أرشيف المقالات

شهر رمضان ورعاية الغرباء والمساكين

مدة قراءة المادة : 8 دقائق .
شهر رمضان ورعاية الغرباء والمساكين


إن هذا الشهر، شهر رمضان شهر عظيم مبارك، يحسُن فيه مواساة الفقراء والمحتاجين، ومعاونة الأصدقاء والمستحقين، ومساعدتهم بالمال والجاه، والخدمة، والبدن، والنصيحة، والإرشاد، بالدعاء والاستغفار، وأخيرًا بالتوجع لهم إن لم يستطع أن يقدم لهم شيئًا من هذه الأشياء.
 
إن هذا الشهر هو شهر الصبر والأجر الجزيل، وفي الحديث: "مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ، غَيْرَ أَنَّهُ لا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئًا"[1].
 
الصوم وإعانة الغرباء:

كما أن شهر رمضان المبارك شهر الصبر؛ يعني الصبر على المعصية، والصبر على المعصية، والصبر على الابتلاء، فهو كذلك شهر للكرم والإطعام خاصة؛ لأن المؤمن يصوم في هذا الشهر، ويمتنع عن الشهوات والأكل والطعام؛ ليشعر بألم الجياع والفقراء والبائسين والمعوزين في الجوار.
 
وإن الصوم يبعث في الإنسان الشعور والأحاسيس الدينية والإنسانية والرقة واللين، ويُلهم صفة الشكر، وضروة دعم الآخرين والمحتاجين، فلنتفقد الأقارب وأبناء الحي، ونبحث عن الأرامل واليتامي والمساكين، ونسعَ لتفريج كَربهم، فلا بد في هذه الشهر العظيم المبارك أن ننطلق في مساعدة أبناء المجتمع أصحاب الحاجة، فالله عز وجل لا يُضيع ولا يخزي كل من يعين المسلمين؛ لأن رسولنا صلى الله عليه وسلم لما أنزل عليه الوحي في غار حراء، أتي بيته يرتجف فؤاده، وهو يقول لأم المؤمنين خديجة رضي الله عنها: "زمِّلوني"، لقد خشيت على نفسي"، فقالت رضي الله عنها: "كَلَّا وَاللَّهِ مَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الكَلَّ، وَتَكْسِبُ المَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الحَقِّ" [2].
 
ففي شهر رمضان يصوم المسلم ويجوع، ويقاسم إخوانه الجوعى طعامَه، وربما لو لم يصم لم يُصبه الجوع، وأصحاب الثروة والأغنياء إذا صاموا يتذكرون إخوانهم الفقراء والمحتاجين، فيدفعون لهم زكاتهم، ويتصدقون عليهم بفضول أموالهم.
 
وإذا تفقَّدنا في المجتمع نجد أصنافًا من البؤساء، فيهم فقراء لا مورد لهم، ونسوة لا عائل لهنَّ، ومشردون لا وطنَ لهم، فقراء معدومون، يذوقون مرارة الجوع وألم الحِرمان، ويتامى فقدوا أحضان من يرعونهم يتضورون جوعًا!
 
ونحن في رمضان نمدُّ الموائد للإفطار، ونهيِّئها بأنواع الطعام والشراب، فلا بد أن نتذكر إخوة لنا في العراء، لا بيوت تسترهم، ولا لباس يَقيهم بأسهم، يبيتون بلا طعام، ويتسحرون بلا سحور، ويفطرون على ماء.
 
رمضان شهر زيادة الرزق:

إن الله يزيد في رزق المؤمن في هذا الشهر، وهذه إشارة واضحة بينة إلى أن ما يجود به المؤمنون في رمضان لا يُعَدُّ ذلك من عند أنفسهم، بل هو مما أفاء الله به عليهم، وإن الله يوسع على المؤمنين في رمضان؛ ليوسِّعوا على غيرهم كذلك، ويظهر من خلال الواقع صدق قول النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإن البركة تحل على البيت المؤمن في رمضان، فنجد القليل يكفي، ويحس المؤمن بطعم مختلف للطعام، ويُحس كذلك بأطيب طعم للطعام حينما يقتطع منه جزءًا يهديه إلى جار فقير أو عائلة مسكينة، وهذا أيضًا من المواساة في شهر رمضان، وسبب ذلك يرجع إلى أن المؤمن لم يتوجَّه إلى الله عز وجل بالصيام والقيام والصلوات والطاعات الأخرى في رمضان، فتنزل عليه رحمة الله عز وجل بكل معاني الكلمة، فيزداد بذلك رزق المؤمن كما هو الواقع.
 
