خطب ومحاضرات
شرح زاد المستقنع - كتاب الطهارة [7]
الحلقة مفرغة
قال المصنف رحمه الله: [ويستاك عرضاً مبتدئاً بجانب فمه الأيمن، ويدهن غباً ويكتحل وتراً.
وتجب التسمية في الوضوء مع الذكر، ويجب الختان ما لم يخف على نفسه، ويكره القزع.
ومن سنن الوضوء: السواك، وغسل الكفين ثلاثاً.
ويجب من نوم ليل ناقض لوضوء، والبداءة بمضمضة، ثم استنشاق، والمبالغة فيهما لغير صائم، وتخليل اللحية الكثيفة والأصابع والتيامن، وأخذ ماء جديد للأذنين, والغسلة الثانية والثالثة.
باب فروض الوضوء وصفته:
فروضه ستة: غسل الوجه والفم والأنف منه، وغسل اليدين, ومسح الرأس ومنه الأذنان، وغسل الرجلين, والترتيب, والموالاة].
تقدم ما يتعلق ببقية أحكام الاستنجاء والاستجمار، وذكرنا من ذلك ما يتعلق بالمواضع التي ينهى عن قضاء الحاجة فيها، وكذلك أيضاً إذا انتهى من قضاء حاجته ماذا يشرع له، وما هي شروط الاستجمار؟ وما هو ضابط الاستنجاء المجزي؟ وما ضابط الاستجمار المجزي؟
ثم شرعنا في باب السواك وسنن الوضوء، وقد ذكر المؤلف رحمه الله تعالى أن السواك سنة مطلقاً، وأنه يتأكد في مواضع، وهل يشرع للصائم بعد الزوال؟ وذكرنا كلام أهل العلم، وتطرقنا أيضاً للمواضع التي يتأكد فيها السواك، وأنه يتأكد عند الصلاة وعند الوضوء وعند تغير رائحة الفم وعند الانتباه.
ثم قال رحمه الله تعالى: (ويستاك عرضاً).
وذكرنا أن هذا باتفاق الأئمة, وأن السنة إذا استاك أن يستاك عرضاً، والعلة في ذلك: أنه إذا استاك طولاً فإنه يفسد اللثة ويجرحها، إلا إذا استاك على لسانه فإنه يستاك طولاً؛ لما تقدم من حديث أبي موسى رضي الله تعالى عنه.
قال رحمه الله: (مبتدئاً بجانب فمه الأيمن).
يعني: إذا أراد أن يتسوك فإنه يبتدئ بجانب فمه الأيمن، ويدل لذلك: حديث عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعجبه التيمن )، يعني: يستحسن التيمن، فيشرع أن يبدأ بجانبه الأيمن، والبداءة بجانب الفم الأيمن هذا باتفاق الأئمة.
قال رحمه الله: (ويدهن غباً).
يعني: يستحب لمن له شعر أن يدهن شعره، لكن قال المؤلف رحمه الله: يدهن غباً, يعني: يدهن في يوم ويترك الادهان في يوم آخر، ودليل ذلك: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الترجل إلا غباً )، والترجل هو: تسريح الشعر وتحسينه، فالنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الترجل إلا غباً، وهذا الحديث أخرجه الترمذي والنسائي وصححه الترمذي .
وقد ذكر العلماء رحمهم الله تعالى أن المراد بالحديث: التهالك في التحسين والمبالغة في ذلك، وإلا إذا احتاج المسلم إلى أن يدهن كل يوم فهذا لا بأس به، لكن المراد بذلك هو أن يتهالك, وأن يبالغ في التحسين؛ لأن العناية بالمظهر يفقد العناية بالباطن، والنبي صلى الله عليه وسلم أراد من المسلم أن يعتني أشد الاعتناء بباطنه, بأن يلاحظ قلبه، يعني: ما يتعلق بالرياء، بالسمعة، ما يتعلق بأمراض القلوب من الحسد والغيرة الممقوتة والحقد, وغير ذلك، فالمطلوب من المسلم أن يفتش عن قلبه دائماً وأبداً، وأن يلاحظ التفات القلوب إلى المخلوقين, ونحو ذلك.
