خطب ومحاضرات
شرح زاد المستقنع - كتاب المناسك [13]
الحلقة مفرغة
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فمن ترك الإحرام لم ينعقد نسكه، ومن ترك ركناً غيره أو نيته لم يتم نسكه إلا به، ومن ترك واجباً فعليه دم، أو سنةً فلا شيء عليه.
باب الفوات والإحصار:
من فاته الوقوف فاته الحج وتحلل بعمرة ويقضي ويهدي إن لم يكن اشترطه، ومن صده عدو عن البيت أهدى ثم حل، فإن فقده صام عشرة أيام ثم حل، وإن صد عن عرفة تحلل بعمرة، وإن حصره مرض أو ذهاب نفقة بقي محرماً إن لم يكن اشترط.
باب الهدي والأضحية:
أفضلها إبل ثم بقر ثم غنم، ولا يجزئ إلا جذع ضأن وثني سواه، فالإبل خمس سنين، ولبقر سنتان، ولمعز سنة، ولضأن نصفها].
تقدم لنا ما يتعلق بصفة العمرة، وذكرنا أنها تشرع في كل وقت، وهذا ما عليه جمهور أهل العلم رحمهم الله تعالى خلافاً للحنفية الذين كرهوها في أيام التشريق ويوم عرفة ويوم النحر، وكذلك أيضاً تقدم لنا ما يتعلق بأركان الحج، وكذلك أيضاً ما يتعلق بواجباته، وهل السعي ركن من أركان الحج أو أنه ليس ركناً من أركان الحج؟ وأن العلماء رحمهم الله تعالى اختلفوا في ذلك على ثلاثة آراء.
وكذلك أيضاً تكلمنا عن أركان العمرة وعن واجباتها، وأن ظاهر كلام المؤلف رحمه الله تعالى أن طواف الوداع ليس من واجبات العمرة، وذكرنا أن هذا هو قول جمهور أهل العلم خلافاً للشافعية، فإن الشافعية هم الذين يرون أن طواف الوداع من واجبات العمرة، وذكرنا دليل كل منهم، وأن الأظهر في هذه المسألة والله أعلم أن طواف الوداع ليس من واجبات العمرة، كذلك أيضاً سبق لنا ما يتعلق بوقوف الحائض، وهل تقف في باب المسجد أو لا؟ وما يتعلق بالملتزم... إلى آخره.
ثم بعد ذلك قال المؤلف رحمه الله تعالى: (فمن ترك الإحرام لم ينعقد نسكه).
من نقص شيئاً من مناسك الحج فإن هذا لا يخلو من أحوال:
الحالة الأولى: أن ينقص ركناً من أركان الحج، فإن نقص ركناً من أركان الحج بينه المؤلف رحمه الله تعالى بقوله: ( فمن ترك الإحرام لم ينعقد نسكه )، نقول: إذا نقص ركناً من أركان الحج فهذا يختلف، فإن كان المتروك هو الإحرام فهذا لم ينعقد نسكه؛ لأن الإحرام هو نية الدخول في النسك، فهو لم يدخل في النسك، وإن كان المتروك هو الوقوف بعرفة فهذا سيأتينا إن شاء الله في باب الفوات والإحصار، وإن كان المتروك هو الطواف والسعي فإنه لا يزال محرماً ولم يتحلل التحلل الثاني؛ لأن الطواف والسعي -طواف الإفاضة وسعي الحج كما سلف لنا- وقتهما العمر، وعلى هذا إذا ترك ركناً من أركان الحج نقول: فيه تفصيل: إن كان المتروك هو الإحرام فإن إحرامه لم ينعقد أصلاً؛ لأن الإحرام هو النية، والنية لم يأت بها، وإن كان المتروك هو الوقوف بعرفة، فسيأتينا إن شاء الله ما يتعلق بأحكام الفوات والإحصار، وإن كان المتروك هو طواف الإفاضة أو سعي الحج فإنه لا يزال محرماً لم يتحلل التحلل الثاني؛ لأن طواف الإفاضة وسعي الحج لا يفوتان، وكما يقول العلماء رحمهم الله بأن وقتهما هو العمر. فهذا ما يتعلق بالحالة الأولى، وهي أن يكون المتروك ركناً من أركان الحج.
