شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [23]


الحلقة مفرغة

قال الحجاوي رحمه الله تعالى في زاد المستقنع: [ولا عاجز عن ركوع أو سجود أو قعود أو قيام, إلا إمام الحي المرجو زوال علته، ويصلون وراءه جلوساً ندباً، فإن ابتدأ بهم قائماً ثم اعتل فجلس أتموا خلفه قياماً وجوباً، وتصح خلف من به سلس البول بمثله، ولا تصح خلف محدث ولا متنجس يعلم ذلك، فإن جهل هو والمأموم حتى انقضت صحت لمأموم وحده، ولا إمامة الأمي, وهو من لا يحسن الفاتحة, أو يدغم فيها ما لا يدغم، أو يبدل حرفاً, أو يلحن فيها لحناً يحيل المعنى إلا بمثله، وإن قدر على إصلاحه لم تصح صلاته، وتكره إمامة اللحان والفأفاء والتمتام, ومن لا يفصح ببعض الحروف، وأن يؤم أجنبية فأكثر لا رجل معهن، أو قوماً أكثرهم يكرهه بحق، وتصح إمامة ولد الزنا والجندي إذا سلم دينهما، ومن يؤدي الصلاة بمن يقضيها وعكسه, لا مفترض بمتنفل، ولا من يصلي الظهر لمن يصلي العصر, أو غيرها].

تقدم لنا شيء من أحكام الإمامة والإتمام، وذكرنا من ذلك ما يتعلق بأحوال المأموم مع الإمام، وذكرنا بأن أحواله أربع حالات:

الأولى: المسابقة.

والثانية: التخلف.

والثالثة: الموافقة.

والرابعة: المتابعة، وذكرنا أن المتابعة هي السنة المشروعة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وذكرنا ضابطها.

وتكلمنا أيضاً عمن هو الأولى بالإمامة، وأن هذا مراتب كما جاء في السنة، الأولى هو الأقرأ، وذكرنا من المراد بالأقرأ, ثم بعد ذلك الأعلم بالسنة، والمراد بذلك ما يتعلق بأحكام الصلاة، ثم بعد ذلك الأقدم هجرة، ثم بعد ذلك الأتقى، ثم بعد الأتقى الأسن، ثم بعد ذلك من يرضاه الجيران، ثم بعد ذلك القرعة.

ثم قال المؤلف رحمه الله: (ولا عاجز عن ركوع أو سجود أو قعود أو قيام, إلا إمام الحي المرجو زوال علته).

هنا شرع المؤلف رحمه الله في حكم إمامة العاجز عن ركن من أركان الصلاة أو شرطٍ من شروطها، ولما تقدم الكلام عن أحكام بعض الأئمة؛ كإمامة الصبي، وإمامة المرأة، وإمامة الأخرس، وإمامة الكافر، وإمامة الفاسق ذكر المؤلف رحمه الله تعالى ما يتعلق بإمامة العاجز عن ركن من أركان الصلاة أو شرط من شروطها.

إمامة العاجز عن ركن من أركان الصلاة غير القيام

إمامة العاجز عن ركن من أركان الصلاة لا يخلو من قسمين:

القسم الأول: أن يكون عجزه عن ركن الركوع أو السجود أو القعود، فهل تصح إمامته أو لا تصح إمامته؟ للعلماء رحمهم الله تعالى في ذلك رأيان:

الرأي الأول: أن إمامته غير صحيحة، وهو ما مشى عليه المؤلف، وهو المذهب، ويستدلون على ذلك: بأن صلاته ناقصة، وصلاة من خلفه كاملة، ولا يبنى الكامل على الناقص، وهذا قول جمهور أهل العلم، وعلى هذا إذا كان لا يستطيع أن يسجد وإنما يومئ إيماء، أو لا يستطيع أن يركع فيومئ بالركوع إيماء أو لا يستطيع أن يقعد يقول المؤلف رحمه الله: لا تصح إمامته.

الرأي الثاني رأي الشافعي رحمه الله: أن إمامته صحيحة؛ لعموم الأدلة، مثل: ( يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله )، وحديث أبي مسعود كما سلف، وحديث أبي سعيد أيضاً: ( إذا كانوا ثلاثة فليؤمهم أحدهم، وأحقهم بالإمامة أقرؤهم )، وهذان الحديثان في صحيح مسلم.

فهذه الأحاديث تدل على اعتبار القراءة، وأن الأقرأ هو الأولى بالإمامة، وهذا يشمل ما إذا كان قادراً على الركوع والسجود والقعود أو كان غير قادر، وهذا هو الصواب في هذه المسألة.

ويؤيد ذلك ما سيأتينا إن شاء الله من دلالة السنة على صحة إمامة العاجز عن ركن القيام، فكذلك أيضاً الركوع والسجود... إلى آخره.

إمامة العاجز عن القيام

القسم الثاني: أن يكون عاجزاً عن ركن القيام فيقول المؤلف رحمه الله: (إلا إمام الحي المرجو زوال علته).

