شرح زاد المستقنع - كتاب الطهارة [9]


الحلقة مفرغة

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [على طاهر مباح ساتر للمفروض يثبت بنفسه من خف وجورب صفيق ونحوهما، وعلى عمامة لرجل محنكة أو ذات ذؤابة، وعلى خمر نساء مدارة تحت حلوقهن في حدث أصغر، وجبيرة لم تتجاوز قدر الحاجة، ولو في أكبر إلى حلها إذا لبس ذلك بعد كمال الطهارة. ومن مسح في سفر ثم أقام أو عكس أو شك في ابتدائه فمسح مقيم، وإن أحدث ثم سافر قبل مسحه فمسح مسافر. ولا يمسح قلانس ولفافة، ولا ما يسقط من القدم، أو يرى منه بعضه، فإن لبس خفاً على خف قبل الحدث فالحكم للفوقاني، ويمسح أكثر العمامة وظاهر قدم الخف من أصابعه إلى ساقه دون أسفله وعقبه, وعلى جميع الجبيرة، ومتى ظهر بعض محل الفرض بعد الحدث أو تمت مدته استأنف الطهارة].

تقدم ما يتعلق بصفة الوضوء، وكيفيته، ثم ذكر المؤلف رحمه الله ما يشرع للمتوضئ بعد نهاية وضوئه من الذكر ومن الأدب.

ثم بعد ذلك شرع فيما يتعلق بمسح الخفين, وذكرنا المناسبة بين باب المسح على الخفين والباب الذي قبله، وذكرنا أيضاً مشروعية المسح على الخفين، وأن بعض أهل العلم استدل له بالقرآن والسنة المتواترة فيه، وذكرنا كلمات العلماء رحمهم الله تعالى في هذا الجانب.

ثم بعد ذلك ذكرنا مسألة, وهي: هل الأفضل أن يمسح أو الأفضل أن يغسل؟ وقلنا: إن الراجح في هذه المسألة هو: ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله, وأن المسلم لا يتكلف ضد حاله، فإن كان لابساً فالأفضل أن يمسح، وإن كان خالعاً فالأفضل أن يغسل، ولا يقال: البس لكي تمسح، أو اخلع لكي تغسل إلى آخره.

ثم بعد ذلك شرعنا في بيان شروط صحة المسح، وذكرنا الشرط الأول, وهو: التأقيت في المدة، وأن مدة المسح للمقيم يوم وليلة، وأما المسافر فثلاثة أيام بلياليها، وذكرنا رأي الإمام مالك رحمه الله تعالى في هذه المسألة، وكذلك رأي شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.

ومتى تبدأ هذه المدة؟ ذكرنا أن أقرب الأقوال في هذه المسألة أن المدة تبدأ من أول مسح بعد حدث.

طهارة الخفين

قال رحمه الله: (على طاهر).

هذا هو الشرط الثاني من شروط صحة المسح: أن يكون الخف أو الجورب أو العمامة طاهرة؛ وعلى هذا إذا مسح على نجس أو متنجس فإن المسح لا يصح، وهذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله تعالى، ويستدل له بحديث المغيرة بن شعبة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( دعهما؛ فإني أدخلتهما طاهرتين )، فإنه يحتمل أن يكون الوصف للخف، ويحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم أدخل الرجلين الخف حال كونهما طاهرتين.

والطهارة ضدها النجاسة، فإذا كان الخف طاهراً أو الجورب طاهراً فهذا لا إشكال في صحة المسح عليه، لكن إن كان نجساً أو متنجساً فنقول: بأن الخف لا يخلو من حالتين:

الحالة الأولى: أن يكون نجساً، وكونه نجساً يعني: أن تكون ذاته نجسة نجاسة عينية، كجلد الميتة الذي لم يدبغ، وقد تقدم أن جلد الميتة إذا دبغ فإنه يطهر، لكن لو أن هناك جلداً لم يدبغ واتخذ كخف, فلا يصح المسح على هذا الخف النجس.

