شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [7]


الحلقة مفرغة

قال المؤلف رحمه الله:

[ومنها اجتناب النجاسات، فمن حمل نجاسة لا يعفى عنها أو لاقاها بثوبه أو بدنه لم تصح صلاته، وإن طين أرضاً نجسة أو فرشها طاهراً كره وصحت، وإن كانت بطرف مصلى متصلٍ صحت إن لم ينجر بمشيه، ومن رأى عليه نجاسةً بعد صلاته وجهل كونها فيها لم يعد، وإن علم أنها كانت فيها لكن نسيها أو جهلها أعاد، ومن جبر عظمه بنجس لم يجب قلعه مع الضرر، وما سقط منه من عضو أو سن فطاهر، ولا تصح الصلاة في مقبرة، وحُشٍ، وحمام، وأعطان إبلٍ، ومغصوب، وأسطحتها، وتصح إليها، ولا تصح الفريضة في الكعبة ولا فوقها، وتصح النافلة باستقبال شاخصٍ منها.

ومنها استقبال القبلة، فلا تصح بدونه إلا لعاجز ومنتفل راكب سائر في سفر، ويلزمه افتتاح الصلاة إليها وماشٍ، ويلزمه الافتتاح والركوع والسجود إليها].

تكلمنا في الدرس السابق عن بقية أحكام ستر العورة، أو أخذ الزينة في الصلاة، وذكرنا من ذلك ما يتعلق ببعض الألبسة في الصلاة كالسدل، واشتمال الصماء، ولبس المعصفر، والمزعفر، والأحمر الخالص، وكذلك أيضاً: ما يتعلق بلبس الذهب، ولبس الفضة، ولبس الحرير، فأحكام الألبسة هذه يتكلم عليها العلماء رحمهم الله تعالى، في باب شروط الصلاة.

حكم اجتناب النجاسة في الصلاة وما يترتب عليه

قال المؤلف رحمه الله تعالى: (ومنها اجتناب النجاسة).

سبق أن تكلمنا عليها، وعرفنا النجاسة في كتاب الطهارة في باب: إزالة الخبث.

وكلام المؤلف رحمه الله تعالى على أن اجتناب النجاسة شرط من شروط صحة الصلاة، وهذا يذهب إليه كثير من العلماء رحمهم الله تعالى، وذهب بعض العلماء إلى أنه واجب، وليس شرطاً من شروط صحة الصلاة؛ لأن الشرط لا يعفى فيه بالنسيان والجهل، فلو نسي الحدث أو أخطأ في رفع الحدث ونحو ذلك فإن صلاته لا تصح، ولا يعفى له عن ذلك، بخلاف اجتناب النجاسة كما سيأتينا إن شاء الله، فإنه لو نسي النجاسة أو جهلها كانت صلاته صحيحة؛ لأنها من باب التروك، وليست من باب الأوامر.

وعلى كل حال، سواء قلنا: بأنها شرط كما ذهب إليه المؤلف رحمه الله أو أنه واجب، فإن الصواب: أن الجهل بالنجاسة أو نسيان النجاسة أو الخطأ ونحو ذلك أنه معفوٌ عنه؛ لأنها كما أسلفنا من باب التروك، وليست من باب الأوامر.

والدليل على هذا الشرط: القرآن، والسنة، والإجماع.

أما القرآن: فقول الله عزّ وجل: وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ [المدثر:4]، على ما ذهب إليه بعض المفسرين من أن المراد بتطهير الثياب: هو إزالة الخبث عنها.

الرأي الثاني: في قول الله عز وجل: وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ [المدثر:4]، أن المقصود بذلك: هو تطهير الأعمال من الشرك.

وعلى كل حال سواءٌ دلت هذه الآية أو لم تدل، فالإجماع قائم على إزالة النجاسة.

وأما السنة: فالأحاديث في هذا كثيرة، وسيأتي إن شاء الله شيء من ذلك أثناء البحث في هذا الشرط، وسائر أدلة الاستجمار والاستنجاء تدل لذلك؛ لأن أدلة الاستجمار والاستنجاء: هي إزالة للخبث، والإجماع قائم على ذلك.

حمل النجاسة في الصلاة

قال المؤلف رحمه الله : (فمن حمل نجاسةً لا يعفى عنها).

قوله: (لا يعفى عنها) يُخرج النجاسة التي يعفى عنها، وقد تقدم لنا في باب تطهير النجاسات وباب إزالة النجاسة ما هي النجاسة التي يعفى عنها، وما هي النجاسة التي لا يعفى عنها، وأنهم يقولون: إن النجاسة التي يعفى عنها هي: يسير الدم في غير المطعون، وأيضاً يقولون: إن أثر الاستجمار في محله هذا من النجاسة التي يعفى عنها.. إلى آخره.