تفطير الصائمين:

ويحض النبي صلى الله عليه وسلم على تفطير الصائم؛ ليجعل المسلمين يشعرون لحظة الإفطار بالوَحدة الإيمانية التي تربط بينهم، فالغني يشعر بالفقير، فيقدم له طعامًا، وهذا يعمِّق فيه الشعور بالإخوة، والفقير حين يجد مائدته خلال شهر رمضان عليها من الطعام ما أهداه إليه أخوه المسلم، فإنه يحس أنه ليس وحيدًا فريدًا في المجتمع، وأن الذين أنعم الله عليهم يكفلونه، وهذا سيجعله يدعو لهم بالبركة والرزق، وأن يغفر الله لهم، وبذلك يتعمق أيضًا الشعور بالأخوَّة عند هذا الفقير.
 
وإذا كان المؤمن يفعل الخير رغبًا ورهبًا، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يرغب في تفطير الصائم حين يقول: "كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئًا" ترغيبًا، وإذا كان العبد يحرص على المغفرة والعتق من النار؛ فإن تفطير الصائم يعطيه هذه الثمرة: "كان له مغفرة لذنوبه، وعتق رقبته من النار"، وهكذا ينجو من عذاب النار، ويزيد في ميزان حسناته بالحصول على الأجر العظيم؛ كي يتقدم في الدرجات العلا عند الله سبحانه، وقد ورد بمثل هذه الرواية في سنن الترمذي: "مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئًا" [3].
 
إن تطبيق "تفطير الصائم" في رمضان، سيعين الكثير من الأسر التي لا تجد شيئًا لتفطر عليه، والمطلوب أن يتحول "تفطير الصائم" إلى معالجة إيمانية ومشاركة فعالة في القضاء على الفقر.
 
وقد كان السلف الصالح يحرصون على إطعام الطعام، ويرونه من أفضل العبادات، وكان كثير من السلف يؤثر بفطوره وهو صائم، منهم عبدالله بن عمر رضي الله عنهما، وداود الطائي، ومالك بن دينار، وأحمد بن حنبل، وكان ابن عمر لا يفطر إلا مع اليتامى والمساكين، وكان من السلف من يطعم إخوانه الطعام وهو صائم، ويجلس يخدمهم، منهم الحسن وابن المبارك.
 
قال أبو السوار العدوي: كان رجال من بني عدي يصلون في هذا المسجد، ما أفطر أحد منهم على طعام قط وحده، إن وجد من يأكل معه أكَل، وإلَّا أخرج طعامه إلى المسجد، فأكله مع الناس وأكل الناس معه!
 
وعبادة إطعام الطعام، ينشأ عنها عبادات كثيرة؛ منها: التودد والتحبب إلى المُطعَمين، فيكون ذلك سببًا في دخول الجنة؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا"[4]، كما ينشأ عنها مجالسة الصالحين واحتساب الأجر في معونتهم على الطاعات التي تَقَووا عليها بطعامك.
 
تأدية الزكاة وصدقة الفطر:

إن الله عز وجل افترض إخراج الزكاة وزكاة الفطر من أموال المسلمين، والزكاة فريضة من الفرائض يؤديها المسلمون عامة في مناسبة رمضان لمضاعفة الأجر، وصدقة الفطر، وهي في الحقيقة تلافي ما يحدث من خلل ونقصٍ ولغو وسهو في صيام رمضان؛ كما إشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم: "فرض رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم زكاةَ الفِطرِ طُهرةً للصائمِ من اللغوِ والرَّفَثِ وطُعمةً للمساكينِ"[5]، إلى جانب ذلك تأدية الزكاة وصدقة الفطر؛ حتى لا يبقى في المجتمع الفقر والجوع، فعلى المسلم أن يهتم بالفقراء والبائسين، ويعين المعوزين، ويمد يد العون إليهم في شهر رمضان المضاعف فيه الأجر من عند الله عز وجل لكل عمل، فنطعم الطعام، ونُفطر الصائم، ونلبس البائس والعاري، ونسحِّر الفقراء، والمثوبة مدخرة عند الله عز وجل.



[1] أحمد بن مروان الدينوري، المجالسة وجواهر العلم، 2/ 46، جمعية التربية الإسلامية (البحرين - أم الحصم )، دار ابن حزم (بيروت - لبنان)تاريخ النشر : 1419هـ.



[2] البخاري، كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، حديث: 3.



[3] سنن الترمذي، باب ما جاء في فضل من فطر صائمًا، حديث: 807، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.



[4] صحيح مسلم، باب استحقاق القاتل سلب القتيل، حديث: 1753 .


[5] سنن أبي داود: باب زكاة الفطر، حديث: 1609.

شارك الخبر

المرئيات-١