الحالة الثانية: قال المؤلف: (ومن ترك واجباً فعليه دم)، هذه الحالة الثانية: أن يترك واجباً من واجبات الحج، فيقول المؤلف رحمه الله: يلزمه دم، وهذا قول جمهور أهل العلم في الجملة وإن كانوا يختلفون في شيء من التفاصيل، لكن هذا رأي جمهور أهل العلم في الجملة، والرأي الثاني: رأي الظاهرية أنه لا يلزمه دم، ولكل منهم دليل.
أما الذين قالوا بأنه يلزمه دم فاستدلوا بقول الله عز وجل: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [البقرة:196]، وهذا يشمل الإحصار عن جميع الحج أو بعضه، فإذا أحصر يجب عليه أن يذبح هدياً، كذلك أيضاً لو أحصر عن واجب من الواجبات، وهذا يحصل اليوم كثيراً، يعني الإحصار عن واجب من واجبات الحج.
ونضرب أمثلة على ذلك، مثلاً: زحام السيارات في الوصول إلى مزدلفة، فنجد أن كثيراً من الناس يحصرون، ولا يتمكنون من الوصول إلى مزدلفة حتى يفوت الوقت، كثير من الناس يحصل لهم ذلك ويحصر عن هذا الواجب.
كذلك أيضاً بعض الناس يحصرون عن الرمي، ربما أنه يريد أن يذهب في اليوم الثالث عشر فتحصره السيارات والزحام فلا يتمكن من الرمي حتى تغرب عليه شمس اليوم الثالث عشر وحينئذٍ فاته وقت الرمي، كذلك أيضاً مما استجد الآن فيما يتعلق بالإحصار عن المواقيت بسبب التراخيص هذه أن بعض الناس لا يحرم من الميقات خوفاً من المنع، فيتقدم ثم بعد ذلك يحرم من دون الميقات، فترك واجباً من واجبات الحج، فيقولون بأن الآية شاملة لإحصار الحج كله أو لشيء منه، وكذلك أيضاً يستدلون بأثر ابن عباس الثابت عنه كما في البيهقي وغيره أنه قال: من ترك شيئاً من نسكه أو نسيه فليهرق لذلك دماً.
الرأي الثاني: رأي الظاهرية، وقالوا بأن هذا لا يجب فيه شيء إلا ما ورد به النص، وهو الإحصار عن جميع الحج، ما عدا ذلك فقالوا بأن الأصل في ذلك البراءة.
الحالة الثالثة: إذا كان المتروك سنةً من سنن الحج فهذا لا يجب عليه شيء، فلو ترك مثلاً استلام الحجر الأسود في الطواف، أو ترك الأذكار المشروعة أو الأدعية المشروعة أو غير ذلك، أو مثلاً ترك ركعتي الطواف فإنه لا شيء عليه.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: ( باب الفوات والإحصار ).
هذا الباب كما ترجم المؤلف رحمه الله تعالى يشتمل على مسألتين:
المسألة الأولى: ما يتعلق بالفوات.
والمسألة الثانية: ما يتعلق بالإحصار.
تعريف الفوات
وأما في الاصطلاح فهو: أن يطلع فجر يوم النحر قبل أن يقف الحاج بعرفة، فإذا طلع فجر يوم النحر قبل الوقوف بعرفة فات الحج بإجماع العلماء، وعلى هذا نقول: يحصل الفوات إذا طلع فجر يوم النحر قبل الوقوف بعرفة بإجماع العلماء، وقد دلت على ذلك السنة وآثار الصحابة، وكذلك أيضاً إجماع العلماء.
أما السنة فحديث عبد الرحمن بن يعمر الديلي ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الحج عرفة، من جاء ليلة جمع قبل طلوع الفجر فقد أدرك)، الحديث رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه ، وصححه جمع من أهل العلم منهم ابن خزيمة وابن حبان والدارقطني والحاكم وغيرهم، وكذلك أيضاً آثار الصحابة كما ورد ذلك عن عمر رضي الله تعالى عنه كما سيأتينا إن شاء الله، وكذلك أيضاً إجماع العلماء منعقد على ذلك.
ما يترتب على الفوات
نأخذها حكماً حكماً:
قال المؤلف: ( من فاته الوقوف بعرفة فاته الحج ).
الحكم الأول على من طلع عليه فجر يوم النحر وهو لم يقف بعرفة أنه فاته الحج بالإجماع.
قال: ( وتحلل بعمرة ).
الحكم الثاني: نقول: اذهب وتحلل؛ لأنه لا يزال محرماً، فنقول له: اذهب إلى البيت وتحلل من إحرامك بعمرة، وهذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله تعالى، وهو مذهب الإمام مالك . وهذا الرأي الأول.
