خطب ومحاضرات
شرح زاد المستقنع - كتاب المناسك [11]
الحلقة مفرغة
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فصل في حكم طواف الإفاضة والسعي وأيام منى والوداع وغير ذلك:
ثم يفيض إلى مكة، ويطوف القارن والمفرد بنية الفريضة طواف الزيارة، وأول وقته بعد نصف ليلة النحر، ويسن في يومه وله تأخيره، ثم يسعى بين الصفا والمروة إن كان متمتعاً أو غيره، ولم يكن سعى مع طواف القدوم ثم قد حل له كل شيء، ثم يشرب من ماء زمزم لما أحب، ويتضلع منه، ويدعو بما ورد، ثم يرجع فيبيت بمنى ثلاث ليال فيرمي الجمرة الأولى وتلي مسجد الخيف بسبع حصيات ويجعلها عن يساره، ويتأخر قليلاً ويدعو طويلاً، ثم الوسطى مثلها، ثم جمرة العقبة، ويجعلها عن يمينه ويستبطن الوادي ولا يقف عندها، يفعل هذا في كل يوم من أيام التشريق بعد الزوال مستقبلاً القبلة مرتباً، فإن رماه كله في الثالث أجزأه، ويرتبه بنيته فإن أخره عنه أو لم يبت بها فعليه دم، ومن تعجل في يومين خرج قبل الغروب، وإلا لزمه المبيت والرمي من الغد، فإذا أراد الخروج من مكة لم يخرج حتى يطوف للوداع].
تقدم لنا من أحكام الحج ما يتعلق بقطع التلبية بالنسبة للحج، ومتى يشرع له أن يقطع التلبية؟ وذكرنا أن جمهور أهل العلم أنه يقطع التلبية إذا شرع في رمي جمرة العقبة، خلافاً لما ذهب إليه ابن حزم رحمه الله من أنه يقطع التلبية إذا فرغ من الرمي، وأن الصواب ما ذهب إليه جمهور أهل العلم؛ لحديث الفضل : (أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزل يلبي حتى بلغ الجمرة).
كذلك أيضاً مما سلف من الأحكام: ما يتعلق بالتحللين: التحلل الأول، والتحلل الثاني، ومتى يحصل التحلل الأول؟ وذكرنا أن المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله، وكذلك أيضاً مذهب الشافعية: أنه إذا فعل اثنين من ثلاثة فإنه يحل التحلل الأول، والثلاثة هي: رمي جمرة العقبة، والحلق أو التقصير، والطواف مع السعي، فإذا فعل اثنين من هذه الثلاثة فإنه يحل التحلل الأول، وذكرنا أن مذهب مالك رحمه الله أنه يحل التحلل الأول إذا رمى جمرة العقبة، وعند أبي حنيفة رحمه الله: أنه إذا حلق أو قصر.
وكذلك أيضاً تكلمنا عن التحلل الثاني، وأن التحلل الثاني يحصل بالطواف مع السعي؛ لأنه كما سلف وذكرنا أن ظاهر السنة أن التحلل الأول يحصل باثنين معينين هما: رمي جمرة العقبة، والحلق أو التقصير، وسبق أن بينا أن أنساك يوم النحر -وهي: رمي جمرة العقبة، والحلق أو التقصير، وطواف الإفاضة، والسعي- على المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله، وكذلك أيضاً مذهب الشافعي : أنها تبدأ من بعد نصف ليلة العاشر، وكذلك أيضاً ما يتعلق بالدفع من مزدلفة إلى منى، يبدأ من بعد نصف ليلة العاشر ليلة النحر، وتكلمنا على هذه المسائل.
ثم قال المؤلف رحمه الله تعالى: (فصل: ثم يفيض إلى مكة، ويطوف القارن والمفرد بنية الفريضة طواف الزيارة).
قول المؤلف رحمه الله تعالى: (ثم يفيض إلى مكة). هذا الفصل عقده المؤلف رحمه الله تعالى في بيان أحكام طواف الإفاضة والسعي، وما يتعلق بأحكام أيام منى، والتعجل وطواف الوداع.
