شرح زاد المستقنع - كتاب المناسك [4]


الحلقة مفرغة

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وعلى الأفقي دم، وإن حاضت المرأة فخشيت فوات الحج أحرمت به وصارت قارنة، وإذا استوى على راحلته قال: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك، يصوت بها الرجل وتخفيها المرأة.

باب محظورات الإحرام:

وهي تسعة حلق الشعر، وتقليم الأظفار، فمن حلق أو قلم ثلاثةً فعليه دم، ومن غطى رأسه بملاصق فدى، وإن لبس ذكر مخيطاً فدى].

سبق لنا ما يتعلق بالميقات الزماني للحج، وكذلك أيضاً للعمرة، وذكرنا أن الميقات الزماني للحج موضع خلاف بين العلماء رحمهم الله، وأن العلماء رحمهم الله اختلفوا في ذلك على ثلاثة آراء:

الرأي الأول: أن الميقات الزماني للحج هو شهر شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة، وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله تعالى.

والرأي الثاني: أن الميقات الزماني للحج هو شوال وذو القعدة وتسع من ذي الحجة، ولكن يقولون: بأنه يمتد إلى طلوع الفجر الثاني من يوم النحر، وهذا مذهب الشافعي رحمه الله تعالى.

والرأي الثالث: مذهب الإمام مالك رحمه الله: وأن أشهر الحج ثلاثة: شوال، وذو القعدة، وذو الحجة كاملاً، وذكرنا بأن هذا القول هو أقرب الأقوال؛ لأن هذا هو ظاهر القرآن، وأن الآثار الواردة عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم متعارضة، وإذا كانت كذلك فإنه يصار إلى ظاهر القرآن والسنة، وذكرنا حكم ما إذا أحرم قبل الميقات المكاني، أو أحرم قبل أشهر الحج، وأن الراجح ما عليه جمهور أهل العلم أنه إذا أحرم قبل الميقات المكاني أن إحرامه ينعقد، ولكنه يكره خلافاً لما ذهب إليه الظاهرية، وإذا أحرم قبل الميقات الزماني فإن إحرامه على الصحيح ينقلب عمرةً مجزئة عن عمرة الإسلام كما هو مذهب الشافعي رحمه الله تعالى.

وذكر المؤلف رحمه الله تعالى جملةً من آداب الإحرام، فذكر ما يتعلق بالاغتسال، وهل يشرع التيمم أو أن التيمم لا يشرع؟ وكذلك أيضاً ما يتعلق بالتنظف، وما المراد بالتظف؟ وهل هو من خصائص الإحرام أو ليس من خصائصه؟ وكذلك أيضاً يشرع أن يتطيب عند الإحرام، أن يطيب رأسه ولحيته، وهل للإحرام صلاة خاصة أو ليس له صلاة خاصة؟ وما أفضل الأنساك؟ وذكرنا أن الأنساك ثلاثة: التمتع والقران والإفراد، وأن أفضل الأنساك هو التمتع؛ لأن التمتع هو المذكور في القرآن؛ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم تمناه، إلا إن ساق الهدي فإن الأفضل القران؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان قارناً، وإن اعتمر قبل أشهر الحج ومكث في مكة ولم يخرج إلى أهله، فإن الأفضل في حقه الإفراد، يعني إذا مكث في مكة حتى جاء وقت الحج، فإن الأفضل في حقه الإفراد كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، فأصبح عندنا أفضل الأنساك هو التمتع إلا في حالتين:

الحالة الأولى: إذا ساق الهدي، فإذا ساق الهدي فإن الأفضل هو القران.

والحالة الثانية: إذا اعتمر قبل أشهر الحج ومكث في مكة حتى حج، فإن الأفضل في حقه الإفراد كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى.

وتقدم ما يتعلق بصفة التمتع، وذكرنا أيضاً صفة القران، وأن القران له ثلاث صفات، وكذلك أيضاً ذكرنا صفة الإفراد.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: (وعلى الأفقي دم).

