شرح زاد المستقنع - كتاب الجنائز [4]


الحلقة مفرغة

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ثم ينوي غسله، ويسمي ويغسل برغوة السدر رأسه ولحيته فقط، ثم يغسل شقه الأيمن ثم الأيسر ثم كله ثلاثاً في كل مرة يده على بطنه، فإلم ينق بثلاث غسلات زيد حتى ينقى، ولو جاوز السبع، ويجعل في الغسلة الأخيرة كافوراً، والماء الحار والإشنان والخلال يستعمل إذا احتيج إليه، ويقص شاربه ويقلم أظفاره، ولا يسرح شعره ثم ينشف بثوب، ويضفر شعرها ثلاثة قرون، ويسدل وراءها، وإن خرج منه شيء بعد سبع حشي بقطن، فإن لم يستمسك فبطين حر، ثم يغسل المحل ويوضأ، وإن خرج بعد تكفينه لم يعد الغسل، ومحرم ميت كحي يغسل بماء وسدر، ولا يقرب طيباً، ولا يلبس ذكر مخيطاً، ولا يغطى رأسه، ولا وجه أنثى، ولا يغسل شهيد ومقتول ظلماً إلا أن يكون جنباً، ويدفن في ثيابه بعد نزع السلاح والجلود عنه، وإن سلبها كفن بغيرها، ولا يصلى عليه، وإن سقط من دابته أو وجد ميتاً ولا أثر به أو حمل فأكل أو طال بقاؤه عرفاً غسل وصلي عليه، والسقط إذا بلغ أربعة أشهر غسل وصلي عليه ومن تعذر غسله يمّم، وعلى الغاسل ستر ما رآه وإن يكن حسناً.

فصل: يجب تكفينه في ماله مقدماً على دين وغيره، فإن لم يكن له مال فعلى من تلزمه نفقته إلا الزوج لا يلزمه كفن امرأته].

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

تقدم لنا أن ذكرنا وبدأنا في صفة تغسيل الميت، وأن الغاسل إذا أراد أن يغسله يستحب أن يوضئه، قبل ذلك ينوي التغسيل، ثم بعد ذلك يسمي، ثم بعد ذلك يوضئه، وقبل ذلك كله ينجيه. وذكرنا أن الغاسل يحضر قفازات، قفازات للفرجين، وقفازات لسائر البدن.

ويستحب عند توضئته ألا يدخل الماء في فمه وأنفه، وإنما يجعل على إصبعه خرقة فيمسح أسنانه وأنفه، فيقوم ذلك مقام المضمضة والاستنشاق، ثم بعد ذلك يوضئه كالوضوء العادي المعروف؛ لحديث أم عطية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للاتي غسلن ابنته: ( ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها ).

النية والتسمية عند غسل الميت

ثم قال المؤلف رحمه الله: (ثم ينوي غسله ويسمي، ويغسل برغوة السدر رأسه ولحيته فقط).

النية تكون متقدمة عن الوضوء، وكذلك أيضاً التسمية تكون متقدمة على الوضوء بلا سبب.

استعمال السدر

قال رحمه الله: (ويغسل برغوة السدر رأسه ولحيته فقط).

السدر: ورق النبق المطحون، فيأتي الغاسل بالسدر ويضعه على الماء، ثم يضربه بالماء، فيظهر له رغوة، هذه الرغوة يقول المؤلف رحمه الله: فإنه يأخذ هذه الرغوة ويغسل بها رأسه ولحيته فقط.

وأما بقية البدن فإنه يغسله بالثفل، يعني: الباقي بعد أن يأخذ هذه الرغوة يسمى الثفل، هذا يغسل به بقية البدن، وإنما يغسل الرأس واللحية برغوة السدر؛ لأن الثفل يبقى فيه شيء من السدر، فلو أنه غسل بالثفل رأسه ولحيته أدى ذلك إلى أن يعلق السدر بالشعر فيصعب إخراجه، فلهذا قال العلماء رحمهم الله: فإن رغوة السدر يغسل بها الرأس واللحية، وأما بالنسبة للثفل الباقي فإنه يغسل به بقية البدن.

التيامن

قال رحمه الله: (ثم يغسل شقه الأيمن ثم الأيسر).

