي يُقصد منها إزالة الخلاف والشقاق بين الناس، ولهذا اغتُفر فيها بعض الأشياء التي تكون محظورة في غير هذا الباب، كما سيأتي إن شاء الله، وسننبه ونشير إلى ذلك.
والصلح مشروع والأصل فيه القرآن والسنة والإجماع، أما القرآن فقول الله عز وجل: وَالصُّلْحُ خَيْرٌ [النساء:128]، وقال سبحانه وتعالى: لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ [النساء:114]، وقال: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [الحجرات:10].
وأيضاً قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم : ( وأن تعدل بين اثنين صدقة )، وفي البخاري : أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى بني عمرو بن عوف يصلح بينهم، والصلح من محاسن هذا الدين، لكي يعيش المسلم بهموم إخوانه وأحاسيسهم ومشاعرهم، وألا يبقى منفرداً تغلب عليه الأنانية وحب الذات.
أنواع الصلح
النوع الأول: الصلح بين المسلمين وأهل الحرب، وهذا يبحثه العلماء في كتاب الجهاد.
والنوع الثاني: الصلح بين أهل العدل وأهل البغي، وهذا يبحثه العلماء رحمهم الله تعالى في باب البغاة.
والنوع الثالث: الصلح بين الزوجين، وهذا يبحثه العلماء رحمهم الله في باب عشرة النساء، يتكلمون عن النشوز؛ نشوز الزوج والزوجة.
والنوع الرابع: الصلح بين المتخاصمين في الأموال، وهذا النوع هو ما يبحثه العلماء رحمهم الله في هذا الباب.
النوع الخامس: الصلح بين المتخاصمين في غير المال، وهذا يبحثه العلماء رحمهم الله في كتاب القضاء.
أحوال عرض الصلح بين المتخاصمين
نقول: عرض الصلح بين المتخاصمين له أحوال:
الحالة الأولى: ألا يتبين للقاضي وجه الحق في المسألة، فيُشرع له في هذه الحالة أن يعرض الصلح بين المتخاصمين.
الحالة الثانية: أن يظهر للقاضي وجه الحق في المسألة، وأن الحق مع فلان، لكن لو قضى بهذا الحق لأدى ذلك إلى مفسدة، كأن يكون المتخاصمون ذوي رحِم، ويترتب على ذلك قطيعة رحِم ونحو ذلك، أو يترتب على ذلك فتنة، فإذا كان هناك مصلحة -وإن ظهر للقاضي وجه الحق في المسألة- فإنه يشُرع له أن يعرض الصلح.
الحالة الثالثة: إذا لم يكن شيء من ذلك، فإنه لا يجوز للقاضي أن يعرض الصلح إذا تبين أن الحق لزيد من الناس، ولا يترتب عليه مفسدة أو فتنة أو نحو ذلك، فيحكم له، أو يبين أن الحق ظهر له أنه لفلان، ولا بأس أن يقول بأن الحق لفلان، فإما أن تصطلحوا وإلا حكمت، لكن كونه يعرض الصلح مع تبين الحق أنه لزيد، وليس هناك مفسدة من هذا القضاء، ثم يعرض الصلح فهذا حكمه غير جائز.
وعرض الصلح إذا لم يكن من قبل القاضي، وإنما كان من شخص مصلح خارج عن القضاء، فنقول: لا بأس أن يعرض الصلح، ولو تبين له وجه الحق وليس هناك مفسدة من حكمه، فلا بأس أيضاً أن يعرض الصلح.
وبهذا يتبين لنا أنه لما كان مصلحاً، اغتُفر أن يبين وجه الحق، فمثلاً هو يعرف أن الحق لزيد أو لعمرو، وكونه يقضي بينهما هذا لا يترتب عليه شيء من المفاسد، لكن لما كان الغرض من ذلك هو الإصلاح، وهو مصلح اغتفر له في ذلك، فتبين لنا أن باب الصلح أوسع من غيره كأحكام المعاوضات، فأحكام المعاوضات يقصد منها الكسب والربح، أما هنا فيقصد منه الجمع وإزالة الخلاف والشقاق والشحناء.
الصلح في اللغة: قطع المنازعة، وأما في الاصطلاح: فهو معاقدة يتوصل بها إلى إصلاح بين متخاصمين.
والصلح من العقود التي يُقصد منها إزالة الخلاف والشقاق بين الناس، ولهذا اغتُفر فيها بعض الأشياء التي تكون محظورة في غير هذا الباب، كما سيأتي إن شاء الله، وسننبه ونشير إلى ذلك.
والصلح مشروع والأصل فيه القرآن والسنة والإجماع، أما القرآن فقول الله عز وجل: وَالصُّلْحُ خَيْرٌ [النساء:128]، وقال سبحانه وتعالى: لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ [النساء:114]، وقال: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [الحجرات:10].
وأيضاً قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم : ( وأن تعدل بين اثنين صدقة )، وفي البخاري : أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى بني عمرو بن عوف يصلح بينهم، والصلح من محاسن هذا الدين، لكي يعيش المسلم بهموم إخوانه وأحاسيسهم ومشاعرهم، وألا يبقى منفرداً تغلب عليه الأنانية وحب الذات.
والصلح الذي يبحثه العلماء رحمهم الله تعالى في هذا الباب: هو الصلح في الأموال، وإلا فإن الصلح أنواع:
النوع الأول: الصلح بين المسلمين وأهل الحرب، وهذا يبحثه العلماء في كتاب الجهاد.
والنوع الثاني: الصلح بين أهل العدل وأهل البغي، وهذا يبحثه العلماء رحمهم الله تعالى في باب البغاة.
والنوع الثالث: الصلح بين الزوجين، وهذا يبحثه العلماء رحمهم الله في باب عشرة النساء، يتكلمون عن النشوز؛ نشوز الزوج والزوجة.
والنوع الرابع: الصلح بين المتخاصمين في الأموال، وهذا النوع هو ما يبحثه العلماء رحمهم الله في هذا الباب.
النوع الخامس: الصلح بين المتخاصمين في غير المال، وهذا يبحثه العلماء رحمهم الله في كتاب القضاء.
استمع المزيد من الشيخ الدكتور خالد بن علي المشيقح - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
شرح زاد المستقنع - كتاب الطهارة [17] | 2817 استماع |
شرح زاد المستقنع - كتاب النكاح [13] | 2731 استماع |
شرح زاد المستقنع - كتاب المناسك [5] | 2677 استماع |
شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [19] | 2644 استماع |
شرح زاد المستقنع - كتاب البيع [26] | 2639 استماع |
شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [32] | 2558 استماع |
شرح زاد المستقنع - كتاب الأيمان [2] | 2554 استماع |
شرح زاد المستقنع - كتاب الحدود [7] | 2528 استماع |
شرح زاد المستقنع - كتاب الإيلاء [1] | 2521 استماع |
شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [8] | 2498 استماع |