خطب ومحاضرات
شرح زاد المستقنع - كتاب البيع [4]
الحلقة مفرغة
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويحرم بيعه على بيع أخيه، كأن يقول لمن اشترى سلعة بعشرة: أنا أعطيك مثلها بتسعة، وشراؤه على شرائه، كأن يقول لمن باع سلعة بتسعة: عندي فيها عشرة، ليفسخ ويعقد معه، ويبطل العقد فيهما، ومن باع ربوياً بنسيئة، واعتاض عن ثمنه ما لا يباع به نسيئة أو اشترى شيئاً نقداً بدون ما باع به نسيئة لا بالعكس لم يجزِ، وإن اشتراه بغير جنسه، أو بعد قبض ثمنه، أو بعد تغير صفته، أو من غير مشتريه، أو اشتراه أبوه أو ابنه جاز].
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
تقدم لنا ما يتعلق بشرط كون الثمن معلوماً، وذكرنا دليل ذلك، وأيضاً تكلمنا عن المسائل التي أدرجها المؤلف رحمه الله تعالى تحت هذا الشرط، ثم بعد ذلك تكلمنا عن مسائل تفريق الصفقة، وما المراد بها، وكيف يقسط الثمن إذا جمع في عقد واحد، وبينا ما يصح العقد عليه، وما لا يصح العقد عليه، ثم بعد ذلك شرع المؤلف رحمه الله في بعض البيوع المنهي عنها، وذكر من هذه البيوع البيع بعد نداء الجمعة الثاني، ومثله أيضاً البيع بعد تضايق وقت المكتوبة، وكذلك أيضاً إذا باع شيئاً من المباحات مما يستعان به على المحرم، فإن هذا من المحرم ولا يجوز، وكذلك أيضاً ما يتعلق ببيع العبد المسلم للكافر، ومتى يجوز ذلك، ومتى لا يجوز، وكذلك أيضاً ذكرنا حكم ما إذا جمع بين عقدين صفقة واحدة، وأن هذا جائز لا بأس به.
قال المؤلف رحمه الله: (ويحرم بيعه على بيع أخيه).
كأن يقول لمن اشترى سلعة بعشرة: أنا أعطيك مثلها بتسعة.
يحرم أن يبيع المسلم على بيع أخيه، ودليل ذلك نهي النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: ( ولا يبع بعضكم على بيع بعض ).
صور البيع على بيع المسلم
الصورة الأولى: في الكمية كما مثل المؤلف رحمه الله ذلك: أن يبيع سلعة بعشرة فيأتي شخص ويقول: أنا أبيعك مثلها بتسعة، فهذا بيع على بيع أخيه في الكمية.
الصورة الثانية: في الكيفية كأن يبيعه سيارة بعشرة فيأتي شخص ويقول: أنا أبيعك أحسن من هذه السيارة بعشرة، فكلا الصورتين سواء كان ذلك في الكمية، أو كان ذلك في الكيفية كل ذلك لا يجوز، والحكمة من ذلك ظاهرة، وهي أن البيع على بيع المسلم يوقع في إيغار الصدور، والبغضاء والتدابر والشحناء ونحو ذلك، فحرم ذلك.
البيع على بيع الكافر
والرأي الثاني في المسألة: أنه لا يجوز حتى ولو كان كافراً؛ لأنه لا يجوز لك أن تبيع على بيعه، لما في ذلك من الظلم، والله سبحانه وتعالى لا يقر الظلم، فالكافر لا يجوز لك أن تظلمه، بل يجب عليك أن تعدل معه، قال الله عزّ وجل: فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ [التوبة:7] ما دام أنه لم يظلمك بذاته فإنه لا يجوز لك أن تعتدي عليه وتظلمه، وهذا القول هو الصواب، وعلى هذا نقول: لا يجوز أن تبيع على بيع الكافر. ولا المسلم.
شراء المسلم على شراء أخيه
أيضاً يحرم أن تشتري على شراء أخيك المسلم، وهذا أيضاً تحته صورتان كما سلف سواء كان ذلك في الكمية، أو كان ذلك في الكيفية، مثاله في الكمية: أن يشتري السيارة بعشرة، فيأتي شخص ويقول: أنا أشتريها بأحد عشر، فنقول: هذا محرم لا يجوز، أو في الكيفية: كأن يشتري السيارة بعشرة بثمن مؤجل، فيأتي شخص ويقول أنا أشتريها بعشرة بثمن الحال، فنقول: هذا محرم لا يجوز، أو مثلاً: يشتري السيارة ببر متوسط، فيأتي شخص ويقول: أنا أشتريها ببر جيد، نقول: هذا كله لا يجوز، فالشراء على شراء أخيه سواء كان ذلك في الكمية أو في الكيفية كله لا يجوز.