الحالة الثانية: أن يكون متنجساً، بمعنى: أن يكون الخف طاهراً, لكن طرأت عليه النجاسة، بأن تكون نجاسته نجاسة حكمية، فهذا على ظاهر كلام المؤلف رحمه الله تعالى أنه إذا كان متنجساً لا يمسح عليه، وهذا مذهب المالكية والشافعية.

والرأي الثاني وهو المذهب: أنه إذا كان متنجساً فإنه يمسح عليه، فمثلاً: إنسان لبس جوارباً ثم بعد ذلك أصابها شيء من البول، فعلى ظاهر كلام المؤلف رحمه الله أنه لا يصح المسح عليها، وبهذا يكون وافق مذهب مالك والشافعي .

أما المشهور من المذهب أنه يصح المسح عليها، وعلى هذا يمسح عليها ويرتفع حدثه، لكن لو أراد أن يصلي فإنه لا بد أن يطهر هذا الجورب أو الخف، لكن لو لم يرد الصلاة بأن أراد أن يمس القرآن مثلاً فلا يلزمه أن يطهر هذا الجورب أو أن يخلعه.

فتلخص لنا: أن الخف إذا كان نجساً فإنه لا يخلو من أمرين:

الأمر الأول: أن تكون نجاسته عينية، فهذا لا يصح المسح عليه.

والأمر الثاني: أن تكون نجاسته حكمية، فهذا يصح المسح عليه, وهو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله تعالى.

أن يكون الخف مباحاً

قال رحمه الله تعالى: (مباح).

هذا هو الشرط الثالث: أن يكون الخف مباحاً؛ وعلى هذا إذا كان الخف محرماً فإنه لا يصح المسح عليه، فلو كان الخف أو الجورب مسروقاً أو مغصوباً أو منتهباً ونحو ذلك فإنه لا يصح المسح عليه، وهذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله تعالى؛ وعلته في ذلك أن المسح رخصة، والرخص لا تستباح بها المعاصي، وهذا الرأي الأول.

والرأي الثاني: أنه يصح المسح عليه، وهذا قول الحنفية والشافعية؛ لأن النهي لا يعود إلى ذات المنهي عنه، ولا إلى شرطه المختص بالعبادة؛ لأن النهي يقتضي الفساد إذا عاد إلى ذات المنهي عنه، أو إلى شرطه المختص بالعبادة والمعاملة، والغصب والسرقة ليستا مختصة بالمسح، فالشارع نهى عن الغصب نهياً عاماً، والسرقة نهى عنها نهياً عاماً، فالصواب في هذه المسألة: أن المسح على المحرم لكونه مسروقاً أو مغصوباً أو حريراً ونحو ذلك يصح، لكن هذا كحكم وضعي، أما الحكم التكليفي -يعني: ما يتعلق بالإثم- فنقول: يأثم لكونه لبس هذا الخف المحرم.

أن يكون الخف ساتراً للمفروض

قال رحمه الله تعالى: (ساتر للمفروض).

هذا الشرط الرابع: أن يكون الخف ساتراً للمفروض، وعلى هذا إذا كان الخف غير ساتر فإنه لا يصح المسح عليه، وهذا المشهور من مذهب الإمام أحمد والشافعي, يقولون: لو بدا مثل جب الإبرة لا يصح المسح عليه.

والرأي الثاني: رأي الإمام مالك رحمه الله تعالى، يقيد ما يتعلق بالخروق بالثلث، فيقول: إن كان مخرقاً أقل من الثلث صح المسح عليه، وإن كان مخرقاً قدر الثلث فأكثر فإنه لا يصح المسح عليه، والحنفية يقيدون ذلك بثلاثة أصابع، وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقول: ما دام أن الخف ينتفع به عرفاً فإنه يصح المسح عليه حتى ولو كان مخرقاً؛ لأن التقييد بثلاثة أصابع كما ذكر الحنفية أو بالثلث كما قال المالكية يحتاج إلى دليل.

وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن غالب الصحابة رضي الله تعالى عنهم كانوا فقراء، وخفاف الفقراء لا تخلو في الغالب من خروق وشقوق، وكذلك إطلاقات أدلة المسح على الخفين.