وقول المؤلف رحمه الله: (ثم يفيض إلى مكة).
مأخوذ من حديث جابر رضي الله تعالى عنهما الطويل، فقد جاء في حديث جابر رضي الله تعالى عنه قال: (ثم انصرف النبي صلى الله عليه وسلم إلى المنحر فنحر، ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأفاض إلى البيت فصلى الظهر بمكة)، رواه مسلم في صحيحه.
وقول المؤلف رحمه الله: (ثم يفيض إلى مكة، ويطوف القارن والمفرد بنية الفريضة).
لم يذكر المؤلف رحمه الله تعالى ما يتعلق بطواف القدوم لمن قدم مكة أول مرة، فلو أن الحاج ذهب إلى عرفات مباشرةً ولم يأت البيت، وبعد أن انتهى من عرفات ورمى وحلق... إلى آخره، أتى إلى البيت لطواف الإفاضة، وهو أول مرة يقدم البيت، فهل يشرع له طواف القدوم قبل طواف الإفاضة؟ أو نقول: بأن طواف القدوم لا يشرع له؟
ظاهر كلام المؤلف رحمه الله تعالى: أن طواف القدوم غير مشروع؛ لأنه لم يذكره، وهذا اختيار ابن قدامة رحمه الله، وكذلك أيضاً اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، فلا طواف للقدوم بعد الوقوف بعرفة، بل طواف القدوم قبل الوقوف بعرفة.
والرأي الثاني: وهو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله تعالى: أنه إذا كان وروده للبيت أول مرة فإنه يبدأ أولاً بطواف القدوم ثم إذا انتهى من طواف القدوم فإنه يطوف للإفاضة.
والصواب في هذه المسألة: هو ما ذهب إليه الموفق رحمه الله تعالى، وهو ظاهر كلام المؤلف رحمه الله: أنه إذا كان قدومه للبيت بعد أن وقف بعرفة فإنه لا طواف للقدوم، وحينئذ هذا الطواف الذي يطوفه إنما هو طواف الإفاضة، فلا يشرع له أن يرمل فيه لما سبق أن الرمل والاضطباع إنما هما سنتان في طواف القدوم.
كذلك أيضاً ذكر المؤلف رحمه الله أنه يستحب له أن يتطيب، فيستحب له إذا رمى وحلق أن يتطيب؛ لأن هذا هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم كما جاء في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: (كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يحرم، ولحله قبل أن يطوف بالبيت)، فإذا أراد طواف الإفاضة فإنه يشرع له أن يتطيب قبل طواف الإفاضة.
وقول المؤلف رحمه الله: (بنية الفريضة طواف الزيارة).
هل تشترط هذه النية الخاصة، أو نقول: بأن هذه النية الخاصة ليست شرطاً؟ وسبق أن ذكرنا كلام أهل العلم حول هذه المسألة، وأن الشيخ الشنقيطي رحمه الله تعالى قال: بأن النية الخاصة ليست شرطاً، يعني: هل يشترط أن ينوي أنه يطوف طواف الإفاضة أو أنه يطوف طواف الفريضة؟ هذا ليس شرطاً، وذكرنا أن الصواب في هذه المسألة أن النية العامة كافية بشرط أن ينوي أن يطوف، أما لو نوى عدم الطواف كما لو نوى أن يدور مع شخص، أو أن يلحق غريماً أو نحو ذلك فإنه لا يجزئ، لكن لو نوى الطواف وغاب عن ذهنه أن هذا الطواف هو طواف الإفاضة، أو هو طواف الفريضة فإنه يجزئه.
وطواف الإفاضة ركن من أركان الحج بالإجماع، وقد حكى ابن المنذر رحمه الله تعالى الإجماع على ذلك، وكذلك أيضاً حكاه ابن قدامة وابن هبيرة رحمهم الله، وسيأتينا إن شاء الله في تعداد أركان الحج.
وقت طواف الإفاضة
طواف الإفاضة له وقتان: الوقت الأول: وقت استحباب. والوقت الثاني: وقت جواز. ومن العلماء من يضيف وقت وجوب كالحنفية والمالكية.