والرأي الثاني: مذهب أبي حنيفة والشافعي : أنه يتحلل بأعمال العمرة؛ لا يتحلل بعمرة، وإنما يتحلل بأعمال العمرة، هكذا قالوا، لكن المشهور من المذهب ومذهب مالك رحمه الله تعالى: أنه يتحلل بعمرة، ويدل لذلك أن هذا هو الوارد عن عمر رضي الله تعالى عنه، فإنه قال لمن فاته الحج: (يتحلل بعمرة، وعليه الحج من قابل)، وهذا أخرجه البيهقي وإسناده صحيح.
والذين قالوا: يتحلل بأعمال العمرة، قالوا بأن عمر قال لـأبي أيوب لما فاته الحج: اصنع كما يصنع المعتمر.
لكن نقول بأن قول عمر : اصنع كما يصنع المعتمر، المقصود بذلك العمرة الشرعية، ولأن عندنا قاعدة وهي أن الحقائق الشرعية ترجع إلى ما جاء على لسان الشارع، والذي جاء على لسان الشارع هي العمرة المعروفة.
المهم أن الصواب في هذه المسألة أن نقول لمن فاته الحج: اذهب إلى البيت وتطوف واسع وقصّر، وهذه العمرة تجزؤه عن عمرة الإسلام؛ ولأن هذا الشخص لما تعذر عليه الحج الأكبر فإنه يصير إلى الحج الأصغر، فإن العمرة هي الحج الأصغر كما جاء في حديث عمرو بن حزم رضي الله تعالى عنه.
قال: ( ويقضي ).
الحكم الثالث: نقول: عليك أن تقضي الحج من قابل، وهذا الحج الفائت لا يخلو من حالتين:
الحالة الأولى: أن يكون فرضاً، فهذا يجب عليه القضاء بالاتفاق؛ لأنه لم يبرئ ذمته من هذا الركن.
الحالة الثانية: أن يكون الفائت حجاً تطوعاً، فهل يجب عليه أن يقضي أو نقول بأنه لا يجب عليه أن يقضي؟
جمهور العلماء أنه يجب عليه أن يقضي، واستدلوا بأن عمر رضي الله تعالى عنه قال لمن فاته الحج: وعليه الحج من قابل، وهذا ثابت عن عمر . هذا الرأي الأول.
والرأي الثاني: رواية عن الإمام أحمد رحمه الله وبه قال عطاء : أنه لا يجب عليه أن يقضي، والدليل على ذلك الإجماع المنعقد على أن الحج يجب في العمر مرة واحدة، فلو قلنا بأنه يجب عليه أن يقضي لترتب على ذلك أن نقول بأنه يجب عليه الحج في عمره مرتين.
وأيضاً يستدلون على هذا بقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عباس : (الحج مرة، فمن زاد فمتطوع).
وأيضاً من أقوى أدلتهم أن النبي صلى الله عليه وسلم حصر عن البيت في الحديبية، واعتمر من العام القابل عمرة القضية، وكثير من الصحابة الذين كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في الحديبية لم يكونوا معه في عمرة القضية، مما يدل على أنه لا يجب أن يقضي إذا كان تطوعاً، وعلى هذا يحمل قول عمر رضي الله تعالى عنه: وعليه الحج من قابل، على أن الحج الذي فات حج الفريضة، ولأن هذا الشخص وإن تعذر عليه الحج الأكبر فإنه صار إلى الحج الأصغر، وأتى بالحج الأصغر.
فالصواب في هذه المسألة أن نقول: لا يجب عليه أن يقضي إذا كان الفائت تطوعاً؛ ولأن الأصل براءة الذمة.
قال المؤلف رحمه الله: ( ويهدي ).
الحكم الرابع: نقول لهذا الذي فاته الحج يجب عليك أن تهدي، يعني: أن تذبح هدياً، وهذا ما عليه جمهور العلماء رحمهم الله تعالى.
وعند الحنفية لا يجب عليه أن يذبح هدياً، وكلا الفريقين يتمسك بما ورد عن عمر رضي الله تعالى عنه، فالذين قالوا بأنه يجب عليه أن يذبح هدياً، قالوا بأن هذا ورد عن عمر رضي الله تعالى في خبر أبي أيوب لما فاته الحج، فأمره عمر رضي الله تعالى عنهما بالهدي.