لقول النبي عليه الصلاة والسلام في حديث أم عطية رضي الله تعالى عنها: ( ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها ).

والعلماء الذين يقسمون الماء إلى ثلاثة أقسام: طاهر، وطهور، ونجس، أشكل عليهم قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( اغسلوه بماء وسدر )؛ لأنه إذا خلط السدر بالماء انتقل من كونه طهوراً إلى كونه طاهراً، فلكي يخرجوا من هذا الإشكال قالوا: يكون عندنا ماء قراح يعني: ماء صافي وماء فيه سدر، فيأتي أولاً بالماء الذي فيه السدر، ثم بعد ذلك يغسل برغوة السدر رأسه ولحيته، والباقي الثفل يغسل به سائر البدن، ثم يأتي بالماء القراح الصافي ويغسل به بقية البدن مرةً ثانية فتصير هذه غسلة؛ لأن تغسيل الميت يشترط له أن يكون الماء طهوراً.

وإذا ضرب السدر في هذا الماء الطهور فإنه يغيره فحصل إشكال عندهم، وهذا نص عليه الشافعية رحمهم الله. وكذلك أيضاً الحنابلة نصوا على ذلك.

وقال بعض العلماء: يضع سدراً لا يغير الماء، يعني يأتي بالماء ويضع فيه سدر لكن هذا السدر لا يغير الماء، والصواب: أننا لسنا بحاجة إلى هذا كله، بل نقول كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( اغسلوه بماء وسدر، وكفنوه بثوبيه )، فنأتي بالماء ونضع فيه السدر، ونغسل بالرغوة رأسه ولحيته، وبالثفل سائر البدن، ولا حاجة إلى مثل هذا التفصيل.

التثليث

قال رحمه الله: (ثم كله ثلاثاً).

في الوضوء لا يغسل إلا مرة واحدة، وأما بالنسبة للغسل فالسنة أن يغسل ثلاث مرات، والعلماء ينصون على أنه يكره أن يقتصر على أقل من ثلاث؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال في حديث أم عطية : ( اغسلنها ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك ).

والظاهرية يقولون: يحرم أن يقتصر على أقل من ثلاث؛ لأمر النبي عليه الصلاة والسلام، وعلى هذا نقول: المستحب أن يغسل ثلاثاً أقل شيء، يغسله مرة ثم المرة الثانية ثم الثالثة، وهل يعيد السدر في كل مرة، أو نقول: بأن السدر تكون في الغسلة الأولى فقط؟

هذا موضع خلاف بين أهل العلم رحمهم الله، وظاهر الحديث: ( اغسلنها بماء وسدر ) أنه يعيد في كل مرة فيحضر ماءً ويضرب فيه السدر، هذا ظاهر الحديث الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم.

تكرار إمرار اليد على بطن الميت

قال رحمه الله: (يمر في كل مرة يده على بطنه).

في كل مرة يمر الغاسل يده على بطنه، والغرض من ذلك والعلة -كما سبق لنا- لكي يخرج ما كان متهيئاً للخروج، فقد يكون هناك أشياء في بطن الميت متهيئة للخروج, فإذا أمر يده على بطنه فيخرج هذا المتهيئ.

تقدم أن ابن المنذر رحمه الله قال: ليس في عصر بطن الميت سنة تتبع، وعلى هذا لا حاجة إلى أن يمر يده على بطنه، وسيأتينا إن شاء الله أيضاً حكم ما لو خرج منه خارج؛ لأن هؤلاء العلماء -رحمهم الله- الذين قالوا: يمر يرون أنه إذا خرج منه خارج فإنك توضئه وقد تعيد غسله.

والصواب: أنه لا حاجة لمثل هذه الأشياء؛ لأن غسل الميت ليس لرفع الحدث وإنما هو للتنظيف، ولأن الموت ليس حدثاً، وإنما هو لتطهيره وتنظيفه وتقديمه إلى ربه بأحسن هيئة وحال، هذا هو المراد.

وسيأتينا -إن شاء الله- أنه إذا خرج منه خارج يكفي أن نغسل ذلك الخارج فقط، ولا حاجة إلى إعادة الوضوء أو إعادة الغسل. فالصواب فيما يتعلق بإمرار اليد على البطن أنه لا حاجة إليه.

