شرح زاد المستقنع - كتاب الجهاد [2]


الحلقة مفرغة

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وله أن ينفل في بدايته الربع بعد الخمس، وفي الرجعة الثلث بعده، ويلزم الجيش طاعته والصبر معه، ولا يجوز الغزو إلا بإذنه، إلا أن يفجأهم عدو يخافون كلبه، وتملك الغنيمة بالاستيلاء عليها في دار الحرب، وهي لمن شهد الوقعة من أهل القتال، فيخرج الخمس، ثم يقسم باقي الغنيمة، للراجل سهم، وللفارس ثلاثة أسهم: سهم له وسهمان لفرسه، ويشارك الجيش سراياه فيما غنمت، ويشاركونه فيما غنم، والغال من الغنيمة يحرق رحله كله إلا السلاح والمصحف وما فيه روح، وإذا غنموا أرضاً فتحوها بالسيف خيرِّ الإمام بين قسمها ووقفها على المسلمين، ويضرب عليها خراجاً مستمراً يؤخذ ممن هي بيده، والمرجع في الخراج والجزية إلى اجتهاد الإمام، ومن عجز عن عمارة أرضه أجبر على إجارتها أو رفع يده عنها، ويجزي فيها الميراث، وما أخذ من مال مشرك كجزية، وخراج، وعشر، وما تركوه فزعاً، وخمس خمس الغنية ففيء يصرف في مصالح المسلمين].

تقدم معنا تعريف الجهاد، وذكرنا بأنه قتال الكفار لتكون كلمة الله هي العليا، وذكرنا الأصل فيه من القرآن ومن السنة ومن إجماع العلماء، وذكرنا أيضاً ما يتعلق بشروطه، وأنه يشترط له شروط إذا كان تطوعاً، وتقدم لنا أيضاً متى يتعين؟ وأنه يتعين في مواضع:

الموضع الأول: إذا حضر صف القتال.

والموضع الثاني: إذا حضر بلده العدو.

والموضع الثالث: إذا استنفره الإمام، سواء كان هذا الاستنفار عاماً أو خاصاً.

وأيضاً هل الجهاد جهاد دفع أو أنه جهاد دفع وطلب؟ الصحيح في ذلك ما عليه جماهير أهل العلم: أنه جهاد دفع وطلب، وليس جهاد دفع فقط.

كذلك أيضاً تقدم لنا ما يتعلق بالرباط، وما أقله، وذكرنا أن أقل ما ورد فيه يوم أو ليلة، وأما بالنسبة لأكثره فإنه لا حد له، وأما ما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أن حده أربعون فهذا غير ثابت عن النبي عليه الصلاة والسلام.

قال رحمه الله: (وله أن ينفل في بدايته الربع بعد الخمس، وفي الرجعة الثلث بعده، ويلزم الجيش طاعته والصبر معه).

يقول المؤلف رحمه الله: (له أن ينفل).

النفل في اللغة: الزيادة، وأما في الاصطلاح: فهو ما يعطاه المجاهد زيادةً على سهمه.

والنفل ينقسم إلى ثلاثة أقسام:

القسم الأول: بينه المؤلف رحمه الله تعالى بقوله: (وله أن ينفل في بدايته الربع بعد الخمس، وفي الرجعة الثلث بعده).

يعني: إذا خرج الإمام في الغزو -في قتال الكفار- فإنه يبعث سرية، فما غنمته هذه السرية يخرج الخمس، ثم يعطي هذه السرية ما دام أنه في البداية ربع ما غنمته، والباقي يقسم على جميع الجيش، وفي الرجعة إذا قفل راجعاً من القتال فإنه يبعث سريةً، وما تغنمه هذه السرية يخرج خمسه، ثم يعطي هذه السرية الثلث بعد الخمس، يعني: الخمس يخرجه، فيبقى أربعة أخماس يعطي هذه السرية الثلث، ثم يقسم الباقي للجيش، ويدل لهذا حديث حبيب بن مسلمة قال: (شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم نفل الربع في البداءة، والثلث في الرجعة)، وهذا الحديث رواه أبو داود وصححه ابن حبان والحاكم ، هذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله، وهذا هو القسم الأول من أقسام النفل.

والرأي الثاني: عدم التحديد، يعني: لو أن الإمام بعث سريةً في البدأة، أو بعث سريةً في الرجعة، ثم غنمت فإنه ينفلها -يعطيها زيادة على سهامها- دون أن يكون ذلك محدداً بالربع أو الثلث، واستدلوا بحديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما في الصحيحين: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نفلهم بعيراً بعيراً). والذي يظهر -والله أعلم- أن هذه المسألة من مواضع الاجتهاد، يعني يرجع فيها إلى اجتهاد الإمام.