الأفق ذكرنا بأن الأفقي هو من لم يكن من حاضري المسجد الحرام، فحاضروا المسجد الحرام هؤلاء لا يجب عليهم دم؛ بدليل قول الله عز وجل لما ذكر أن المتمتع يجب عليه دم: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [البقرة:196]، إلى أن قال الله عز وجل: ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ [البقرة:196]، فإذا كان من حاضري المسجد الحرام فإنه لا يجب عليه دم، ومن هم حاضروا المسجد الحرام؟ هذا موضع خلاف بين العلماء رحمهم الله تعالى، فقد اختلف العلماء رحمهم الله في تفسير قوله تعالى: ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ [البقرة:196]، وذكرنا خلاف أهل العلم رحمهم الله تعالى في هذه المسألة، وذكرنا أن الأقرب في حاضري المسجد الحرام أنهم أهل مكة وأهل الحرم، فأهل مكة وأهل الحرم هؤلاء لا يجب عليهم الهدي، ولا يجب عليهم دم، وما عداهم من المتمتعين والقارنين يجب عليهم دم.

والحاج لا يخلو من ثلاث حالات:

الحالة الأولى: أن يكون متمتعاً، فهذا يجب عليه دم بالاتفاق، والقرآن والسنة والآثار في هذا ظاهرة، فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [البقرة:196].

الحالة الثانية: أن يكون الحاج قارناً، فالقارن هل يجب عليه دم، أو لا؟ للعلماء رحمهم الله تعالى في ذلك رأيان:

الرأي الأول وهو قول جمهور العلماء: أن القارن يلزمه دم، واستدلوا على ذلك بأن القران فيه تمتع، والصحابة رضي الله تعالى عنهم يجعلون القران من التمتع، وذلك أن القارن تمتع بترك أحد السفرين، فالقارن أدى نسكين في سفرة واحدة، ويدل لذلك حديث عائشة رضي الله تعالى عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم ذبح عن نسائه البقر وكن قارنات)، بمن فيهن عائشة رضي الله تعالى عنها، فذبح النبي صلى الله عليه وسلم عن نسائه البقر، وذبح عن عائشة بقرة كما في صحيح مسلم .

الرأي الثاني: رأي الظاهرية قالوا: بأن القارن لا يجب عليه دم، واستدلوا بظاهر القرآن: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ [البقرة:196]، فقالوا: بأن ظاهر القرآن أن الهدي إنما يجب على المتمتع، والصواب في ذلك هو ما ذهب إليه جمهور أهل العلم؛ لأن في القران تمتعاً، وذلك أن القارن تمتع بترك أحد السفرين، ولهذا ورد عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم أنهم سموا القارن متمتعاً، وأن القران تمتع، وكما ذكرنا حديث عائشة أو حديث جابر ، أن النبي صلى الله عليه وسلم ذبح عن عائشة بقرةً يوم النحر وكانت قارنة رضي الله تعالى عنها، فالصواب في هذه المسألة ما ذهب إليه جمهور أهل العلم رحمهم الله تعالى.

الحالة الثالثة: إذا كان الحاج مفرداً فهذا لا يجب عليه هدي بالاتفاق، فأصبح عندنا إن كان متمتعاً وجب عليه الهدي بالاتفاق، وإن كان مفرداً لم يجب عليه الهدي بالاتفاق، وإن كان قارناً فهذا موضع خلاف بين أهل العلم رحمهم الله تعالى، وذكرنا أن الصواب في هذه المسألة ما ذهب إليه جمهور العلماء رحمهم الله.

والتمتع ذكرنا صفته، وهو أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج ويفرغ منها، ثم بعد ذلك يهل بالحج من عامه، والعلماء رحمهم الله ذكروا شروطاً للتمتع، وهذه الشروط تدخل في هذه الكيفية التي ذكرتها، أن يهل بالعمرة في أشهر الحج، ثم يفرغ منها، ثم يهل بالحج من عامه، لكن هناك مسائل أيضاً تكلم عليها العلماء رحمهم الله، وذكروا هل هي شرط في التمتع، أو ليست شرطاً فيه؟

سقوط الدم عن المسافر بين النسكين

من أهم هذه المسائل: السفر بين النسكين، وهذه تحصل كثيراً، فالمتمتع إذا أدى العمرة ثم بعد ذلك خرج وسافر هل يسقط تمتعه، أو لا يزال متمتعاً؟

المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله تعالى أنه إذا سافر مسافة قصر فإن تمتعه يسقط عليه، وعلى هذا إذا أدى العمرة ثم سافر مسافة قصر ورجع إلى مكة، فإنه لا يكون متمتعاً.