الزيادة على ثلاث غسلات عند عدم الإنقاء

قال رحمه الله: (فإن لم ينق بثلاث زيد حتى ينقى ولو جاوز السبع).

يعني: لو كان على الميت أوساخ، والمرض أضناه وكثرت أوساخه، وغسله الغاسل ثلاثاً ولم ينق بثلاث، أي: لم يتنظف بالثلاث، فإنه يزيد رابعة وجوباً؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( اغسلنها ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك ). ثم بعد ذلك يسن له أن يزيد الخامسة استحباباً.

يعني: إذا أنقى بأربع فإن السنة أن يبقى على وتر؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام: ( ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً )، وإذا لم ينق بخمس فإنه يزيد السادسة وجوباً، ثم بعد ذلك السابعة استحباباً، وهل يزيد على السبع أو لا يزيد على السبع؟

يقول رحمه الله: (ولو جاوز السبع).

وكذا قال المالكية، فالمالكية رحمهم الله يقولون: لا حد للعدد، وكذلك أيضاً الحنفية يقولون: ولو جاوز سبعاً ما دام أن هناك حاجة، وأيضاً الشافعية.

فالأئمة يتفقون على ذلك حتى ولو جاوز سبعاً ما دام أن هناك أوساخاً يحتاج إلى إزالتها فنقول: بأنه حتى ولو جاوز السبع، فيزيد وجوباً ما دام أنه بحاجة إلى الغسل، واستحباباً يبقى على وتر.

استعمال الكافور

قال رحمه الله: (ويجعل في الغسلة الأخيرة كافوراً).

الكافور: نوع من الطيب ويكون على صفتين: منه ما هو قطع، ومنه ما يكون مسحوقاً -كما قد تقدم لنا في كتاب الطهارة- والفائدة من الكافور فائدتان:

الفائدة الأولى: أنه يصلب بدن الميت.

والفائدة الثانية: أنه يكسبه رائحةً طيبة, ويخرج عنه الهواء.

استعمال الماء الحار والإشنان والخلال

قال رحمه الله: (والماء الحار والإشنان والخلال يستعمل إذا احتيج إليه).

فإذا احتيج إلى الماء الحار كأن يكون في شدة برد، أو تكون عليه أوساخ لا يزيل هذه الأوساخ إلا الماء الحار.

فنقول: يستعمل الماء الحار، وإلا الأصل أنه لا يستعمل الماء الحار؛ لأن الماء الحار يرخي اللحم، فلا يستعمل إلا عند الحاجة، ولهذا السنة أن يجعل في الغسلة الأخيرة كافوراً كما قال النبي عليه الصلاة والسلام للاتي غسلن ابنته: (اجعلن في الآخرة كافوراً)، فنقول: إذا احتيج إليه.

كذلك أيضاً (الإشنان) وهو نوع من النبات تغسل به الثياب، ويقال له الآن: الصابون ونحو ذلك، هذا يستعمل إذا احتيج إلى ذلك، فإذا احتيج إلى الإشنان أو ما يقوم مقامه الآن الصابون فإنه يستعمل.

كذلك أيضاً (الخلال) أي: تخليل الأسنان، فكونه يخلل أسنانه فنقول: هذا أيضاً إذا احتيج إليه.

تطبيق سنن الفطرة

قال رحمه الله: (ويقص شاربه، ويقلم أظفاره).

ما يتعلق بسنن الفطرة، هل تستعمل مع الميت أو لا تستعمل مع الميت؟ عند الإمام أحمد والشافعي رحمهما الله: أن هذا راجع إلى الحاجة، يعني: إذا كانت أظافر الميت طويلة فإنها تقصر، وإذا كان شاربه كثيراً، أو كان إبطه كثيراً، أو كانت عانته كثيرة فإن هذه الأشياء تؤخذ. وعند أبي حنيفة ومالك : أنها لا تؤخذ.

والأقرب في ذلك أنها تؤخذ؛ لأن هذا وارد عن سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه، وأيضاً يدل لذلك أن أخذ هذه الأشياء من باب التنظيف، وتغسيل الميت كله تنظيف ليس عن حدث؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( اغسلنها أو اغسلوه بماء وسدر )، السدر لأجل التنظيف، وقال: ( اجعلن في الغسلة الأخيرة كافوراً )؛ لأجل تطييب بدن الميت.