قال: (كأن يقول لمن باع سلعة بتسعة: عندي فيها عشرة ليفسخ ويعقد معه).
يؤخذ من كلام المؤلف رحمه الله تعالى: (ليفسخ ويعقد معه)، أنه إذا كانت هذه العلة فإنه لا يجوز، بخلاف ما إذا لم تكن هذه هي العلة: كأن يشتري على شرائه، وهو لا يريد أن يفسخ وإنما يريد زيادة السلع.
إذاً عندنا صورتان:
الصورة الأولى: إذا كان يريد أن يفسخ ويعقد معه، فإن هذا لا يجوز، مثال ذلك اشترى سيارة بعشرة فقال الثاني: أنا أشتريها بأحد عشر، فيأتي البائع ويفسخ مع الأول، ويعقد مع الثاني لأن الثاني سيبيعه بأحد عشر، فإذا كان كذلك فإن هذا لا يجوز.
الصورة الثانية: إذا كان لا يترتب عليه فسخ، ونعلم أن البائع لن يفسخ البيع مع المشتري الأول، فظاهر كلام المؤلف رحمه الله تعالى أن هذا جائز ولا بأس به، فمثلاً اشترى السيارة بعشرة، فجاء شخص وقال: أنا أشتري بأحد عشر، وهو لا يريد أن يفسخ معه في نفس هذه السلعة، وإنما يريد سلعة أخرى، فإذا كان لا يريد أن يفسخ ويعقد معه، فظاهر كلام المؤلف أن هذا جائز ولا بأس به؛ لأن العلة انتفت، وهي أنه إذا فسخ البائع مع الأول، وعقد مع الثاني ترتب على ذلك ما يتعلق بإيغار الصدور والشحناء والبغضاء.
أما إذا علمنا أن البائع لن يفسخ مع الأول، وإنما سيعقد مع الثاني على سلعة أخرى، فكلام المؤلف رحمه الله: أن هذا جائز لا بأس به، ولكن مع ذلك نقول: إذا كان سيترتب عليه ما يترتب على حكمة النهي من الشراء على شراء أخيه، والبيع على بيع أخيه من إيغار الصدور، فنقول: الأحوط في ذلك أن يتركه المسلم.
الأثر المترتب على بيع وشراء المسلم على أخيه
أي: يبطل العقد في البيع على بيعه، والشراء على شرائه، فمثلاً: لو أنه باع السيارة بعشرة، ثم جاء شخص وقال: أنا أشتريها بأحد عشر، ففسخ البائع مع الأول، وعقد مع الثاني بأحد عشر، فنقول: العقد الثاني باطل، ولا يجوز؛ لأن النهي يقتضي الفساد، ولهذا قال المؤلف رحمه الله: (ويبطل العقد فيهما)، يعني يبطل العقد في البيع على بيعه، وفي الشراء على شرائه، فإذا فسخ العاقد مع العاقد الأول وعقد مع الثاني فنقول بأن هذا العقد باطل؛ لأن النهي يقتضي الفساد.
سوم المسلم على سوم أخيه
نقول: السوم على سومه ينقسم إلى قسمين:
القسم الأول: أن يكون ذلك في بيوع المزايدة، ونقول بأن هذا جائز ولا بأس به، ويدل لذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم باع فيمن يزيد، وعلى هذا جرى عمل المسلمين، فالسلع تعرض، ثم بعد ذلك يسوم الناس هذه السلع، ويتزايدون فيها.
وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: أنه لو قيل في بيوع المزايدة، أنه ليس لأحدهما أن يفسخ لما يترتب عليه من الضرر، لكان ذلك متوجهاً، فمثلاً السيارة عرضت بعشرة آلاف، ثم زاد شخص إلى أحد عشرين ألفاً، ثم بعد ذلك توقف عليه السوم، فهل له الحق في الفسخ، أو ليس له الحق في الفسخ؟ الفقهاء رحمهم الله يقولون: له الحق في الفسخ، وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قال: لو قيل بأنه ليس له الحق في الفسخ، لما يترتب عليه في الضرر، ما دام أنه زاد إلى هذا الثمن، فإنه لا يتمكن من الفسخ، ولو قلنا: افسخ لأدى إلى ضرر البائع؛ لأن الناس قد انصرفوا عن هذه السلعة لكون هذا الشخص زاد على الثمن الذي يرغبه الناس، حتى تركها الناس.