والذين قالوا بأنه لا يجب عليه الهدي الحنفية، قالوا بأن في خبر الأسود بن يزيد أن عمر رضي الله تعالى عنه ما ذكر الهدي.
والأقرب في ذلك أن نقول: إن كان هذا الهدي قد عينه بالإشعار أو بالسوق ونحو ذلك، فهذا لا إشكال أنه يجب عليه أن يذبحه، وإن كان لم يتعين فيظهر والله أعلم أن الأصل براءة الذمة، ونقول بأنه يستحب له أن يذبح الهدي، والله أعلم.
قال المؤلف رحمه الله: ( ويهدي إن لم يكن اشترطه ).
الحكم الخامس: إذا كان اشترط الذي فاته الحج في بداية الإحرام أن محلي حيث حبستني، وقد سبق لنا أن ذكرنا الاشتراط، هل الاشتراط مشروع أو ليس مشروعاً؟ وأن الإمام أحمد رحمه الله يرى أنه سنة، والشافعية يقولون: مباح، والحنفية والمالكية يقولون: ليس مشروعاً، والظاهرية يقولون بأنه واجب، واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: أنه مشروع لمن يخاف من إتمام النسك.
المهم إذا اشترط في بداية إحرامه، ورجحنا أنه إذا خاف من عدم إتمام النسك فإنه يشرع له أن يشترط ما دام أن الاشتراط في حقه مشروع كما لو كان خائفاً من عدم إتمام النسك، فنقول: إذا فاته الحج بسبب هذا العذر يقول المؤلف رحمه الله: لا شيء عليه، يعني لا يجب عليه هدي ولا يجب عليه قضاء، فالهدي لا يجب عليه أن يذبحه، ولا يجب عليه قضاء التطوع، أما قضاء الواجب فهذا لا إشكال فيه، وأما التحلل بعمرة فلا بد أن يتحلل بعمرة؛ لأنه قادر على البيت، فنقول: إذا اشترط أن محلي حيث حبستني وكان الاشتراط مشروعاً في حقه ثم فاته الحج، يقول: لا شيء عليه، أي أنه لا هدي عليه، كما ذكرنا خلاف أهل العلم رحمهم الله في الهدي، وأنه لا يجب عليه أن يقضي التطوع على القول بالقضاء، لكن الفرض لا بد منه، وأما ما يتعلق بإحرامه فنقول: يذهب ويتحلل بالعمرة؛ لأنه قادر على البيت.
الآن انتهت المسألة الأولى، وتلخص لنا أن الفوات هو: أن يطلع فجر يوم النحر قبل أن يقف بعرفة، وأنه يترتب عليه أحكام:
الحكم الأول: فوات الحج.
الحكم الثاني: هل يجب القضاء أو لا يجب القضاء؟
الحكم الثالث: أنه يتحلل بعمرة.
الحكم الرابع: ما يتعلق بالهدي.
الحكم الخامس: ما يتعلق بالاشتراط إن كان اشترط، وذكرنا متى ينفع الاشتراط ومتى لا ينفع، وما هي الأشياء التي ينفعه فيها الاشتراط، والأشياء التي لا ينفعه فيها الاشتراط.
الفوات في اللغة هو: السبق الذي لا يدرك.
وأما في الاصطلاح فهو: أن يطلع فجر يوم النحر قبل أن يقف الحاج بعرفة، فإذا طلع فجر يوم النحر قبل الوقوف بعرفة فات الحج بإجماع العلماء، وعلى هذا نقول: يحصل الفوات إذا طلع فجر يوم النحر قبل الوقوف بعرفة بإجماع العلماء، وقد دلت على ذلك السنة وآثار الصحابة، وكذلك أيضاً إجماع العلماء.
أما السنة فحديث عبد الرحمن بن يعمر الديلي ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الحج عرفة، من جاء ليلة جمع قبل طلوع الفجر فقد أدرك)، الحديث رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه ، وصححه جمع من أهل العلم منهم ابن خزيمة وابن حبان والدارقطني والحاكم وغيرهم، وكذلك أيضاً آثار الصحابة كما ورد ذلك عن عمر رضي الله تعالى عنه كما سيأتينا إن شاء الله، وكذلك أيضاً إجماع العلماء منعقد على ذلك.
إذاً: هذا حاج طلع عليه فجر يوم النحر قبل أن يقف بعرفة، ما هي الأحكام المترتبة على ذلك؟
نأخذها حكماً حكماً:
قال المؤلف: ( من فاته الوقوف بعرفة فاته الحج ).