أي: إذا كان عاجزاً عن ركن القيام فتصح صلاته بشرطين:

الشرط الأول: أن يكون هذا الإمام هو إمام الحي، يعني: الإمام الراتب.

الشرط الثاني: أن يرجى زوال علته، فإذا كانت علته لا يرجى زوالها فإن إمامته لا تصح.

وعلى هذا لو أن إمام الحي مرض وأصبح لا يستطيع أن يقوم، ومرضه يرجى زواله فنقول بأن إمامته صحيحة.

ولو كان غير إمام الحي فمثلاً: لو كان ثلاثة في نزهة أو أربعة ومعهم زميل لهم قارئ, لكنه مريض لا يستطيع أن يقوم، هل يؤمهم أو نقول بأنه لا يؤمهم؟

نقول: لا يؤمهم؛ لأنه تخلف شرط, فليس هو إمام الحي.

وكذلك أيضاً لا بد أن تكون هذه العلة يرجى زوالها، وإذا كانت هذه العلة لا يرجى زوالها فلا تصح إمامته, مثلاً: إمام الحي أصبح كبيراً لا يقدر على أن يصلي قائماً لكبره، أو لمرض مزمن لا يرجى زواله، فنقول: بأن إمامته لا تصح.

فالمؤلف رحمه الله يقول لك: الذي يعجز عن ركن القيام تصح إمامته بهذين الشرطين، وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله تعالى.

ودليلهم على أنها تصح فعل النبي عليه الصلاة والسلام كما في حديث أنس رضي الله عنه: أنه صلى الله عليه وسلم ركب فرساً فصرع، فجحش شقه الأيمن، فصلى بهم وهو قاعد، فصلوا وراءه قعوداً، فقالوا: النبي صلى الله عليه وسلم هو الإمام الراتب، وعلته يرجى زوالها.

والرأي الثاني في المسألة -أن إمامته لا تصح مطلقاً- هو المشهور من مذهب الإمام مالك رحمه الله تعالى؛ لما تقدم أنهم يقولون: بأن صلاته ناقصة، وصلاة المأمومين كاملة، والكامل لا يبنى على الناقص.

والرأي الثالث رأي الشافعي وأيضاً قال به أبو حنيفة : أن إمامته صحيحة مطلقاً؛ لعمومات الأدلة، كما تقدم ( يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله ). حديث أبي مسعود في مسلم.

وتقدم لنا حديث أبي سعيد , وإمامة عمرو بن سلمة ، وإمامة سالم مولى أبي حذيفة ... إلى آخره.

وهذا القول -ما ذهب إليه الشافعي وأبو حنيفة- هو الصواب، وعلى هذا لا نشترط شيئاً، فنقول: إمامة من عجز عن القيام صحيحة، سواء كان الإمام الراتب أو لا، وسواء كانت علته يرجى زوالها أو لا يرجى زوالها؛ لعموم الأدلة.

لكن كما أسلفنا الإمامة شيء، وترتيبه إماماً راتباً شيء آخر، فنقول: لو صلى بالناس حتى ولو كان غير الإمام الراتب نقول: بأن صلاته صحيحة، لكن كوننا نرتبه إماماً هذا فيه شيء، وخصوصاً أنه إذا افتتح الصلاة جالساً فإنهم يصلون خلفه جلوساً كما سيأتي.

والخلاصة في هذه المسألة: أن العاجز عن ركن الركوع أو السجود أو القعود إمامته صحيحة مطلقاً، وكذلك أيضاً العاجز عن ركن القيام نقول: بأن إمامته صحيحة.

كيفية صلاة المأموم خلف إمام صلى جالساً لعذر

قال المؤلف رحمه الله: (ويصلون وراءه جلوساً ندباً، فإن ابتدأ بهم قائماً ثم اعتل فجلس أتموا خلفه قياماً وجوباً). يقول المؤلف رحمه الله: يصلون وراءه جلوساً ندباً.

إذا كان الإمام لا يستطيع القيام، فإنه سيصلي جالساً، فهل يصلي المأمومون جلوساً, أو يصلون قياماً؟

المشهور من المذهب التفصيل في المسألة، وهو إن افتتح بهم الصلاة قائماً فإنهم يصلون خلفه قياماً, وإن افتتح الصلاة بهم جالساً فإنهم يصلون خلفه جلوساً، هذا ما ذهب إليه الإمام أحمد رحمه الله، جمعاً بين الأدلة.

ودليلهم على ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما مرض وتخلف، وقال: ( مروا أبا بكر فليصل بالناس ). شرع أبو بكر يصلي بالصحابة رضي الله عنهم، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم حصل له نشاط، وخرج وأتم بهم الصلاة، وكان الصحابة رضي الله تعالى عنهم يصلون قياماً. فنأخذ من هذا أنه إذا افتتح فيهم الصلاة قائماً فإنهم يصلون خلفه قياماً؛ لأن أبا بكر رضي الله عنه افتتح الصلاة بهم قائماً.

وإن افتتح الصلاة بهم جالساً فإنهم يصلون خلفه جلوساً؛ لما ذكرنا من حديث أنس رضي الله تعالى عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم ركب فرساً فصرع فجحش شقه الأيمن، فصلى بهم صلاة من الصلوات وهو جالس، وصلوا وراءه جلوساً.