القسم الثاني: السوم في غير بيوع المزايدة، ونقول: إذا ركن كل واحد منهما إلى الآخر، ورضي المشتري بالسلعة، والبائع بالثمن لكنه لم يحصل العقد، فإنه لا يجوز أن يسوم على سوم أخيه إذا حصل رضا لكن لم يحصل العقد، أما لو حصل العقد فهو البيع على بيعه، أو الشراء على شرائه، هذا هو الفرق بين السوم على سومه، والبيع على بيعه، والشراء على شرائه، الفرق بينهما أنه في البيع تم العقد، لكن الآخر فسخ لكونه يملك الفسخ؛ إما لكونه في خيار المجلس أو كونه في خيار الشرط، أما في السوم على سومه فلم يحصل العقد، وإنما حصل الرضا التام بين المتعاقدين، فهذا رضي بالثمن، وهذا رضي بالمثمن، لكن لم يحصل العقد، فهل يجوز السوم على سومه؟ نقول: لا يجوز السوم على سومه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك، لكن لو سام على سوم أخيه بعد الرضا التام، ثم عقد مع الثاني، يعني توافقا، هذا يريد الثمن وهذا يريد المثمن، ثم جاء شخص وزاد فعقد البائع مع الثاني، ما حكم هذا العقد؟ هل العقد صحيح؟ أو باطل؟
المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله تعالى: أن العقد صحيح، وهذا قول جمهور العلماء رحمهم الله تعالى؛ لأنه في السوم على سومه، لا يعود النهي على ذات المنهي عنه، وإنما يعود إلى أمر خارج.
مدى إمكانية الفسخ في بيع المسلم على بيع أخيه وشرائه
العلماء رحمهم الله يقولون: يحرم ذلك إذا كان العاقد يتمكن من الفسخ، أما إذا كان لا يتمكن من الفسخ فإنه لا يحرم، ومتى يتمكن العاقد من الفسخ، ومتى لا يتمكن؟
إذا كان في زمن الخيارين فإنه يتمكن من الفسخ، أما إذا لم يكن في زمن الخيارين فإنه لا يتمكن من الفسخ، مثال ذلك: باعه السيارة بعشرة آلاف ريال، ثم جاء شخص وقال: أنا أبيعك أحسن منها بتسعة، وهما في مجلس الخيار، فهنا المشتري يتمكن من الفسخ، ويعقد مع الثاني، هذا في زمن خيار المجلس، وفي زمن خيار الشرط: اشترى السيارة بعشرة، وقال: لي الخيار لمدة يومين وذهب، فجاءه شخص، وقال: أنا أبيعك مثل هذه السيارة بتسعة، هنا هل يتمكن من الفسخ، أو لا يتمكن؟
يتمكن ما دام أن له خيار الشرط، لكن لو حصل البيع على بيعه، والشراء على شرائه بعد زمن الخيارين، فنقول بأن هذا لا بأس به، فمثلاً: باعه السيارة بعشرة، وتفرقا عن مجلس العقد وليس لأحدهما شرط، ثم بعد ذلك جاء شخص وقال: أنا أبيعك مثل هذه السيارة بتسعة، يقولون: إن هذا جائز ولا بأس به، والصواب في ذلك: أنه حتى بعد زمن الخيارين فإنه محرم لا يجوز؛ لأن هذا العاقد -المشتري- إذا اشترى بعشرة، وجاء شخص وقال أنا أبيعك بتسعة، فإن هذا العاقد سيسلك أي طريق لفسخ هذا العقد، سيدعي الغبن، سيدعي العيب.. إلخ، مع أنه سيقع في قلبه أيضاً ما نهي عنه، وحكمة النهي عن مثل هذه العقود ما سيترتب على ذلك من إيغار الصدور والتباغض والتدابر ونحو ذلك، فالصواب في ذلك: أنه حتى بعد لزوم العقد، وبعد ذهاب زمن الخيارين: لا يجوز له أن يشتري على شرائه، أو أن يعقد على عقده.
والبيع على بيع المسلم له صورتان:
الصورة الأولى: في الكمية كما مثل المؤلف رحمه الله ذلك: أن يبيع سلعة بعشرة فيأتي شخص ويقول: أنا أبيعك مثلها بتسعة، فهذا بيع على بيع أخيه في الكمية.
الصورة الثانية: في الكيفية كأن يبيعه سيارة بعشرة فيأتي شخص ويقول: أنا أبيعك أحسن من هذه السيارة بعشرة، فكلا الصورتين سواء كان ذلك في الكمية، أو كان ذلك في الكيفية كل ذلك لا يجوز، والحكمة من ذلك ظاهرة، وهي أن البيع على بيع المسلم يوقع في إيغار الصدور، والبغضاء والتدابر والشحناء ونحو ذلك، فحرم ذلك.