فالصواب في هذه المسألة: أن يقال: إذا كان اسم الخف أو الجورب لا يزال باقياً عليه وينتفع به عرفاً فإنه يصح المسح عليه؛ لإطلاق الأدلة.

أن يكون الخف مما يثبت بنفسه

قال رحمه الله تعالى: (يثبت بنفسه).

هذا الشرط الخامس: أن يكون الخف مما يثبت بنفسه؛ وعلى هذا إذا كان لا يثبت بنفسه بل يحتاج إلى أن يشد بخيط ونحو ذلك فإنه لا يصح المسح عليه، وهذا ذهب إليه كثير من العلماء ورحمهم الله تعالى.

والرأي الثاني في هذه المسألة: رواية عن الإمام أحمد رحمه الله ورجحها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، أن الخف يصح المسح عليه سواء ثبت بنفسه أو ثبت بغيره، يعني: كأن يثبت بشده بخيط، أو أن يثبت بنعلين أو نحو ذلك فإنه يصح المسح عليه، ويدل لذلك إطلاقات الأدلة، فإن هذه التقييدات وهذه الشروط تحتاج إلى دليل، وسبق أن ذكرنا قاعدة، وهي: أن العبادة إذا كانت مخففة من أصلها فإنه لا يثبت بشدد فيها، فالمسح على الخفين هذا رخصة، والتخفيف قد دخل المسح على الخفين من أصله، في هذا: أنه يصح المسح على الخف سواء كان مما يثبت بنفسه، أو كان مما يثبت بغيره.

أن يكون الممسوح خفاً أو جورباً

قال رحمه الله تعالى: (من خف وجورب).

هذا الشرط السادس: أن يكون الممسوح عليه خفاً، والخف هو: ما يلبس على الرجل من الجلد، والجورب: ما يلبس على الرجل من الصوف أو القطن أو الكتان ونحو ذلك، والخف يصح المسح عليه باتفاق الأئمة.

لكن بقينا في الجوارب؛ هل يصح المسح عليها أو لا يصح المسح عليها؟ قال المؤلف: (وجورب صفيق) أي: يصح المسح على الجوارب، وهذا هو المشهور من المذهب، وهو الرأي الأول.

والرأي، الثاني: ذهب إليه كثير من العلماء فقالوا: لا يصح المسح إلا على الخفاف، يعني: ما يلبس على الرجل من الجلد، أما ما يلبس على الرجل من الصوف أو القطن أو الكتان ونحو ذلك فإنه لا يصح المسح عليه.

والصواب في هذه المسألة: ما ذهب إليه الإمام أحمد رحمه الله تعالى, وهو الذي ذكره المؤلف, أنه يصح المسح على الجوارب، ويدل لذلك حديث المغيرة بن شعبة : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على الجوربين والنعلين ). وهذا الحديث في السنن, وقد صححه الترمذي وابن خزيمة وابن حبان .

وكذلك هو الوارد عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم, بأسانيد صحيحة.

أن يكون الجورب صفيقاً

قال رحمه الله: (صفيق).

هذا هو الشرط السابع: أن يكون صفيقاً، يعني: سميكاً، وقد تقدم أن يكون ساتراً, يعني: ليس فيه خروق؛ وعلى هذا إذا كان خفيفاً فإنه لا يصح المسح عليه، يعني: لو كان الجورب خفيفاً كما يوجد الآن حيث ترى البشرة من وراء هذا الجورب, فهل يصح المسح عليه أو لا يصح؟ المؤلف رحمه الله تعالى ذهب إلى أنه لا يصح المسح عليه، وقد سبق أن ذكرنا الضابط في هذه المسألة، وأن الخف أو الجورب إذا كان اسمه لا يزال باقياً وينتفع به عرفاً فإنه يصح المسح عليه، وسبق أن ذكرنا قاعدة, وهي: أن العبادة إذا كانت قد خففت في أصلها فإنه لا يشدد في شروطها وقيودها.

قال رحمه الله: (ونحوهما).

مثل الجرموق، والجرموق: خف قصير.

المسح على عمامة الرجل وخمار المرأة

قال رحمه الله: (وعلى عمامة رجل).