وأيضاً حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا صلى جالساً فصلوا جلوساً أجمعون ). متفق عليه. ففي هذا جمع بين الأدلة كما ذهب إليه المؤلف رحمه الله.

وجمهور العلماء يقولون: الإمام الراتب إذا صلى جالساً فإن المأمومين يصلون خلفه قياماً، والمذهب التفصيل كما تقدم، وعند الجمهور أنهم يصلون خلفه قياماً، ويستدلون على هذا بفعل الصحابة رضي الله تعالى عنهم لما صلوا خلف النبي صلى الله عليه وسلم قياماً كما ذكرنا، مرض النبي صلى الله عليه وسلم وقال: ( مروا أبا بكر فليصل بالناس )، فوجد النبي صلى الله عليه وسلم نشاطاً, ثم خرج وأتم بالصحابة رضي الله تعالى عنهم الصلاة، وكانوا يصلون خلفه قياماً.

فقالوا: هذا الحديث ناسخ لحديث أنس الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: ( وإذا صلى جالساً فصلوا خلفه جلوساً أجمعون ).

والصواب في هذا: ما ذهب إليه الإمام أحمد رحمه الله، وأنه لا يصار إلى النسخ إلا إذا تعذر الجمع، وهنا جمع الإمام رحمه الله جمعاً حسناً، أنه إن افتتح الصلاة فيهم قائماً فإنهم يصلون خلفه قياماً، وإن افتتحها جالساً فإنهم يصلون خلفه جلوساً.

وأيضاً كيف نقول: إنهم يصلون خلفه قياماً إذا افتتح بهم الصلاة جالساً, وقد نهي المأموم أن يخالف إمامه؟

والنبي صلى الله عليه وسلم أشار للصحابة رضي الله تعالى عنهم لما صلوا خلفه قياماً وقد افتتح بهم الصلاة جالساً أشار لهم أن اجلسوا، وبين الحكمة من عدم قيامهم, وأنهم يشابهون الأعاجم في قيامهم على ملوكهم.

فتلخص لنا أنهم يصلون خلفه جلوساً إذا افتتح الصلاة جالساً.

وهل صلاتهم جلوساً على سبيل الندب أو على سبيل الوجوب؟ قال المؤلف رحمه الله: ندباً، يعني: أن هذا ليس واجباً، وإنما يصلون خلفه جلوساً على سبيل الندب، وليس واجباً، وهذا هو المذهب.

الرأي الثاني وهو الرواية الثانية عن الإمام أحمد رحمه الله: أنهم يصلون خلفه جلوساً على سبيل الوجوب، ويدل لذلك الأمر، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا صلى جالساً فصلوا جلوساً أجمعون )، وهذا أمر، والأصل في الأمر الوجوب.

وأيضاً ما تقدم أن النبي صلى الله عليه وسلم بين الحكمة من النهي, بأنهم كادوا أن يشابهوا الأعاجم في قيامهم على ملوكهم، فالقول بأنهم يصلون خلفه جلوساً إذا افتتح الصلاة بهم جالساً هو القول الأقرب.

أما إن افتتح الصلاة بهم قائماً فيصلوا خلفه قياماً على سبيل الوجوب.

ففي المسألة الأولى يصلون جلوساً على سبيل الوجوب على الصحيح، وفي المسألة الثانية يصلون قياماً على سبيل الوجوب على الصحيح، ولهذا قال المؤلف: (ثم اعتل فجلس أتموا خلفه قياماً وجوباً).

إمامة العاجز عن ركن من أركان الصلاة لا يخلو من قسمين:

القسم الأول: أن يكون عجزه عن ركن الركوع أو السجود أو القعود، فهل تصح إمامته أو لا تصح إمامته؟ للعلماء رحمهم الله تعالى في ذلك رأيان:

الرأي الأول: أن إمامته غير صحيحة، وهو ما مشى عليه المؤلف، وهو المذهب، ويستدلون على ذلك: بأن صلاته ناقصة، وصلاة من خلفه كاملة، ولا يبنى الكامل على الناقص، وهذا قول جمهور أهل العلم، وعلى هذا إذا كان لا يستطيع أن يسجد وإنما يومئ إيماء، أو لا يستطيع أن يركع فيومئ بالركوع إيماء أو لا يستطيع أن يقعد يقول المؤلف رحمه الله: لا تصح إمامته.

الرأي الثاني رأي الشافعي رحمه الله: أن إمامته صحيحة؛ لعموم الأدلة، مثل: ( يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله )، وحديث أبي مسعود كما سلف، وحديث أبي سعيد أيضاً: ( إذا كانوا ثلاثة فليؤمهم أحدهم، وأحقهم بالإمامة أقرؤهم )، وهذان الحديثان في صحيح مسلم.

فهذه الأحاديث تدل على اعتبار القراءة، وأن الأقرأ هو الأولى بالإمامة، وهذا يشمل ما إذا كان قادراً على الركوع والسجود والقعود أو كان غير قادر، وهذا هو الصواب في هذه المسألة.