الحكم الأول على من طلع عليه فجر يوم النحر وهو لم يقف بعرفة أنه فاته الحج بالإجماع.
قال: ( وتحلل بعمرة ).
الحكم الثاني: نقول: اذهب وتحلل؛ لأنه لا يزال محرماً، فنقول له: اذهب إلى البيت وتحلل من إحرامك بعمرة، وهذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله تعالى، وهو مذهب الإمام مالك . وهذا الرأي الأول.
والرأي الثاني: مذهب أبي حنيفة والشافعي : أنه يتحلل بأعمال العمرة؛ لا يتحلل بعمرة، وإنما يتحلل بأعمال العمرة، هكذا قالوا، لكن المشهور من المذهب ومذهب مالك رحمه الله تعالى: أنه يتحلل بعمرة، ويدل لذلك أن هذا هو الوارد عن عمر رضي الله تعالى عنه، فإنه قال لمن فاته الحج: (يتحلل بعمرة، وعليه الحج من قابل)، وهذا أخرجه البيهقي وإسناده صحيح.
والذين قالوا: يتحلل بأعمال العمرة، قالوا بأن عمر قال لـأبي أيوب لما فاته الحج: اصنع كما يصنع المعتمر.
لكن نقول بأن قول عمر : اصنع كما يصنع المعتمر، المقصود بذلك العمرة الشرعية، ولأن عندنا قاعدة وهي أن الحقائق الشرعية ترجع إلى ما جاء على لسان الشارع، والذي جاء على لسان الشارع هي العمرة المعروفة.
المهم أن الصواب في هذه المسألة أن نقول لمن فاته الحج: اذهب إلى البيت وتطوف واسع وقصّر، وهذه العمرة تجزؤه عن عمرة الإسلام؛ ولأن هذا الشخص لما تعذر عليه الحج الأكبر فإنه يصير إلى الحج الأصغر، فإن العمرة هي الحج الأصغر كما جاء في حديث عمرو بن حزم رضي الله تعالى عنه.
قال: ( ويقضي ).
الحكم الثالث: نقول: عليك أن تقضي الحج من قابل، وهذا الحج الفائت لا يخلو من حالتين:
الحالة الأولى: أن يكون فرضاً، فهذا يجب عليه القضاء بالاتفاق؛ لأنه لم يبرئ ذمته من هذا الركن.
الحالة الثانية: أن يكون الفائت حجاً تطوعاً، فهل يجب عليه أن يقضي أو نقول بأنه لا يجب عليه أن يقضي؟
جمهور العلماء أنه يجب عليه أن يقضي، واستدلوا بأن عمر رضي الله تعالى عنه قال لمن فاته الحج: وعليه الحج من قابل، وهذا ثابت عن عمر . هذا الرأي الأول.
والرأي الثاني: رواية عن الإمام أحمد رحمه الله وبه قال عطاء : أنه لا يجب عليه أن يقضي، والدليل على ذلك الإجماع المنعقد على أن الحج يجب في العمر مرة واحدة، فلو قلنا بأنه يجب عليه أن يقضي لترتب على ذلك أن نقول بأنه يجب عليه الحج في عمره مرتين.
وأيضاً يستدلون على هذا بقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عباس : (الحج مرة، فمن زاد فمتطوع).
وأيضاً من أقوى أدلتهم أن النبي صلى الله عليه وسلم حصر عن البيت في الحديبية، واعتمر من العام القابل عمرة القضية، وكثير من الصحابة الذين كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في الحديبية لم يكونوا معه في عمرة القضية، مما يدل على أنه لا يجب أن يقضي إذا كان تطوعاً، وعلى هذا يحمل قول عمر رضي الله تعالى عنه: وعليه الحج من قابل، على أن الحج الذي فات حج الفريضة، ولأن هذا الشخص وإن تعذر عليه الحج الأكبر فإنه صار إلى الحج الأصغر، وأتى بالحج الأصغر.
فالصواب في هذه المسألة أن نقول: لا يجب عليه أن يقضي إذا كان الفائت تطوعاً؛ ولأن الأصل براءة الذمة.
قال المؤلف رحمه الله: ( ويهدي ).
الحكم الرابع: نقول لهذا الذي فاته الحج يجب عليك أن تهدي، يعني: أن تذبح هدياً، وهذا ما عليه جمهور العلماء رحمهم الله تعالى.
