أرشيف المقالات

قلب الأمة محمد (عليه الصلاة والسلام)

مدة قراءة المادة : 10 دقائق .
قلب الأمة محمد (عليه الصلاة والسلام)







في يَدَيْنا يُضِيءُ هذا الزَّمَانُ
نَحْنُ فِيه البَيَانُ والعُنْوَانُ






 
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف من وطأ الثرى، محمدٍ المصطفى، عليه أفضل الصلاة وأزكى سلام.
 
وبعد:
فإن من فضل الله علينا أنْ جعلنا من أبناء هذا الدين، ومن أتباع سيد الأولين والآخرين، فنحمد الله على هذه النعمة، ويجب علينا أن نؤدي حقَّ هذه النعمة العظمى؛ بصدق الانتماء، والتمسك بهذا الدين بقوة، مصداقًا لقوله - تعالى -: ﴿ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ ﴾ [البقرة: 63].
 
إن التزامنا بما جاء به - عليه الصلاة والسلام - والسعي في اتِّباع أثره، وإحياء سنته، وسلوكنا طريقَ الاستقامة - هو أعظم نصرة لنبينا الكريم، وأعظم صفعةٍ للحاقدين والمارقين والمتآمرين، في زمن التكالب على هذا الدين، هذا الدين الذي فيه عزُّنا وسؤددنا وكرامتنا، هذا الدين الذي رفَعَنا وميَّزنا، هذا الدين الذي أشرق نورُه في قلوبنا؛ فتميزت حياتنا كمسلمين متبعين كتابَ الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - القائل: ((تركتُ فيكم شيئينِ لن تضلوا بعدهما: كتاب الله وسنتي))؛ فلنوثق الرباط به، ولنضحِّ من أجل إقامته في الأرض، قدوتنا في ذلك نبيُّنا الكريم - عليه الصلاة والسلام - الذي بذل كلَّ غالٍ ونفيس من أجل إرساء قواعده، وتثبيت دعائمه، ثم أوصانا بالحرص عليه، والتمسك به؛ حتى نحفظه ونحفظ أنفسنا بحفظه، فمَن سلك طريقًا بغير دليل الكتاب والسنة ضلَّ، ومَن تمسك بغير الدين ذلَّ.
 
إن تطاول الإعلام الغربي على النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن مجرد فلتةٍ عارضة من مجلة مغمورة، أو صحيفة مسعورة، بل أصبح ظاهرةً وحملة مستفِزة لمشاعر المسلمين، يتتابع عليها عددٌ من القساوسة والإعلاميين ورجال الفكر الغربي في الآونة الأخيرة خصوصًا، ولا يُستغرب من أولئك القوم المستبدِّين، لكن الغريب أن ترى بعض المسلمين لا يأبه بذاك التطاول ولا يُلقِي له بالاً، ولا يَغَار على دينه ونبيه - صلى الله عليه وسلم - والأغرب - المؤسف - حقيقة من ذلك أن هناك فئةً ممن ينتسبون للدين الإسلامي سقطوا في وحل التطاول على رسولنا الكريم - صلى الله عليه وسلم - وزلَّت بهم أقدامُهم في هاوية الانتقاص من حبيبنا - عليه أفضل الصلاة وأتم السلام - وما تجرأ مَن تجرأ على رسولنا - عليه الصلاة والسلام - إلا حين تراخينا في اتباع نَهْج الحبيب؛ فاندثرت سننه، وضعُفت محبته، وتخاذلْنا في إحياء هَدْيِه.
 
تطاول الأقزام على حبيبنا ونبينا محمدٍ - عليه الصلاة والسلام - فأصابونا في نبيِّنا وفي عقر ديننا، فآن الأوان لأنْ نكون الشوكة في حلوق أعدائنا، ولنعلنها حربًا لا هَوَادة فيها بتبليغ سنة المصطفى - عليه الصلاة والسلام - فهي الحرب الأقوى والأقسى، قال ابن قيم الجوزية - رحمه الله -: "وتبليغ سنته - صلى الله عليه وسلم - إلى الأمة أفضلُ من تبليغ السهام إلى نحور العدو؛ لأن تبليغ السهام يفعله كثير من الناس، وأما تبليغ السنن، فلا يقوم به إلا ورثةُ الأنبياء وخلفاؤهم في أممهم، جعلنا الله - تعالى - منهم بمنه وكرمه".
 
وعلينا - نحن أبناءَ الإسلام - أن نأخذ بنصيحة نبينا - عليه الصلاة والسلام -: ((فعليكم بسنتي))، ونرفع رؤوسنا شامخةً في العالمين، ونردد في الآفاق: رضينا بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد نبيًّا ورسولاً - عليه الصلاة والسلام.
 
ونكون مؤمنين أقوياء، نستعصي على التذويب والترويض، نحمل همَّ هذا الدين في قلوبنا، ونشكل حياتنا وعقلياتنا ونفسياتنا من خلاله، ونحمله إلى مَن استرعانا الله إيَّاهم، ونكون المنارة الهادية للحائرين في زمن التِّيه والضلال.
 
فمصابنا فيما جرى لنبينا الكريم - صلى الله عليه وسلم - مصيبةٌ عظمى، وأمر جلل، فلا يكوننَّ حظكم منه كلمات تسجل في المواقع الإلكترونية وشبكات التواصل الحديثة، بل المداومةَ المداومة على نصرته - عليه الصلاة والسلام - بكل الطرق والوسائل.
 