ويؤيد ذلك ما سيأتينا إن شاء الله من دلالة السنة على صحة إمامة العاجز عن ركن القيام، فكذلك أيضاً الركوع والسجود... إلى آخره.

القسم الثاني: أن يكون عاجزاً عن ركن القيام فيقول المؤلف رحمه الله: (إلا إمام الحي المرجو زوال علته).

أي: إذا كان عاجزاً عن ركن القيام فتصح صلاته بشرطين:

الشرط الأول: أن يكون هذا الإمام هو إمام الحي، يعني: الإمام الراتب.

الشرط الثاني: أن يرجى زوال علته، فإذا كانت علته لا يرجى زوالها فإن إمامته لا تصح.

وعلى هذا لو أن إمام الحي مرض وأصبح لا يستطيع أن يقوم، ومرضه يرجى زواله فنقول بأن إمامته صحيحة.

ولو كان غير إمام الحي فمثلاً: لو كان ثلاثة في نزهة أو أربعة ومعهم زميل لهم قارئ, لكنه مريض لا يستطيع أن يقوم، هل يؤمهم أو نقول بأنه لا يؤمهم؟

نقول: لا يؤمهم؛ لأنه تخلف شرط, فليس هو إمام الحي.

وكذلك أيضاً لا بد أن تكون هذه العلة يرجى زوالها، وإذا كانت هذه العلة لا يرجى زوالها فلا تصح إمامته, مثلاً: إمام الحي أصبح كبيراً لا يقدر على أن يصلي قائماً لكبره، أو لمرض مزمن لا يرجى زواله، فنقول: بأن إمامته لا تصح.

فالمؤلف رحمه الله يقول لك: الذي يعجز عن ركن القيام تصح إمامته بهذين الشرطين، وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله تعالى.

ودليلهم على أنها تصح فعل النبي عليه الصلاة والسلام كما في حديث أنس رضي الله عنه: أنه صلى الله عليه وسلم ركب فرساً فصرع، فجحش شقه الأيمن، فصلى بهم وهو قاعد، فصلوا وراءه قعوداً، فقالوا: النبي صلى الله عليه وسلم هو الإمام الراتب، وعلته يرجى زوالها.

والرأي الثاني في المسألة -أن إمامته لا تصح مطلقاً- هو المشهور من مذهب الإمام مالك رحمه الله تعالى؛ لما تقدم أنهم يقولون: بأن صلاته ناقصة، وصلاة المأمومين كاملة، والكامل لا يبنى على الناقص.

والرأي الثالث رأي الشافعي وأيضاً قال به أبو حنيفة : أن إمامته صحيحة مطلقاً؛ لعمومات الأدلة، كما تقدم ( يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله ). حديث أبي مسعود في مسلم.

وتقدم لنا حديث أبي سعيد , وإمامة عمرو بن سلمة ، وإمامة سالم مولى أبي حذيفة ... إلى آخره.

وهذا القول -ما ذهب إليه الشافعي وأبو حنيفة- هو الصواب، وعلى هذا لا نشترط شيئاً، فنقول: إمامة من عجز عن القيام صحيحة، سواء كان الإمام الراتب أو لا، وسواء كانت علته يرجى زوالها أو لا يرجى زوالها؛ لعموم الأدلة.

لكن كما أسلفنا الإمامة شيء، وترتيبه إماماً راتباً شيء آخر، فنقول: لو صلى بالناس حتى ولو كان غير الإمام الراتب نقول: بأن صلاته صحيحة، لكن كوننا نرتبه إماماً هذا فيه شيء، وخصوصاً أنه إذا افتتح الصلاة جالساً فإنهم يصلون خلفه جلوساً كما سيأتي.

والخلاصة في هذه المسألة: أن العاجز عن ركن الركوع أو السجود أو القعود إمامته صحيحة مطلقاً، وكذلك أيضاً العاجز عن ركن القيام نقول: بأن إمامته صحيحة.

قال المؤلف رحمه الله: (ويصلون وراءه جلوساً ندباً، فإن ابتدأ بهم قائماً ثم اعتل فجلس أتموا خلفه قياماً وجوباً). يقول المؤلف رحمه الله: يصلون وراءه جلوساً ندباً.

إذا كان الإمام لا يستطيع القيام، فإنه سيصلي جالساً، فهل يصلي المأمومون جلوساً, أو يصلون قياماً؟

المشهور من المذهب التفصيل في المسألة، وهو إن افتتح بهم الصلاة قائماً فإنهم يصلون خلفه قياماً, وإن افتتح الصلاة بهم جالساً فإنهم يصلون خلفه جلوساً، هذا ما ذهب إليه الإمام أحمد رحمه الله، جمعاً بين الأدلة.

ودليلهم على ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما مرض وتخلف، وقال: ( مروا أبا بكر فليصل بالناس ). شرع أبو بكر يصلي بالصحابة رضي الله عنهم، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم حصل له نشاط، وخرج وأتم بهم الصلاة، وكان الصحابة رضي الله تعالى عنهم يصلون قياماً. فنأخذ من هذا أنه إذا افتتح فيهم الصلاة قائماً فإنهم يصلون خلفه قياماً؛ لأن أبا بكر رضي الله عنه افتتح الصلاة بهم قائماً.