والحكمة في كونه نفل في البدأة الربع، وأما في الرجعة فنفلهم الثلث الحكمة في ذلك كما يقول العلماء رحمهم الله: أنه في البدأة الجيش معاضد لهذه السرية، فاستحقت الربع، وأما في الرجعة فإن الجيش تخلى عنها فاستحقت الثلث، أي استحقت أكثر من ذلك.

القسم الثاني من أقسام النفل: أن ينفل الإمام بعض المجاهدين لما حصل منه من بلاء، أو غنائم، أو شدة بأس.. ونحو ذلك، ويدل لذلك ما تقدم من حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث سريةً قبل نجد فبلغت سهامهم فيها اثني عشر بعيراً ونفلهم بعيراً بعيراً). خرجاه في الصحيحين.

القسم الثالث من أقسام النفل: الجعل، وذلك بأن يقول الإمام: من عمل كذا فله كذا، من فتح الحصن الفلاني فله كذا، من دخل على العدو في الليل فله كذا وكذا.. إلى آخره.

قال رحمه الله: (ويلزم الجيش طاعته والصبر معه).

أي: يلزم الجيش طاعة الإمام والصبر معه، ويدل لذلك قول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ [النساء:59].

وأيضاً الاختلاف والشقاق سبب للفشل والهزيمة، كما قال سبحانه وتعالى: وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ [الأنفال:46] يعني: قوتكم، فلا شك أن من أعظم أسباب الهزيمة هو الشقاق والخلاف والتفرق، ومن أعظم أسباب النصر الاتحاد وعدم الفرقة.

ولهذا إذا تأملت شرائع الإسلام تجد أنها كلها تدعو إلى الوحدة، انظر إلى الصلاة -مثلاً- تجد أنها تدعو إلى الوحدة، فالناس يصلون خلف إمام واحد، ويتجهون إلى قبلة واحدة، ويعبدون رباً واحداً، وكذلك الزكاة تدعو أيضاً إلى الوحدة وعدم الفرقة، فالغني يعطي شيئاً من ماله لأخيه الفقير ويستل ما قد يكون في قلبه عليه، فيؤدي ذلك إلى التآلف والتحابب، وانظر أيضاً إلى الصيام حيث يتذكر الغني إخوانه الفقراء فيبادر إلى مواساتهم فيحصل بذلك التآلف، وانظر إلى الحج وكيف يكون الناس في لباس واحد في مكان واحد في زمان واحد، وانظر أيضاً إلى المعاملات ففيها (لا يبيع المسلم على بيع أخيه، ولا يشتري على شرائه، ولا يسوم على سومه)، (لا تدابروا، ولا تباغضوا، ولا تحاسدوا، وكونوا عباد الله إخواناً)، والمعنى أنك إذا تأملت كل الشرائع في الإسلام تجد أنها تدعو إلى عدم الفرقة والاختلاف؛ لأن هذا من أعظم أسباب الفشل والضعف، بخلاف الاتحاد فإنه من أعظم أسباب القوة، ولهذا أعداء الإسلام لما أدركوا مثل هذا الأمر سعوا إلى تفريق المسلمين، وفرق المسلمون إلى دويلات صغيرة.. إلى آخره، وهذا مما يكون سبباً في الضعف.

قال المؤلف رحمه الله: (ولا يجوز الغزو إلا بإذنه إلا أن يفجأهم عدو يخافون كلبه).

يقول المؤلف رحمه الله: (لا يجوز الغزو) يعني: قتال الكفار إلا بإذن الإمام الأعظم؛ لأن هذا من مسئولياته، (إلا أن يفجأهم عدو يخافون كلبه) يعني: يخافون شره وأذاه، فالمصلحة هنا تتعين؛ لأن هذا يكون من قبيل دفع الصائل؛ ولأن الانتظار إلى إذن الإمام يترتب عليه مفسدة.

قال رحمه الله: (وتملك الغنيمة بالاستيلاء عليها في دار الحرب).

الغنيمة: هي ما أخذ من أموال الكفار قهراً بقتال.

يقول المؤلف رحمه الله: (تملك الغنيمة بالاستيلاء عليها) وهذا قول أكثر أهل العلم، بمعنى: أن المسلمين إذا استولوا على شيء من أموال الكفار فإنهم يملكون هذه الأموال، وتخرج من ملك الكفار، ويترتب على ذلك ما لو أن أحداً أسلم بعد الاستيلاء على هذه الأموال فإنها لا تعود إليه؛ لأنها أصبحت الآن ملكاً للمسلمين، وانتقل ملكها إلى المسلمين.

الرأي الثاني: رأي الحنفية: أنها لا تملك بالاستيلاء، بل لا بد من القسمة.