أما بالنسبة لوقت الاستحباب فنقول: بأن وقت الاستحباب ضحى يوم النحر، كما دل لذلك حديث جابر وابن عمر رضي الله تعالى عنهما، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أفاض يوم النحر.
وأما بالنسبة لوقت الجواز: فإنه يبدأ -كما قال المؤلف- من بعد نصف ليلة النحر، وسبق أن تكلمنا على هذه المسألة، وقلنا: بأن هذه الأنساك الأربعة تبدأ من بعد دخول وقت الدفع إلى منى، والمشهور من مذهب الإمام أحمد ومذهب الشافعي : أن وقت الدفع من مزدلفة إلى منى يكون بعد منتصف ليلة النحر، وسبق أن ذكرنا أن الحنفية والمالكية يقولون: بأن وقت الدفع يبدأ من بعد طلوع الفجر بلحظة؛ لأنهم يرون أن المبيت الواجب إنما يكون بعد طلوع الفجر ولو قدر لحظة.
والصواب في هذه المسألة كما سلف: أن وقت طواف الإفاضة يبدأ من بعد دخول وقت الدفع من مزدلفة إلى منى على حسب ما سبق تقريره.
وأما المالكية مع أنهم قالوا: بأن وقت الدفع من مزدلفة إلى منى بعد قدر حط الرحل، سواء كان ذلك من أول الليل أو من وسطه أو من آخره، إلا أنهم يرون أن وقت طواف الإفاضة يبدأ من بعد طلوع الفجر.
وعلى كل حال فالخلاصة في ذلك: أن وقت طواف الإفاضة يبدأ من بعد دخول وقت الدفع من مزدلفة إلى منى.
وأما بالنسبة لنهايته فإنه لا حد له، والعلماء رحمهم الله تعالى يقولون: بأن وقته العمر، وما دام أنه لم يطف طواف الإفاضة فإنه لم يتحلل التحلل الثاني، وطواف الإفاضة والسعي والحلق أو التقصير هذه الأنساك الثلاثة لا حد لوقتها، لكن عند المالكية يقولون: إذا أخرت عن شهر ذي الحجة فإنه يلزم فيها دم، وعند الحنفية يقولون: إذا أخرت عن أيام التشريق فإنه يلزم فيها دم، خلافاً للشافعية والحنابلة رحمهم الله.
فتلخص لنا بالنسبة لوقت طواف الإفاضة أنه يبدأ من بعد دخول وقت الدفع من مزدلفة إلى منى، وأما نهايته فلا حد له.
وأما بالنسبة لوقت الاستحباب: فذكرنا أن وقت الاستحباب ضحى يوم النحر.
يقول المؤلف رحمه الله: (ويسن في يومه)؛ لما تقدم من حديث جابر رضي الله تعالى عنه، ولقول ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: (أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر).
قال: (وله تأخيره).
يقول المؤلف رحمه الله: له أن يؤخره عن أيام منى، كذلك أيضاً له أن يؤخره عن شهر ذي الحجة؛ لأنهم يرون أنه لا حد لآخر وقته، وأن وقته العمر.
قال المؤلف رحمه الله: (وأول وقته بعد نصف ليلة النحر، ويسن في يومه).
طواف الإفاضة له وقتان: الوقت الأول: وقت استحباب. والوقت الثاني: وقت جواز. ومن العلماء من يضيف وقت وجوب كالحنفية والمالكية.
أما بالنسبة لوقت الاستحباب فنقول: بأن وقت الاستحباب ضحى يوم النحر، كما دل لذلك حديث جابر وابن عمر رضي الله تعالى عنهما، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أفاض يوم النحر.
