مجرد زبادي! - محمد علي يوسف
مدة
قراءة المادة :
4 دقائق
.
الكثيرون (اتلسعوا) من (شوربة) الخديعة الساخنة..تلك حقيقة لا بد أن نعترف بها.أدى ذلك إلى التشكك الدائم في كل ما يقدم لهم، ووصلوا إلى درجة من الوسوسة فقرروا تعميم النفخ في كل شيء لتبريده احتياطًا! حتى لو كان الذي أمام أعينهم ظاهرًا جليًا أنه لا يحتاج إلى نفخ، وأنه فقط مجرد زبادي، فهم يخشون أن يكون هذا الزبادي الرطب مجرد طبقة سطحية مخادعة تخفي أسفلها (الشوربة) الحارقة! التي ستلتهم بلسعتها الخادعة ما تبقى من ألسنتهم..!
هذا هو منهجهم وطريقة تعاملهم مع الأمور..
عندهم ما نحن إلا مجرد قطع شطرنج تحركها القوى الخفية بشكل محكم ودقيق، ومقصود ولا مجال فيه للخطأ.
يظل النافخون في الشوربة يعظمون داخليًا تلك القوى الخفية الخارقة، حتى يكادوا أن يؤلهوها من دون الله فتصير في تصورهم حاكمة مدبرة للكون، لا تغفل عنه لحظة ولا يخرج شيء عن تدبيرها وتصرفها..!
عند من يفكرون هكذا لا بد خلف كل حدث من أبعاد خفية ومؤامرات كونية وأغراض باطنية..
وكل ما يحدث على السطح بالنسبة لهؤلاء: مجرد لفت للانتباه عن حقيقة المراد التي يقدحون زناد فكرهم ويعتصرون عقولهم ليصلوا إليها، ولو حتى بتكلفها واختلاقها..
هل معنى كلامي أن مؤامرات التغييب ولفت الانتباه غائبة تمامًا عن المشهد، أو معناه أن نظرية "بص العصفورة نظرية وهمية؟"
بالطبع لا.
لقد ظلت -وستظل- المؤامرات والخديعات وتغييب الوعي الجمعي خلف سحائب الإلهاء قائمة منذ عُرفت المجتمعات، وانبثقت عنها المصالح وتفرع عليها الاستبداد، لكن لا ينبغي أن يُنظر لكل ما يحيط بنا بهذا الشكل فيعظم جدًا أهل الباطل في نظره وحساباته، وفي الوقت نفسه يهون كل شيء وتعتاده النفس أو تعرض عنه لمجرد افتراض أنه محض خداع وافتعال، ولأن حضرة (الحويط) قرر دومًا أن يوسوس ويستسلم لهواجسه وينفخ دومًا في الزبادي!
ولهؤلاء أقول: أهل الباطل ليسوا أربابًا متحكمين في مجريات الحياة ومقادير الأمور..
ما هم إلا بشر ليس لهم تصرف في الكون.
نعم هم بشر يخططون..
وقطعًا يتآمرون ويكيدون ويمكرون..
وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال! لكن لا تنس أن الله من ورائهم محيط، وعلى مكرهم وكيدهم رقيب سميع بصير، وهو سبحانه خير الماكرين، وأنهم حتى وإن استطاعوا أن يخدعوا بعض الناس لبعض الوقت فيستحيل أن يخدعوا كل الناس كل الوقت.
نعم يشغلونك أحيانًا ويشتتون انتباهك أحيانًا أخرى..
ويحاولون تغييب وعيك وطمس بصيرتك كثيرًا، لكن هذا لا يعني أن تتجاهل كل ما يحدث حولك بحجة ألا تحقق مرادهم، قدر الأمور بقدرها وتعامل معها بما يناسبها، ولا مانع أن تغار على حرمات ربك إذا انتهكت، وتنكر ما علا من منكر وترد ما اشتهر من باطل..
وأثناء تعمقك وغوصك في بواطن الأحداث، وبحثك عن خفاياها وتحليلك لمؤامراتها وخباياها، عليك تذكر أن هذا الذي أمامك قد يكون أحيانًا مجرد..
زبادي!
فكفاك نفخًا في الزبادي.