والخلاصة في المسألة: أن المسلم مأمور بالتجمل, وفي الصحيح: ( إن الله جميل يحب الجمال )، فمن أسماء الله عز وجل: الجميل، ومن صفاته: أنه يحب الجمال، فأنت مطلوب منك أن تتحسن وأن تتنظف، لكن الإسلام ينهى أن يبالغ المسلم في ذلك، وأن يكثر منه، وأن يكون هذا هماً له، وأن يكون ديدنه؛ لأن مثل هذا مما يزاحم نظافة الباطن، ونظافة الباطن هي التي ينبغي للمسلم أن يبالغ فيها، وأن يكثر منها.
قال رحمه الله: (ويكتحل وتراً).
يعني: يكتحل في كل عين ثلاثة أميال بالإثمد، ويدل لذلك حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، لكن هذا الحديث ضعيف, لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ وعلى هذا نقول: الاكتحال ينقسم إلى قسمين:
القسم الأول: إذا كان المقصود من ذلك هو صلاح العين أي: تقوية النظر وإزالة الغشاوة التي تحصل على العين ونحو ذلك فنقول: هذا مستحب؛ لأن هذا من إصلاح البدن، والله سبحانه وتعالى أمر المسلم أن يحفظ بدنه، وقد ذكر ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه الطب النبوي وكذلك أيضاً في زاد المعاد ذكر جملة من فوائد الكحل بالإثمد، فإذا كان المقصود بذلك مصلحة العين فهذا مستحب.
والقسم الثاني: أن يكون المقصود بذلك هو مجرد التزين والتجمل، فإن كان للمرأة فهذا مطلوب؛ لأن المرأة يطلب منها أن تتجمل وأن تتحسن لزوجها؛ لأن هذا من حسن العشرة للزوج. وأما بالنسبة للرجل فإن هذا مباح وجائز ولا بأس به؛ لأن الأصل في ذلك الإباحة، وقد ورد ذلك بالنسبة للرجال، إلا إذا كان سيترتب عليه فتنة فإنه يحرم لهذا العارض.
قال رحمه الله: (وتجب التسمية في الوضوء مع الذكر).
هذه المسألة من مفردات مذهب الحنابلة رحمهم الله تعالى أن التسمية واجبة في الوضوء.
وقوله: (في الوضوء) المقصود به الطهارة؛ سواء كانت الطهارة وضوءاً يعني: رفعاً للحدث الأصغر أو رفعاً للحدث الأكبر أو تيمماً، فالحنابلة يرون أن التسمية واجبة في الوضوء، وواجبة في الغسل، وواجبة في التيمم، ودليلهم على ذلك: حديث أبي هريرة وله شاهد من حديث أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا صلاة لمن لا وضوء له، ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه )، وهذا الحديث أخرجه أبو داود ، وابن ماجه والإمام أحمد رحمه الله تعالى وغيرهم، وهو ضعيف، لكن له شواهد تقويه، فله شاهد من حديث أبي سعيد وعائشة وسعيد بن زيد وعلي بن أبي طالب وأنس بن مالك ، لكن لا ينتهض إلى الوجوب كما ذهب إليه الحنابلة.
والرأي الثاني رأي جمهور أهل العلم من الحنفية والشافعية والمالكية: أن التسمية مستحبة, وليست واجبة؛ لأن هذا الحديث فيه ضعف؛ ولهذا قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى: لا يثبت في الباب شيء، وذهب بعض أهل العلم إلى أن التسمية لا تشرع ولا حتى استحباباً؛ بناءً على أنه لم يثبت شيء، كما ذكرنا أن الإمام أحمد قال: لا يثبت في هذا الباب شيء.
إذاً: جمهور أهل العلم يرون أن التسمية مستحبة لهذا الحديث.
وأيضاً مما يدل لذلك أن أكثر الذين وصفوا وضوء النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكروا التسمية، حتى ولو ثبت فنقول: هذا محمول على الكمال والاستحباب، فالقول بالاستحباب وسط، وهو قول الجمهور، وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى أن التسمية يؤتى بها في بداءة كل أمر مهم، ويدخل في ذلك الوضوء، فنقول: الأقرب في ذلك هو ما ذهب إليه جمهور أهل العلم رحمهم الله تعالى لهذا الحديث، وكما ذكرنا هذا الحديث له شواهد كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولهذا بعض أهل العلم صحح هذا الحديث، وابن حجر رحمه الله يقول: شواهده تدل على أن له أصلاً.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: (مع الذكر).