وقول المؤلف رحمه الله: (يحرم بيعه على بيع أخيه) يفهم منه أنه لا بأس أن يبيع على بيع الكافر، فلو أن الكافر باع سلعة بعشرة فلك أن تبيع على بيعه، سواء كان ذلك في الكمية أو في الكيفية. هذا هو ظاهر كلام المؤلف رحمه الله تعالى، وبه قال كثير من العلماء: أن التحريم خاص بالمسلم إذا باع، أما إذا باع على بيع الكافر فإن هذا جائز لا بأس به.
والرأي الثاني في المسألة: أنه لا يجوز حتى ولو كان كافراً؛ لأنه لا يجوز لك أن تبيع على بيعه، لما في ذلك من الظلم، والله سبحانه وتعالى لا يقر الظلم، فالكافر لا يجوز لك أن تظلمه، بل يجب عليك أن تعدل معه، قال الله عزّ وجل: فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ [التوبة:7] ما دام أنه لم يظلمك بذاته فإنه لا يجوز لك أن تعتدي عليه وتظلمه، وهذا القول هو الصواب، وعلى هذا نقول: لا يجوز أن تبيع على بيع الكافر. ولا المسلم.
قال المؤلف رحمه الله: (وشراؤه على شرائه).
أيضاً يحرم أن تشتري على شراء أخيك المسلم، وهذا أيضاً تحته صورتان كما سلف سواء كان ذلك في الكمية، أو كان ذلك في الكيفية، مثاله في الكمية: أن يشتري السيارة بعشرة، فيأتي شخص ويقول: أنا أشتريها بأحد عشر، فنقول: هذا محرم لا يجوز، أو في الكيفية: كأن يشتري السيارة بعشرة بثمن مؤجل، فيأتي شخص ويقول أنا أشتريها بعشرة بثمن الحال، فنقول: هذا محرم لا يجوز، أو مثلاً: يشتري السيارة ببر متوسط، فيأتي شخص ويقول: أنا أشتريها ببر جيد، نقول: هذا كله لا يجوز، فالشراء على شراء أخيه سواء كان ذلك في الكمية أو في الكيفية كله لا يجوز.
قال: (كأن يقول لمن باع سلعة بتسعة: عندي فيها عشرة ليفسخ ويعقد معه).
يؤخذ من كلام المؤلف رحمه الله تعالى: (ليفسخ ويعقد معه)، أنه إذا كانت هذه العلة فإنه لا يجوز، بخلاف ما إذا لم تكن هذه هي العلة: كأن يشتري على شرائه، وهو لا يريد أن يفسخ وإنما يريد زيادة السلع.
إذاً عندنا صورتان:
الصورة الأولى: إذا كان يريد أن يفسخ ويعقد معه، فإن هذا لا يجوز، مثال ذلك اشترى سيارة بعشرة فقال الثاني: أنا أشتريها بأحد عشر، فيأتي البائع ويفسخ مع الأول، ويعقد مع الثاني لأن الثاني سيبيعه بأحد عشر، فإذا كان كذلك فإن هذا لا يجوز.
الصورة الثانية: إذا كان لا يترتب عليه فسخ، ونعلم أن البائع لن يفسخ البيع مع المشتري الأول، فظاهر كلام المؤلف رحمه الله تعالى أن هذا جائز ولا بأس به، فمثلاً اشترى السيارة بعشرة، فجاء شخص وقال: أنا أشتري بأحد عشر، وهو لا يريد أن يفسخ معه في نفس هذه السلعة، وإنما يريد سلعة أخرى، فإذا كان لا يريد أن يفسخ ويعقد معه، فظاهر كلام المؤلف أن هذا جائز ولا بأس به؛ لأن العلة انتفت، وهي أنه إذا فسخ البائع مع الأول، وعقد مع الثاني ترتب على ذلك ما يتعلق بإيغار الصدور والشحناء والبغضاء.
أما إذا علمنا أن البائع لن يفسخ مع الأول، وإنما سيعقد مع الثاني على سلعة أخرى، فكلام المؤلف رحمه الله: أن هذا جائز لا بأس به، ولكن مع ذلك نقول: إذا كان سيترتب عليه ما يترتب على حكمة النهي من الشراء على شراء أخيه، والبيع على بيع أخيه من إيغار الصدور، فنقول: الأحوط في ذلك أن يتركه المسلم.
قال: (ويبطل العقد فيهما).