أما دليل الجمهور الذين قالوا: تملك بالاستيلاء، فاستدلوا على ذلك بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لأن يأخذ أحدكم أحزمة فيحتطب ويبيع خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه).

فالأصل أن الناس شركاء في الحشيش والحطب، لكن إذا حازه شخص فإنه يكون خاصاً به، ويملكه بالحيازة، فدل ذلك على أن الغنيمة تملك بالحيازة، يعني الحشيش الناس شركاء فيه، والماء الناس شركاء فيه، لكن من حازه بالظروف ملكه وجاز له أن يبيعه، وإذا حاز الحطب ملكه وجاز له أن يبيعه، أما قبل أن يحوزه فالناس شركاء فيه.

وأما دليل الحنفية فاستدلوا على ذلك: (بأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الغنائم في دار الحرب)، والحديث ضعيف لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، والصواب: أنها تملك بالاستيلاء عليها، ويجوز قسمتها بعد ذلك بانتقال الملك فيها.

قال رحمه الله: (وهي لمن شهد الوقعة من أهل القتال).

تكون الغنائم لمن شهد الوقعة سواء باشر القتال أو لم يباشر القتال، حتى قال العلماء: حتى التجار الذين يصحبون الجيش يبيعون، وحتى الأطباء الذين يصحبون الجيش للمداواة.. إلى آخره، بشرط أن يكونوا مستعدين للقتال، ويدل لذلك قول عمر رضي الله تعالى عنه: الغنيمة لمن شهد الوقعة، وهذا الأثر أخرجه سعيد بن منصور والطبراني والبيهقي ، وإسناده صحيح صححه البيهقي .

تعريف السلب وبيان شروطه

قال رحمه الله: (فيخرج الخمس).

ذكر المؤلف الآن كيفية قسم الغنائم، وهن كما يلي:

أولاً يبدأ الإمام بدفع الأسلاب إلى أصحابها قبل أن يخرج الخمس، وما هو السلب؟

السلب في اللغة: الانتزاع قهراً، وأما في الاصطلاح: فهو ما يوجد مع المقتول من الثياب والسلاح والحلي والآلات والخفاف.. إلى آخره.

وحديث سلمة بن الأكوع في الصحيحين: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من قتل قتيلاً له عليه بينة فله سلبه). واشترط العلماء -رحمهم الله- لاستحقاق السلب شروطاً:

الشرط الأول: أن يكون المقتول من أهل القتال، وعلى هذا لو قتل امرأةً أو قتل صبياً فإنه لا يستحق سلبه؛ لأن هؤلاء ليسوا من أهل القتال، اللهم إلا إذا قاتل الصبي أو قاتلت المرأة فإنهم حينئذ يكونون من أهل القتل فيستحقون سلبهم، وقتل النساء والصبيان محرم ولا يجوز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أنكر قتل النساء والصبيان، إلا إذا قاتلوا أو أعانوا بالرأي فإنهم يقتلون ويدل لذلك دريد بن الصمة حيث كان رجلاً كبيراً طاعناً في السن، خرج به قومه يستعينون برأيه في حنين فقتله الصحابة رضي الله تعالى عنهم.

الشرط الثاني: أن يقتله أو أن يجعله في حكم المقتول، وعلى هذا لو جرحه ولم يقتله أو يجعله في حكم المقتول، فإنه لا يستحق سلبه.

الشرط الثالث: أن يغرر بنفسه، بمعنى: أن يكون قتله في حال مبارزة، وعلى هذا لو رماه من بعيد فإنه لا يستحق سلبه.

هذا ما ذهب إليه طوائف من أهل العلم.

والرأي الثاني: أنه لا حاجة إلى هذا الشرط؛ لأن (النبي صلى الله عليه وسلم قال: من قتل قتيلاً فله سلبه)، وهذا هو الصحيح سواء غرر بنفسه -قتله يعني عن طريق المبارزة- أو رماه من بعيد فإنه يستحق سلبه.

الشرط الرابع: أن يكون عليه بينة (لقول النبي صلى الله عليه وسلم: من قتل قتيلاً له عليه بينة، فله سلبه)، والبينة: هي كل ما يبين الحق سواء كان بالشهادة أو بمعرفة ذلك عن طريق الآلة أو غير ذلك. ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر في قتل أبي جهل نظر إلى سيفي معاذ ومعوذ بن عفراء لما تنازعا في قتل أبي جهل ،( فقال النبي صلى الله عليه وسلم: كلاكما قتله)، وأعطاهما سلبه.

الشرط الخامس والأخير: إذن الإمام، وهذا موضع خلاف بين أهل العلم رحمهم الله تعالى.

