خطب ومحاضرات
شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [31]
الحلقة مفرغة
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [يكبر في الأولى بعد الإحرام والاستفتاح، وقبل التعوذ والقراءة ستاً، وفي الثانية: قبل القراءة خمساً، يرفع يديه مع كل تكبيرة، ويقول: الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً، وسبحان الله بكرة وأصيلاً، وصلى الله على محمد النبي وآله وسلم تسليماً كثيراً، وإن أحب قال غير ذلك، ثم يقرأ جهراً في الأولى بعد الفاتحة بسبح، وبالغاشية في الثانية، فإذا سلم خطب خطبتين كخطبتي الجمعة، يستفتح الأولى بتسع تكبيرات، والثانية بسبع، يحثهم في الفطر على الصدقة، ويبين لهم ما يخرجون، ويرغبهم في الأضحى في الأضحية، ويبين لهم حكمها، والتكبيرات الزوائد، والذكر بينها، والخطبتان سنة.
ويكره التنفل قبل الصلاة وبعدها في موضعها، ويسن لمن فاتته أو بعضها قضاؤها على صفتها، ويسن التكبير المطلق في ليلتي العيدين، وفي فطر آكد، وفي كل عشر ذي الحجة، والمقيد عقب كل فريضة في جماعة، في الأضحى: من صلاة الفجر يوم عرفة، وللمحرم من صلاة الظهر يوم النحر إلى عصر آخر أيام التشريق، وإن نسيه قضاه ما لم يحدث، أو يخرج من المسجد، ولا يسن عقب صلاة عيد، وصفته شفعاً: الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر، ولله الحمد].
تقدم لنا جملة من أحكام صلاة العيدين، فذكرنا من ذلك ما يتعلق بحكمها، وأن العلماء رحمهم الله اختلفوا في ذلك على ثلاثة آراء، وأن المشهور من مذهب الإمام أحمد: أنها فرض كفاية، وعند أبي حنيفة وهو ما اختاره شيخ الإسلام: أنها واجبة وجوباً عينياً، وعند مالك، والشافعي: أنها سنة، وذكرنا دليل كل رأي.
وأيضاً تقدم أن من الآداب التي تشرع في يومي العيدين ما يتعلق بالاغتسال، وقلنا بأنه ثابت عن الصحابة رضي الله عنهم كـابن عمر رضي الله تعالى عنهما، ومن الآداب أن يذهب من طريق ويرجع من طريق آخر، وأن يذهب إلى المصلى ماشياً، وأن يبكر، وذكرنا أن التبكير يبدأ من بعد صلاة الصبح.
ثم بعد ذلك ذكرنا هل يشترط إذن الإمام في إقامة صلاة العيد أو لا يشترط؟
والكلام في هذه المسألة كالكلام في صلاة الجمعة، وعرفنا أنه لا يشترط في إقامتها إذن الإمام إلا في حالتين:
الحالة الأولى: فيما يتعلق بالتعدد، فتعدد الجمعة لا بد فيه من إذن إمام، وكذلك تعدد العيدين لا بد فيه من إذن الإمام؛ لأن التعدد لا يصار إليه إلا لحاجة، وهذه الحاجة تحتاج إلى اجتهاد من الإمام.
الحالة الثانية: إذا كان هناك ترتيب ونظام مسنون من قبل الهيئات الرسمية، فإنه يتبع ما يتعلق بهذا النظام.
عدد تكبيرات العيد ورفع اليدين فيها
والشافعية يقولون: يكبر سبعاً دون تكبيرة الإحرام، وفي الثانية خمساً دون تكبيرة الانتقال.
وعند أبي حنيفة : أنه يكبر ثلاثاً زوائد في الأولى، وثلاثاً زوائد في الثانية.