الرأي الثاني: رأي الشافعي : أنه إذا سافر إلى الميقات ثم رجع، فإن تمتعه يسقط عنه، وحينئذ يسقط عنه الدم.

الرأي الثالث: وهو مذهب أبي حنيفة رحمه الله: أنه إذا سافر إلى بلده فإن تمتعه يسقط، وحينئذ لا دم عليه، وأما إن سافر إلى غير بلده، سواء سافر مسافة قصر أو أكثر من ذلك فإن تمتعه لا يسقط عليه.

والصواب في هذه المسألة هو ما ذهب إليه الحنفية رحمهم الله تعالى؛ لأن هذا هو الوارد عن عمر وابنه رضي الله تعالى عنهما؛ ولأنه إذا سافر إلى بلده ثم خرج مرةً أخرى يكون أنشأ سفراً جديداً.

اشتراط نية التمتع مع بداية الإحرام بالعمرة

المسألة الثانية: هل تشترط نية التمتع من حين الإحرام بالعمرة، أو نقول: بأن هذا ليس شرطاً؟

المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله أنه لكي يكون متمتعاً لا بد أن ينوي التمتع حين إحرامه بالعمرة.

والرأي الثاني ذهب إليه صاحب المغني رحمه الله: أن هذا ليس شرطاً، وهذا القول هو الصواب، ويدل لذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر كل من لم يسق الهدي من المفردين والقارنين أن يحلوا، وأن يجعلوا إحرامهم عمرةً، فيكونوا متمتعين، وهم لم ينووا التمتع في ابتداء العمرة قطعاً، فالصحيح في هذه المسألة: أن نية التمتع كما ذكر ابن قدامة رحمه الله ليست شرطاً.

اشتراط الإحرام من الميقات في التمتع

المسألة الثالثة: أيضاً هل يشترط لكي يكون متمتعاً أن يحرم من الميقات، أو من مسافة قصر فأكثر؟

المشهور من المذهب أنه لكي يكون متمتعاً لا بد أن يحرم من الميقات أو من مسافة قصر فأكثر.

والرأي الثاني: أن هذا ليس شرطاً، وهذا رأي ابن قدامة رحمه الله تعالى، وهو الصواب، وعلى هذا لو أحرم دون الميقات -وهذا يفعله الآن كثير من الناس، فكثير منهم بسبب تصاريح الحج تجده يتجاوز الميقات ثم بعد ذلك يحرم دون الميقات، يحرم بعمرة ثم يتحلل منها، ثم يحرم بالحج- فنقول: بأن هذا متمتع، وإن ترك الإحرام من الميقات فالصواب في هذه المسألة أنه لا يشترط أن يحرم منه، أو من مسافة قصر كما يقول الحنابلة رحمهم الله تعالى.

الانتقال من التمتع إلى القران عند الخشية من فوات الحج

قال المؤلف رحمه الله: (وإن حاضت المرأة فخشيت فوات الحج أحرمت به وصارت قارنةً).

المؤلف رحمه الله تعالى يقول: (وإن حاضت المرأة) ويا ليت المؤلف قال: وإن أحرم متمتعاً فخشي فوات الحج، أحرم بالحج، فلو أنه أتى بعبارة عامة ولم يخص ذلك بالمرأة الحائض لكان أحسن، ولكن المؤلف رحمه الله عذره في ذلك أن القضية وردت في عائشة رضي الله تعالى عنها، فإن عائشة رضي الله تعالى عنها أحرمت متمتعة، أحرمت بالعمرة، ثم بعد ذلك حاضت، فلو أن عائشة جلست تنتظر حتى تطهر من حيضها، ثم بعد ذلك تؤدي العمرة لفات وقت الوقوف بعرفة، وحينئذ أمرها النبي صلى الله عليه وسلم بأن تحرم بالحج؛ لكي تكون قارنةً، فأحرمت عائشة رضي الله تعالى عنها بالحج، فنقول في ذلك: إذا أحرم بالعمرة متمتعاً، وحصل له عذر بحيث يخشى أن يفوت الحج، ولنفرض أن إنساناً أصابه عائق في مركوبه أو عائق في أهله، وخشي لو ذهب لكي يؤدي العمرة فاته الحج، فنقول: أحرم بالحج لكي تكون قارناً، أي أدخل الحج على العمرة فتكون قارناً، وحينئذ تقف مع الناس.

