أرشيف المقالات

سنة الله في تبشير المؤمنين بالنصر والتمكين

مدة قراءة المادة : 7 دقائق .
سنة الله في تبشير المؤمنين بالنصر والتمكين
 
الحمد لله لعزيز الحكيم، ذي القوة المتين، الحليم العظيم، رب السماوات والأرض وما بينهما ورب العرش العظيم، وصل اللهم على النبي الأمين محمد وآله وصحبه أجمعين.

أما بعد:
فإنه قد قضى العزيز الحكيم سبحانه بأنه ما كان لكلمة الله إذا أعلنت إلا أن تسود، وما كان لراية الحق إذا رُفعت إلا أن تقود، وما كان للباطل إذا أتى عليه الحق إلا أن يزهق، ولجنود الشيطان إذا أتى عليها جنود الرحمن إلا أن تُسحق.

وإنني أستحي من نفسي الحقيرة ومن ذنوبي الغفيرة، إذ أكتب عما قدم الله للنصر من بشريات، وعما منَّ الله به علينا من بينات ودلائل واضحات عن قرب نصر الله، فهذه البشريات هي منة من الله، وثمن لدماء طاهرة قد بُذلت في سبيل الله، ونفوس طيبة هاجرت وجاهدت من أجل إعلاء كلمة الله، وأجساد شريفة قد سُجنت وعذِّبت ابتغاء مرضات الله، ودعوات خالصة بأعظم أسماء الله، وصبر وإخلاص دعاة وأهل علم أوقفوا حياتهم وأوقاتهم لحراسة ونشر دين الله.

فبشرنا الله بهذه البشريات حتى تكون برداً على قلوب المؤمنين فتبعث فيهم الأمل، وتحفز فيهم الهمم، وترسخ فيهم اليقين، وتبشرهم بقرب وعد الله من التمكين.
 
سنة الله في تبشير المؤمنين بالنصر والتمكين:
إن من سنن الله تعالى التي لا تتبدل في عباده المؤمنين، أنه إذا أراد أن يمكن لدينه؛ أنزل من الدلائل والبينات والآيات ما يدل دلالة يقينية واضحة على قرب نصر الله، حتى يعمل العاملون من المؤمنين وهم على ثقة بنصر الله قال تعالى: ﴿ وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ ﴾ [القصص: 5 - 6].
وقال تعالى: ﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ ﴾ [البقرة: 214].
وقال تعالى: ﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ ﴾ [آل عمران: 142].

وقال تعالى: ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [النور: 55].

فما يكون التمكين والإمامة في الدين إلا بالصبر والثبات، وما يكون الصبر والثبات إلا باليقين، ﴿ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يُوقِنُونَ ﴾ [السجدة: 24].
أي أن الذي جعلهم يصبرون ويثبتون أنهم كانوا بآيات الله يوقنون.

وكان الرسل يبشرون أتباعهم بنصر الله ويدعونهم إلى الثبات والصبر حتى يتم لهم التمكين الذي بشرهم الله به، فهذا موسى عليه السلام يدعو قومه إلى الصبر والثبات ويبشرهم بالتمكين، ﴿ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ * قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ ﴾ [الأعراف: 128 - 129].

وهذا محمد - صلى الله عليه وسلم - يدعو أصحابه إلا الصبر والثبات ويبشرهم بالنصر والتمكين.

فَعَنْ خَبَّاب بْنِ الْأَرَتِّ قَالَ: شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ فَقُلْنَا أَلَا تَسْتَنْصِرُ لَنَا أَلَا تَدْعُو لَنَا؟
فَقَالَ قَدْ كَانَ مَنْ قَبْلَكُمْ يُؤْخَذُ الرَّجُلُ فَيُحْفَرُ لَهُ فِي الْأَرْضِ فَيُجْعَلُ فِيهَا فَيُجَاءُ بِالمنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُجْعَلُ نِصْفَيْنِ وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ وَعَظْمِهِ فَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَاللهِ لَيَتِمَّنَّ هَذَا الْأَمْرُ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ لَا يَخَافُ إِلَّا الله وَالذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ[1].

قال البلاذري رحمه الله: كان الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى هو وأصحابه يتغامزون بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ويقولون: قد جاءكم ملوك الأرض ومن يغلب على كنوز كسرى وقيصر ثم يمُكُّون ويصفرون[2].

عن عدي بن حاتم قال: بينا أنا عند النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ أتاه رجلٌ فشكا إليه الفاقة، ثم أتاه آخر فشكا إليه قطع السبيل، فقال يا عدي هل رأيت الحيرة؟
قلت لم أرها وقد أُنْبِئْتُ عنها.
قال فإن طالت بك حياةٌ لترين الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف أحداً إلا الله.
قلت فيما بيني وبين نفسي فأين دعار طَيء الذين قد سعروا البلاد؟!, ولئن طالت بك حياةٌ لتفتحن كنوز كسرى.

قلت كسرى بن هرمز؟! قال كسرى بن هرمز، ولئن طالت بك حياةٌ لترين الرجل يخرج ملء كفه من ذهب أو فضة يطلب من يقبله منه فلا يجد أحداً يقبله منه، وليلقين الله أحدكم يوم يلقاه وليس بينه وبينه ترجمان يترجم له، فليقولن له ألم أبعث إليك رسولاً فيُبلغك؟ فيقول بلى.
فيقول ألم أعطك مالاً وأفضل عليك؟ فيقول بلى.
فينظر عن يمينه فلا يرى إلا جهنم، وينظر عن يساره فلا يرى إلا جهنم.
قال عديٌّ: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: اتقوا النار ولو بشقة تمرة، فمن لم يجد شقة تمرة فبكلمة طيبة.
قال عديٌّ: فرأيت الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف إلا الله، وكنت فيمن افتتح كنوز كسرى بن هرمز، ولئن طالت بكم حياةٌ لترون ما قال النبيُّ أبو القاسم - صلى الله عليه وسلم - يخرج ملء كفِّه[3].

[1] البخاري (3343).


[2] سبل الهدى والرشاد (ج2).

[3] البخاري (3328).

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٣