يعني: أنه يصح المسح على العمامة, وهذا المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله تعالى، وهو الرأي الأول.

والرأي الثاني: أن المسح على العمامة لا يصح، وهذا ما ذهب إليه أكثر العلماء، حيث يرون أن المسح خاص بالخف، وأما العمامة فإنه لا يمسح عليها، وما ذهب إليه المؤلف رحمه الله تعالى هو الصواب في هذه المسألة؛ لأن المسح على العمامة ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم، كما في حديث المغيرة بن شعبة الذي رواه مسلم في صحيحه، أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين والعمامة، فالصواب في ذلك: ما ذهب إليه الإمام أحمد رحمه الله من صحة المسح على العمامة.

لكن اشترط المؤلف رحمه الله تعالى للمسح على العمامة شروطاً وهي:

قال رحمه الله: (محنكة أو ذات ذؤابة).

يعني: يشترط في العمامة التي يمسح عليها أن تكون محنكة، والمحنكة هي: التي تدار من تحت الحنك.

قوله: (أو ذات ذؤابة) يعني: يكون لها طرف مرخى، قالوا: لأن هذه هي عمائم العرب، أما ما عدا ذلك كالعمامة الصماء فإنه لا يمسح عليها. وهو الرأي الأول.

والرأي الثاني: اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، أنه يصح المسح على العمامة مطلقاً؛ لما تقدم من حديث المغيرة بن شعبة ، وأما التقييد بكونها ذات ذؤابة أو بكونها محنكة فإن هذا مما يحتاج إلى دليل، فالصواب في هذه المسألة: ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى.

وهل المسح على العمامة مؤقت كالمسح على الخفين أو لا؟ يعني: هل نقول بأن المسح على العمامة مؤقت للمقيم بيوم وليلة وللمسافر بثلاثة أيام بلياليها؟ المشهور من المذهب أن العمامة كالخف، وأن المسح عليها مؤقت؛ لثبوت ذلك عن عمر رضي الله تعالى عنه.

وعند الظاهرية أن المسح على العمامة غير مؤقت.

والصواب في هذه المسألة: ما ذهب إليه الحنابلة رحمهم الله تعالى, وهو أن المسح على العمامة مؤقت؛ لورود ذلك عن عمر ، وسنة عمر متبعة.

وكذلك هل يشترط في المسح على العمامة ما يشترط في المسح على الخفين، نحو أن يلبسها على طهارة أو أن هذا ليس شرطاً؟ المشهور من المذهب أنهم يلحقون العمامة بالخف؛ لما ورد عن عمر رضي الله تعالى عنه في أن العمامة مؤقتة كالخف، فإذا كان ذلك قد ورد عن عمر رضي الله تعالى عنه دل على أنها تأخذ أحكام الخف.

قال رحمه الله تعالى: (وعلى خمر نساء مدارة تحت حلوقهن).

يعني: يصح المسح على خمر النساء، وهذا هو المشهور من المذهب, خلافاً لما ذهب إليه أكثر العلماء إلى أنه لا يصح المسح على خمر النساء.

فالصواب في هذا: ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله, وهو مذهب الإمام أحمد ؛ لثبوت ذلك عن أم سلمة رضي الله تعالى عنها.

أن يكون المسح في الحدث الأصغر

قال رحمه الله: (في حدث أصغر).

المسح على الخف والجورب والعمامة وخمر النساء: يكون ذلك في الحدث الأصغر، أما الحدث الأكبر فإنه لا يصح المسح، ويدل لذلك حديث صفوان بن عسال رضي الله تعالى عنه قال: ( أمر الرسول صلى الله عليه وسلم إذا كنا سفراً أن نمسح على خفافنا ثلاثة أيام بلياليهن إلا من جنابة، لكن من بول وغائط ونوم )، والشاهد في قوله: (إلا من جنابة) فهو يدل على أن المسح على الخفين إنما هو في الحدث الأصغر لا في الحدث الأكبر.

قال رحمه الله: (على طاهر).