وأما بالنسبة لوقت الجواز: فإنه يبدأ -كما قال المؤلف- من بعد نصف ليلة النحر، وسبق أن تكلمنا على هذه المسألة، وقلنا: بأن هذه الأنساك الأربعة تبدأ من بعد دخول وقت الدفع إلى منى، والمشهور من مذهب الإمام أحمد ومذهب الشافعي : أن وقت الدفع من مزدلفة إلى منى يكون بعد منتصف ليلة النحر، وسبق أن ذكرنا أن الحنفية والمالكية يقولون: بأن وقت الدفع يبدأ من بعد طلوع الفجر بلحظة؛ لأنهم يرون أن المبيت الواجب إنما يكون بعد طلوع الفجر ولو قدر لحظة.
والصواب في هذه المسألة كما سلف: أن وقت طواف الإفاضة يبدأ من بعد دخول وقت الدفع من مزدلفة إلى منى على حسب ما سبق تقريره.
وأما المالكية مع أنهم قالوا: بأن وقت الدفع من مزدلفة إلى منى بعد قدر حط الرحل، سواء كان ذلك من أول الليل أو من وسطه أو من آخره، إلا أنهم يرون أن وقت طواف الإفاضة يبدأ من بعد طلوع الفجر.
وعلى كل حال فالخلاصة في ذلك: أن وقت طواف الإفاضة يبدأ من بعد دخول وقت الدفع من مزدلفة إلى منى.
وأما بالنسبة لنهايته فإنه لا حد له، والعلماء رحمهم الله تعالى يقولون: بأن وقته العمر، وما دام أنه لم يطف طواف الإفاضة فإنه لم يتحلل التحلل الثاني، وطواف الإفاضة والسعي والحلق أو التقصير هذه الأنساك الثلاثة لا حد لوقتها، لكن عند المالكية يقولون: إذا أخرت عن شهر ذي الحجة فإنه يلزم فيها دم، وعند الحنفية يقولون: إذا أخرت عن أيام التشريق فإنه يلزم فيها دم، خلافاً للشافعية والحنابلة رحمهم الله.
فتلخص لنا بالنسبة لوقت طواف الإفاضة أنه يبدأ من بعد دخول وقت الدفع من مزدلفة إلى منى، وأما نهايته فلا حد له.
وأما بالنسبة لوقت الاستحباب: فذكرنا أن وقت الاستحباب ضحى يوم النحر.
يقول المؤلف رحمه الله: (ويسن في يومه)؛ لما تقدم من حديث جابر رضي الله تعالى عنه، ولقول ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: (أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر).
قال: (وله تأخيره).
يقول المؤلف رحمه الله: له أن يؤخره عن أيام منى، كذلك أيضاً له أن يؤخره عن شهر ذي الحجة؛ لأنهم يرون أنه لا حد لآخر وقته، وأن وقته العمر.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: (ثم يسعى بين الصفا والمروة إن كان متمتعاً، أو غيره ولم يكن سعى مع طواف القدوم).
الحاج لا يخلو من ثلاث حالات:
الحالة الأولى: أن يكون مفرداً
الحالة الثانية: أن يكون قارناً
الرأي الأول: جمهور العلماء: أن القارن يكفيه سعي واحد.
والرأي الثاني: رأي الحنفية: أن القارن لا بد أن يسعى سعيين، ودليل الجمهور حديث عائشة رضي الله تعالى عنها، (فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها وكانت قارنة: يجزئ عنك طوافك بالبيت وبالصفا والمروة بحجك وعمرتك)، وعائشة رضي الله تعالى عنها كانت قارنة، رواه مسلم في صحيحه.
واستدل الحنفية بحديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما (فإن
وعلى هذا نقول: بأن الصواب في هذه المسألة ما ذهب إليه جمهور العلماء رحمهم الله تعالى، وأن القارن يكفيه طواف واحد فقط بين الصفا والمروة، ويدل لذلك أيضاً حديث جابر ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة، وشبك بين أصابعه)، وبهذا نفهم أن أعمال المفرد كأعمال القارن تماماً، إلا أن الفرق بينهما أن القارن يأتي بنسكين، والمفرد يأتي بنسك واحد، وأن القارن يجب عليه هدي، وأما المفرد فإنه لا يجب عليه هدي.