وإن افتتح الصلاة بهم جالساً فإنهم يصلون خلفه جلوساً؛ لما ذكرنا من حديث أنس رضي الله تعالى عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم ركب فرساً فصرع فجحش شقه الأيمن، فصلى بهم صلاة من الصلوات وهو جالس، وصلوا وراءه جلوساً.

وأيضاً حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا صلى جالساً فصلوا جلوساً أجمعون ). متفق عليه. ففي هذا جمع بين الأدلة كما ذهب إليه المؤلف رحمه الله.

وجمهور العلماء يقولون: الإمام الراتب إذا صلى جالساً فإن المأمومين يصلون خلفه قياماً، والمذهب التفصيل كما تقدم، وعند الجمهور أنهم يصلون خلفه قياماً، ويستدلون على هذا بفعل الصحابة رضي الله تعالى عنهم لما صلوا خلف النبي صلى الله عليه وسلم قياماً كما ذكرنا، مرض النبي صلى الله عليه وسلم وقال: ( مروا أبا بكر فليصل بالناس )، فوجد النبي صلى الله عليه وسلم نشاطاً, ثم خرج وأتم بالصحابة رضي الله تعالى عنهم الصلاة، وكانوا يصلون خلفه قياماً.

فقالوا: هذا الحديث ناسخ لحديث أنس الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: ( وإذا صلى جالساً فصلوا خلفه جلوساً أجمعون ).

والصواب في هذا: ما ذهب إليه الإمام أحمد رحمه الله، وأنه لا يصار إلى النسخ إلا إذا تعذر الجمع، وهنا جمع الإمام رحمه الله جمعاً حسناً، أنه إن افتتح الصلاة فيهم قائماً فإنهم يصلون خلفه قياماً، وإن افتتحها جالساً فإنهم يصلون خلفه جلوساً.

وأيضاً كيف نقول: إنهم يصلون خلفه قياماً إذا افتتح بهم الصلاة جالساً, وقد نهي المأموم أن يخالف إمامه؟

والنبي صلى الله عليه وسلم أشار للصحابة رضي الله تعالى عنهم لما صلوا خلفه قياماً وقد افتتح بهم الصلاة جالساً أشار لهم أن اجلسوا، وبين الحكمة من عدم قيامهم, وأنهم يشابهون الأعاجم في قيامهم على ملوكهم.

فتلخص لنا أنهم يصلون خلفه جلوساً إذا افتتح الصلاة جالساً.

وهل صلاتهم جلوساً على سبيل الندب أو على سبيل الوجوب؟ قال المؤلف رحمه الله: ندباً، يعني: أن هذا ليس واجباً، وإنما يصلون خلفه جلوساً على سبيل الندب، وليس واجباً، وهذا هو المذهب.

الرأي الثاني وهو الرواية الثانية عن الإمام أحمد رحمه الله: أنهم يصلون خلفه جلوساً على سبيل الوجوب، ويدل لذلك الأمر، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا صلى جالساً فصلوا جلوساً أجمعون )، وهذا أمر، والأصل في الأمر الوجوب.

وأيضاً ما تقدم أن النبي صلى الله عليه وسلم بين الحكمة من النهي, بأنهم كادوا أن يشابهوا الأعاجم في قيامهم على ملوكهم، فالقول بأنهم يصلون خلفه جلوساً إذا افتتح الصلاة بهم جالساً هو القول الأقرب.

أما إن افتتح الصلاة بهم قائماً فيصلوا خلفه قياماً على سبيل الوجوب.

ففي المسألة الأولى يصلون جلوساً على سبيل الوجوب على الصحيح، وفي المسألة الثانية يصلون قياماً على سبيل الوجوب على الصحيح، ولهذا قال المؤلف: (ثم اعتل فجلس أتموا خلفه قياماً وجوباً).

قال: (وتصح خلف من به سلس البول بمثله).

من به سلس البول يعني: من حدثه دائم، ويخرج منه البول على سبيل الدوام، وقول المؤلف رحمه الله: (سلس البول) هذا على سبيل التغليب, وإلا فإنه يدخل في ذلك من به سلس الريح، أو سلس الغائط... إلى آخره، لكن الغالب أن السلس إنما يكون في البول.

وحكم إمامة من به سلس بول ونحوه: المشهور من المذهب أن إمامته تصح بمثله، ولا تصح بغيره، فإذا كان عندنا رجلان كل منهما به سلس بول فنقول: تصح بمثله، وإذا كان أحدهما صحيحاً فإنه لا تصح إمامة من به سلس بول وهذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله تعالى، وعلته في ذلك خروج النجاسة.