وقد ورد من حديث عائشة رضي الله عنها، وله شاهد من حديث ابن عمر، وابن عباس، وابن عوف، وأبي هريرة، وأبي واقد الليثي رضي الله تعالى عن الجميع، والأمر في هذا واسع، إما أن نقول برأي الشافعية: يكبر سبعاً في الأولى دون تكبيرة الإحرام، أو نقول برأي الحنابلة: يكبر سبعاً مع تكبيرة الإحرام، وفي الثانية: يكبر خمساً زوائد دون تكبيرة الانتقال.
قال رحمه الله تعالى: (يكبر في الأولى بعد الإحرام والاستفتاح وقبل التعوذ والقراءة ستاً..).
يعني: يكبر تكبيرة الإحرام، ثم بعد ذلك يستفتح؛ لأن الاستفتاح أليق بتكبيرة الإحرام؛ فيشرع في بدء الصلاة، إذ إنه ثناء على الله عزّ وجل، فناسب أن يكون بعد تكبيرة الإحرام مباشرة قبل التكبيرات الزوائد، ثم بعد ذلك يكبر التكبيرات الزوائد قبل أن يستعيذ ويبسمل؛ لأن الاستعاذة والبسملة تليق بالقراءة، فناسب أن تكون الاستعادة والبسملة بعد التكبيرات الزوائد وقبل القراءة، وبهذا نفهم أن تكبيرات الزوائد تكون بين الاستفتاح وبين التعوذ والبسملة.
قال رحمه الله تعالى: (يرفع يديه مع كل تكبيرة).
ما ذهب إليه المؤلف، هو قول الأئمة الثلاثة، في تكبيرة الإحرام وتكبيرات الزوائد يرفع يديه مع كل تكبيرة، وقد ورد في ذلك حديث وائل بن حجر (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه مع التكبير)، قال الإمام أحمد رحمه الله: أرى أن يدخل فيه هذا كله؛ لكن هذا الحديث ضعيف، وإن حسنه بعض أهل العلم، وكذلك ورد عن عمر رضي الله عنه الرفع في تكبيرات الجنائز والعيدين؛ لكن الأثر الوارد عن عمر ضعيف لا يثبت.
وورد عن زيد بن ثابت رضي الله عنه، ويقاس على ذلك كما سيأتينا حديث ابن عمر : (أن النبي صلى الله عليه وسلم:كان يرفع يديه في تكبيرة الجنائز)، وهذا الحديث رواه الدارقطني، وصححه الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله، وقد ورد عن ابن عباس، وزيد، وابن عمر، من الصحابة رضي الله عنهم، كما سيأتينا في صلاة الجنازة.
الخلاصة في ذلك أن نقول: إنه يشرع الرفع في التكبيرات كلها، والدليل على ذلك حديث وائل بن حجر وورد عن ابن عمر، وزيد بن ثابت رضي الله عنهم: القياس على الرفع في تكبيرة الجنائز.
أما أبو حنيفة رحمه الله فقال: يرفع يديه في تكبيرة الإحرام، وما عدا ذلك لا يرفع، والصواب في هذه المسألة رأي الأئمة الثلاثة أنه يرفع يديه في التكبيرات كلها؛ لأنك لو استقرأت السنة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الفريضة تجد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه عند تكبيرة الإحرام، وعند الركوع، والتكبيرات الزوائد نجد أنها بين الحالتين:
فالنبي صلى الله عليه وسلم في بدء الصلاة رفع يديه، وعند نهاية الركعة رفع يديه، فما بين التكبيرتين رفع الأيدي فيه أقرب إلى السنة من ترك الرفع.
صفة الذكر بين التكبيرات في العيدين
يقول هذا الذكر ولا يتعين، فإذا رفعت يديك فلك أن تقول: الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً، وسبحان الله بكرة وأصيلاً، الله أكبر، ولك أن تقول ذكراً غيره، نحو: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، ودليل هذا: ما ورد عن ابن مسعود رضي الله عنه، قال: بين كل تكبيرتين كلمة، وهذا الأثر أخرجه البيهقي، وإسناده حسن إلى ابن مسعود رضي الله عنه، وهذا هو المشهور من المذهب، وهو مذهب الشافعية، خلافاً لـأبي حنيفة ومالك .