فالمشهور من مذهب الإمام أحمد ومذهب الشافعي أنه ليس شرطاً، وعند الحنفية والمالكية أنه شرط، والأقرب في ذلك أن هذا يختلف باختلاف الزمان والمكان، هذا ما يتعلق بالسلب.

تقسيم الغنيمة بعد إخراج الأجرة والسلب

يبدأ الإمام أولاً بإخراج السلب، ثم بعد ذلك يبدأ بإخراج أجرة الجمع والحمل والحفظ، ثم بعد ذلك يبدأ بإخراج الجعل، هذه الأشياء الثلاثة يخرجها قبل التخميس، ثم يقسم الغنيمة خمسة أقسام، يخرج القسم الأول ويقسمه خمسة أقسام، ويبقى عندنا أربعة أخماس، كما قال الله عز وجل في الآية: وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ [الأنفال:41]. فيقسمه خمسة أقسام، الخمس الأول وهو خمس الخمس فيكون لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، ومصرفه كالفيء يعني: يصرف في مصالح المسلمين، هذا يجعل في مصالح المسلمين من حفر الآبار، وتعديل الطرق، ورزق القضاة والأئمة، وعمارة المساجد.. وغير ذلك.

الخمس الثاني: فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى [الأنفال:41] ، الخمس الثاني: لبني هاشم وبني المطلب، في حديث جبير بن مطعم قال: (لما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم سهم ذوي القربى من خيبر بين بني هاشم وبني المطلب قال: إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد)، يعني: في النصف فيكون بينهم، يكون بين بني هاشم وبين بني المطلب، ويكون لعمومهم سواء كانوا فقراء، أو كانوا أغنياء، لكن إذا كثروا فإن الإمام يجتهد في من يعطيه منهم.

وبالنسبة لبني هاشم وبني المطلب هل يفضل بين ذكرهم وأنثاهم، أو أنه لا يفضل؟

نحن قلنا: بين الغني والفقير لا يفضل فهم يستحقونه بالسوية، ولكن بين الذكر والأنثى هل نفضل أو لا؟

المشهور من المذهب ومذهب الشافعي أنه يفضل، والرأي الثاني: أنه لا يفضل، وهي رواية عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى.

السهم الثالث: سهم اليتامى، وهل هو خاص بالفقراء منهم أو أنه يشمل الفقراء والأغنياء؟

المشهور من المذهب ومذهب الشافعية: أنه خاص بفقراء اليتامى، وقالوا: بأن لفظ اليتم يشعر بالفقر.

والرأي الثاني رأي ابن قدامة رحمه الله: أنه لا يشترط الفقر بل يشمل الفقير والغني، لعموم الآية.

والرابع: سهم المساكين، وهم الفقراء، وهم أهل الزكاة، وهو الذي لا يجد كفايته ولا كفاية من يمونه لمدة عام.

السهم الخامس لأبناء السبيل، وابن السبيل: المسافر الذي انقطع به سفره كما تقدم لنا في الزكاة.

هذا بالنسبة للخمس الأول، يقسمه الإمام إلى خمسة أقسام كما سلف.

تقسيم باقي الغنيمة بين الراجل والفارس

قال رحمه الله: (ثم يقسم باقي الغنيمة للراجل سهم، وللفارس ثلاثة أسهم: سهم له وسهمان لفرسه).

يقسم الغنيمة الباقية بين الغانمين، وقبل أن يقسم هذه الأربعة يخرج الرضخ، والرضخ لغةً: هو العطاء القليل.

وأما في الاصطلاح: فهو ما دون السهم لمن لا سهم له من الغنيمة، فمن ليس من أهل القتال هذا يرضخ له الإمام، ولنفرض أن رجلاً جاهد على بعير، والبعير ليس له سهم، الذي يسهم له هو الفرس، لكن يرضخ للبعير، أو جاهد على حمار يرضخ له، أو كان رقيقاً والرقيق ليس من أهل الجهاد وهو جاهد فيرضخ له، أو امرأة ليست من أهل الجهاد وجاهدت فيرضخ لها، وكذلك الصبي يرضخ له، هذا هو الرضخ.

فإذا أخرج الخمس الأول، وقبل أن يقسم الغنيمة -الأربعة الأخماس الباقية- فإنه يخرج الرضخ.

قال المؤلف رحمه الله: (للراجل سهم، وللفارس ثلاثة أسهم).

الراجل: هو الذي يجاهد على رجليه، أو على بعير أو حمار، فله سهم واحد، وبعيره وحماره والبغل ونحو ذلك هذه يرضخ له، وللفارس الذي على فرس ثلاثة أسهم: سهم له، وسهمان لفرسه، ويدل لذلك حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أسهم يوم خيبر للفارس ثلاثة أسهم: سهمان لفرسه، وسهم له)، وهذا ما عليه جمهور أهل العلم رحمهم الله تعالى.