المهم قول المؤلف رحمه الله: (فمن حمل نجاسة لا يعفى عنها) يخرج النجاسة التي يعفى عنها، كأثر الاستجمار في محله، فإذا حمل نجاسة كأن حمل بولاً في قارورة، أو غائطاً في قارورة، أو نحو ذلك فإن صلاته لا تصح.

لكن لو كانت النجاسة يعفى عنها، كما لو حمل مستجمراً، فإن صلاته صحيحة.

واعلم أن اجتناب النجاسة يكون في بدن المصلي، وفي ثوبه، وفي البقعة التي يصلي عليها:

أما بدن المصلي فدليل ذلك ما سلف من أدلة الاستنجاء والاستجمار.

وأما البقعة التي يصلي عليها فدليل ذلك: ما تقدم من حديث أبي هريرة في قصة الأعرابي الذي بال في طائفةٍ من المسجد، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بذنوبٍ من ماء فأريق عليه.

وأما الثوب فحديث أسماء رضي الله تعالى عنها في الصحيحين: أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن دم الحيض يصيب الثوب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( تحته، ثم تقرصه بالماء، ثم تنضحه، ثم تصلي فيه ).

ملاقاة النجاسة

قال: (أو لاقاها في بدنه، أو في ثوبه لم تصح صلاته).

لاقى النجاسة بمعني: باشر النجاسة بثوبه، أو باشرها ببدنه، فإن صلاته لا تصح، كمن اعتمد على النجاسة، أو سجد عليها بثوبه، أو بدنه، فنقول: بأن صلاته لا تصح؛ لكن لو مس ثوبه شيئاً نجساً فإن صلاته صحيحة؛ لكونه لم يعتمد على هذه النجاسة.

المقصود بملاقاة النجاسة أن يسجد عليها، أو أن يجلس عليها، أو أن يعتمد عليها، أما لو مس ثوبه شيئًا نجسًا، كحائط نجس مثلاً، أو ثوبًا نجساً... إلى آخره، فإن صلاته صحيحة.

قال: (وإن طين أرضاً نجسةً، أو فرشها طاهراً كُره وصحت).

يقول: إذا طين أرضًا نجسة، يعني: عندنا أرضٌ نجسة، ثم جاء بالطين ووضعه عليها، أو جاء بالأسمنت مثلاً ووضعه عليها، أو أرضٌ نجسة أصابها بول فأتى بفراش طاهر ووضعه على هذه الأرض النجسة وصلى، فيقول المؤلف رحمه الله: صلاته صحيحة؛ لكن يُكره ذلك؛ لأنه اعتمد على هذه النجاسة، وهذا الفراش لا يخلو من أمرين:

إما أن يكون صفيقًا: فالصلاة حينئذ صحيحة، يعني: إذا كان هذا الفراش سميكاً، نقول: الصلاة صحيحة.

وإما أن يكون خفيفاً: فنقول: الصلاة لا تصح؛ لأنه صلى على هذه النجاسة، ومثل ذلك اليوم: إذا كان هناك مجاري، أو بيارات للصرف الصحي، ثم بعد ذلك وضع الأسمنت على هذه المجاري، أو على هذه البيارة، ثم صلى، ما حكم الصلاة هنا؟

نقول: الصلاة صحيحة؛ لكنها تُكره، ودليل الكراهة كما تقدم أنه اعتمد على هذه النجاسة، اعتمد على شيءٍ لا تصح الصلاة عليه، وذهب بعض العلماء إلى أن الصلاة صحيحة بلا كراهة؛ لأنه وُجد الحائل، فهو صلى على طاهر، واعتمد على هذا الطاهر، والكراهة تفتقر إلى دليل شرعي، وهذا القول هو الصواب.

ومثل ذلك الآن: ما يوجد ببعض الحدائق حيث تسقى بماء الصرف الصحي، وتكون الأرض متنجسة؛ لأنها تسقى بهذا الماء، وسبق أن تكلمنا في دروس سابقة في نوازل الطهارة عن الصرف الصحي، ومتى يطهر، ومتى لا يطهر... إلى آخره.