واستدلوا بأنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء؛ لكن ما دام أنه قد ثبت عن ابن مسعود رضي الله عنه، ولم يرد عن صحابيّ خلافه، فإن الأمر في هذا واسع، وعلى هذا لو أن الإنسان أخذ بما ذهب إليه المؤلف -وقد قال به: الشافعي، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فيحمد الله ويثنى عليه، ويذكر الله- فيرجى له الأجر عند الله لوروده عن ابن مسعود، ولكنه لا يتعين، فإذا قلت: الله أكبر، اللهم صل على محمد، الله أكبر، الحمد لله، سبحان الله، والله أكبر، جاز.
قال رحمه الله: (وإن أحب قال غير ذلك).
لأن ابن مسعود قال: بين كل تكبيرتين كلمة، وهذا يشمل ما ذكره المؤلف، ويشمل غيره من الأذكار.
صفة القراءة في العيدين
هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الصلوات التي تكون في المجامع التي ويجتمع لها الناس، نجد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجهر فيها، وإلا فالأصل أن صلاة النهار عجماء؛ لكن ما يتعلق بصلاة المجامع نجد أنه كان يجهر فيها، كصلاة العيدين والجمعة، وصلاة الكسوف، وصلاة الاستسقاء... إلخ.
قال رحمه الله: (يقرأ بعد الفاتحة بسبح، وبالغاشية في الثانية).
القراءة في صلاة العيدين ورد لها سنتان:
السنة الأولى: أن يقرأ في الركعة الأولى بسبح، والثانية بالغاشية.
السنة الثانية: أن يقرأ في الركعة الأولى بسورة: ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ [ق:1]، وفي الركعة الثانية ب: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ [القمر:1]، هاتان سنتان واردتان عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكما سلف في القاعدة التي ذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فيما يتعلق بالسنن التي وردت على وجوه متنوعة: أنه يستحب أن يأتي بهذه السنة تارة، وبهذه السنة تارة أخرى.
ثم بعد ذلك ذكر المؤلف رحمه الله ما يتعلق بالتكبيرات، وذكر أنه يشرع في صلاة العيدين تكبيرات زوائد، وهذه الزوائد اختلف فيها العلماء رحمهم الله، فالمشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله: أنها ست في الركعة الأولى دون تكبيرة الإحرام، وفي الركعة الثانية يكبر خمساً دون تكبيرة الانتقال.
والشافعية يقولون: يكبر سبعاً دون تكبيرة الإحرام، وفي الثانية خمساً دون تكبيرة الانتقال.
وعند أبي حنيفة : أنه يكبر ثلاثاً زوائد في الأولى، وثلاثاً زوائد في الثانية.
وقد ورد من حديث عائشة رضي الله عنها، وله شاهد من حديث ابن عمر، وابن عباس، وابن عوف، وأبي هريرة، وأبي واقد الليثي رضي الله تعالى عن الجميع، والأمر في هذا واسع، إما أن نقول برأي الشافعية: يكبر سبعاً في الأولى دون تكبيرة الإحرام، أو نقول برأي الحنابلة: يكبر سبعاً مع تكبيرة الإحرام، وفي الثانية: يكبر خمساً زوائد دون تكبيرة الانتقال.
قال رحمه الله تعالى: (يكبر في الأولى بعد الإحرام والاستفتاح وقبل التعوذ والقراءة ستاً..).
يعني: يكبر تكبيرة الإحرام، ثم بعد ذلك يستفتح؛ لأن الاستفتاح أليق بتكبيرة الإحرام؛ فيشرع في بدء الصلاة، إذ إنه ثناء على الله عزّ وجل، فناسب أن يكون بعد تكبيرة الإحرام مباشرة قبل التكبيرات الزوائد، ثم بعد ذلك يكبر التكبيرات الزوائد قبل أن يستعيذ ويبسمل؛ لأن الاستعاذة والبسملة تليق بالقراءة، فناسب أن تكون الاستعادة والبسملة بعد التكبيرات الزوائد وقبل القراءة، وبهذا نفهم أن تكبيرات الزوائد تكون بين الاستفتاح وبين التعوذ والبسملة.
