خطب ومحاضرات
شرح زاد المستقنع - كتاب البيع [8]
الحلقة مفرغة
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [الثالث: إذا غبن في المبيع غبناً يخرج عن العادة وبزيادة الناجش والمسترسل.
الرابع: خيار التدليس، كتسويد شعر الجارية وتجعيده، وجمع ماء الرحى وإرساله عند عرضها.
الخامس: خيار العيب، وهو ما ينقص قيمة المبيع، كمرضه وفقد عضو أو سن أو زيادتهما، وزنا الرقيق وسرقته، وإباقه وبوله في الفراش، فإذا علم المشتري العيب بعد أمسكه بأرشه -وهو قسط ما بين قيمة الصحة والعيب- أو رده وأخذ الثمن، وإن تلف المبيع أو عتق العبد، تعين الأرش، وإن اشترى ما لم يعلم عيبه بدون كسره كجوز هند، وبيض نعام، فكسره فوجده فاسداً فأمسكه فله أرشه، وإن رده رد أرش كسره، وإن كان كبيض دجاج رجع بكل الثمن، وخيار عيب متراخ، ما لم يوجد دليل الرضا، ولا يفتقر إلى حكم، ولا إلى رضا، ولا إلى حضور صاحبه، وإن اختلفا عند من حدث العيب، فقول مشتر مع يمينه، وإن لم يحتمل إلاَّ قول أحدهما قبل قول المشتري بلا يمين].
تقدم لنا ما يتعلق بخيار الشرط، وذكرنا تعريفه، وأن الأئمة متفقون عليه، وتقدم لنا ما يثبت به خيار الشرط من العقود، وأن العلماء رحمهم الله لهم في ذلك اتجاهان: الاتجاه الأول: ما يتعلق بالعد، والاتجاه الثاني: ما يتعلق بالحد والضبط، وذكرنا أن الأقرب في هذه المسألة هو الاتجاه الثاني، وأن شرط خيار الشرط يكون في سائر العقود، وهذا ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى.
وتقدم لنا أيضاً ما يتعلق بالملك في زمن الخيارين، لمن يكون؟ كذلك أيضاً ما يتعلق بالتصرفات في المبيع في زمن الخيارين، وذكرنا أن التصرفات في المبيع في زمن الخيارين تنقسم إلى خمسة أقسام، وذكرنا هذه الأقسام، ثم بعد ذلك شرعنا في خيار الغبن.
وقال المؤلف رحمه الله: ( الثالث: إذا غبن في المبيع غبناً يخرج عن العادة ).
ذكرنا تعريف الغبن في اللغة والاصطلاح، والمشهور من المذهب أن الغبن يكون في ثلاث صور:
الصورة الأولى: تقدمت لنا، وهي ما يتعلق بتلقي الركبان، وذكرنا أيضاً ما يتعلق بتلقي الركبان من مسائل.
النجش
والنجش في اللغة: الإثارة، ومنه نجشت الصيد إذا أثرته.
وأما في الاصطلاح: فهو الزيادة في الثمن ممن لا يريد الشراء.
وسواء كانت هذه الزيادة بمواطأة واتفاق بين البائع وبين الناجش أو لم يكن ذلك بمواطأة ولا اتفاق، فإن النجش محرم ولا يجوز، ويدل لذلك قول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ [النساء:29] ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( كل المسلم على المسلم حرام: دمه، وماله، وعرضه )، ولا شك أن المشتري لا يرضى بهذه الزيادة، والنجش محرم ولا يجوز، ويدل لذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( ولا تناجشوا ).
وكما أسلفنا أن النجش لا يجوز سواء كان بمواطأة واتفاق بين الناجش والبائع أو لم يكن، وسواء قصد الناجش نفع البائع أو مضرة المشتري، أو لم يقصد شيئاً من ذلك، المهم أن النجش محرم ولا يجوز.
ومن صور النجش أن يقول البائع: أعطيت بها كذا وكذا وهو كاذب، كأن يقول: سيمت مني هذه السيارة بكذا وكذا وهو كاذب، فإن هذا من صور النجش.
المسترسل
هذه الصورة الثالثة من صور خيار الغبن، والمسترسل في اللغة: مأخوذ من استرسل إذا اطمئن.
وأما في الاصطلاح: فهو من جهل القيمة ولا يحسن المماكسة، والمشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله تعالى أن المسترسل من جهل القيمة ولا يحسن المماكسة، فلابد من هذين الأمرين، وعلى هذا إذا كان يعلم بالقيمة، ولكنه لا يحسن المماكسة فليس مسترسلاً، وإن كان يحسن المماكسة ويجهل القيمة فليس مسترسلاً، وعلى هذا لا يثبت الخيار؛ لأنهم يقولون: لابد من هذين الأمرين: أن يكون جاهلاً بالقيمة، وكذلك أيضاً ألا يحسن المماكسة.
