أرشيف المقالات

المؤامرة من بلفور إلى بوش حتى أوباما - ممدوح إسماعيل

مدة قراءة المادة : 10 دقائق .

في الثاني من نوفمبر تتجدد ذكرى أليمة وحزينة عند كل الفلسطينيين والعرب وكل المسلمين ألا وهي ذكرى وعد بلفور الذي ظلم الشعب الفلسطيني وظلم المسلمين، وهو الوعد الشهير بأن أعطى من لا يملك لمن لايستحق... نعم لأنه من المعلوم في العرف والقانون الدولي أن بريطانيا دولة احتلال والمحتل لا يملك الأرض، وما قام به البريطانيين المحتلين بإعطاء وعد لليهود بوطن قومي لهم على أرض فلسطين هو وعد غير قانوني وباطل.

ومع ذلك فقد اعتبره اليهود الصهاينة من أهم بنود ما أطلق عليه زوراً وثيقة الاستقلال وهي حقاً وثيقة الاحتلال والظلم.

وبالرجوع إلى وعد ظلم بلفور الصادر في 2 نوفمبر 1917 نجد نصه كالآتى: من أرثر بلفور وزير خارجية بريطانيا إلى اللورد روتشيلد (الرأسمالي اليهودي الصهيوني):
"يسرني جدا أن أبلغكم بالنيابة عن حكومة جلالته التصريح التالي الذي ينطوي على العطف على أماني اليهود الصهيونية, وقد عرض على الوزارة وأقرته:

إن حكومة جلالة الملك تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين, وستبذل جهدها لتسهل تحقيق هذه الغاية على أن يفهم جليا أن لن يؤتي بعمل من شأنه أن يضير الحقوق التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة الآن في فلسطين ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في البلدان الأخرى, أكون ممتنا لكم لو أبلغتم هذا التصريح إلى الاتحاد الفيدرالي الصهيوني".

هذا نص وعد الظلم ...
ومن اللافت أن الغرب لم يكن بعيد عن تلك المؤامرة، فمما هو جدير بالذكر أن نص تصريح بلفور كان قد عرض على الرئيس الأمريكي ولسون, ووافق على محتواه قبل نشره، ووافقت عليه فرنسا وإيطاليا رسميا سنة 1918, ثم تبعها الرئيس الأمريكي ولسون رسميا وعلنيا سنة 1919, وكذلك اليابان.

وفي سنة 1920 وافق عليه مؤتمر سان ريمو الذي عقده الحلفاء لوضع الخريطة السياسية الجديدة لما بعد الحرب, وضمّنه قراره بإنتداب بريطانيا نفسها على فلسطين وفي سنة 1922 وافقت عليه عصبة الأمم، وضمّن صك الانتداب البريطاني على فلسطين.

لذلك أجد نفسى مستغرباً من تلك الدعوات التي خرجت تلك الأيام تطالب بريطانيا باعتذار عن وعد بلفور وتطالبها أيضًا بالتعويض!!، هل تعتذر بريطانيا وحدها فقط؟، وحتى لو اعتذرت واعتذر الغرب ماذا يفيد الاعتذار بعد أن اكتملت مؤامرة الغرب الصليبي والصهيونية في فلسطين.

بلا شك أصحاب تلك الدعوات معذورين؛ فالحقيقة أن البداية كانت عبر بريطانيا التي فاوضت المنظمة الصهيونية العالمية من أجل إنشاء وطن لليهود وأعطت لهم ما لا يستحقون، ولكن الغرب كان مؤيداً ومشاركاً فى تأسيس وترسيخ ظلم الفلسطينيين والمسلميين عبر تأييد قانوني دولي لتزييف الحقيقة، وتضييع الحقوق، وتضييع وطن وشعب، بل ومقدسات معلوم أنها تخص المسلمين.

لذلك يقال أن بلفور نفذ سياسة "بالمرستون " رئيس وزراء بريطانيا الذي دعا عام 1839م إلى زرع كيان يهودي استيطاني في فلسطين ليكون حاجزًا بين مصر والمشرق العربي ليكون ذلك قلعة أمامية ضد التحرر والوحدة العربية، تلك السياسة التي تبناها جميع قادة الإمبراطورية البريطانية منذ "بالمرستون" ومن هنا قال هرتزل عن دور الدولة اليهودية في فلسطين بقولة: "سنكون بالنسبة إلى أوروبا جزءا من حائط يحميها من آسيا, وسنكون بمثابة حارس يقف في الطليعة ضد البربرية".

ولا يخفى أن مصالح بريطانيا والغرب توافقت على توجيه موجات الهجرة اليهودية لفلسطين بدلًا من أوربا وكسب تأييد اليهود أثناء الحرب العالمية الأولى.

ولقد مرت سنوات الظلم على الفلسطينيين وهم يتجرعون ويلات الاحتلال بتوافق دولي غربي مع العدو الصهيوني حتى ترسخ للصهاينة وجودهم بعد ما حدث من خيانة فى عام 1948 أحبطت أمل كبير فى تحرير فلسطين، وما لبث الصهاينة أن أعلنوا عن دولتهم في مايو 48 ولم يدم إعلانهم ساعات حتى أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية تأييدها لدولة الاحتلال إسرائيل وتبعها دول الغرب التي ظلت على تأييدها لدولة الإحتلال حتى يومنا هذا مع تغير في الألفاظ الدبلوماسية فقط.