المهم إذا لم يصل إلى مرحلة الطهارة، وسقيت به بعض الحدائق، فإذا صليت في هذه الحديقة، وفرشت السجادة، وكانت السجادة سميكة ليست خفيفة، فنقول: الصلاة صحيحة، وهل تكره الصلاة أو لا تكره الصلاة؟

الصواب في ذلك: أن الصلاة غير مكروهة، لما تقدم من وجود الحائل الطاهر؛ ولأن الكراهة حكم شرعي فيفتقر إلى الدليل الشرعي.

حالات اتصال المصلي بالنجاسة

قال: (وإن كانت بطرف مصلى متصل به صحت).

يعني: عندك سجادة، السجادة طرفها أصابه بول، نقول: الصلاة على هذه السجادة صحيحة ما دمت أنك لا تباشر النجاسة في السجود بثوبك ولا بدنك ولا تعتمد عليها، حتى ذكر العلماء رحمهم الله: لو كانت النجاسة بين يديه، مقابلة لصدره؛ لكنه لا يعتمد عليها، ولا يباشرها، يعنى: مكان أعضاء السجود التي يباشرها المصلي أثناء السجود هذه طاهرة، ماعدا ذلك الذي لا يباشره من هذا المصلى، ولا يسجد عليه... إلى آخره، نقول: بأنه لا يضر، والصلاة حينئذ تكون صحيحة.

ولهذا قال المؤلف: (وإن كان بطرف مصلى متصلٍ به صح) إذا كان بطرف المصلى صحت، هنا مسألة أخرى وهي: إذا كان المصلى متصل به صحت.

قال: (إن لم ينجر بمشيه).

صورة المسألة: إذا كان المصلي يستتبع النجاسة، أو نقول: إذا كان المصلي اتصل بالنجاسة، فإنه لا يخلو من حالتين:

الحالة الأولى: أن يكون مستتبعاً للنجاسة، بمعنى: أن النجاسة إذا تحركت فإنه يتحرك معها، فيقول المؤلف رحمه الله: لا تصح؛ لأنه مادام أنه مستتبع للنجاسة فهو كحامل النجاسة، مثال ذلك: رجلٌ معه حبل، وقد ربطه برقبة كلب، هذا الكلب لو تحرك، فإن المصلي سيمشى معه، فهو الآن مستتبع للنجاسة كحامل النجاسة، فيقول لك المؤلف رحمه الله: الصلاة هنا لا تصح.

الحالة الثانية: ألا يكون مستتبعاً للنجاسة، كما لو كانت النجاسة حجراً صغيراً، ربط هذا الحجر بحبل، وأمسك بطرف الحبل، فهل تصح صلاته، أو لا تصح صلاته؟

نقول: صلاته تصح؛ لأنه لو تحرك هذا الحجر، فإن المصلي لا يكون مستتبعًا للنجاسة، فليس بحامل لها، وهذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله.

والرأي الثاني: اختيار الشيخ السعدي رحمه الله تعالى: أن الصلاة في الحالتين صحيحة، يعني: إذا كان ينجر لمشي الشيء النجس، أو كان لا ينجر لمشي الشيء النجس؛ لأنه لم يباشر النجاسة ويعتمد عليها، ولم يحملها، ولم يتلبس بها في بدنه، ولا في ثوبه، ولا في بقعته، فنقول: صلاته صحيحة.

العلم بالنجاسة بعد الصلاة وقبلها

قال رحمه الله: (ومن رأى عليه نجاسةً بعد صلاته، وجهل كونها فيها لم يعدها).

هذا شخص بعد أن انتهى من الصلاة رأى في ثوبه نجاسة، لا يدري هل حصلت قبل الصلاة، أو بعدها أو أثناءها؟

فنقول: الأصل في ذلك صحة الصلاة، ولا يجب عليه أن يعيد؛ لأن الأصل أن الصلاة وقعت صحيحة، فيحتمل أن هذه النجاسة حصلت في بدنه، أو في ثوبه بعد نهاية الصلاة.

قال رحمه الله: (وإن علم أنها كانت فيها؛ لكن نسيها، أو جهلها أعاد).

هذا رجلٌ يعلم أن في ثوبه نجاسة؛ لكن نسي وذهب وصلى، ولم يتذكر إلا بعد نهاية الصلاة، أو علم أن في ثوبه نجاسة، وجهل هذه النجاسة، يقول لك المؤلف رحمه الله تعالى بأن صلاته لا تصح.

الصورة الثانية: علم أن النجاسة حصلت في أثناء الصلاة؛ لكنه جهلها، يعني: وهو يصلي، أو قبل الصلاة أصابه شيء، ولا يدري هل هذا الشيء طاهر، أو أنه نجس، ثم صلى وبعد أن انتهى من الصلاة علم أنه شيء نجس، فيقول المؤلف رحمه الله: يجب عليه أن يعيد.