الصواب في ذلك: ما ذهب إليه أحمد والشافعي : فيما يتعلق بتقليم الأظفار وقص الشارب ونتف الإبط وحلق العانة أن هذه كلها تؤخذ إن احتيج إليها؛ لأن الدليل على ذلك ورد عن سعد كما في مصنف عبد الرزاق .

ويستدلون أيضاً بقول النبي عليه الصلاة والسلام: ( اغسلوه بماء وسدر )، فقوله عليه الصلاة والسلام: ( سدر ) يدل عن أن المراد تنظيف الميت، وهذا من تحسينه وتنظيفه.

أما بالنسبة لـمالك وأبي حنيفة فقالا: بأنه لا يؤخذ؛ لأن هذه لم ترد، لكن الأقرب ما ذكرنا عن أحمد والشافعي رحمهم الله.

أما بالنسبة للختان فإنه لا يختن، يعني: لو أن هذا الميت مات ولم يختتن نقول: بأنه لا يشرع ختانه؛ لأن العلماء يقولون: يحرم أن يختن؛ لأنه لا حاجة لذلك، إذ المقصود من الختان في حال الحياة هو تطهير المغتسل؛ لئلا يحتقن البول في القلفة -الجلدة- التي تكون على الحشفة، وهذا الآن قد انتهى، فما يتعلق بختان الميت نقول: هذا لا يجوز قطع جزء من بدنه؛ لأن الحاجة إليه قد مضت وقد فاتت.

وكذلك أيضاً ما يتعلق بحلق شعره، فنقول: أيضاً لا يحلق شعره.

تسريح شعر الميت

قال رحمه الله: (ولا يسرح شعره، ثم ينشف بثوب).

هل يسرح شعره أو لا يسرح شعره؟ ما ذهب إليه المؤلف -رحمه الله- هو قول جمهور أهل العلم: أنه لا يسرح الشعر، يعني: لا يأتي بمشط ويقوم بتسريح الشعر، إذا كان له شعر أو كانت امرأة لها شعر، لا يقوم بالتسريح, أو المغسلة لا تقوم بتسريح شعرها بمشط ونحوه؛ والعلة في ذلك: أن ذلك يؤدي إلى تقطيع الشعر، وهذا لا حاجة إليه.

وقال الشافعي رحمه الله: بأن الشعر يسرح، واستدل على ذلك بقول أم عطية في صحيح مسلم : ( ومشطناها ثلاثة قرون )، لكن الإمام أحمد -رحمه الله- أنكر المشط وقال: إنما بخرن شعرها ثلاثة قرون.

وأما المشط فأنكره، وأول قولها: (ومشطناها) يعني: ضفرناها ثلاثة قرون، وهذا هو الصواب، يعني: أن الشعر يجعل ثلاثة قرون ضفائر، هذا هو الأقرب في هذه المسألة.

قال: ثلاثة قرون؛ لقول أم عطية : ( فضفرنا شعرها ثلاثة قرون وألقيناه خلفها. ) رواه البخاري .

وقولها: (فضفرناها) يفسر رواية مسلم (ومشطناها) أن المراد بالمشط هنا الضفر، وأنها جعلت ثلاثة قرون.

قال: (ويضفر شعرها ثلاثة قرون ويسدل وراءها).

لما تقدم من حديث أم عطية.

الخارج من الميت عند تغسيله

قال رحمه الله: (وإن خرج منه شيء بعد السبع حشي بقطن، فإن لم يستمسك فبطين حر، ثم يغسل المحل ويوضأ، وإن خرج بعد تكفينه لم يغسل).

إن خرج من الميت شيء فإن هذا لا يخلو من أقسام:

القسم الأول: أن يكون خروجه قبل الغسلة السابعة، فهذا يجب إعادة توضئته وتغسيله، يعني: هذا التغسيل عند الحنابلة رحمهم الله يقولون: هذا لا يخلو من ثلاث أمور:

الأمر الأول: أنه إن كان قبل السابعة فإنه يجب أن يعاد وضوؤه وغسله.

الأمر الثاني: إن كان بعد السابعة وقبل أن يكفن، فهذا يجب إعادة الوضوء فقط دون التغسيل.