يعني: إذا كان ذاكراً، أما إذا نسي فإن التسمية تسقط، لكن لو ذكر في أثناء الوضوء فصاحب الإقناع يقول: بأنه يبني على وضوئه، وصاحب المنتهى يقول: بأنه يستأنف الوضوء، فمثلاً: لو غسل وجهه وقد نسي التسمية، وبعد أن انتهى من غسل الوجه تذكر أنه لم يسم فهل نقول: يبتدئ أو نقول: يبني؟ صاحب الإقناع يقول: بأنه يبني، وصاحب المنتهى يقول: بأنه يستأنف, يعني: يبتدئ، وعند المتأخرين من الحنابلة: أنه إذا اختلف الإقناع والمنتهى فالمرجح ما في المنتهى، وعلى هذا فالمذهب أنه إذا ذكر في أثناء الوضوء فإنه يبتدئ الوضوء من جديد، لكن إذا ذكر بعد نهاية الوضوء فإن التسمية تسقط، والصواب: أنه لا يجب عليه، كما ذهب إليه الحجاوي رحمه الله تعالى, وأنه إذا ذكر في أثناء الوضوء فإنه يبني على وضوئه.
حكم الختان
الختان في اللغة يطلق على معان, منها: القطع.
وأما في الاصطلاح فهو: قطع الجلدة التي تكون فوق الحشفة، والحشفة هي رأس الذكر، وقد ذكر بعض العلماء أن الحشفة يتعلق بها ما يقرب من أربعمائة حكم, كوجوب الدية فيها كاملة إذا قطعت.
هذا الختان يقول المؤلف رحمه الله تعالى بأنه واجب، وظاهر كلام المؤلف رحمه الله بأنه يجب على الذكور والإناث، وهذا المشهور من مذهب الإمام أحمد ومذهب الشافعي ، وعند أبي حنيفة ومالك أنه سنة للذكور والإناث، والرواية الثانية عن الإمام أحمد رحمه الله وهي التي اختارها ابن قدامة أن الختان واجب على الذكور مستحب للإناث، وهذا القول هو الأقرب أنه واجب على الذكور ومستحب للإناث.
أما الدليل على وجوبه فإن الله سبحانه وتعالى قال: وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ [البقرة:124]، ومن هذه الكلمات التي ابتلى الله عز وجل بها إبراهيم: الختان، والنبي صلى الله عليه وسلم مأمور باتباع سنة إبراهيم عليه الصلاة والسلام.
ويقولون أيضاً: بأن الختان قطع شيء من الجلد وتصرف في البدن، وقد يكون البدن بدن يتيم، وقد تؤخذ الأجرة من مال اليتيم، فمثل هذه التصرفات لا تكون إلا لأمر واجب، وللفرق أيضاً بين المسلمين والنصارى الذين لا يختنون.
فالصواب في هذه المسألة: ما ذهب إليه الشافعية والحنابلة، لكن بالنسبة لوجوبه على المرأة فهذا فيه نظر، وهذا الرواية الثانية عن الإمام أحمد رحمه الله بأنه لا يجب على المرأة هي الصواب؛ لأن الختان للذكر يتعلق بمصلحة تعود إلى شرط من شروط صحة الصلاة, وهو اجتناب النجاسة؛ لأن هذه الجلدة إذا تركت ولم تقطع فإنه أثناء قضاء الحاجة قد يجتمع شيء من البول فيها فيتعدى إلى الثياب، ويتعدى إلى البدن، ولما يترتب على ذلك من الضرر بالنسبة لعدم المختتن.
وأما بالنسبة للمرأة فالختان لها لتقليل الغلمة؛ لتحصيل أمر كمال، فالصواب أنه لا يجب.
وقت وجوب الختان
العلماء رحمهم الله تعالى يقولون: الختان له ثلاثة أوقات:
الوقت الأول: وقت كراهة من الولادة إلى اليوم السابع.
والوقت الثاني: وقت الوجوب إذا قارب البلوغ.
وما بين ذلك وقت استحباب، لكن كلما فعل في الصغر فهو أفضل؛ لأنه أسرع برءاً، ولأن الطفل يتألم ألماً بدنياً ولا يتألم ألماً قلبياً.
قال رحمه الله: (ما لم يخف على نفسه).
يعني: إذا كان يخاف على نفسه الهلاك أو فساد العضو من الختان، فإنه لا يجب، قال تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16]، والواجبات تسقط بالعجز عنها.
قال: (ويجب الختان).
الختان في اللغة يطلق على معان, منها: القطع.