والرأي الثاني: رأي أبي حنيفة ، ويقول فيه: الفارس له سهمان: سهم له وسهم لفرسه، ويقول: لا أفضل الحيوان على المسلم، لكن هذا فيه نظر في مقابلة الأثر، ولا نظر في مقابلة الأثر، وقد جاء أيضاً في ذلك حديث (ضعيف) عن مجمع بن جارية: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قسم للفارس سهمين)، عند أبي داود لكنه ضعيف غير ثابت، والصحيح ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله، وهو رأي جمهور أهل العلم: أن الفارس له ثلاثة أسهم: سهم له، وسهمان لفرسه؛ لأن الفرس يحتاج إلى عناية وكلفة ونحو ذلك.

والآن يجتهد أهل العلم هل تلحق هذه الآلات بالفرس، أو تلحق بما يرضخ له من بعير أو حمار؟ فإن ألحقناها بالفرس فمثلاً الطائرة يكون لها سهمان، والطائرة الآن ملك لبيت المال، فهذان السهمان يرجعان إلى بيت المال، ويبقى القائد إن كان بأجرة فهو بأجرته، وإن كان بغير أجرة أعطي سهماً، وهكذا بقية الآلات غير الطائرة ينظر هل تأخذ حكم الفرس في القتال ونحو ذلك، أو لا تأخذ حكم الفرس؟ نقول: هذا يختلف، فإن قلنا: بأنها لا تأخذ حكم الفرس فإنه يرضخ لها رضخاً، كما ذكرنا.

والرضخ: هو دون السهم كما تقدم.

وهذا التفصيل الذي ذكرناه هو المشهور من مذهب الحنابلة، وأيضاً مذهب الشافعية لما تقدم من الآية وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ [الأنفال:41] .

الرأي الثاني: رأي المالكية، الذين يرون أن الخمس موكول إلى تصرف الإمام.

فالإمام مالك رحمه الله يقول: الخمس موكول إلى اجتهاد الإمام، يعطي ذوي القربى من بني هاشم وبني المطلب، والباقي يصرفه في مصالح المسلمين، ويستدل على ذلك بفعل الخلفاء الراشدين رضي الله تعالى عنهم، والصواب في هذا ما ذهب إليه الشافعية والحنابلة: أن الخمس الأول يقسم إلى خمسة أقسام كما جاء في الآية الكريمة، وعند أبي حنيفة رحمه الله: أن الخمس يقسم إلى ثلاثة أسهم لليتامى والمساكين وأبناء السبيل فقط، فألغى خمس ذوي القربى وخمس الله ورسوله، لكن الصواب كما ذكرنا هو ما دلت عليه الآية.

مشاركة الجيش سراياه في الغنيمة والعكس

قال رحمه الله: (ويشارك الجيش سراياه فيما غنمت ويشاركونه فيما غنم).

هذه المسألة تقدم الكلام عليها وهي أن الجيش يشارك سراياه فيما غنمت، والسرية: هي القطعة من الجيش، وتقدم لنا أن الإمام يبعث سريةً في البدأة ويبعث سريةً في الرجعة، وأنه إذا بعث سريةً في البدأة فما غنمت فإنه يخرج الخمس ولها الربع، ثم الباقي يقسم على الجيش، فهنا الجيش شارك هذه السرية بما غنمت، وفي الرجعة يبعث الإمام سريةً فيخرج الخمس، ثم بعد ذلك يكون لها الثلث، والباقي يقسم للجيش كله، وهنا الجيش شارك هذه السرايا فيما غنمت، كذلك أيضاً السرايا تشارك الجيش فيما غنم، فلو أن الإمام بعث سريةً والجيش قاتل وغنم، فإن هذه السرية تكون داخلةً مع الجيش فيما غنم من غنيمة.

الغلول من الغنيمة

قال رحمه الله: (والغال من الغنيمة يحرق رحله كله إلا السلاح والمصحف وما فيه روح).

الغلول في اللغة: هو الخيانة.

وأما في الاصطلاح: فهو من كتم شيئاً من الغنيمة، أو كتم شيء من الغنيمة.

والغلول محرم، بل هو من كبائر الذنوب، ويدل لذلك قول الله عز وجل: وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [آل عمران:161] ، وأيضاً قصة رقيق النبي صلى الله عليه وسلم -كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه- الذي غل شملةً قبل القسمة، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الشملة التي غلها تحترق عليه ناراً، وهذا يدل على أنه من كبائر الذنوب.

قال رحمه الله: (والغال يحرق رحله).