الأمر الثالث: أن يكون ذلك بعد تكفينه فهذا لا يجب إعادة شيء.

هذا ما ذهب إليه المؤلف -رحمه الله- من قول الإمام أحمد -رحمه الله- المذهب عند أصحابه وعند جمهور أهل العلم: أنه لا يجب لا الوضوء ولا الغسل؛ لأنه عند الحنفية والمالكية والشافعية أنه لا يجب لا إعادة الوضوء، ولا إعادة الغسل، بل تغسل النجاسة فقط إن كان قبل التكفين، وإن كان بعد التكفين فلا يفك الكفن للمشقة، وهذا القول هو الصواب.

أما القول: بإعادة الوضوء أو الغسل فهذا كله فيه نظر؛ يعني: سبق أن ذكرنا أن المراد والحكمة من تغسيل الميت التطهير؛ لأن الموت ليس حدثاً، الحكمة هو تطهيره وتنظيفه وتحسينه فقط هذه هي الحكمة، وعلى هذا نقول: الصواب أن إعادة الوضوء والغسل فيه نظر، سواء كان قبل السابعة أو بعد السابعة، لكن نحتاج إلى إعادة الغسل إذا كانت هناك حاجة له كمن عليه أوساخ، أما بالنسبة لخروج خارج من بطنه فهذا لا ينبغي، والسنة ثلاث غسلات.

غسل المحرم إذا مات

قال رحمه الله: (ومحرم ميت كحي يغسل بماء وسدر، ولا يقرب طيباً، ولا يلبس ذكر مخيطاً، ولا يغطى رأسه، ولا وجه أنثى).

المحرم إذا مات وهو على إحرامه فحكمه حكم الحي، يعني: نفعل به ما نفعل بالميت تماماً، إلا ما يتعلق بمحظورات الإحرام، فمحظورات الإحرام تجتنب، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً ). وهذا يدل على أن حكم الإحرام لا يزال باقياً، وعلى هذا فلا نضع في الغسلة الأخيرة كافوراً، وكذلك أيضاً ما يتعلق بتحنيط الميت -كما سيأتينا إن شاء الله في التكبير- نقول: بأننا لا نضع الحنوط.

وكذلك أيضاً: ما يتعلق برأسه، فلا يستر رأسه، ولا نلبسه المخيط كما سيأتينا في التكفين، المهم أن نجنبه ما يتعلق بمحظورات الإحرام من الطيب وتغطية الرأس بالنسبة للذكر، وتغطية الوجه بالنسبة للأنثى.

وكذلك أيضاً: تغطية الوجه بالنسبة للذكر إذا قلنا: بأن الذكر يمنع من تغطية وجهه إذا كان محرماً -كما سيأتي في الحج- نقول: هذا يمنع منه، فنفعل به كسائر الأموات إلا ما يتعلق بمحظورات الإحرام فإن حكم الإحرام لا يزال باقياً؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام: ( فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً ).

وكذلك أيضاً ما يتعلق بقص أظفاره، فالمحرم لا تأخذ أظفاره، ولا يحلق شعره، وكذلك أيضاً بالنسبة للمحرم الميت لا نقص أظفاره، ولا نقص شاربه، ولا نأخذ عانته ولا إبطه كالحي، فما يتعلق بمحظورات الإحرام كلها تجتنب.

غسل من عليه جبائر أو لفائف بسبب الكسور والجروح

إذا كان على الميت لفائف أو كان عليه جبائر، مثلاً: فيه كسور واحتجنا أن نضع عليه جبيرة، أو فيه جروح واحتجنا أن نضع عليه لفائف، ثم مات وهذه اللفائف لا تزال باقية عليه، فهل نقوم بإزالتها عند التغسيل أو نقول: بأنها لا تزال؟

العلماء -رحمهم الله- يقولون: فيه تفصيل: إن أدى أخذ هذه الأشياء إلى سقوط شيء من اللحم أو الجلد فإنها لا تؤخذ، وإن كان ذلك لا يؤدي إلى سقوط شيء منه فإنها تؤخذ.