وعند الحنفية لا يجب عليه أن يذبح هدياً، وكلا الفريقين يتمسك بما ورد عن عمر رضي الله تعالى عنه، فالذين قالوا بأنه يجب عليه أن يذبح هدياً، قالوا بأن هذا ورد عن عمر رضي الله تعالى في خبر أبي أيوب لما فاته الحج، فأمره عمر رضي الله تعالى عنهما بالهدي.
والذين قالوا بأنه لا يجب عليه الهدي الحنفية، قالوا بأن في خبر الأسود بن يزيد أن عمر رضي الله تعالى عنه ما ذكر الهدي.
والأقرب في ذلك أن نقول: إن كان هذا الهدي قد عينه بالإشعار أو بالسوق ونحو ذلك، فهذا لا إشكال أنه يجب عليه أن يذبحه، وإن كان لم يتعين فيظهر والله أعلم أن الأصل براءة الذمة، ونقول بأنه يستحب له أن يذبح الهدي، والله أعلم.
قال المؤلف رحمه الله: ( ويهدي إن لم يكن اشترطه ).
الحكم الخامس: إذا كان اشترط الذي فاته الحج في بداية الإحرام أن محلي حيث حبستني، وقد سبق لنا أن ذكرنا الاشتراط، هل الاشتراط مشروع أو ليس مشروعاً؟ وأن الإمام أحمد رحمه الله يرى أنه سنة، والشافعية يقولون: مباح، والحنفية والمالكية يقولون: ليس مشروعاً، والظاهرية يقولون بأنه واجب، واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: أنه مشروع لمن يخاف من إتمام النسك.
المهم إذا اشترط في بداية إحرامه، ورجحنا أنه إذا خاف من عدم إتمام النسك فإنه يشرع له أن يشترط ما دام أن الاشتراط في حقه مشروع كما لو كان خائفاً من عدم إتمام النسك، فنقول: إذا فاته الحج بسبب هذا العذر يقول المؤلف رحمه الله: لا شيء عليه، يعني لا يجب عليه هدي ولا يجب عليه قضاء، فالهدي لا يجب عليه أن يذبحه، ولا يجب عليه قضاء التطوع، أما قضاء الواجب فهذا لا إشكال فيه، وأما التحلل بعمرة فلا بد أن يتحلل بعمرة؛ لأنه قادر على البيت، فنقول: إذا اشترط أن محلي حيث حبستني وكان الاشتراط مشروعاً في حقه ثم فاته الحج، يقول: لا شيء عليه، أي أنه لا هدي عليه، كما ذكرنا خلاف أهل العلم رحمهم الله في الهدي، وأنه لا يجب عليه أن يقضي التطوع على القول بالقضاء، لكن الفرض لا بد منه، وأما ما يتعلق بإحرامه فنقول: يذهب ويتحلل بالعمرة؛ لأنه قادر على البيت.
الآن انتهت المسألة الأولى، وتلخص لنا أن الفوات هو: أن يطلع فجر يوم النحر قبل أن يقف بعرفة، وأنه يترتب عليه أحكام:
الحكم الأول: فوات الحج.
الحكم الثاني: هل يجب القضاء أو لا يجب القضاء؟
الحكم الثالث: أنه يتحلل بعمرة.
الحكم الرابع: ما يتعلق بالهدي.
الحكم الخامس: ما يتعلق بالاشتراط إن كان اشترط، وذكرنا متى ينفع الاشتراط ومتى لا ينفع، وما هي الأشياء التي ينفعه فيها الاشتراط، والأشياء التي لا ينفعه فيها الاشتراط.
استمع المزيد من الشيخ الدكتور خالد بن علي المشيقح - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
شرح زاد المستقنع - كتاب الطهارة [17] | 2816 استماع |
شرح زاد المستقنع - كتاب النكاح [13] | 2730 استماع |
شرح زاد المستقنع - كتاب المناسك [5] | 2676 استماع |
شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [19] | 2643 استماع |
شرح زاد المستقنع - كتاب البيع [26] | 2638 استماع |
شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [32] | 2556 استماع |
شرح زاد المستقنع - كتاب الأيمان [2] | 2553 استماع |
شرح زاد المستقنع - كتاب الحدود [7] | 2526 استماع |
شرح زاد المستقنع - كتاب الإيلاء [1] | 2520 استماع |
شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [8] | 2497 استماع |