ولكن إدخال الحج على العمرة، هل هو جائز في حال الضرورة، أو جائز مطلقاً؟

لو فرضنا أن رجلاً أحرم بالعمرة، فقال: أريد أن أهل بالحج لكي أكون قارناً، فهل نقول: بأن هذا جائز، أو نقول: بأن هذا خاص بحال الضرورة؟ لأن حديث عائشة إنما ورد في حال الضرورة؛ لأن عائشة رضي الله تعالى عنها حاضت فلم تتمكن من العمرة، ولو قلنا: تنتظر المرأة الحائض حتى تطهر وتؤدي العمرة لأدى ذلك إلى فوات الحج؛ لأن الحج يفوت بفوات الوقوف بعرفة، فهل هذا سائغ مطلقاً أو أنه خاص في حال الضرورة؟

للعلماء رحمهم الله تعالى في ذلك رأيان:

الرأي الأول: أنه خاص في حال الضرورة، وأنه لا ينتقل من التمتع إلى القران إلا في حال الضرورة، لأمرين:

الأمر الأول: حديث عائشة ؛ لأن حديث عائشة رضي الله تعالى عنها ورد في حال الضرورة، وهي الحيض.

الأمر الثاني: أنه انتقال من الأفضل إلى المفضول.

وعلى هذا لو أهل بالحج فإنه يبقى متمتعاً، فنقول: اذهب وطف واسع وقصر.. إلى آخره.

والرأي الثاني: أنه يصح أن يدخل الحج على العمرة فيكون قارناً، حتى ولو حل في حال السعة، واستدلوا بحديث عائشة رضي الله تعالى عنها، والأحوط هو الرأي الأول.

فسخ الحج إلى العمرة

وهنا مسألة أخرى وهي: أن المفرد والقارن إذا لم يسوقا الهدي فالسنة لهما أن يفسخوا إحرامهم بالحج ليكون عمرةً فيكونوا متمتعين، ويدل لذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر كل من لم يسق الهدي من الصحابة رضي الله عنهم أن يفسخ إحرامه بالحج وأن يجعله عمرة، وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله، وهو من المفردات، وعند الأئمة الثلاثة أن هذا لا يجوز، فعند الأئمة الثلاثة أن فسخ الحج إلى العمرة هذا غير جائز، وعند الظاهرية أنه واجب، فالظاهرية يقولون: يجب على المفرد والقارن إذا لم يسوقا الهدي أن يفسخا إحرامهما بالحج لكي يكون عمرة فيكونا متمتعين، ورأيهم في ذلك ظاهر، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الصحابة رضي الله تعالى عنهم وعزم عليهم، فكل من لم يسق الهدي أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يفسخ إحرامه بالحج، وأن يجعله عمرة.

والأقرب في هذه المسألة هو ما ذهب إليه الحنابلة رحمهم الله تعالى، وأن ذلك سنة، وأما القول بالوجوب فهذا فيه نظر، والصحيح أنه لا يجب، ولكن كما قال الظاهرية: يجب، ولكنه في ذلك العام الذي أمر به النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة، فيكون الوجوب خاصاً بالصحابة رضي الله تعالى عنهم، ويدل لذلك ما ورد عن أبي ذر رضي الله تعالى عنه: أن الوجوب كان خاصاً بالصحابة رضي الله تعالى عنهم.

وأما الجمهور فيقولون: لا يجوز؛ لأن الله سبحانه وتعالى قال: وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ [محمد:33]، فنقول: هذا ليس فيه إبطال للعمل، هو سيأتي بالعمل، وسينتقل من المفضول إلى الأفضل.