قال رحمه الله تعالى: (يرفع يديه مع كل تكبيرة).
ما ذهب إليه المؤلف، هو قول الأئمة الثلاثة، في تكبيرة الإحرام وتكبيرات الزوائد يرفع يديه مع كل تكبيرة، وقد ورد في ذلك حديث وائل بن حجر (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه مع التكبير)، قال الإمام أحمد رحمه الله: أرى أن يدخل فيه هذا كله؛ لكن هذا الحديث ضعيف، وإن حسنه بعض أهل العلم، وكذلك ورد عن عمر رضي الله عنه الرفع في تكبيرات الجنائز والعيدين؛ لكن الأثر الوارد عن عمر ضعيف لا يثبت.
وورد عن زيد بن ثابت رضي الله عنه، ويقاس على ذلك كما سيأتينا حديث ابن عمر : (أن النبي صلى الله عليه وسلم:كان يرفع يديه في تكبيرة الجنائز)، وهذا الحديث رواه الدارقطني، وصححه الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله، وقد ورد عن ابن عباس، وزيد، وابن عمر، من الصحابة رضي الله عنهم، كما سيأتينا في صلاة الجنازة.
الخلاصة في ذلك أن نقول: إنه يشرع الرفع في التكبيرات كلها، والدليل على ذلك حديث وائل بن حجر وورد عن ابن عمر، وزيد بن ثابت رضي الله عنهم: القياس على الرفع في تكبيرة الجنائز.
أما أبو حنيفة رحمه الله فقال: يرفع يديه في تكبيرة الإحرام، وما عدا ذلك لا يرفع، والصواب في هذه المسألة رأي الأئمة الثلاثة أنه يرفع يديه في التكبيرات كلها؛ لأنك لو استقرأت السنة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الفريضة تجد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه عند تكبيرة الإحرام، وعند الركوع، والتكبيرات الزوائد نجد أنها بين الحالتين:
فالنبي صلى الله عليه وسلم في بدء الصلاة رفع يديه، وعند نهاية الركعة رفع يديه، فما بين التكبيرتين رفع الأيدي فيه أقرب إلى السنة من ترك الرفع.
قال رحمه الله: (ويقول: الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً، وسبحان الله بكرة وأصيلاً، وصلى الله على محمد النبي وآله وسلم تسليماً كثيراً).
يقول هذا الذكر ولا يتعين، فإذا رفعت يديك فلك أن تقول: الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً، وسبحان الله بكرة وأصيلاً، الله أكبر، ولك أن تقول ذكراً غيره، نحو: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، ودليل هذا: ما ورد عن ابن مسعود رضي الله عنه، قال: بين كل تكبيرتين كلمة، وهذا الأثر أخرجه البيهقي، وإسناده حسن إلى ابن مسعود رضي الله عنه، وهذا هو المشهور من المذهب، وهو مذهب الشافعية، خلافاً لـأبي حنيفة ومالك .
واستدلوا بأنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء؛ لكن ما دام أنه قد ثبت عن ابن مسعود رضي الله عنه، ولم يرد عن صحابيّ خلافه، فإن الأمر في هذا واسع، وعلى هذا لو أن الإنسان أخذ بما ذهب إليه المؤلف -وقد قال به: الشافعي، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فيحمد الله ويثنى عليه، ويذكر الله- فيرجى له الأجر عند الله لوروده عن ابن مسعود، ولكنه لا يتعين، فإذا قلت: الله أكبر، اللهم صل على محمد، الله أكبر، الحمد لله، سبحان الله، والله أكبر، جاز.
قال رحمه الله: (وإن أحب قال غير ذلك).