هذا هو الشرط الثاني من شروط صحة المسح: أن يكون الخف أو الجورب أو العمامة طاهرة؛ وعلى هذا إذا مسح على نجس أو متنجس فإن المسح لا يصح، وهذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله تعالى، ويستدل له بحديث المغيرة بن شعبة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( دعهما؛ فإني أدخلتهما طاهرتين )، فإنه يحتمل أن يكون الوصف للخف، ويحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم أدخل الرجلين الخف حال كونهما طاهرتين.

والطهارة ضدها النجاسة، فإذا كان الخف طاهراً أو الجورب طاهراً فهذا لا إشكال في صحة المسح عليه، لكن إن كان نجساً أو متنجساً فنقول: بأن الخف لا يخلو من حالتين:

الحالة الأولى: أن يكون نجساً، وكونه نجساً يعني: أن تكون ذاته نجسة نجاسة عينية، كجلد الميتة الذي لم يدبغ، وقد تقدم أن جلد الميتة إذا دبغ فإنه يطهر، لكن لو أن هناك جلداً لم يدبغ واتخذ كخف, فلا يصح المسح على هذا الخف النجس.

الحالة الثانية: أن يكون متنجساً، بمعنى: أن يكون الخف طاهراً, لكن طرأت عليه النجاسة، بأن تكون نجاسته نجاسة حكمية، فهذا على ظاهر كلام المؤلف رحمه الله تعالى أنه إذا كان متنجساً لا يمسح عليه، وهذا مذهب المالكية والشافعية.

والرأي الثاني وهو المذهب: أنه إذا كان متنجساً فإنه يمسح عليه، فمثلاً: إنسان لبس جوارباً ثم بعد ذلك أصابها شيء من البول، فعلى ظاهر كلام المؤلف رحمه الله أنه لا يصح المسح عليها، وبهذا يكون وافق مذهب مالك والشافعي .

أما المشهور من المذهب أنه يصح المسح عليها، وعلى هذا يمسح عليها ويرتفع حدثه، لكن لو أراد أن يصلي فإنه لا بد أن يطهر هذا الجورب أو الخف، لكن لو لم يرد الصلاة بأن أراد أن يمس القرآن مثلاً فلا يلزمه أن يطهر هذا الجورب أو أن يخلعه.

فتلخص لنا: أن الخف إذا كان نجساً فإنه لا يخلو من أمرين:

الأمر الأول: أن تكون نجاسته عينية، فهذا لا يصح المسح عليه.

والأمر الثاني: أن تكون نجاسته حكمية، فهذا يصح المسح عليه, وهو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله تعالى.

قال رحمه الله تعالى: (مباح).

هذا هو الشرط الثالث: أن يكون الخف مباحاً؛ وعلى هذا إذا كان الخف محرماً فإنه لا يصح المسح عليه، فلو كان الخف أو الجورب مسروقاً أو مغصوباً أو منتهباً ونحو ذلك فإنه لا يصح المسح عليه، وهذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله تعالى؛ وعلته في ذلك أن المسح رخصة، والرخص لا تستباح بها المعاصي، وهذا الرأي الأول.

والرأي الثاني: أنه يصح المسح عليه، وهذا قول الحنفية والشافعية؛ لأن النهي لا يعود إلى ذات المنهي عنه، ولا إلى شرطه المختص بالعبادة؛ لأن النهي يقتضي الفساد إذا عاد إلى ذات المنهي عنه، أو إلى شرطه المختص بالعبادة والمعاملة، والغصب والسرقة ليستا مختصة بالمسح، فالشارع نهى عن الغصب نهياً عاماً، والسرقة نهى عنها نهياً عاماً، فالصواب في هذه المسألة: أن المسح على المحرم لكونه مسروقاً أو مغصوباً أو حريراً ونحو ذلك يصح، لكن هذا كحكم وضعي، أما الحكم التكليفي -يعني: ما يتعلق بالإثم- فنقول: يأثم لكونه لبس هذا الخف المحرم.

قال رحمه الله تعالى: (ساتر للمفروض).

هذا الشرط الرابع: أن يكون الخف ساتراً للمفروض، وعلى هذا إذا كان الخف غير ساتر فإنه لا يصح المسح عليه، وهذا المشهور من مذهب الإمام أحمد والشافعي, يقولون: لو بدا مثل جب الإبرة لا يصح المسح عليه.