نزع الخاتم أو سن الذهب من الميت

كذلك أيضاً لو كان عليه خاتم من فضة، أو عليه أسنان من ذهب، فهل تنزع هذه الأشياء أو لا تنزع؟ نقول: تنزع، حيث قال العلماء رحمهم الله بالنسبة للخاتم أنه ينزع ولو ببرده، يعني: يؤتى بمقص وتقص هذه الأشياء، أو المرأة إذا كان عليها خاتم من ذهب إلى آخره فإنه يؤتى بمقص وتقص هذه الأشياء.

بالنسبة لنزع الأسنان من ذهب فإنها تنزع، لكن العلماء يقولون: إن كان ذلك يؤدي إلى المثلة فإنها لا تنزع.

ثم قال المؤلف رحمه الله: (ثم ينوي غسله ويسمي، ويغسل برغوة السدر رأسه ولحيته فقط).

النية تكون متقدمة عن الوضوء، وكذلك أيضاً التسمية تكون متقدمة على الوضوء بلا سبب.

قال رحمه الله: (ويغسل برغوة السدر رأسه ولحيته فقط).

السدر: ورق النبق المطحون، فيأتي الغاسل بالسدر ويضعه على الماء، ثم يضربه بالماء، فيظهر له رغوة، هذه الرغوة يقول المؤلف رحمه الله: فإنه يأخذ هذه الرغوة ويغسل بها رأسه ولحيته فقط.

وأما بقية البدن فإنه يغسله بالثفل، يعني: الباقي بعد أن يأخذ هذه الرغوة يسمى الثفل، هذا يغسل به بقية البدن، وإنما يغسل الرأس واللحية برغوة السدر؛ لأن الثفل يبقى فيه شيء من السدر، فلو أنه غسل بالثفل رأسه ولحيته أدى ذلك إلى أن يعلق السدر بالشعر فيصعب إخراجه، فلهذا قال العلماء رحمهم الله: فإن رغوة السدر يغسل بها الرأس واللحية، وأما بالنسبة للثفل الباقي فإنه يغسل به بقية البدن.

قال رحمه الله: (ثم يغسل شقه الأيمن ثم الأيسر).

لقول النبي عليه الصلاة والسلام في حديث أم عطية رضي الله تعالى عنها: ( ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها ).

والعلماء الذين يقسمون الماء إلى ثلاثة أقسام: طاهر، وطهور، ونجس، أشكل عليهم قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( اغسلوه بماء وسدر )؛ لأنه إذا خلط السدر بالماء انتقل من كونه طهوراً إلى كونه طاهراً، فلكي يخرجوا من هذا الإشكال قالوا: يكون عندنا ماء قراح يعني: ماء صافي وماء فيه سدر، فيأتي أولاً بالماء الذي فيه السدر، ثم بعد ذلك يغسل برغوة السدر رأسه ولحيته، والباقي الثفل يغسل به سائر البدن، ثم يأتي بالماء القراح الصافي ويغسل به بقية البدن مرةً ثانية فتصير هذه غسلة؛ لأن تغسيل الميت يشترط له أن يكون الماء طهوراً.

وإذا ضرب السدر في هذا الماء الطهور فإنه يغيره فحصل إشكال عندهم، وهذا نص عليه الشافعية رحمهم الله. وكذلك أيضاً الحنابلة نصوا على ذلك.

وقال بعض العلماء: يضع سدراً لا يغير الماء، يعني يأتي بالماء ويضع فيه سدر لكن هذا السدر لا يغير الماء، والصواب: أننا لسنا بحاجة إلى هذا كله، بل نقول كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( اغسلوه بماء وسدر، وكفنوه بثوبيه )، فنأتي بالماء ونضع فيه السدر، ونغسل بالرغوة رأسه ولحيته، وبالثفل سائر البدن، ولا حاجة إلى مثل هذا التفصيل.

قال رحمه الله: (ثم كله ثلاثاً).

في الوضوء لا يغسل إلا مرة واحدة، وأما بالنسبة للغسل فالسنة أن يغسل ثلاث مرات، والعلماء ينصون على أنه يكره أن يقتصر على أقل من ثلاث؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال في حديث أم عطية : ( اغسلنها ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك ).