الحالة الثالثة: أن يكون متمتعاً
الرأي الأول: رأي جمهور العلماء: أن المتمتع يجب عليه أن يسعى سعيين، واستدلوا على ذلك بما في البخاري معلقاً من حديث ابن عباس ، يقول ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: (أهل المهاجرون والأنصار... إلى أن قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اجعلوا إهلالكم بالحج عمرة، إلا من قلد الهدي، فطفنا بالبيت وبالصفا والمروة، ثم أمرنا عشية التروية بالحج)، فقال: (فطفنا بالبيت وبالصفا والمروة)، هذا للعمرة، ثم بعد ذلك قال: (ثم أمرنا عشية التروية بالحج، فلما فرغنا من المناسك جئنا فطفنا بالبيت وبين الصفا والمروة)، وهذا الحديث صريح بأن المتمتع يجب عليه سعيان، وقد جاء أيضاً من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها في الصحيح، لكنه ليس صريحاً.
وقالوا أيضاً: بأن المتمتع يأتي بنسكين، ويحل بينهما حلاً تاماً، وإذا كان كذلك فإنه يأتي بالسعي الذي هو ركن العمرة، ويأتي بالسعي الذي هو ركن الحج؛ لأنه تحلل بينهما حلاً تاماً.
الرأي الثاني: وهي رواية عن الإمام أحمد رحمه الله، واختارها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: أن المتمتع كالقارن لا يلزمه إلا سعي واحد فقط، واستدلوا على ذلك بحديث جابر ، وفيه قال: (لم يطف النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه بين الصفا والمروة إلا طوافاً واحداً)، رواه مسلم في صحيحه.
وقوله: (وأصحابه). مع أن كثيراً من الصحابة رضي الله تعالى عنهم لم يكن معه هدي يتحلل بل كان متمتعاً، (أمر النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة رضي الله تعالى عنهم كل من لم يسق الهدي)، كثير من الصحابة لم يسق الهدي، ومع ذلك يقول جابر : (لم يطف النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه بين الصفا والمروة إلا طوافاً واحداً).
وحديث ابن عباس الذي علقه البخاري ضعف هذا الحديث، وأنه لا يثبت.
وعلى هذا -والله أعلم- فالقول بما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قوي، لكن عند تكافؤ الأدلة يأتي الاحتياط، فنقول: المسلم يحتاط لدينه، وخصوصاً أن السعي يتعلق به التحلل، فنقول: يحتاط لدينه، ويسعى سعيين، وله أصل في ذلك وهو قول جماهير العلماء رحمهم الله.
لكن لو أن الإنسان أتى بما يخل السعي، أو أنه نسي السعي أو نحو ذلك، ثم غادر مكة، فإنه لا يقال له: بأنه يجب عليك، أو أنك ما تحللت، وهذه المسألة نبه عليها الشيخ السعدي رحمه الله، ففي مقام الفتوى وخصوصاً عند تكافؤ الأدلة يفرق بين الفتوى قبل الوقوع وبين الفتوى بعد الوقوع، وخصوصاً فيما يتعلق بمناسك الحج، فقبل الوقوع نقول للمسلم: احتط لدينك واسع سعيين، كما قلنا في الطهارة في الطواف، فالمسلم يحتاط ويطوف، لكن لو أنه نسي أو سبقه الحدث ونحو ذلك كما يوجد في حال الزحام ونحو ذلك، فإن القول: بأن الطواف باطل أو نحو ذلك مع قوة الأدلة في المسألة فيه شيء، لكن مع السعة يحتاط المسلم.
قال المؤلف رحمه الله: (ثم قد حل له كل شيء).
الحالة الأولى: أن يكون مفرداً، فإذا كان مفرداً فإنه لا يلزمه إلا سعي واحد فقط، وعلى هذا إذا سعى بعد طواف القدوم فإنه لا يلزمه أن يسعى مرةً أخرى.
الحالة الثانية: أن يكون قارناً، فالقارن هل يكفيه سعي واحد، أو لا بد من سعيين؟
الرأي الأول: جمهور العلماء: أن القارن يكفيه سعي واحد.