وأما في الاصطلاح فهو: قطع الجلدة التي تكون فوق الحشفة، والحشفة هي رأس الذكر، وقد ذكر بعض العلماء أن الحشفة يتعلق بها ما يقرب من أربعمائة حكم, كوجوب الدية فيها كاملة إذا قطعت.
هذا الختان يقول المؤلف رحمه الله تعالى بأنه واجب، وظاهر كلام المؤلف رحمه الله بأنه يجب على الذكور والإناث، وهذا المشهور من مذهب الإمام أحمد ومذهب الشافعي ، وعند أبي حنيفة ومالك أنه سنة للذكور والإناث، والرواية الثانية عن الإمام أحمد رحمه الله وهي التي اختارها ابن قدامة أن الختان واجب على الذكور مستحب للإناث، وهذا القول هو الأقرب أنه واجب على الذكور ومستحب للإناث.
أما الدليل على وجوبه فإن الله سبحانه وتعالى قال: وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ [البقرة:124]، ومن هذه الكلمات التي ابتلى الله عز وجل بها إبراهيم: الختان، والنبي صلى الله عليه وسلم مأمور باتباع سنة إبراهيم عليه الصلاة والسلام.
ويقولون أيضاً: بأن الختان قطع شيء من الجلد وتصرف في البدن، وقد يكون البدن بدن يتيم، وقد تؤخذ الأجرة من مال اليتيم، فمثل هذه التصرفات لا تكون إلا لأمر واجب، وللفرق أيضاً بين المسلمين والنصارى الذين لا يختنون.
فالصواب في هذه المسألة: ما ذهب إليه الشافعية والحنابلة، لكن بالنسبة لوجوبه على المرأة فهذا فيه نظر، وهذا الرواية الثانية عن الإمام أحمد رحمه الله بأنه لا يجب على المرأة هي الصواب؛ لأن الختان للذكر يتعلق بمصلحة تعود إلى شرط من شروط صحة الصلاة, وهو اجتناب النجاسة؛ لأن هذه الجلدة إذا تركت ولم تقطع فإنه أثناء قضاء الحاجة قد يجتمع شيء من البول فيها فيتعدى إلى الثياب، ويتعدى إلى البدن، ولما يترتب على ذلك من الضرر بالنسبة لعدم المختتن.
وأما بالنسبة للمرأة فالختان لها لتقليل الغلمة؛ لتحصيل أمر كمال، فالصواب أنه لا يجب.
لكن متى يجب الختان؟
العلماء رحمهم الله تعالى يقولون: الختان له ثلاثة أوقات:
الوقت الأول: وقت كراهة من الولادة إلى اليوم السابع.
والوقت الثاني: وقت الوجوب إذا قارب البلوغ.
وما بين ذلك وقت استحباب، لكن كلما فعل في الصغر فهو أفضل؛ لأنه أسرع برءاً، ولأن الطفل يتألم ألماً بدنياً ولا يتألم ألماً قلبياً.
قال رحمه الله: (ما لم يخف على نفسه).
يعني: إذا كان يخاف على نفسه الهلاك أو فساد العضو من الختان، فإنه لا يجب، قال تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16]، والواجبات تسقط بالعجز عنها.
قال رحمه الله: (ويكره القزع).
القزع هو أن يحلق بعض الرأس ويترك بعضه؛ لأن ( النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن القزع )، وقد ذكر النووي رحمه الله تعالى إجماع العلماء على كراهة القزع؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك، إلا إذا كان يترتب على هذا القزع تشبه بخصيصة من خصائص الكفار فإنه محرم ولا يجوز.
استمع المزيد من الشيخ الدكتور خالد بن علي المشيقح - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
شرح زاد المستقنع - كتاب الطهارة [17] | 2816 استماع |
شرح زاد المستقنع - كتاب النكاح [13] | 2730 استماع |
شرح زاد المستقنع - كتاب المناسك [5] | 2676 استماع |
شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [19] | 2643 استماع |
شرح زاد المستقنع - كتاب البيع [26] | 2638 استماع |
شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [32] | 2556 استماع |
شرح زاد المستقنع - كتاب الأيمان [2] | 2553 استماع |
شرح زاد المستقنع - كتاب الحدود [7] | 2526 استماع |
شرح زاد المستقنع - كتاب الإيلاء [1] | 2520 استماع |
شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [8] | 2497 استماع |