والرأي الثاني في المذهب: أن إمامته صحيحة، ودليل ذلك ما تقدم من العمومات، وحديث أبي مسعود وحديث أبي سعيد : ( يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله )، و( إذا كانوا ثلاثة فليؤمهم أحدهم )، وهذا يشمل من به سلس بول، ومن ليس به سلس بول، وهذا القول هو الصواب في هذه المسألة، ولأن السلس -هذه النجاسة- معفو عنه من الشارع، ولو قلنا: بأنه ليس معفواً عنها للزم من ذلك ألا تصح صلاته، ومادام أن صلاته صحت فما المانع أن يقال أيضاً: إن إمامته صحيحة؟

فالصواب في ذلك أن إمامته صحيحة.

قال: (ولا تصح خلف محدث ولا متنجس يعلم ذلك، فإن جهل هو والمأموم حتى انقضت صحت لمأموم وحده).

هنا شرع المؤلف رحمه الله في إمامة المحدث وإمامة المتنجس، فلو أن إماماً صلى بالناس وهو محدث فما حكم إمامته؟ نقول: بأن إمامته لا تخلو من أقسام:

القسم الأول: ألا يعلم الإمام ولا المأموم بالحدث إلا بعد نهاية الصلاة، كرجل صلى بالناس وهو محدث، ولم يعلم أنه محدث حتى انتهت صلاته، فهل تصح إمامته, أو نقول: بأن إمامته غير صحيحة؟

هذه المسألة موضع خلاف بين العلماء رحمهم الله تعالى، فجمهور العلماء يقولون: بأن صلاته غير صحيحة، وأما بالنسبة لصلاة المأمومين فصحيحة، خلافاً لـأبي حنيفة رحمه الله تعالى.

ودليل ذلك: ما تقدم من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( يصلون لكم، فإن أصابوا فلكم ولهم، وإن أخطئوا فلكم وعليهم )، وأيضاً هذا هو الوارد عن الصحابة، فقد ورد عن عمر أنه صلى بالناس وهو جنب, فأعاد، ولم يأمر المأمومين بالإعادة، ومثله أيضاً عثمان رضي الله تعالى عنه صلى بالناس وهو جنب فأعاد ولم يأمر المأمومين بالإعادة.

القسم الثاني: أن يعلم الإمام والمأمومون بحدث الإمام قبل الصلاة، الإمام يعلم أنه محدث, والمأمومون يعلمون أن الإمام محدث، فنقول: بأن صلاة الجميع غير صحيحة, أما الإمام فلأنه محدث؛ فقد شرطاً من شروط صحة الصلاة، وأما المأمومون فلأنه لا يجوز لهم أن يقتدوا بإمامٍ صلاته باطلة، وهذا نوع من العمل، فالواجب عليهم ألا يقتدوا بهذا الإمام الذي صلاته باطلة.

القسم الثالث: أن يعلم الإمام أنه محدث وهو في أثناء الصلاة، كأن شرع يصلي بالناس, ولما مضت ركعة تذكر أنه أكل لحم جزور، ففقهاء المذهب يقولون: تبطل صلاة الإمام وتبطل صلاة المأمومين، أي: فيسري البطلان إلى صلاة المأمومين.

وهذه المسألة سبق أن بيناها وقلنا: ارتباط صلاة الإمام بالمأمومين هذا لتحصيل الجماعة وفضلها، أما سريان النقص - يعني: ما يحصل في صلاة الإمام من نقص- وكونه يسري إلى صلاة المأمومين فهذا غير صحيح.

فنقول: المذهب لا يرون الاستخلاف، وهذه المسألة تقدم الكلام عليها في مسائل النية من شروط الصلاة.

على كل حال المذهب يقولون: إذا علم الإمام أنه محدث فإن صلاته غير صحيحة، وأيضاً تبطل صلاة المأمومين، مع أنهم يقولون: إذا علم بعد الصلاة فصلاة المأمومين صحيحة أما إذا علم بعد مضي بعض الصلاة فيقولون: تبطل، وهذا فيه نظر.

والصواب في هذه المسألة: أن المأمومين صلاتهم صحيحة، وحينئذ يستخلف الإمام، فإن لم يستخلف فإن المأمومين يستخلفون، فإن لم يستخلفوا صلوا فرادى ويتمون صلاتهم.

القسم الرابع والأخير: أن يعلم بعض المأمومين أن الإمام محدث، يعني: شرع الإمام ولما مضت ركعة تذكر بعض المأمومين أن الإمام قد أكل لحم جزور قبل الصلاة وأنه محدث، فالمذهب بطلان صلاة الجميع، أما الإمام فظاهر، والمأمومون أيضاً يسري البطلان على جميعهم.

والصواب في ذلك: أما الإمام فصلاته باطلة؛ لأنه فقد شرطاً من شروط صحة الصلاة، وهو رفع الحدث, ولا يعذر هنا بالجهل، وأما بالنسبة للمأمومين فمن جهل فصلاته صحيحة؛ لأنه معذور، أما الذي علم بحدث الإمام واستمر مع الإمام فإن صلاته تبطل عليه، والواجب عليه أن ينفرد، ولا يجوز أن يتابع إماماً وهو يعتقد بطلان صلاته، فهذا نوع من العبث, كيف تقتدي به وأنت تعتقد أن صلاته باطلة وركوعه وسجوده لا محل له؟ ما دمت أنك تعتقد أن صلاته باطلة، فالواجب عليك أن تنفرد، ولا تواصل مع هذا الإمام، لكن إذا كان يجهل فهذا شيء آخر.