وعموماً فهم يقولون كما أسلفنا: إن خيار الغبن لا يثبت إلا في هذه الصور الثلاث: في تلقي الركبان، وزيادة الناجش، والمسترسل، والصواب في ذلك: أن الغبن يثبت في هذه الصور الثلاث وفي غيرها، فمن غبن غبناً يخرج عن العادة، سواء كان بائعاً أو كان مشترياً، فإن الخيار يثبت له، سواء في هذه الصور أو في غيرها من الصور، فهذا هو الضابط.
وقوله: (يخرج عن العادة)، أي: يخرج الغبن اليسير الذي اعتاده الناس، كأن يكون الكتاب بعشرة، فيشتريه بأحد عشر، فهذا قدر يسير تعارف عليه الناس، فهذا لا يخرج عن العادة، وإنما مثل هذه الأشياء ترجع إلى الحذق في الشراء، وحسن المماكسة ونحو ذلك، أو مثلاً السيارة بعشرة آلاف فيشتريها بعشرة آلاف ومائة، أو بعشرة آلاف ومائتين، فهذا لا بأس به، فما جرى العرف أن الناس يتغابنون فيه فإنه لا يثبت فيه الخيار؛ لأن هذا يشق التحرز عنه، وقد لا ينضبط، أما ما جرى العرف على أنه كثير وأن هذا لا يتغابن فيه الناس، وإنما يتغابن فيه أفراد الناس فهذا يثبت فيه خيار الغبن.
ضابط الربح
الأصل أنه ليس له ضابط، كما تقدم لنا في حكم التسعير، وأن الصحابة رضي الله تعالى عنهم لما غلى السعر قالوا: ( سعّر لنا يا رسول الله! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله هو المسعّر، القابض، الباسط.. ) ، وذكرنا فيما سلف أن التسعير ينقسم إلى قسمين:
القسم الأول: أن يكون ارتفاع السعر بسبب الخلق كالاحتكار ونحو ذلك، فهذا التسعير بحق.
والقسم الثاني: أن يكون ارتفاع السعر بسبب الله سبحانه وتعالى -بسبب الخالق لا بسبب الخلق- فهذا التسعير بغير حق، وهذا هو الذي لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم. والمهم: أن الأصل في الربح أنه لا حد له، وعندنا أصل آخر وهو أن الأصل في مال المسلم، بل وفي مال المعصوم سواء كان مسلماً أو غير مسلم، الأصل في ذلك هو الحرمة، ولا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة نفس منه.
وعلى هذا: نأخذ من كلام المؤلف رحمه الله تعالى أن مقدار الربح أن يبيع السلعة بسعر مثلها، وأنه إذا زاد مما يتغابن عليه الناس فإن هذا لا بأس به، وإذا زاد على ما فوق ذلك فإنه لا يجوز، فالمؤلف رحمه الله حدد لك. وقال: الذي يثبت فيه الخيار هو ما لم تجر به عادة الناس أنهم يتغابنون فيه، وما زاد على ذلك فإنه يثبت فيه الخيار، وبعض العلماء حده بالسدس، يعني إذا زاد على السدس، وبعض العلماء حده بالثلث، وهذا الذي يظهر والله أعلم؛ أنه يحد بالثلث؛ لأن الإرجاع إلى العادة قد لا تنضبط، وقد تختلف السلع.
وعلى هذا نقول: الإنسان ينظر إلى السلعة وكم تكلفت عليه، ثم بعد ذلك لا يزيد على الثلث في الربح؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث سعد قال: ( الثلث، والثلث كثير )، فمثلاً إذا كانت هذه السلعة قد تكلفت عليه بعشرة ريالات فإنه لا يزيد إلى خمسة عشر وإنما يزيد إلى ثلاثة عشر، فإذا ضبط بهذا فإنه لا يكون هناك ظلم للناس، كما أن البائع إذا أخذ الثلث فإنه يربح.
ويستثنى من ذلك بعض السلع التي ترتفع أسعارها، يعني يتعارف الناس على أن هذه هي أسعارها حتى ولو زادت على الثلث، مثل العقارات، ومثل السلع التي لا تكون مبذولة، فما يتعلق بالعقارات، فهذه أسعارها، يتعارف الناس على أنها قد ترتفع؛ لأن العقار ليس كسائر السلع المبذولة.
ولهذا العلماء رحمهم الله يفردون العقار بأحكام خاصة، وسيأتينا في باب الحجر أن القُصَّر لا يباح عقارهم إلا عند الغبطة يعني عند الربح الظاهر، أو عند الضرورة كأن يحتاجوا إلى طعام وشراب، وما عدا ذلك فلا يباح، لكن بالنسبة لغير العقار كثوبه وسيارته فللولي أن يتصرف في ذلك.
وما يتعلق بالعقارات فالعلماء يفردونها بأحكام.