لأن ابن مسعود قال: بين كل تكبيرتين كلمة، وهذا يشمل ما ذكره المؤلف، ويشمل غيره من الأذكار.
قال رحمه الله: (ثم يقرأ جهراً: في الأولى بعد الفاتحة بسبح، وبالغاشية في الثانية).
هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الصلوات التي تكون في المجامع التي ويجتمع لها الناس، نجد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجهر فيها، وإلا فالأصل أن صلاة النهار عجماء؛ لكن ما يتعلق بصلاة المجامع نجد أنه كان يجهر فيها، كصلاة العيدين والجمعة، وصلاة الكسوف، وصلاة الاستسقاء... إلخ.
قال رحمه الله: (يقرأ بعد الفاتحة بسبح، وبالغاشية في الثانية).
القراءة في صلاة العيدين ورد لها سنتان:
السنة الأولى: أن يقرأ في الركعة الأولى بسبح، والثانية بالغاشية.
السنة الثانية: أن يقرأ في الركعة الأولى بسورة: ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ [ق:1]، وفي الركعة الثانية ب: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ [القمر:1]، هاتان سنتان واردتان عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكما سلف في القاعدة التي ذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فيما يتعلق بالسنن التي وردت على وجوه متنوعة: أنه يستحب أن يأتي بهذه السنة تارة، وبهذه السنة تارة أخرى.
قال رحمه الله: (فإذا سلم خطب خطبتين كخطبتي الجمعة).
تقدم ما يتعلق بالخطبة، هل تكون الخطبة قبل الصلاة، أو تكون بعد الصلاة؟
وذكرنا أن هدي النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر، وعمر، وعثمان: أنهم كانوا يخطبون بعد الصلاة، وذكرنا أن ما ورد عن عمر، وعثمان رضي الله عنهما من الخطبة قبل الصلاة أنه شاذ، ولا يثبت عنهما رضي الله عنهما؛ لأنه مخالف لما ورد في الصحيحين عنهما.
وقول المؤلف رحمه الله: (خطبتين)، هذا باتفاق الأئمة الأربعة، فالمذاهب الأربعة كلها تنصّ على أن خطبة العيدين خطبتان، ويستدل لذلك بحديث جابر رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوم فطر، أو أضحى، فخطب قائماً ثم قعد، ثم قام)، فظاهره أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب خطبتين؛ لكن هذا الحديث ضعيف؛ ويمكن أن نستدل على ذلك بما ثبت في الصحيح من حديث أبي سعيد رضي الله تعالى عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب الناس، ثم ذهب متوكئاً على
خطبة للرجال وخطبة للنساء، وعلى هذا نقول: من يخطب في صلاة العيدين خطبتين، فإنه يشرع له أن يخصص الثانية ويجعل جملة كبيرة من التوجيهات والأحكام خاصة بالنساء، لكي يكون متبعاً لهدي النبي صلى الله عليه وسلم.
قال رحمه الله: (يستفتح الأولى بتسع تكبيرات، والثانية بسبعٍ).
يعني: الخطبة الأولى يستفتحها بتسع تكبيرات، فإذا أراد أن يخطب قال: الله أكبر الله أكبر تسع تكبيرات، وفي الثانية يستفتحها بسبع، الله أكبر الله أكبر... إلخ، ويستدلون له بحديث عبيد الله بن عبد الله بن عتبة الذي أخرجه سعيد بن منصور في سننه، وهو حديث ضعيف لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكما سلف أن ابن القيم رحمه الله تعالى يقول: لم يحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه افتتح خطبة من خطبه الراتبة أو العارضة بغير الحمدلة، فهدي النبي صلى الله عليه وسلم أنه يفتتح خطبه بالحمدلة، وعلى هذا نقول: يفتتح خطبة العيدين بالحمدلة كسائر خطبه.
قال رحمه الله: (يحث في الفطر على الصدقة، ويبين لهم ما يخرجون).