والرأي الثاني: رأي الحنفية: أن القارن لا بد أن يسعى سعيين، ودليل الجمهور حديث عائشة رضي الله تعالى عنها، (فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها وكانت قارنة: يجزئ عنك طوافك بالبيت وبالصفا والمروة بحجك وعمرتك)، وعائشة رضي الله تعالى عنها كانت قارنة، رواه مسلم في صحيحه.
واستدل الحنفية بحديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما (فإن
وعلى هذا نقول: بأن الصواب في هذه المسألة ما ذهب إليه جمهور العلماء رحمهم الله تعالى، وأن القارن يكفيه طواف واحد فقط بين الصفا والمروة، ويدل لذلك أيضاً حديث جابر ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة، وشبك بين أصابعه)، وبهذا نفهم أن أعمال المفرد كأعمال القارن تماماً، إلا أن الفرق بينهما أن القارن يأتي بنسكين، والمفرد يأتي بنسك واحد، وأن القارن يجب عليه هدي، وأما المفرد فإنه لا يجب عليه هدي.
الحالة الثالثة: أن يكون متمتعاً، وفيه رأيان:
الرأي الأول: رأي جمهور العلماء: أن المتمتع يجب عليه أن يسعى سعيين، واستدلوا على ذلك بما في البخاري معلقاً من حديث ابن عباس ، يقول ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: (أهل المهاجرون والأنصار... إلى أن قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اجعلوا إهلالكم بالحج عمرة، إلا من قلد الهدي، فطفنا بالبيت وبالصفا والمروة، ثم أمرنا عشية التروية بالحج)، فقال: (فطفنا بالبيت وبالصفا والمروة)، هذا للعمرة، ثم بعد ذلك قال: (ثم أمرنا عشية التروية بالحج، فلما فرغنا من المناسك جئنا فطفنا بالبيت وبين الصفا والمروة)، وهذا الحديث صريح بأن المتمتع يجب عليه سعيان، وقد جاء أيضاً من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها في الصحيح، لكنه ليس صريحاً.
وقالوا أيضاً: بأن المتمتع يأتي بنسكين، ويحل بينهما حلاً تاماً، وإذا كان كذلك فإنه يأتي بالسعي الذي هو ركن العمرة، ويأتي بالسعي الذي هو ركن الحج؛ لأنه تحلل بينهما حلاً تاماً.
الرأي الثاني: وهي رواية عن الإمام أحمد رحمه الله، واختارها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: أن المتمتع كالقارن لا يلزمه إلا سعي واحد فقط، واستدلوا على ذلك بحديث جابر ، وفيه قال: (لم يطف النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه بين الصفا والمروة إلا طوافاً واحداً)، رواه مسلم في صحيحه.
وقوله: (وأصحابه). مع أن كثيراً من الصحابة رضي الله تعالى عنهم لم يكن معه هدي يتحلل بل كان متمتعاً، (أمر النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة رضي الله تعالى عنهم كل من لم يسق الهدي)، كثير من الصحابة لم يسق الهدي، ومع ذلك يقول جابر : (لم يطف النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه بين الصفا والمروة إلا طوافاً واحداً).
وحديث ابن عباس الذي علقه البخاري ضعف هذا الحديث، وأنه لا يثبت.
وعلى هذا -والله أعلم- فالقول بما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قوي، لكن عند تكافؤ الأدلة يأتي الاحتياط، فنقول: المسلم يحتاط لدينه، وخصوصاً أن السعي يتعلق به التحلل، فنقول: يحتاط لدينه، ويسعى سعيين، وله أصل في ذلك وهو قول جماهير العلماء رحمهم الله.
