غزوة بدر وثورة أهل الشام ضد الديكتاتور بشار!
مدة
قراءة المادة :
7 دقائق
.
إن من يتأمل في غزوة بدر وما سبقها ولحقها من أحداث يتبين له كثير من الحكم والأحكام، والدروس والعبر، ولا يخفى على ذي بصر أن الأمة الإسلامية ـوهي تتطلع إلى الأخذ بزمام المبادرة، والعودة إلى سابق عهدهاـ لا يمكن لها أن تغفل عن الاستفادة من تلك الدروس إذا أرادت أن تحقق ما تصبو إليه، وتنال ما ترغب في الحصول عليه، ومن تلك الدروس:
1) أن المصطفى صلى الله عليه وسلم اهتم بوحدة صف الجيش المسلم، ووحدة هدفه؛ لأن ذلك أدعى إلى الثبات ، وأسرع في الوصول إلى الغاية، وأجدر بحسم مادة النزاع والاختلاف، ومن دلائل اهتمامه بوحدة الصف أن النبي صلى الله عليه وسلم استشار الأنصار والمهاجرين؛ فقد جاء في سيرة ابن هشام أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «أشيروا علي أيها الناس!» وإنما يريد الأنصار، وذلك أنهم عدد الناس، وأنهم حين بايعوه بالعقبة، قالوا: "يا رسول الله! إنا براء من ذمامك حتى تصل إلى ديارنا، فإذا وصلت إلينا، فأنت في ذمتنا نمنعك مما نمنع منه أبناءنا ونساءنا"، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخوف ألا تكون الأنصار ترى عليها نصره إلا ممن دهمه بالمدينة من عدوه، وأن ليس عليهم أن يسير بهم إلى عدو من بلادهم، فلما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال له سعد بن معاذ رضي الله عنه: "والله لكأنك تريدنا يا رسول الله؟" قال: «أجل»، قال: "فقد آمنا بك، وصدقناك، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة، فامض يا رسول الله لما أردت، فنحن معك، فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته، لخضناه معك؛ ما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غداً، إنا لصبر في الحرب، صدق في اللقاء، لعل الله يريك منا ما تقر به عينك، فسر بنا على بركة الله" فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول سعد ونشطه ذلك.
وأخذ بمشورة الحباب بن المنذر رضي الله عنه في منزل القتال، قال ابن إسحاق: " فحدثت عن رجال من بني سلمة أنهم ذكروا أن الحباب بن منذر بن الجموح قال: يا رسول الله! أرأيت هذا المنزل، أمنزلاً أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخر عنه، أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ قال: «بل هو الرأي والحرب والمكيدة»، قال: يا رسول الله! فإن هذا ليس بمنزل فامض بالناس حتى نأتي أدنى ماء من القوم فننزله ثم نغور ما وراءه من القلب ثم نبني عليه حوضاً فنملؤه ماءً ثم نقاتل القوم فنشرب ولا يشربون، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لقد أشرت بالرأي».
2) وأما حرصه صلى الله عليه وسلم على وحدة الهدف، فيشهد له رده للرجل المشرك الذي أراد أن يقاتل معه لينال من الغنيمة، فعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ قِبَلَ بَدْرٍ، فَلَمَّا كَانَ بِحَرَّةِ الْوَبَرَةِ أَدْرَكَهُ رَجُلٌ، قَدْ كَانَ يُذْكَرُ مِنْهُ جُرْأَةٌ وَنَجْدَةٌ، فَفَرِحَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللّهِ حِينَ رَأَوْهُ، فَلَمَّا أَدْرَكَهُ، قَالَ لِرَسُولِ اللّهِ: جِئْتُ لأَتَّبِعَكَ وَأُصِيبَ مَعَكَ، قَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ: «تُؤْمِنُ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ؟» قَالَ: لاَ، قَالَ: «فَارْجِعْ، فَلَنْ أَسْتَعِينَ بِمُشْرِكٍ» قَالَتْ: ثُمَّ مَضَى حَتَّى إذَا كُنَّا بِالشَّجَرَةِ أَدْرَكَهُ الرَّجُلُ، فَقَالَ لَهُ كَمَا قَالَ أَوَّلَ مَرَّةٍ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ كَمَا قَالَ أَوَّلَ مَرَّةٍ، قَالَ: «فَارْجِـعْ فَلَنْ أَسْتَعِينَ بِمُشْرِكٍ»، قَالَ: ثُمَّ رَجَعَ فَأَدْرَكَهُ بِالْبَيْدَاءِ، فَقَالَ لَهُ كَمَا قَالَ أَوَّلَ مَرَّةٍ «تُؤْمِنُ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ؟» قَالَ: نَعَمْ.
فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ: «فَانْطَلِقْ».
ولعل السبب في ذلك أن الرجل إنما أراد بقتاله أن يصيب مغنماً دنيوياً، وهذا ليس وارد في حسبان المسلمين؛ إذ هدفهم أسمى من ذلك وأعظم، فهدفهم إعلاء كلمة الله، والتمكين لدينه في الأرض، وكبت أعدائه، والقضاء على قوتهم وسلطانهم، فلما أبان هذا الرجل عن هدف آخر غير هدف الدعوة إلى دين الله، لم يأذن له الرسول صلى الله عليه وسلم بالقتال معه، وهذا دليل على أهمية وحدة الهدف للجيش المقاتل.
3) ولم يهمل الرسول صلى الله عليه وسلم مخاطبة نفوس صحابته بما يشحذ الهمم، ويشد العزم، ويبعث على التفاؤل والنشاط، ويدفع إلى الإقدام في إخلاص وثبات، فقد خاطب رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحابة عندما دنى المشركون بقوله: «قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض»، قال: عمير بن الحمام الأنصاري: "يا رسول الله! جنة عرضها السموات والأرض؟" قال: «نعم» فقال: "بخ بخ"، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما يحملك على قول بخ بخ؟» قال: "لا والله يا رسول الله إلا رجاء أن أكون من أهلها"، قال: «فإنك من أهلها»، قال: فأخرج تمرات من قرنه فجعل يأكل منهن، ثم قال: "لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة، ثم رمى بما كان معه من التمر، ثم قاتلهم حتى قتل"، وبشرهم بالنصر قبل بدء القتال؛ فقد أخرج البخاري عنِ ابنِ عبّاسٍ رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم وهو في قُبَّة: «اللهمَّ إني أنشُدُكَ عهدَكَ ووَعدَك، اللّهمَّ إن شِئتَ لم تُعبَدْ بعدَ اليوم»؛ فأخذَ أبو بكر بيدِهِ، فقال: حَسْبُكَ يا رسولَ الله!، فقد ألححْتَ على ربِّك، وهَو في الدِّرع، فخرجَ وهو يقول: {سَيُهْزَمُ الجَمعُ ويُوَلُّونَ الدُّبر.
بلِ الساعةُ مَوْعِدُهُمْ والساعةُ أدْهى وأمرُّ} [القمر:45 ـ 46].
وقال صلى الله عليه وسلم: «سيروا وابشروا، فان الله قد وعدني إحدى الطائفتين، والله لكأني الآن أنظر إلى مصارع القوم».
إبراهيم بن عبد اللّه الزهراني