في خطبة الفطر يحثهم على صدقة الفطر، ويبين لهم ما يخرجون، يعني: جنس الصدقة الذي يشرع إخراجه؛ لكن في هذا الكلام نظر؛ لأن زكاة الفطر انتهى وقتها، لهذا شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم رحمهما الله يقولان: من أخر صدقة الفطر إلى ما بعد صلاة العيد عمداً بلا عذر، فإنها لا تقبل، وتكون صدقة من الصدقات.
فكيف يحثهم على صدقة الفطر، وقد انتهى وقتها وإخراجها بعد الصلاة لا يجوز؟! وقد تقدم عن الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله: أن ركن الخطبة أن يأتي الخطيب بما يفيد الناس من الوعظ والتذكير والأحكام التي يحتاجونها، وما يتعلق بتحريك القلوب إلى الله عزّ وجل، ورفع الجهل عن الناس... إلخ، فنقول: يأتي بما يحتاجه الناس، ويتلمس ما يقعون فيه من مخالفات وذنوب ونحو ذلك فيخطبهم ويحذرهم.
قال رحمه الله: (ويرغبهم في الأضحى في الأضحية، ويبين لهم حكمها).
وهذا صحيح؛ لأن وقت الذبح يمتد بعد يوم العيد ثلاثة أيام، كما رواه الشافعية، فجميع أيام التشريق وقت للذبح، فله أن يذبح في اليوم الحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر، فلا بأس أن يخصص في عيد الأضحى جزءاً من الخطبة بما يتعلق بالأضحية، فيبين فضل الأضحية، ويبين شروط وسنن ما يضحى به، وما يتعلق بسلامتها من العيوب، وما يتعلق بجنسها... إلخ.
قال رحمه الله: (والتكبيرات الزوائد، والذكر بينها، والخطبتان سنة).
وعلى هذا لو أنه صلى ركعتين كصلاة الفجر، ولم يكبر تكبيرات الزوائد فإن صلاته صحيحة، حتى لو ترك ذلك عمداً، والدليل على أنها سنة دليلان:
الدليل الأول: أنه لم يرد فيها أمر عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما هو مجرد فعل عن النبي صلى الله عليه وسلم.
الدليل الثاني: أن هذه التكبيرات زائدة على التكبيرات في الصلاة العادية، فيتبين لنا أن هذه التكبيرات سنة وليست واجبة.
وكذلك أيضاً: الذكر بين هذه التكبيرات يعدّ سنة؛ لأنه تابع لهذه التكبيرات.
قال رحمه الله: (والخطبتان).
الخطبتان سنة، وعلى هذا لو أن الإمام جاء وصلى ركعتين بالناس ولم يخطب بهم فإن الصلاة صحيحة، بخلاف الجمعة فالخطبتان شرط لصحتها، لو لم يخطب ما صحت الجمعة، ودليلهم على ذلك: أن هاتين الخطبتين لا يجب استماعهما، لحديث عبد الله بن السائب: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إنا نخطب، فمن أحب أن يجلس فليجلس، ومن أحب أن ينصرف فلينصرف )، أخرجه ابن ماجه، ورجال إسناده ثقات، قالوا: فما دام أنه لا يجب الاستماع، وأن المأموم له أن ينصرف، فيدل على أن الخطبتين سنة وليستا واجبتين.
والرأي الثاني: أنها واجبة على الإمام، لمداومة النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، وكذلك الخلفاء داوموا عليها، ولئلا ينفض هذا الجمع بغير تذكير ووعظ وإرشاد وتعليم، وكون المأموم لا يجب عليه أن يستمع هذا لا يدل على عدم الوجوب، فالإمام يجب عليه أن يخطب إن بقي عنده أحد، وإن لم يبق لا يجب عليه.
قال رحمه الله: (ويكره التنفل قبل الصلاة وبعدها في موضعها).