لكن لو أن الإنسان أتى بما يخل السعي، أو أنه نسي السعي أو نحو ذلك، ثم غادر مكة، فإنه لا يقال له: بأنه يجب عليك، أو أنك ما تحللت، وهذه المسألة نبه عليها الشيخ السعدي رحمه الله، ففي مقام الفتوى وخصوصاً عند تكافؤ الأدلة يفرق بين الفتوى قبل الوقوع وبين الفتوى بعد الوقوع، وخصوصاً فيما يتعلق بمناسك الحج، فقبل الوقوع نقول للمسلم: احتط لدينك واسع سعيين، كما قلنا في الطهارة في الطواف، فالمسلم يحتاط ويطوف، لكن لو أنه نسي أو سبقه الحدث ونحو ذلك كما يوجد في حال الزحام ونحو ذلك، فإن القول: بأن الطواف باطل أو نحو ذلك مع قوة الأدلة في المسألة فيه شيء، لكن مع السعة يحتاط المسلم.
قال المؤلف رحمه الله: (ثم قد حل له كل شيء).
قال المؤلف رحمه الله: (ثم يشرب من ماء زمزم).
يستحب إذا طاف طواف الإفاضة أن يشرب من ماء زمزم، ويدل لذلك حديث جابر رضي الله تعالى عنهما، (فإن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بني عبد المطلب وهم يسقون فناولوه فشرب)، رواه مسلم .
قال رحمه الله: (لما أحب).
كما جاء في حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: (ماء زمزم لما شرب له)، وهذا الحديث رواه الدارقطني والحاكم ، وصححه الحاكم .
قال رحمه الله: (ويتضلع منه).
يعني: يملأ ضلوعه من ماء زمزم؛ لأنه ماء مبارك، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول في صحيح مسلم : (طعام طعم)، وفي غير مسلم : (وشفاء سقم)، فيقول المؤلف رحمه الله: (يتضلع منه). يعني: يملأ ضلوعه من ماء زمزم، ويدل لذلك ما ورد عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما مرفوعاً: ( إن آية ما بيننا وبين المنافقين أنهم لا يتضلعون من ماء زمزم ). رواه ابن ماجه ، وصححه البوصيري في زوائده.
قال رحمه الله: (ويدعو بما ورد).
لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء في ذلك، لكن الذي جاء في حديث ابن عباس : (ماء زمزم لما شرب له)، إن شربته للاستشفاء يشفيك الله عز وجل، وإن شربته لطلب العلم يرزقك الله علماً، وإن شربته للزرق رزقك الله مالاً... إلى آخره، بمعنى أنه سبب من الأسباب، كما أن الدعاء سبب، فالإنسان يدعو وقد يستجيب الله عز وجل لهذه الدعوة ويحققها له، وقد لا يستجيبها، فنقول: المسلم مأمور أن يفعل الأسباب، لكن قد يتخلف المسبب لحكمة أرادها الله عز وجل وقد تكون المصلحة أن تدخر لك في الآخرة.
وقول المؤلف رحمه الله: (ويدعو بما ورد). وكما قلنا: لم يرد شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم، لكن ورد عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، أنه كان يقول: اللهم إني أسألك علماً نافعاً، ورزقاً واسعاً، وشفاءً من كل داء.
وكذلك أيضاً ورد عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه يستقبل القبلة، وأنه يشرب ثلاثاً، وأنه يسمي.
أما التسمية فهي ثابتة في السنة عند الشراب، سواء كان زمزم أو غيره، وكذلك أيضاً التنفس ثلاثاً فهو وارد في السنة من حديث أنس ، وأما استقبال القبلة فورد عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في سنن ابن ماجه .
استمع المزيد من الشيخ الدكتور خالد بن علي المشيقح - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
شرح زاد المستقنع - كتاب الطهارة [17] | 2816 استماع |
شرح زاد المستقنع - كتاب النكاح [13] | 2730 استماع |
شرح زاد المستقنع - كتاب المناسك [5] | 2676 استماع |
شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [19] | 2643 استماع |
شرح زاد المستقنع - كتاب البيع [26] | 2638 استماع |
شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [32] | 2556 استماع |
شرح زاد المستقنع - كتاب الأيمان [2] | 2553 استماع |
شرح زاد المستقنع - كتاب الحدود [7] | 2526 استماع |
شرح زاد المستقنع - كتاب الإيلاء [1] | 2520 استماع |
شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [8] | 2497 استماع |