من أهم هذه المسائل: السفر بين النسكين، وهذه تحصل كثيراً، فالمتمتع إذا أدى العمرة ثم بعد ذلك خرج وسافر هل يسقط تمتعه، أو لا يزال متمتعاً؟

المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله تعالى أنه إذا سافر مسافة قصر فإن تمتعه يسقط عليه، وعلى هذا إذا أدى العمرة ثم سافر مسافة قصر ورجع إلى مكة، فإنه لا يكون متمتعاً.

الرأي الثاني: رأي الشافعي : أنه إذا سافر إلى الميقات ثم رجع، فإن تمتعه يسقط عنه، وحينئذ يسقط عنه الدم.

الرأي الثالث: وهو مذهب أبي حنيفة رحمه الله: أنه إذا سافر إلى بلده فإن تمتعه يسقط، وحينئذ لا دم عليه، وأما إن سافر إلى غير بلده، سواء سافر مسافة قصر أو أكثر من ذلك فإن تمتعه لا يسقط عليه.

والصواب في هذه المسألة هو ما ذهب إليه الحنفية رحمهم الله تعالى؛ لأن هذا هو الوارد عن عمر وابنه رضي الله تعالى عنهما؛ ولأنه إذا سافر إلى بلده ثم خرج مرةً أخرى يكون أنشأ سفراً جديداً.

المسألة الثانية: هل تشترط نية التمتع من حين الإحرام بالعمرة، أو نقول: بأن هذا ليس شرطاً؟

المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله أنه لكي يكون متمتعاً لا بد أن ينوي التمتع حين إحرامه بالعمرة.

والرأي الثاني ذهب إليه صاحب المغني رحمه الله: أن هذا ليس شرطاً، وهذا القول هو الصواب، ويدل لذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر كل من لم يسق الهدي من المفردين والقارنين أن يحلوا، وأن يجعلوا إحرامهم عمرةً، فيكونوا متمتعين، وهم لم ينووا التمتع في ابتداء العمرة قطعاً، فالصحيح في هذه المسألة: أن نية التمتع كما ذكر ابن قدامة رحمه الله ليست شرطاً.

المسألة الثالثة: أيضاً هل يشترط لكي يكون متمتعاً أن يحرم من الميقات، أو من مسافة قصر فأكثر؟

المشهور من المذهب أنه لكي يكون متمتعاً لا بد أن يحرم من الميقات أو من مسافة قصر فأكثر.

والرأي الثاني: أن هذا ليس شرطاً، وهذا رأي ابن قدامة رحمه الله تعالى، وهو الصواب، وعلى هذا لو أحرم دون الميقات -وهذا يفعله الآن كثير من الناس، فكثير منهم بسبب تصاريح الحج تجده يتجاوز الميقات ثم بعد ذلك يحرم دون الميقات، يحرم بعمرة ثم يتحلل منها، ثم يحرم بالحج- فنقول: بأن هذا متمتع، وإن ترك الإحرام من الميقات فالصواب في هذه المسألة أنه لا يشترط أن يحرم منه، أو من مسافة قصر كما يقول الحنابلة رحمهم الله تعالى.

قال المؤلف رحمه الله: (وإن حاضت المرأة فخشيت فوات الحج أحرمت به وصارت قارنةً).

المؤلف رحمه الله تعالى يقول: (وإن حاضت المرأة) ويا ليت المؤلف قال: وإن أحرم متمتعاً فخشي فوات الحج، أحرم بالحج، فلو أنه أتى بعبارة عامة ولم يخص ذلك بالمرأة الحائض لكان أحسن، ولكن المؤلف رحمه الله عذره في ذلك أن القضية وردت في عائشة رضي الله تعالى عنها، فإن عائشة رضي الله تعالى عنها أحرمت متمتعة، أحرمت بالعمرة، ثم بعد ذلك حاضت، فلو أن عائشة جلست تنتظر حتى تطهر من حيضها، ثم بعد ذلك تؤدي العمرة لفات وقت الوقوف بعرفة، وحينئذ أمرها النبي صلى الله عليه وسلم بأن تحرم بالحج؛ لكي تكون قارنةً، فأحرمت عائشة رضي الله تعالى عنها بالحج، فنقول في ذلك: إذا أحرم بالعمرة متمتعاً، وحصل له عذر بحيث يخشى أن يفوت الحج، ولنفرض أن إنساناً أصابه عائق في مركوبه أو عائق في أهله، وخشي لو ذهب لكي يؤدي العمرة فاته الحج، فنقول: أحرم بالحج لكي تكون قارناً، أي أدخل الحج على العمرة فتكون قارناً، وحينئذ تقف مع الناس.