هذه المسألة كثر فيها كلام العلماء رحمهم الله، واختلفت آثار الصحابة رضي الله عنهم فيما يتعلق بفعل النافلة قبل صلاة العيد وبعد صلاة العيد، هل هذا مشروع أو ليس مشروعاً؟
والمؤلف رحمه الله تعالى يقول: يكره أن تتنفل قبل الصلاة وبعدها، فإذا جئت إلى المصلى فإنك تجلس مباشرةً ولا تتنفل، وإذا انتهت الصلاة فإنك تخرج مباشرةً ولا تتنفل، واستدلوا على ذلك بحديث ابن عباس قال: (خرج النبي صلى الله عليه وسلم يوم العيد فصلى ركعتين لم يصل قبلهما ولا بعدهما)، رواه البخاري ومسلم، ولهذا قال الزهري رحمه الله تعالى: لم أسمع أحداً من علمائنا يذكر أن أحداً من سلف هذه الأمة كان يصلي قبل صلاة العيد ولا بعدها.
والرأي الثاني: رأي الشافعي رحمه الله: أن التنفل قبلها وبعدها غير مكروه، وقالوا: هذا وراد عن طوائف من الصحابة فلا يكره إلا للإمام، وقد وردت هذه النافلة عن أنس وبريدة، ورافع بن خديج، وسهل بن سعد، وابن مسعود، وعلي بن أبي طالب، وغيرهم من الصحابة.
والخلاصة في ذلك أن صلاة العيدين لا تخلو من أمرين:
الأمر الأول: أن تقام في المسجد، فإذا أقيمت في المسجد فإنه تشرع تحية المسجد قبل الصلاة؛ لحديث أبي قتادة: (إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين)، ولو كان وقت نهي؛ لأنه كما سلف لنا أن تحية المسجد من ذوات الأسباب، وأن ذوات الأسباب تشرع في أوقات النهي، وما عدا هاتين الركعتين غير مشروع؛ لكنه لو تنفل فلا بأس، شريطة أن يكون في غير وقت نهي، فالمشروع أن يشتغل بعبادة الوقت، وهي التكبير، فإذا تنفل وقد زال وقت النهي، فالأصل الحل.
أما بعد الصلاة فجائز ولا بأس به، فلو صلى الضحى بعد ذلك فجائز ولا بأس به، وإن كان الأولى أن تصلى في البيت؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يصلي قبلها ولا بعدها؛ لكن الأصل في ذلك الحل، هذه الحالة الأولى إذا أقيمت في المسجد.
الحالة الثانية: أن تقام في المصلى، فإذا أقيمت في المصلى فلا يأتي بالتحية، وإنما يأتي ويجلس؛ لأن مصلى العيد لا يأخذ حكم المساجد، فإن كان وقت نهي فلا يجوز لك أن تتنفل؛ لأنه ليس هناك تحية مسجد؛ لكن لو كان وقت النهي قد ذهب وزال، وأراد الإنسان أن يصلى ركعتين، فهذا لا بأس به، ولكن لا على أنها تحية مسجد، وأما بعد الصلاة فكما تقدم أن الأولى أن الإنسان لا يصلي، وأن يصلي في بيته، فلو صلى فإن الأصل في ذلك الحل.
استمع المزيد من الشيخ الدكتور خالد بن علي المشيقح - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
شرح زاد المستقنع - كتاب الطهارة [17] | 2816 استماع |
شرح زاد المستقنع - كتاب النكاح [13] | 2730 استماع |
شرح زاد المستقنع - كتاب المناسك [5] | 2676 استماع |
شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [19] | 2643 استماع |
شرح زاد المستقنع - كتاب البيع [26] | 2638 استماع |
شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [32] | 2556 استماع |
شرح زاد المستقنع - كتاب الأيمان [2] | 2553 استماع |
شرح زاد المستقنع - كتاب الحدود [7] | 2526 استماع |
شرح زاد المستقنع - كتاب الإيلاء [1] | 2520 استماع |
شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [8] | 2497 استماع |