تحريق رحل الغال هذا هو المشهور من المذهب، واستدلوا على ذلك بحديث عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر أحرقوا متاع الغال، وضربوه ومنعوه سهمه)، وهذا الحديث رواه أبو داود والحاكم والبيهقي ، وهو ضعيف لا يثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام.

الرأي الثاني: رأي الإمام مالك رحمه الله: أنه تقطع يده، وسيأتينا أن المالكية هم أحسن المذاهب فيما يتعلق بالسياسة الشرعية، وفيما يتعلق بالحدود والقصاص، وأحسن من كتب أيضاً في المقاصد هم المالكية رحمهم الله، وأضعف الناس في ذلك هم الحنفية، فالحنفية لا يكادون يقيمون قصاصاً، ولا يكادون يقيمون حداً، لما يذكرونه من الشروط والشبه التي يتوصل بها إلى إسقاط الحدود والقصاص.

وعلى كل حال فالمالكية يرون أنه تقطع يده إذا كان ذلك بعد حوز الغنيمة وسرق نصاباً، وعند الحنفية والشافعية أنه يعزر.

وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بالنسبة لتحريق رحل الغال يقول: هذا من الاجتهاد، يجتهد فيه الإمام بحسب المصلحة، يعني: ما ثبت فيه شيء، فإن رأى الإمام أن يحرق رحله فله أن يحرق رحله، وإن رأى ألا يحرق رحله فله ألا يحرق رحله؛ لأن الحديث الوارد في ذلك ضعيف، هذا بالنسبة للتحريق.

وأما هل يقام عليه الحد أو نقيم عليه التعزير؟

الجمهور: أنه يعزر، والمالكية يرون أنه تقطع يده ما دام أن الغنيمة حيزت، فنقول: إذا سرق من غنيمة حيزت وحفظت وكان لها حرز وسرق نصاباً، فالذي يظهر والله أعلم ما ذهب إليه المالكية.

استثنى المؤلف رحمه الله فقال: (ويحرق رحله كله إلا السلاح) استثنى المؤلف السلاح فلا يحرق للحاجة إليه، وكذلك أيضاً المصحف لعظيم حقه، وما فيه روح لعظيم حقه؛ ولأنه لا يعذب بالنار إلا رب النار، وكذلك أيضاً قالوا: إذا كان معه شيء من كتب العلم أو شيء من النفقة والثياب التي عليه قالوا: هذه لا تحرق، وكما أسلفنا أن التحريق راجع إلى اجتهاد الإمام.

أحكام الغنيمة من الأرض والعقار

قال رحمه الله: (وإذا غنموا أرضاً فتحوها بالسيف خير الإمام بين قسمها ووقفها على المسلمين).

الغنائم لا تخلو من ثلاثة أقسام:

القسم الأول: أن تكون من العروض والدراهم والدنانير، يعني: من العروض كالأقمشة والأطعمة ونحو ذلك، أو تكون من الدراهم والدنانير.

والقسم الثاني: أن تكون هذه الغنائم من الآدميين.

والقسم الثالث: أن تكون هذه الغنائم من الأراضي والعقارات.

فالغنائم لا تخلو من هذه الأقسام الثلاثة:

القسم الأول: إذا كانت من الدراهم والدنانير والعروض فهذه تقدم حكمها، وأن الإمام يخرج الخمس الأول ويقسمه إلى خمسة أقسام، تبقى عندنا أربعة أخماس يقسمها على المجاهدين للراجل سهم، وللفارس ثلاثة أسهم.

القسم الثاني: إذا كانت الغنيمة من الأرض أو من العقار ونحو ذلك، فكيف يكون التعامل معها؟

قال رحمه الله: (وإذا غنموا أرضاً فتحوها بالسيف خيَّر الإمام بين قسمها ووقفها على المسلمين).

هذا هو المشهور من المذهب أن الإمام مخير: إما أن يقسم كما قسم النبي صلى الله عليه وسلم في خيبر، وإما أن يقفها على المسلمين. وما معنى الوقف؟ ليس معنى الوقف هنا الوقف الاصطلاحي، وإنما المقصود أن تدفع إلى من يقوم بعمارتها، ويضرب عليها خراج مستمر يكون في بيت المال، فالإمام مخير بين أن يقسمها على الغانمين، وبين أن يقفها، وبين أن يقسم بعضها ويقف البعض الآخر، واستدلوا على ذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم قسم في خيبر، وعمر رضي الله تعالى عنه وقف أرض السواد في العراق وأرض الشام ومصر، وقفها بمعنى: أنها تدفع إلى من يقوم بعمارتها، ويدفع عليها خراجاً مستمراً، يضرب عليه الإمام كأن تدفع العشر أو السدس أو الربع كما سيأتي إن شاء الله، هذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله تعالى.