وفي عام 2004 ظهر الرئيس الأمريكي بوش بوعد ظلم جديد للفلسطينيين أطلق عليه وعد بوش للسفاح الصهيوني شارون، فقد اعترف بوش بحق الاحتلال الصهيوني اليهودي "إسرائيل" في ضم التكتلات الاستيطانية المنتشرة في أنحاء الجسم الفلسطيني، والتي تبتلع حسب التقديرات وحسب مخططات شارون نفسه من 55 - %60 من مساحة الضفة الغربية، ووافق بوش على مواصلة الاحتلال الصهيوني في "بناء الجدران العنصرية التي تقطع أوصال الجسم الفلسطيني إلى جيوب، وتحول ما يقع من أراض وسكان بين الجدار الكبير والنهر الأردني إلى جزر عنصرية منعزلة ومعسكرات اعتقال جماعية قمعية للفلسطينيين..".

وقد تمادى ظلم بوش للفلسطينيين إلى ذروة بشعة غير مسبوقة بمطالبتهم بمحاربة "الارهاب" أي أن يقتل الفلسطينيون بعضهم البعض؛ فقد طالبهم بمحاربة المقاومة التي تقاوم من أجل حقها في الحرية والاستقلال وهو حق معترف به دوليا لا تختلف عليه المواثيق والأعراف الدولية.

وقد عبر السفير الصهيوني في الولايات المتحدة داني أيالون عن وعد بوش بمنتهى الوضوح قائلاً: "إن رسالة بوش في الرابع عشر من نيسان ـ إبريل 2004 إلى شارون، والتي اعترف فيها بالكتل الاستيطانية الكبيرة في الضفة الغربية، وعدم عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى إسرائيل، تشبه في أهميتها التاريخية وعد بلفور، وأكد: "أن رسالة بوش تعتبر وثيقة أهم من تصريح بلفور، وبحسبه فإن الرسالة ستكون الأساس للتوصل إلى أي اتفاق في المستقبل (أى إتفاق يقصد ومع من هل يقصد اتفاق لبيع فلسطين مع خونة يفرّطون في الأرض والمقدسات ذلك بإذن الله صعب المنال )".

وكان آخر وعد لبوش للفلسطينيين هو وعده الوهم بإقامة دولة لهم بجانب دولة الإحتلال ولكن ها هو يمضى تاركاً البيت الأبيض الذي اسود من طغيان إدارته وظلمها للعرب والمسلمين ولم ينفذ إلا وعده لشارون السفاح فقد ازدادت مساحة دولة الاحتلال ولم يبق للفلسطينيين إلا قطع صغيرة متناثرة من المساحات لاتصلح إلا أن تكون سجناً لا وطنًا.

ويبقى مهمًا أن يعي العرب والمسلمين والفلسطينيين ما حدث من وعد بلفور فى عام 1917 إلى ما حدث من بوش حتى 2008 الآن في خطابه الشهير في الكنيست في ذكرى ستين عام على تأسيس دولة الاحتلال فقد أعلن دعمه لدولة الصهاينة بقوله أنكم لستم سبعة مليون بل أنتم 307 مليون إشارة إلى عدد سكان الولايات المتحدة الأمريكية معهم.

الحقيقة أننا أمام مؤامرة صهيو صليبية ضد العرب والمسلمين واضحة لا ريب فيها، مؤامرة ضد أرضهم ومقدساتهم، مؤامرة ضد قوتهم ووحدتهم، مؤامرة لن تتوقف...

ولا يخفى أن العرب وبعض الفلسطينين كانوا جزء من تلك المؤامرة بضعفهم وتشتتهم وتفرقهم بشعارات ومناهج استبدلوها بالهوية الإسلامية مثل العلمانية والإشتراكية والليبرالية وغيرها من الشعارات التى ضيعت قوة المسلمين بخلاف الخونة الذين تحالفوا مع العدو الصهيو صليبي ضد فلسطين والأقصى.

ومن المثير للسخرية المملؤة بالمرارة ابتهاج بعض العرب والفلسطنيين بانتخاب الأمريكي أوباما رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية كأنهم يرجون منهم أن ينصر قضيتهم ويحرر لهم القدس والأقصى ويحمل اللاجئين الفسطنيين في الطائرات الآمريكية إلى يافا وحيفا وعكا كي يعودوا إلى ديارهم وهو الذي أعلن أن القدس ستظل عاصمة لاسرائيل...
ما هذا الهوان والضعف؟!!

لقد أرسل أوباما أول رسالة صهيونية لها دلالتها للعرب بإختيار رام إيمانويل لمنصب كبير موظفي البيت الأبيض، أي كبير المستشارين، وهو اليهودي المعروف بانتمائه لأسرة صهيونية، فقد كان والده بنيامين عضو في منظمة إيستيل التي شاركت في مذبحة دير ياسين وغيرها من الجرائم الصهيونية، ورام إيمانويل لم يتخلى عن انتماؤه لدولة الإحتلال إسرائيل حيث تطوع في جيشها إبان حرب الخليج.

إن فلسطين لن تعود إلا بعودة المسلمين إلى دينهم، ووحدة العرب لن تعود إلا بنبذ الخلاف والفرقة والشعارات، والعودة لعقيدة الإسلام التي وحدتّهم ونصرتهم من قبل على كل الأعداء، ومن ثم تظهر طائفة من أمة محمد صلى الله عليه وسلم صافية العقيدة والمنهج...
طائفة تؤمن برسالة الإسلام وأن فلسطين جزء من أرض المسلمين، وقف لا يجوز التفريط فيها، ومن ثم يتحقق وعد الله بالنصر وطرد اليهود.

وها هي بشائر النصر تظهر من خلال المقاومة الإسلامية في فلسطين التي بهرت العالم بتضحياتها، وحققت ما عجز العرب والفلسطينيين أن يحققوه خلال سنوات عندما تسربلوا بأنواع مختلفة من المناهج والشعارات غير أن يكون الإسلام منهجهم.

ممدوح اسماعيل محام وكاتب
[email protected]








شارك الخبر

ساهم - قرآن ١