أحيوا سنته:
قال - عليه الصلاة والسلام -: ((مَن أحيا سنتي، فقد أحبني، ومَن أحبني كان معي في الجنة))؛ الترمذي عن أنس.
 
من تمام محبة النبي - صلى الله عليه وسلم - وتعظيمه: الحرص على إحياء سنته، والحرص على نشرها وتعظيمها، وقد ثبت عنه أنه قال في أحاديث كثيرة: ((فليُبلغ الشاهدُ الغائبَ))، وقال: ((بلِّغوا عني ولو آيةً)).
 
فالسُّنَّة حياة القلوب، وضياء الدروب، السنة نبراسٌ للأمة، وطريق للقمة.
 
ذبّوا عن سنته:
ومن الذب عن سنته - صلى الله عليه وسلم - حفظُها وتنقيحها، وحمايتها من انتحال المبطلين، وتحريف الغالين، وتأويل الجاهلين، ورد شبهات الزنادقة والطاعنين في سنته، وبيان أكاذيبهم ودسائسهم، وقد دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالنضارة لمن حَمَل هذا اللواء بقوله: ((نضَّر الله امرأً سمع منا شيئًا فبلَّغه كما سَمِعه؛ فربَّ مُبلَّغ أوعى من سامع)).
 
صلوا عليه ليلاً ونهارًا - صلى الله عليه وسلم -:
فمن الثمرات الحاصلة من الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - هدايةُ العبد وحياة قلبه؛ فإنه كلما أكثر الصلاة عليه وذكره، استولت محبتُه على قلبه؛ ابن القيم - رحمه الله.
 
اقرؤوا سيرته:
يا رسول الله، تنام على الحصير وكسرى وقيصر ينامان على الحرير؟!
 
ويبكي عمر؛ ((يا عمر، إنها لهم في الدنيا، ولنا في الآخرة)).
 
ما أعظمه من تسامٍ!
 
ما أعظمه من علوٍّ عن ملذَّات الدنيا الفانية!
 
وما أعظمه - صلى الله عليه وسلم - من مربٍّ! حيث أخرج لنا خير جيل عَرَفتْه البشرية، ربَّاهم على الصبر والشكر والاستغفار، وهذه مفاتيح السعادة؛ كما قال الشيخ محمد بن عبدالوهَّاب.
 






يَا خَيْرَ جِيلٍ أَتَى الدُّنيا فَأَسْعَدَها
سُبْحَانَ مَن أَسْعَدَ الدُّنْيا بِكُم زَمَنَا






 
تعلموا محبته:
أخرج البخاري عن عبدالله بن هشام قال: كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو آخذ بيدِ عمر بن الخطاب، فقال له عمر: يا رسول الله، لأنتَ أحبُّ إليَّ من كل شيء إلا من نفسي، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لا والذي نفسي بيده، حتى أكون أحبَّ إليك من نفسك))، فقال له عمر: فإنه الآن والله! لأنت أحبُّ إليَّ من نفسي، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((الآن يا عمر)).
 
قدِّروا أصحابه:
قال الله - تعالى -: ﴿ لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا ﴾ [الفتح: 18]، وقال - عليه الصلاة والسلام -: ((لا تسبُّوا أصحابي؛ فإن أحدكم لو أنفق مثل أُحُدٍ ذهبًا ما أدرك مُدَّ أحدهم ولا نَصِيفَه)).
 
لكن المبتدعة انحرفوا في حق الصحابة - رضي الله عنهم - ولم يعرفوا لهم فضلهم وسابقتهم، بل قدحوا فيهم، وقللوا من شأنهم، بل إن غلاة المبتدعة اتهموهم بالكذب والنفاق والخيانة؛ ولهذا قالت عائشة - رضي الله عنها -: "أُمِروا أن يستغفروا لأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسبُّوهم".
 
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((فإنه مَن يَعِشْ منكم، فسيرى اختلافًا كثيرًا؛ فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديِّين من بعدي، تمسَّكوا بها، وعَضُّوا عليها بالنواجذ)).
 
ادعوا للدين الحنيف الذي جاء به:
قال الله - تعالى -: ﴿ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [النور: 63]؛ أي: عن أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو سبيله ومنهاجه وطريقته وسنته وشريعته، فتوزَن الأقوالُ والأعمال بأقواله وأعماله، فما وافق ذلك قُبِل، وما خالفه فهو مردود على قائله وفاعله، كائنًا مَن كان، كما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((مَن عَمِل عملاً ليس عليه أمرنا، فهو رَدٌّ))؛ فتدور مع قول الرسول وفعله، نفيًا وإثباتًا بلا روغان.
 
وعلى الرغم من حزننا العظيم من هذه الظاهرة، إلا أننا تفاءلنا كثيرًا من مواقف عامة المسلمين؛ فالتطاول على النبي - صلى الله عليه وسلم - أحْيا - ولله الحمد - الغَيْرةَ عند كثير من المسلمين، وخاصة ممن قصَّر فيما سلف، وهذا مصداق قول ربنا - جل في علاه -:﴿ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [النور: 11].
 
وختامًا:
قلب الأمة ينبض نبضة تهز العالمَ، وحروفي تنبض نبضة أسميتها "قلب الأمة محمد - عليه الصلاة والسلام".
 
اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك - صلى الله عليه وسلم - وعبادك الصالحين.
 
وصلِّ اللهم وسلِّم على نبينا وحبيبنا وقدوتنا محمد - عليه الصلاة والسلام.

شارك الخبر

ساهم - قرآن ١