والرأي الثاني: رأي الإمام مالك رحمه الله تعالى، يقيد ما يتعلق بالخروق بالثلث، فيقول: إن كان مخرقاً أقل من الثلث صح المسح عليه، وإن كان مخرقاً قدر الثلث فأكثر فإنه لا يصح المسح عليه، والحنفية يقيدون ذلك بثلاثة أصابع، وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقول: ما دام أن الخف ينتفع به عرفاً فإنه يصح المسح عليه حتى ولو كان مخرقاً؛ لأن التقييد بثلاثة أصابع كما ذكر الحنفية أو بالثلث كما قال المالكية يحتاج إلى دليل.

وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن غالب الصحابة رضي الله تعالى عنهم كانوا فقراء، وخفاف الفقراء لا تخلو في الغالب من خروق وشقوق، وكذلك إطلاقات أدلة المسح على الخفين.

فالصواب في هذه المسألة: أن يقال: إذا كان اسم الخف أو الجورب لا يزال باقياً عليه وينتفع به عرفاً فإنه يصح المسح عليه؛ لإطلاق الأدلة.

قال رحمه الله تعالى: (يثبت بنفسه).

هذا الشرط الخامس: أن يكون الخف مما يثبت بنفسه؛ وعلى هذا إذا كان لا يثبت بنفسه بل يحتاج إلى أن يشد بخيط ونحو ذلك فإنه لا يصح المسح عليه، وهذا ذهب إليه كثير من العلماء ورحمهم الله تعالى.

والرأي الثاني في هذه المسألة: رواية عن الإمام أحمد رحمه الله ورجحها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، أن الخف يصح المسح عليه سواء ثبت بنفسه أو ثبت بغيره، يعني: كأن يثبت بشده بخيط، أو أن يثبت بنعلين أو نحو ذلك فإنه يصح المسح عليه، ويدل لذلك إطلاقات الأدلة، فإن هذه التقييدات وهذه الشروط تحتاج إلى دليل، وسبق أن ذكرنا قاعدة، وهي: أن العبادة إذا كانت مخففة من أصلها فإنه لا يثبت بشدد فيها، فالمسح على الخفين هذا رخصة، والتخفيف قد دخل المسح على الخفين من أصله، في هذا: أنه يصح المسح على الخف سواء كان مما يثبت بنفسه، أو كان مما يثبت بغيره.

قال رحمه الله تعالى: (من خف وجورب).

هذا الشرط السادس: أن يكون الممسوح عليه خفاً، والخف هو: ما يلبس على الرجل من الجلد، والجورب: ما يلبس على الرجل من الصوف أو القطن أو الكتان ونحو ذلك، والخف يصح المسح عليه باتفاق الأئمة.

لكن بقينا في الجوارب؛ هل يصح المسح عليها أو لا يصح المسح عليها؟ قال المؤلف: (وجورب صفيق) أي: يصح المسح على الجوارب، وهذا هو المشهور من المذهب، وهو الرأي الأول.

والرأي، الثاني: ذهب إليه كثير من العلماء فقالوا: لا يصح المسح إلا على الخفاف، يعني: ما يلبس على الرجل من الجلد، أما ما يلبس على الرجل من الصوف أو القطن أو الكتان ونحو ذلك فإنه لا يصح المسح عليه.

والصواب في هذه المسألة: ما ذهب إليه الإمام أحمد رحمه الله تعالى, وهو الذي ذكره المؤلف, أنه يصح المسح على الجوارب، ويدل لذلك حديث المغيرة بن شعبة : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على الجوربين والنعلين ). وهذا الحديث في السنن, وقد صححه الترمذي وابن خزيمة وابن حبان .

وكذلك هو الوارد عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم, بأسانيد صحيحة.

قال رحمه الله: (صفيق).