أي: يبطل العقد في البيع على بيعه، والشراء على شرائه، فمثلاً: لو أنه باع السيارة بعشرة، ثم جاء شخص وقال: أنا أشتريها بأحد عشر، ففسخ البائع مع الأول، وعقد مع الثاني بأحد عشر، فنقول: العقد الثاني باطل، ولا يجوز؛ لأن النهي يقتضي الفساد، ولهذا قال المؤلف رحمه الله: (ويبطل العقد فيهما)، يعني يبطل العقد في البيع على بيعه، وفي الشراء على شرائه، فإذا فسخ العاقد مع العاقد الأول وعقد مع الثاني فنقول بأن هذا العقد باطل؛ لأن النهي يقتضي الفساد.
بقي أيضاً مسألة ثالثة، وهي السوم على سومه، هل هذا جائز أو ليس جائزاً؟
نقول: السوم على سومه ينقسم إلى قسمين:
القسم الأول: أن يكون ذلك في بيوع المزايدة، ونقول بأن هذا جائز ولا بأس به، ويدل لذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم باع فيمن يزيد، وعلى هذا جرى عمل المسلمين، فالسلع تعرض، ثم بعد ذلك يسوم الناس هذه السلع، ويتزايدون فيها.
وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: أنه لو قيل في بيوع المزايدة، أنه ليس لأحدهما أن يفسخ لما يترتب عليه من الضرر، لكان ذلك متوجهاً، فمثلاً السيارة عرضت بعشرة آلاف، ثم زاد شخص إلى أحد عشرين ألفاً، ثم بعد ذلك توقف عليه السوم، فهل له الحق في الفسخ، أو ليس له الحق في الفسخ؟ الفقهاء رحمهم الله يقولون: له الحق في الفسخ، وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قال: لو قيل بأنه ليس له الحق في الفسخ، لما يترتب عليه في الضرر، ما دام أنه زاد إلى هذا الثمن، فإنه لا يتمكن من الفسخ، ولو قلنا: افسخ لأدى إلى ضرر البائع؛ لأن الناس قد انصرفوا عن هذه السلعة لكون هذا الشخص زاد على الثمن الذي يرغبه الناس، حتى تركها الناس.
القسم الثاني: السوم في غير بيوع المزايدة، ونقول: إذا ركن كل واحد منهما إلى الآخر، ورضي المشتري بالسلعة، والبائع بالثمن لكنه لم يحصل العقد، فإنه لا يجوز أن يسوم على سوم أخيه إذا حصل رضا لكن لم يحصل العقد، أما لو حصل العقد فهو البيع على بيعه، أو الشراء على شرائه، هذا هو الفرق بين السوم على سومه، والبيع على بيعه، والشراء على شرائه، الفرق بينهما أنه في البيع تم العقد، لكن الآخر فسخ لكونه يملك الفسخ؛ إما لكونه في خيار المجلس أو كونه في خيار الشرط، أما في السوم على سومه فلم يحصل العقد، وإنما حصل الرضا التام بين المتعاقدين، فهذا رضي بالثمن، وهذا رضي بالمثمن، لكن لم يحصل العقد، فهل يجوز السوم على سومه؟ نقول: لا يجوز السوم على سومه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك، لكن لو سام على سوم أخيه بعد الرضا التام، ثم عقد مع الثاني، يعني توافقا، هذا يريد الثمن وهذا يريد المثمن، ثم جاء شخص وزاد فعقد البائع مع الثاني، ما حكم هذا العقد؟ هل العقد صحيح؟ أو باطل؟
المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله تعالى: أن العقد صحيح، وهذا قول جمهور العلماء رحمهم الله تعالى؛ لأنه في السوم على سومه، لا يعود النهي على ذات المنهي عنه، وإنما يعود إلى أمر خارج.
استمع المزيد من الشيخ الدكتور خالد بن علي المشيقح - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
شرح زاد المستقنع - كتاب الطهارة [17] | 2816 استماع |
شرح زاد المستقنع - كتاب النكاح [13] | 2730 استماع |
شرح زاد المستقنع - كتاب المناسك [5] | 2676 استماع |
شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [19] | 2643 استماع |
شرح زاد المستقنع - كتاب البيع [26] | 2638 استماع |
شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [32] | 2556 استماع |
شرح زاد المستقنع - كتاب الأيمان [2] | 2553 استماع |
شرح زاد المستقنع - كتاب الحدود [7] | 2526 استماع |
شرح زاد المستقنع - كتاب الإيلاء [1] | 2520 استماع |
شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [8] | 2497 استماع |