والظاهرية يقولون: يحرم أن يقتصر على أقل من ثلاث؛ لأمر النبي عليه الصلاة والسلام، وعلى هذا نقول: المستحب أن يغسل ثلاثاً أقل شيء، يغسله مرة ثم المرة الثانية ثم الثالثة، وهل يعيد السدر في كل مرة، أو نقول: بأن السدر تكون في الغسلة الأولى فقط؟

هذا موضع خلاف بين أهل العلم رحمهم الله، وظاهر الحديث: ( اغسلنها بماء وسدر ) أنه يعيد في كل مرة فيحضر ماءً ويضرب فيه السدر، هذا ظاهر الحديث الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم.

قال رحمه الله: (يمر في كل مرة يده على بطنه).

في كل مرة يمر الغاسل يده على بطنه، والغرض من ذلك والعلة -كما سبق لنا- لكي يخرج ما كان متهيئاً للخروج، فقد يكون هناك أشياء في بطن الميت متهيئة للخروج, فإذا أمر يده على بطنه فيخرج هذا المتهيئ.

تقدم أن ابن المنذر رحمه الله قال: ليس في عصر بطن الميت سنة تتبع، وعلى هذا لا حاجة إلى أن يمر يده على بطنه، وسيأتينا إن شاء الله أيضاً حكم ما لو خرج منه خارج؛ لأن هؤلاء العلماء -رحمهم الله- الذين قالوا: يمر يرون أنه إذا خرج منه خارج فإنك توضئه وقد تعيد غسله.

والصواب: أنه لا حاجة لمثل هذه الأشياء؛ لأن غسل الميت ليس لرفع الحدث وإنما هو للتنظيف، ولأن الموت ليس حدثاً، وإنما هو لتطهيره وتنظيفه وتقديمه إلى ربه بأحسن هيئة وحال، هذا هو المراد.

وسيأتينا -إن شاء الله- أنه إذا خرج منه خارج يكفي أن نغسل ذلك الخارج فقط، ولا حاجة إلى إعادة الوضوء أو إعادة الغسل. فالصواب فيما يتعلق بإمرار اليد على البطن أنه لا حاجة إليه.

قال رحمه الله: (فإن لم ينق بثلاث زيد حتى ينقى ولو جاوز السبع).

يعني: لو كان على الميت أوساخ، والمرض أضناه وكثرت أوساخه، وغسله الغاسل ثلاثاً ولم ينق بثلاث، أي: لم يتنظف بالثلاث، فإنه يزيد رابعة وجوباً؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( اغسلنها ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك ). ثم بعد ذلك يسن له أن يزيد الخامسة استحباباً.

يعني: إذا أنقى بأربع فإن السنة أن يبقى على وتر؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام: ( ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً )، وإذا لم ينق بخمس فإنه يزيد السادسة وجوباً، ثم بعد ذلك السابعة استحباباً، وهل يزيد على السبع أو لا يزيد على السبع؟

يقول رحمه الله: (ولو جاوز السبع).

وكذا قال المالكية، فالمالكية رحمهم الله يقولون: لا حد للعدد، وكذلك أيضاً الحنفية يقولون: ولو جاوز سبعاً ما دام أن هناك حاجة، وأيضاً الشافعية.

فالأئمة يتفقون على ذلك حتى ولو جاوز سبعاً ما دام أن هناك أوساخاً يحتاج إلى إزالتها فنقول: بأنه حتى ولو جاوز السبع، فيزيد وجوباً ما دام أنه بحاجة إلى الغسل، واستحباباً يبقى على وتر.

قال رحمه الله: (ويجعل في الغسلة الأخيرة كافوراً).

الكافور: نوع من الطيب ويكون على صفتين: منه ما هو قطع، ومنه ما يكون مسحوقاً -كما قد تقدم لنا في كتاب الطهارة- والفائدة من الكافور فائدتان:

الفائدة الأولى: أنه يصلب بدن الميت.

والفائدة الثانية: أنه يكسبه رائحةً طيبة, ويخرج عنه الهواء.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور خالد بن علي المشيقح - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح زاد المستقنع - كتاب الطهارة [17] 2818 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب النكاح [13] 2731 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب المناسك [5] 2678 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [19] 2645 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب البيع [26] 2640 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [32] 2558 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الأيمان [2] 2555 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الحدود [7] 2528 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الإيلاء [1] 2521 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [8] 2498 استماع