ففي هاتين الصورتين إذا نسي، أو جهل مادام أنه يعلم أنها حصلت في الصلاة يجب عليه أن يعيد، وهذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله.

والرأي الثاني: رأي الإمام مالك ، وهو رواية عن الإمام أحمد : أنه لا يجب عليه أن يعيد، لا في مسألة النسيان، ولا في مسالة الجهل، لأن هذا من باب التروك، وباب النواهي، وباب النواهي أوسع من باب الأوامر، ولهذا يعذر فيه بالجهل والنسيان.

وأيضًا يدل لذلك: حديث جابر رضي الله تعالى عنه، فإن النبي صلى الله عليه وسلم صلى وفي نعليه أذى، ثم جاء جبريل وأخبره، فخلع نعليه في الصلاة، ولم يستأنف النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما بني على صلاته.

فالصواب في هذه المسألة: ما ذهب إليه مالك ، وهو رواية عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى، وهم يقولون: يعيد إلحاقًا لإزالة الخبث برفع الحدث؛ لكن كما قلنا: هناك فرق بين رفع الحدث وزوال الخبث؛ لأن رفع الحدث من باب الأوامر هذا لا يعذر فيه بالنسيان والخطأ بخلاف إزالة الخبث فهو من باب التروك وهذا يعذر فيه بالجهل والنسيان.

جبر العظم بنجس

قال رحمه الله: (ومن جُبر عظمه بنجسٍ لم يجب قلعه مع الضرر).

جُبر عظمه بنجس، هذا رجلٌ انكسر عظمه، انكسر مثلاً: ساعده، وسقط شيءٌ من عظامه، فجاء الطبيب وأخذ شيئاً من عظام الكلب، أو أخذ شيئاً من عظام الخنزير، وجبره، وهذا -يعني: ما ذكره الفقهاء رحمهم الله- ما يسمى الآن بنقل الأعضاء، فالعلماء رحمهم الله تكلموا على هذه المسائل، يعني: لو نقل العضو من حيوان إلى آدمي، أو من آدمي إلى آدميٍ آخر.. إلى آخره، سبق أن تكلمنا على هذه المسألة في النوادر الطبية، وأشرنا إلى كلام الفقهاء رحمهم الله في هذه المسألة.

على كل حال؛ من جُبر عظمه بعظمٍ نجس قال المؤلف رحمه الله: (لم يجب قلعه مع الضرر)، هل يجب أن يُقلع هذا الجزء من الخنزير، أو من الكلب، أو لا يجب أن يُقلع؟ يقول المؤلف: ما دام أن هناك ضرراً لا يجب أن يقلع، ويُفهم من كلامه أنه إذا لم يكن ضرر فإنه يجب أن يقلع، أما مع الضرر فلا يقلع؛ لقاعدة: لا ضرر ولا ضرار.

وبالنسبة للطهارة يقول المؤلف رحمه الله: (لم يجب قلعه مع الضرر)، وعلى هذا حمله للنجاسة هنا معفو عنه، وصلاته حينئذ تكون صحيحة.

لكن هل يجب عليه أن يتيمم، أو لا يجب عليه أن يتيمم؟

هم يفصلون في هذه المسألة، يقولون: إن غطاه اللحم، لا يجب عليه أن يتيمم، وإن لم يغطه اللحم -يعني: العظم لا يزال ظاهراً- فإنه يجب عليه أن يتيمم، وهذا مبني على المذهب، وعلى مسألة تقدمت لنا في باب التيمم، وهي التيمم عن النجاسة، وسبق أن أشرنا أن الحنابلة ينفردون بهذه المسألة، وأنها من مفردات المذهب.

والصواب: أن الذي ورد التيمم عنه هو ما يتعلق برفع الحدث، أما النجاسة فإنه لا يتيمم عنها، وحينئذ نقول: مادام أنه يضطر إلى هذا العظم النجس، فنقول: صلاته صحيحة، ولا يجب عليه أن يتيمم.

ما أبين من الحي

قال المؤلف رحمه الله: (وما سقط منه من عضوٍ، أو سنٍ فطاهر).

لأن ما أبين من حيٍ فهو كميتته، فإذا سقط من الإنسان سنٌ، أو سقط منه عضوٌ، كأن انقطعت يده، أو انقطع إصبعه في حادث ونحو ذلك، فنقول: بأنه طاهر لما تقدم، وهذا سبق لنا في باب الآنية: أن ما أُبين من حيٍ فهو كميتته، وذكرنا دليل ذلك، وهو حديث أبي واقد الليثي الذي رواه الترمذي بإسناد حسن.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: (ومنها اجتناب النجاسة).