فنقول: ما يتعلق بالعقارات قد يتعارف الناس أنه قد تزيد أسعارها إلى المضاعفة، وكذلك أيضاً السلع التي ليست مبذولة وتكون قليلة ونادرة، فقد تقل السلع وترتفع الأسعار، وهذا بفعل الله سبحانه وتعالى، فنقول: هذا لا ينضبط فيه، لكن ما عدا ذلك وهي سائر السلع المبذولة عند الناس، فنقول: إذا ضبطت بالثلث فهذا وسط.
الصورة الثانية من صور الغبن: قال المؤلف: ( وبزيادة الناجش ).
والنجش في اللغة: الإثارة، ومنه نجشت الصيد إذا أثرته.
وأما في الاصطلاح: فهو الزيادة في الثمن ممن لا يريد الشراء.
وسواء كانت هذه الزيادة بمواطأة واتفاق بين البائع وبين الناجش أو لم يكن ذلك بمواطأة ولا اتفاق، فإن النجش محرم ولا يجوز، ويدل لذلك قول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ [النساء:29] ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( كل المسلم على المسلم حرام: دمه، وماله، وعرضه )، ولا شك أن المشتري لا يرضى بهذه الزيادة، والنجش محرم ولا يجوز، ويدل لذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( ولا تناجشوا ).
وكما أسلفنا أن النجش لا يجوز سواء كان بمواطأة واتفاق بين الناجش والبائع أو لم يكن، وسواء قصد الناجش نفع البائع أو مضرة المشتري، أو لم يقصد شيئاً من ذلك، المهم أن النجش محرم ولا يجوز.
ومن صور النجش أن يقول البائع: أعطيت بها كذا وكذا وهو كاذب، كأن يقول: سيمت مني هذه السيارة بكذا وكذا وهو كاذب، فإن هذا من صور النجش.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: (والمسترسل).
هذه الصورة الثالثة من صور خيار الغبن، والمسترسل في اللغة: مأخوذ من استرسل إذا اطمئن.
وأما في الاصطلاح: فهو من جهل القيمة ولا يحسن المماكسة، والمشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله تعالى أن المسترسل من جهل القيمة ولا يحسن المماكسة، فلابد من هذين الأمرين، وعلى هذا إذا كان يعلم بالقيمة، ولكنه لا يحسن المماكسة فليس مسترسلاً، وإن كان يحسن المماكسة ويجهل القيمة فليس مسترسلاً، وعلى هذا لا يثبت الخيار؛ لأنهم يقولون: لابد من هذين الأمرين: أن يكون جاهلاً بالقيمة، وكذلك أيضاً ألا يحسن المماكسة.
وعموماً فهم يقولون كما أسلفنا: إن خيار الغبن لا يثبت إلا في هذه الصور الثلاث: في تلقي الركبان، وزيادة الناجش، والمسترسل، والصواب في ذلك: أن الغبن يثبت في هذه الصور الثلاث وفي غيرها، فمن غبن غبناً يخرج عن العادة، سواء كان بائعاً أو كان مشترياً، فإن الخيار يثبت له، سواء في هذه الصور أو في غيرها من الصور، فهذا هو الضابط.
وقوله: (يخرج عن العادة)، أي: يخرج الغبن اليسير الذي اعتاده الناس، كأن يكون الكتاب بعشرة، فيشتريه بأحد عشر، فهذا قدر يسير تعارف عليه الناس، فهذا لا يخرج عن العادة، وإنما مثل هذه الأشياء ترجع إلى الحذق في الشراء، وحسن المماكسة ونحو ذلك، أو مثلاً السيارة بعشرة آلاف فيشتريها بعشرة آلاف ومائة، أو بعشرة آلاف ومائتين، فهذا لا بأس به، فما جرى العرف أن الناس يتغابنون فيه فإنه لا يثبت فيه الخيار؛ لأن هذا يشق التحرز عنه، وقد لا ينضبط، أما ما جرى العرف على أنه كثير وأن هذا لا يتغابن فيه الناس، وإنما يتغابن فيه أفراد الناس فهذا يثبت فيه خيار الغبن.
استمع المزيد من الشيخ الدكتور خالد بن علي المشيقح - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
شرح زاد المستقنع - كتاب الطهارة [17] | 2818 استماع |
شرح زاد المستقنع - كتاب النكاح [13] | 2731 استماع |
شرح زاد المستقنع - كتاب المناسك [5] | 2678 استماع |
شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [19] | 2645 استماع |
شرح زاد المستقنع - كتاب البيع [26] | 2640 استماع |
شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [32] | 2558 استماع |
شرح زاد المستقنع - كتاب الأيمان [2] | 2555 استماع |
شرح زاد المستقنع - كتاب الحدود [7] | 2528 استماع |
شرح زاد المستقنع - كتاب الإيلاء [1] | 2521 استماع |
شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [8] | 2498 استماع |