فتلخص لنا أن إمامة المحدث لها أربعة أقسام.

أما إمامة المتنجس الذي صلى وعلى ثوبه أو بدنه نجاسة، فنقول -أيضاً-: تحته أقسام:

القسم الأول: ألا يعلم الإمام ولا المأموم إلا بعد نهاية الصلاة، فإذا لم يعلما إلا بعد نهاية الصلاة فالمذهب بطلان صلاة الإمام، وأما بالنسبة للمأمومين فإن صلاتهم صحيحة.

والصواب في هذه المسألة: أن صلاة الإمام وصلاة المأمومين صحيحة، فصلاة الإمام صحيحة لأنه جاهل بالحدث؛ لأن إزالة الخبث من باب التروك، وباب التروك يعذر فيها بالجهل والنسيان، أما باب الأوامر الذي هو رفع الحدث فلا يعذر فيها بالجهل والنسيان.

القسم الثاني: أن يعلم الإمام والمأمومون بالنجاسة قبل الصلاة، فهؤلاء صلاتهم لا تصح كما تقدم؛ لأن الإمام لم يزل الخبث، والمأمومون أيضاً صلاتهم باطلة؛ لأنهم ائتموا بإمام يعتقدون بطلان صلاته.

القسم الثالث: أن يعلم الإمام بالخبث في أثناء الصلاة، فالمذهب أن صلاته تبطل عليه، ثم يسري البطلان إلى صلاة المأمومين ولا استخلاف.

والصواب في هذه المسألة أن يقال: أما الإمام فإن أمكنه أن يزيل النجاسة فيجب عليه أن يزيل النجاسة، ويستمر في الصلاة، كما لو كانت النجاسة في عمامته فإنه ينزعها ويستمر في الصلاة، وإن كان لا يتمكن من إزالة النجاسة فصلاة المأمومين صحيحة، وعلى هذا يستخلف بهم، فإن لم يستخلف فإنهم يستخلفون واحداً منهم يتم بهم الصلاة، فإن لم يستخلفوا فإنهم يتمونها فرادى.

القسم الرابع والأخير: أن يعلم بعض المأمومين بأن الإمام متنجس، فالمذهب كما سلف بطلان صلاتهم جميعاً.

والصواب في هذا أن نقول: أما المأموم الذي لم يعلم فإن صلاته صحيحة، وأما المأموم الذي علم فإنه ينبه الإمام -إن استطاع- إلى وجود الخبث, فينبهه بإشارة أو نحو ذلك، وإذا لم يتمكن من تنبيهه فيمضي معه. وهنا فرق بين باب الحدث وباب الخبث؛ لأنه هنا يعتقد أن صلاته صحيحة؛ لكونه معذوراً بالجهل، فالإمام معذور بالجهل في باب الخبث فصلاته صحيحة، والمأموم هنا يعتقد أن صلاته صحيحة، بخلاف الحدث كما تقدم فإنه يعتقد أن صلاته باطلة؛ لأنه غير معذور، فنقول: فإن تمكن أن ينبهه نبهه، وإذا لم يتمكن من أن ينبهه فإنه يمضي معه. والخلاصة: صلاة المأموم الذي لم يعلم صحيحة، وصلاة المأموم الذي علم صحيحة، وصلاة الإمام صحيحة؛ لأنه معذور بالجهل.

قال رحمه الله: (ولا إمامة الأمي).

الأمي في اللغة: منسوب إلى الأم، كأنه على الحالة التي ولدته عليها أمه، لا يقرأ ولا يكتب، وأما في الاصطلاح فهو من تضمن أربعة أمور.

قال: (وهو من لا يحسن الفاتحة).

الأمر الأول, إذا كان لا يحفظ الفاتحة فهو أمي، ولو كان أعلم الناس بالطب أو بالهندسة أو بالكيمياء ونحو ذلك.

قال رحمه الله: (أو يدغم فيها ما لا يدغم).

وذلك بأن يدغم حرفاً بما لا يماثله ولا يقاربه، ويسميه الفقهاء بالإدغام الكبير، وهذا غير الإدغام الموجود عند علماء التجويد إدغام بغنة وإدغام بغير غنة... إلى آخره.

أن يدغم حرفاً بما لا يماثله ولا يقاربه, فمثلاً أدغم الهاء بالراء من الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2]، فهنا نقول بأنه أمي، هذا الأمر الثاني.

قال رحمه الله: (أو يبدل حرفاً بغيره).

الأمر الثالث: إذا أبدل حرفاً بغيره, وهو الألثغ، كالذي يبدل الراء غيناً، بدلاً من أن يقول: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2]، يقول: غب العالمين، فهذا أمي، ومثله أيضاً: إذا أبدل الراء ياءاً أو لاماً، أو أبدل السين ثاءاً، أو أبدل الجيم شيناً... إلى آخره.