ولكن إدخال الحج على العمرة، هل هو جائز في حال الضرورة، أو جائز مطلقاً؟

لو فرضنا أن رجلاً أحرم بالعمرة، فقال: أريد أن أهل بالحج لكي أكون قارناً، فهل نقول: بأن هذا جائز، أو نقول: بأن هذا خاص بحال الضرورة؟ لأن حديث عائشة إنما ورد في حال الضرورة؛ لأن عائشة رضي الله تعالى عنها حاضت فلم تتمكن من العمرة، ولو قلنا: تنتظر المرأة الحائض حتى تطهر وتؤدي العمرة لأدى ذلك إلى فوات الحج؛ لأن الحج يفوت بفوات الوقوف بعرفة، فهل هذا سائغ مطلقاً أو أنه خاص في حال الضرورة؟

للعلماء رحمهم الله تعالى في ذلك رأيان:

الرأي الأول: أنه خاص في حال الضرورة، وأنه لا ينتقل من التمتع إلى القران إلا في حال الضرورة، لأمرين:

الأمر الأول: حديث عائشة ؛ لأن حديث عائشة رضي الله تعالى عنها ورد في حال الضرورة، وهي الحيض.

الأمر الثاني: أنه انتقال من الأفضل إلى المفضول.

وعلى هذا لو أهل بالحج فإنه يبقى متمتعاً، فنقول: اذهب وطف واسع وقصر.. إلى آخره.

والرأي الثاني: أنه يصح أن يدخل الحج على العمرة فيكون قارناً، حتى ولو حل في حال السعة، واستدلوا بحديث عائشة رضي الله تعالى عنها، والأحوط هو الرأي الأول.

وهنا مسألة أخرى وهي: أن المفرد والقارن إذا لم يسوقا الهدي فالسنة لهما أن يفسخوا إحرامهم بالحج ليكون عمرةً فيكونوا متمتعين، ويدل لذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر كل من لم يسق الهدي من الصحابة رضي الله عنهم أن يفسخ إحرامه بالحج وأن يجعله عمرة، وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله، وهو من المفردات، وعند الأئمة الثلاثة أن هذا لا يجوز، فعند الأئمة الثلاثة أن فسخ الحج إلى العمرة هذا غير جائز، وعند الظاهرية أنه واجب، فالظاهرية يقولون: يجب على المفرد والقارن إذا لم يسوقا الهدي أن يفسخا إحرامهما بالحج لكي يكون عمرة فيكونا متمتعين، ورأيهم في ذلك ظاهر، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الصحابة رضي الله تعالى عنهم وعزم عليهم، فكل من لم يسق الهدي أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يفسخ إحرامه بالحج، وأن يجعله عمرة.

والأقرب في هذه المسألة هو ما ذهب إليه الحنابلة رحمهم الله تعالى، وأن ذلك سنة، وأما القول بالوجوب فهذا فيه نظر، والصحيح أنه لا يجب، ولكن كما قال الظاهرية: يجب، ولكنه في ذلك العام الذي أمر به النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة، فيكون الوجوب خاصاً بالصحابة رضي الله تعالى عنهم، ويدل لذلك ما ورد عن أبي ذر رضي الله تعالى عنه: أن الوجوب كان خاصاً بالصحابة رضي الله تعالى عنهم.

وأما الجمهور فيقولون: لا يجوز؛ لأن الله سبحانه وتعالى قال: وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ [محمد:33]، فنقول: هذا ليس فيه إبطال للعمل، هو سيأتي بالعمل، وسينتقل من المفضول إلى الأفضل.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور خالد بن علي المشيقح - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح زاد المستقنع - كتاب الطهارة [17] 2817 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب النكاح [13] 2731 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب المناسك [5] 2677 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [19] 2644 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب البيع [26] 2639 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [32] 2558 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الأيمان [2] 2554 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الحدود [7] 2528 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الإيلاء [1] 2521 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [8] 2498 استماع