سبق أن تكلمنا عليها، وعرفنا النجاسة في كتاب الطهارة في باب: إزالة الخبث.

وكلام المؤلف رحمه الله تعالى على أن اجتناب النجاسة شرط من شروط صحة الصلاة، وهذا يذهب إليه كثير من العلماء رحمهم الله تعالى، وذهب بعض العلماء إلى أنه واجب، وليس شرطاً من شروط صحة الصلاة؛ لأن الشرط لا يعفى فيه بالنسيان والجهل، فلو نسي الحدث أو أخطأ في رفع الحدث ونحو ذلك فإن صلاته لا تصح، ولا يعفى له عن ذلك، بخلاف اجتناب النجاسة كما سيأتينا إن شاء الله، فإنه لو نسي النجاسة أو جهلها كانت صلاته صحيحة؛ لأنها من باب التروك، وليست من باب الأوامر.

وعلى كل حال، سواء قلنا: بأنها شرط كما ذهب إليه المؤلف رحمه الله أو أنه واجب، فإن الصواب: أن الجهل بالنجاسة أو نسيان النجاسة أو الخطأ ونحو ذلك أنه معفوٌ عنه؛ لأنها كما أسلفنا من باب التروك، وليست من باب الأوامر.

والدليل على هذا الشرط: القرآن، والسنة، والإجماع.

أما القرآن: فقول الله عزّ وجل: وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ [المدثر:4]، على ما ذهب إليه بعض المفسرين من أن المراد بتطهير الثياب: هو إزالة الخبث عنها.

الرأي الثاني: في قول الله عز وجل: وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ [المدثر:4]، أن المقصود بذلك: هو تطهير الأعمال من الشرك.

وعلى كل حال سواءٌ دلت هذه الآية أو لم تدل، فالإجماع قائم على إزالة النجاسة.

وأما السنة: فالأحاديث في هذا كثيرة، وسيأتي إن شاء الله شيء من ذلك أثناء البحث في هذا الشرط، وسائر أدلة الاستجمار والاستنجاء تدل لذلك؛ لأن أدلة الاستجمار والاستنجاء: هي إزالة للخبث، والإجماع قائم على ذلك.

قال المؤلف رحمه الله : (فمن حمل نجاسةً لا يعفى عنها).

قوله: (لا يعفى عنها) يُخرج النجاسة التي يعفى عنها، وقد تقدم لنا في باب تطهير النجاسات وباب إزالة النجاسة ما هي النجاسة التي يعفى عنها، وما هي النجاسة التي لا يعفى عنها، وأنهم يقولون: إن النجاسة التي يعفى عنها هي: يسير الدم في غير المطعون، وأيضاً يقولون: إن أثر الاستجمار في محله هذا من النجاسة التي يعفى عنها.. إلى آخره.

المهم قول المؤلف رحمه الله: (فمن حمل نجاسة لا يعفى عنها) يخرج النجاسة التي يعفى عنها، كأثر الاستجمار في محله، فإذا حمل نجاسة كأن حمل بولاً في قارورة، أو غائطاً في قارورة، أو نحو ذلك فإن صلاته لا تصح.

لكن لو كانت النجاسة يعفى عنها، كما لو حمل مستجمراً، فإن صلاته صحيحة.

واعلم أن اجتناب النجاسة يكون في بدن المصلي، وفي ثوبه، وفي البقعة التي يصلي عليها:

أما بدن المصلي فدليل ذلك ما سلف من أدلة الاستنجاء والاستجمار.

وأما البقعة التي يصلي عليها فدليل ذلك: ما تقدم من حديث أبي هريرة في قصة الأعرابي الذي بال في طائفةٍ من المسجد، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بذنوبٍ من ماء فأريق عليه.

وأما الثوب فحديث أسماء رضي الله تعالى عنها في الصحيحين: أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن دم الحيض يصيب الثوب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( تحته، ثم تقرصه بالماء، ثم تنضحه، ثم تصلي فيه ).




استمع المزيد من الشيخ الدكتور خالد بن علي المشيقح - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح زاد المستقنع - كتاب الطهارة [17] 2814 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب النكاح [13] 2724 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب المناسك [5] 2674 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [19] 2638 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب البيع [26] 2636 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [32] 2553 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الأيمان [2] 2549 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الحدود [7] 2524 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الإيلاء [1] 2518 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [8] 2492 استماع