ويستثني الفقهاء رحمهم الله الضاد -التي هي أخت الصاد- والظاء -التي هي أخت الطاء- فيقولون: لتقارب مخرج هذين الحرفين لو أبدل أحدهما بالآخر فهذا لا يضر, ولا يدخله في كونه أمياً.

قال رحمه الله: (أو يلحن فيها لحناً يحيل المعنى).

مثل لو قال: إياكِ نعبد وإياكِ نستعين، هذا لحن يحيل المعنى فهذا أمي.

فأصبح عندنا الأمي: هو من لا يحفظ الفاتحة, أو يبدل حرفاً بما لا يماثله ولا يقاربه، أو الألثغ الذي يبدل حرفاً بغيره، أو يلحن لحناً يحيل المعنى.

هذا الأمي حكم إمامته كما يقول المؤلف رحمه الله: لا تصح إلا بمثله، وعلى هذا إذا كان عندنا شخص ألثغ يقلب الراء غيناً، أو يقلب الراء ياءً، أو يدغم حرفاً بما لا يماثله أو يقاربه، أو يلحن في الفاتحة لحناً يحيل المعنى، كرجل -مثلاً- من الأعراب لم يتعلم، فيقول لك المؤلف رحمه الله: هذا أمي, لا تصح إمامته إلا بمثله.

وقال بعض العلماء: إذا كان لا يستطيع أن يزيل مثل هذه الأشياء فإن إمامته صحيحة؛ لما تقدم من الأدلة على ذلك من العمومات.

ومع ذلك نقول: بأن مثل هذا لا يرتب إماماً للناس هذا إذا قلنا بأن إمامته صحيحة، وكما أسلفنا: إن مسألة القراءة اهتم بها الشارع خصوصاً في الإمامة، كما في حديث ابن مسعود وأبي سعيد , وابن عمر في قصة سالم مولى أبي حذيفة , وحديث عمرو بن سلمة رضي الله تعالى عنه, كل هذا يدل على تأكد القراءة.

قال المؤلف رحمه الله: (وإن قدر على إصلاحه لم تصح صلاته).

إذا كان يقدر على إصلاح هذا اللحن الذي يحيل المعنى ولم يصلحه ما صحت صلاته؛ لأنه ترك واجباً.

قال رحمه الله: (وتكره إمامة اللحان).

اللحان: هو الذي يكثر منه اللحن، واللحن قسمان: لحن لا يحيل المعنى، وهذا لا يمنع من صحة إمامته، ولحن يحيل المعنى, فإن كان في الفاتحة يقول المؤلف: لا تصح إلا بمثله, وإن كان في غير الفاتحة فإن إمامته صحيحة، لكن على كل حال تكره إمامة اللحان.

قال رحمه الله: (والفأفاء), وهو الذي يكرر الفاء، (والتمتام)، وهو الذي يكرر التاء، (ومن لا يفصح ببعض الحروف)، يعني: لا يفصح بالقاف والضاد، وهذا قد يوجد في بعض الأعاجم، فهؤلاء كلهم يقول المؤلف رحمه الله: تكره إمامتهم، وكما أسلفنا مسألة الإمامة ركز عليها الشارع، وورد فيها الأحاديث الكثيرة.

فالذين يكررون التاء، أو يكررون الفاء، أو لا يفصحون ببعض الحروف، أو يكثر عندهم اللحن، فمثل هؤلاء نقول: بأن إمامتهم صحيحة كما ذكر المؤلف رحمه الله، لكن مع الكراهة، ولكنهم لا يرتبون كإمام راتب للمسلمين.

قال رحمه الله: (وأن يؤم أجنبية فأكثر لا رجل معهن).

إذا أم أجنبية وحدها فهذا لا يجوز؛ لأنه خلوة بامرأة محرمة عليه، و( ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما ).

القسم الثاني: أن يصلي بامرأتين أجنبيتين، فحكم ذلك أنه مكروه، وقال بعض العلماء: ليس مكروهاً؛ لأنه لا خلوة هنا، والخلوة المحرمة قد انتفت، وقد يصلي بثلاث نساء، أو أربع نساء أجنبيات وهنا لا خلوة -وانتبه- فالخلوة تزول ببالغ, ولا حاجة إلى محرم، والسفر لا بد فيه من محرم.

وعلى هذا لو أن رجلاً أم في المسجد بامرأتين أو ثلاث وخلا بهن فنقول: بأن الخلوة تزول بوجود بالغ, يعني: حتى ولو كانت امرأة أجنبية، أو كان رجلاً أجنبياً، فالخلوة تزول ببالغ سواء كان رجلاً أو امرأة, ولا نشترط المحرم، إنما نشترط المحرم في السفر، وعلى هذا لو دخل امرأتان في محل تجاري وليس فيه إلا صاحب المحل جاز ذلك؛ لأن الخلوة هنا انتفت، أو دخلت امرأة وفي المحل رجل آخر غير البائع نقول هنا: زالت الخلوة، وإذا صلى بمحارمه فالأمر في هذا ظاهر.