وعند الشافعية: أنه يجب فيها القسم.

وعند المالكية: أنها تكون وقفاً.

والأقرب في ذلك قول الحنابلة، الذين جمعوا بين الرأيين: إن شاء الإمام قسم، وإن شاء وقف، وإن شاء قسم البعض ووقف البعض الآخر.

قال رحمه الله: (ويضرب عليها خراجاً مستمراً يؤخذ ممن هي بيده).

يعني: يضرب الإمام خراجاً مستمراً عليها ممن هي بيده، سواء كان مسلماً أو ذمياً.

قال رحمه الله: (والمرجع في الخراج والجزية إلى اجتهاد الإمام).

وهذا يختلف باختلاف الزمان والمكان، فالإمام هو الذي يقدر كم الخراج على هذه الأرض، أو على تلك البلاد، وكم الجزية كما سيأتينا إن شاء الله.

قال رحمه الله: (ومن عجز عن عمارة أرضه أجبر على إجارتها أو رفع يده عنها).

أي: من عجز عن عمارة أرضه الخراجية أجبر على إجارتها أو رفع يده عنها؛ لأنها أرض للمسلمين لا يجوز تعطيلها؛ ولأنه تنتفي الحكمة من توقيف هذه الأرض.

قال: (ويجري فيها الميراث).

وهذا بالإجماع، وهذا مما يدل على أن الوقف هنا ليس كالوقف الاصطلاحي، فالوقف الاصطلاحي لا يباع ولا يوهب ولا يورث، وإنما المقصود بالوقف هنا أنه يضرب عليها خراج يؤخذ ممن يقوم بعمارتها.

آراء المذاهب في غنيمة الآدميين

ولم يتكلم المؤلف -رحمه الله- على الغنيمة بل تكلم على الفيء، وقد ذكرنا أن الغنيمة تنقسم إلى ثلاثة أقسام: إما أن تكون من الدراهم والدنانير والعروض، وإما أن تكون من الأراضي، وإما أن تكون من الآدميين، والمؤلف رحمه الله ذكر قسمين وبقي القسم الثالث: إذا كانت الغنيمة من الآدميين، فإن كانوا من أهل قتال فالإمام مخير فيهم: إما أن يقتل، وإما أن يفاديهم بمال، وإما أن يفاديهم مجاناً، وإما أن يضرب عليهم الرق، فعنده أربعة خيارات، وخيار الخيار مصلحة، فإما أن يقتل كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر، وكذلك أيضاً في بني قريظة، وإما أن يفاديهم بمال كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم -أيضاً- في غزوة بدر، فالنبي صلى الله عليه وسلم قتل في غزوة بدر، وكذلك أيضاً فاداهم بمال، وإما أن يطلقهم مجاناً، فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً [محمد:4]، وإما أن يضرب عليهم الرق، هذا إذا كانوا من المقاتلين.

أما إن كانوا من غير المقاتلين كالنساء والذراري الصغار، فالمشهور من مذهب الإمام أحمد أنهم يكونون أرقاء بمجرد الاستيلاء عليهم، وإذا كانوا أرقاء فإنهم يكونون أموالاً، يأخذون حكمها، فيقسمون على الغانمين.

والرأي الثاني: رأي المالكية أنهم لا يكونون أرقاء بمجرد الاستيلاء عليهم، وإنما المرجع في ذلك إلى الإمام.

قال رحمه الله: (فيخرج الخمس).

ذكر المؤلف الآن كيفية قسم الغنائم، وهن كما يلي:

أولاً يبدأ الإمام بدفع الأسلاب إلى أصحابها قبل أن يخرج الخمس، وما هو السلب؟

السلب في اللغة: الانتزاع قهراً، وأما في الاصطلاح: فهو ما يوجد مع المقتول من الثياب والسلاح والحلي والآلات والخفاف.. إلى آخره.

وحديث سلمة بن الأكوع في الصحيحين: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من قتل قتيلاً له عليه بينة فله سلبه). واشترط العلماء -رحمهم الله- لاستحقاق السلب شروطاً:

الشرط الأول: أن يكون المقتول من أهل القتال، وعلى هذا لو قتل امرأةً أو قتل صبياً فإنه لا يستحق سلبه؛ لأن هؤلاء ليسوا من أهل القتال، اللهم إلا إذا قاتل الصبي أو قاتلت المرأة فإنهم حينئذ يكونون من أهل القتل فيستحقون سلبهم، وقتل النساء والصبيان محرم ولا يجوز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أنكر قتل النساء والصبيان، إلا إذا قاتلوا أو أعانوا بالرأي فإنهم يقتلون ويدل لذلك دريد بن الصمة حيث كان رجلاً كبيراً طاعناً في السن، خرج به قومه يستعينون برأيه في حنين فقتله الصحابة رضي الله تعالى عنهم.