هذا هو الشرط السابع: أن يكون صفيقاً، يعني: سميكاً، وقد تقدم أن يكون ساتراً, يعني: ليس فيه خروق؛ وعلى هذا إذا كان خفيفاً فإنه لا يصح المسح عليه، يعني: لو كان الجورب خفيفاً كما يوجد الآن حيث ترى البشرة من وراء هذا الجورب, فهل يصح المسح عليه أو لا يصح؟ المؤلف رحمه الله تعالى ذهب إلى أنه لا يصح المسح عليه، وقد سبق أن ذكرنا الضابط في هذه المسألة، وأن الخف أو الجورب إذا كان اسمه لا يزال باقياً وينتفع به عرفاً فإنه يصح المسح عليه، وسبق أن ذكرنا قاعدة, وهي: أن العبادة إذا كانت قد خففت في أصلها فإنه لا يشدد في شروطها وقيودها.

قال رحمه الله: (ونحوهما).

مثل الجرموق، والجرموق: خف قصير.

قال رحمه الله: (وعلى عمامة رجل).

يعني: أنه يصح المسح على العمامة, وهذا المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله تعالى، وهو الرأي الأول.

والرأي الثاني: أن المسح على العمامة لا يصح، وهذا ما ذهب إليه أكثر العلماء، حيث يرون أن المسح خاص بالخف، وأما العمامة فإنه لا يمسح عليها، وما ذهب إليه المؤلف رحمه الله تعالى هو الصواب في هذه المسألة؛ لأن المسح على العمامة ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم، كما في حديث المغيرة بن شعبة الذي رواه مسلم في صحيحه، أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين والعمامة، فالصواب في ذلك: ما ذهب إليه الإمام أحمد رحمه الله من صحة المسح على العمامة.

لكن اشترط المؤلف رحمه الله تعالى للمسح على العمامة شروطاً وهي:

قال رحمه الله: (محنكة أو ذات ذؤابة).

يعني: يشترط في العمامة التي يمسح عليها أن تكون محنكة، والمحنكة هي: التي تدار من تحت الحنك.

قوله: (أو ذات ذؤابة) يعني: يكون لها طرف مرخى، قالوا: لأن هذه هي عمائم العرب، أما ما عدا ذلك كالعمامة الصماء فإنه لا يمسح عليها. وهو الرأي الأول.

والرأي الثاني: اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، أنه يصح المسح على العمامة مطلقاً؛ لما تقدم من حديث المغيرة بن شعبة ، وأما التقييد بكونها ذات ذؤابة أو بكونها محنكة فإن هذا مما يحتاج إلى دليل، فالصواب في هذه المسألة: ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى.

وهل المسح على العمامة مؤقت كالمسح على الخفين أو لا؟ يعني: هل نقول بأن المسح على العمامة مؤقت للمقيم بيوم وليلة وللمسافر بثلاثة أيام بلياليها؟ المشهور من المذهب أن العمامة كالخف، وأن المسح عليها مؤقت؛ لثبوت ذلك عن عمر رضي الله تعالى عنه.

وعند الظاهرية أن المسح على العمامة غير مؤقت.

والصواب في هذه المسألة: ما ذهب إليه الحنابلة رحمهم الله تعالى, وهو أن المسح على العمامة مؤقت؛ لورود ذلك عن عمر ، وسنة عمر متبعة.

وكذلك هل يشترط في المسح على العمامة ما يشترط في المسح على الخفين، نحو أن يلبسها على طهارة أو أن هذا ليس شرطاً؟ المشهور من المذهب أنهم يلحقون العمامة بالخف؛ لما ورد عن عمر رضي الله تعالى عنه في أن العمامة مؤقتة كالخف، فإذا كان ذلك قد ورد عن عمر رضي الله تعالى عنه دل على أنها تأخذ أحكام الخف.

قال رحمه الله تعالى: (وعلى خمر نساء مدارة تحت حلوقهن).

يعني: يصح المسح على خمر النساء، وهذا هو المشهور من المذهب, خلافاً لما ذهب إليه أكثر العلماء إلى أنه لا يصح المسح على خمر النساء.

فالصواب في هذا: ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله, وهو مذهب الإمام أحمد ؛ لثبوت ذلك عن أم سلمة رضي الله تعالى عنها.