الشرط الثاني: أن يقتله أو أن يجعله في حكم المقتول، وعلى هذا لو جرحه ولم يقتله أو يجعله في حكم المقتول، فإنه لا يستحق سلبه.

الشرط الثالث: أن يغرر بنفسه، بمعنى: أن يكون قتله في حال مبارزة، وعلى هذا لو رماه من بعيد فإنه لا يستحق سلبه.

هذا ما ذهب إليه طوائف من أهل العلم.

والرأي الثاني: أنه لا حاجة إلى هذا الشرط؛ لأن (النبي صلى الله عليه وسلم قال: من قتل قتيلاً فله سلبه)، وهذا هو الصحيح سواء غرر بنفسه -قتله يعني عن طريق المبارزة- أو رماه من بعيد فإنه يستحق سلبه.

الشرط الرابع: أن يكون عليه بينة (لقول النبي صلى الله عليه وسلم: من قتل قتيلاً له عليه بينة، فله سلبه)، والبينة: هي كل ما يبين الحق سواء كان بالشهادة أو بمعرفة ذلك عن طريق الآلة أو غير ذلك. ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر في قتل أبي جهل نظر إلى سيفي معاذ ومعوذ بن عفراء لما تنازعا في قتل أبي جهل ،( فقال النبي صلى الله عليه وسلم: كلاكما قتله)، وأعطاهما سلبه.

الشرط الخامس والأخير: إذن الإمام، وهذا موضع خلاف بين أهل العلم رحمهم الله تعالى.

فالمشهور من مذهب الإمام أحمد ومذهب الشافعي أنه ليس شرطاً، وعند الحنفية والمالكية أنه شرط، والأقرب في ذلك أن هذا يختلف باختلاف الزمان والمكان، هذا ما يتعلق بالسلب.

يبدأ الإمام أولاً بإخراج السلب، ثم بعد ذلك يبدأ بإخراج أجرة الجمع والحمل والحفظ، ثم بعد ذلك يبدأ بإخراج الجعل، هذه الأشياء الثلاثة يخرجها قبل التخميس، ثم يقسم الغنيمة خمسة أقسام، يخرج القسم الأول ويقسمه خمسة أقسام، ويبقى عندنا أربعة أخماس، كما قال الله عز وجل في الآية: وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ [الأنفال:41]. فيقسمه خمسة أقسام، الخمس الأول وهو خمس الخمس فيكون لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، ومصرفه كالفيء يعني: يصرف في مصالح المسلمين، هذا يجعل في مصالح المسلمين من حفر الآبار، وتعديل الطرق، ورزق القضاة والأئمة، وعمارة المساجد.. وغير ذلك.

الخمس الثاني: فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى [الأنفال:41] ، الخمس الثاني: لبني هاشم وبني المطلب، في حديث جبير بن مطعم قال: (لما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم سهم ذوي القربى من خيبر بين بني هاشم وبني المطلب قال: إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد)، يعني: في النصف فيكون بينهم، يكون بين بني هاشم وبين بني المطلب، ويكون لعمومهم سواء كانوا فقراء، أو كانوا أغنياء، لكن إذا كثروا فإن الإمام يجتهد في من يعطيه منهم.

وبالنسبة لبني هاشم وبني المطلب هل يفضل بين ذكرهم وأنثاهم، أو أنه لا يفضل؟

نحن قلنا: بين الغني والفقير لا يفضل فهم يستحقونه بالسوية، ولكن بين الذكر والأنثى هل نفضل أو لا؟

المشهور من المذهب ومذهب الشافعي أنه يفضل، والرأي الثاني: أنه لا يفضل، وهي رواية عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى.

السهم الثالث: سهم اليتامى، وهل هو خاص بالفقراء منهم أو أنه يشمل الفقراء والأغنياء؟

المشهور من المذهب ومذهب الشافعية: أنه خاص بفقراء اليتامى، وقالوا: بأن لفظ اليتم يشعر بالفقر.

والرأي الثاني رأي ابن قدامة رحمه الله: أنه لا يشترط الفقر بل يشمل الفقير والغني، لعموم الآية.

والرابع: سهم المساكين، وهم الفقراء، وهم أهل الزكاة، وهو الذي لا يجد كفايته ولا كفاية من يمونه لمدة عام.

السهم الخامس لأبناء السبيل، وابن السبيل: المسافر الذي انقطع به سفره كما تقدم لنا في الزكاة.

هذا بالنسبة للخمس الأول، يقسمه الإمام إلى خمسة أقسام كما سلف.