خطب ومحاضرات
شرح زاد المستقنع - كتاب الطهارة [4]
الحلقة مفرغة
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وإن شك في نجاسة ماء أو غيره أو طهارته بنى على اليقين، وإن اشتبه طهور بنجس حرم استعمالهما ولم يتحر، ولا يشترط للتيمم إراقتهما ولا خلطهما، وإن اشتبه بطاهر توضأ منهما وضوءاً واحداً من هذا غرفة ومن هذا غرفة، وصلى صلاة واحدة، وإن اشتبهت ثياب طاهرة بنجسة أو محرمة صلى في كل ثوب صلاة بعدد النجس أو المحرم وزاد صلاة.
باب الآنية:
كل إناء طاهر ولو ثميناً يباح اتحاذه واستعماله, إلا آنية ذهب وفضة ومضبباً بهما فإنه يحرم اتخاذها واستعمالها ولو على أنثى، وتصح الطهارة منها, إلا ضبة يسيرة من فضة لحاجة، وتكره مباشرتها لغير حاجة، وتباح آنية الكفار ولو لم تحل ذبائحهم، وثيابهم إن جهل حالها، ولا يطهر جلد ميتة بدباغ ].
تقدم لنا بعض أحكام المياه، وأخذنا من هذه الأحكام ما يتعلق باستعمال الماء، وأن الماء المستعمل ينقسم إلى قسمين:
القسم الأول: ما استعمل في رفع حدث.
والقسم الثاني: ما استعمل في طهارة غير واجبة.
وذكرنا حكم كل قسم من هذين القسمين، وتكلم المؤلف رحمه الله عن حكم الماء الذي غمس فيه يد قائم من نوم الليل الناقض للوضوء، وأيضاً حكم الماء الذي خلت به امرأة مكلفة عن حدث لطهارة كاملة، وهل يرفع حدث الرجل أو لا يرفع حدث الرجل؟
وذكر المؤلف رحمه الله تعالى أيضاً الماء النجس، وأن الماء النجس على المشهور من المذهب يشتمل على ثلاثة أمور، وبينا مصطلح الماء القليل والماء الكثير، وذكرنا أيضاً كيف يطهر الماء إذا تنجس، وقلنا في خلاصة ذلك: إن النجاسة حكمها أنها مستقذرة شرعاً إذا زالت بأي مزيل طهر المحل؛ لأن الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً، فإذا تنجس الماء فبأي طريق زال هذا الوصف الخبيث فإن الماء يطهر، وبقي علينا في بقية أحكام المياه مسألتان.
قال رحمه الله تعالى: (وإن شك في نجاسة ماء أو غيره أو طهارته بنى على اليقين).
نفهم من هذا قاعدة في المذهب وهي: البناء على اليقين عند الشك، يعني: إذا حصل للإنسان شك أو ظن غالب، أو ترجح لأحد الأمرين فإنه يبني على اليقين، وهذه قاعدة المذهب، وعلى هذا إذا شك في ركعات الصلاة هل صلى ثلاثاً أو أربعاً فإنه يجعلها ثلاثاً، ولو غلب على ظنه أنها أربع فإنه يبني على اليقين، وكذا لو شك في أشواط الطواف، هل طاف ثلاثة أشواط أو أربعة فيجعلها ثلاثة, وإن غلب على ظنه أنها أربعة فلا يعمل بغلبة الظن، ولو شك في حصيات الجمار كم رمى فكذلك.
وإذا شك في نجاسة ماء أو طهارته فيبني على اليقين، فإذا كان عندنا ماء حصل فيه شيء من الروث، وشككنا هل هو روث مأكول اللحم فيكون طاهراً أو روث غير مأكول اللحم فيكون نجساً؟ فالأصل في ذلك الطهارة، وكذلك لو كان الماء نجساً ثم شككنا في طهارته, هل تطهر أو لم يتطهر؟ فنقول: الأصل في ذلك النجاسة، ودليل ذلك حديث عبد الله بن زيد رضي الله تعالى عنه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الرجل يخيل إليه في الصلاة أنه أحدث ولم يحدث؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً ).
وإحدى القواعد الخمس الكلية قاعدة: اليقين لا يزول بالشك، فإذا (شك في نجاسة ماء أو غيره) يعني: نجاسة ثوب أو نجاسة البقعة التي يصلي عليها فالأصل في ذلك الطهارة، أو العكس كما لو شك في طهارة هذه الأشياء فالأصل في ذلك النجاسة، وسيأتينا -إن شاء الله- كلام على هذه المسألة، فيما إذا حصل شك هل يعمل بغلبة الظن إذا ترجح أحد الأمرين أو لا يعمل بغلبة الظن؟ وذلك في باب سجود السهو، وسيأتينا أن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يرى إعمال غلبة الظن إذا وجد.
اشتباه الماء الطهور بالنجس
أي: إذا اشتبه ماء طهور بماء نجس، يعني: لو أن عندنا إناءين أحدهما فيه ماء نجس، والآخر فيه ماء طهور، واشتبه هذان الماءان فأصبحنا لا نميز بين الماء الطهور وبين الماء النجس، فيقول المؤلف رحمه الله تعالى: (حرم استعمالهما، ولم يتحر)، أي: لا ينظر إلى القرائن التي تدل على أن هذا هو الماء الطهور أو أن هذا هو الماء النجس، حتى ولو كان هناك قرائن تؤيد أن هذا هو الطهور أو أن هذا هو النجس.
قال رحمه الله: (ولا يشترط للتيمم إراقتهما ولا خلطهما).
يعني: لا تستعمل هذين الماءين، ولا تخلطهما؛ لأنك إذا خلطت أحدهما بالآخر أصبح كل واحد منهما نجساً؛ لأن الطهور منهما يسير لاقى نجاسة, فيكون نجساً، وإذا كان نجساً أصبح في حكم العدم، فإذا أردت أن تتيمم فلا يشترط أن تخلطهما، ولا يشترط أيضاً أن تريقهما؛ لكي تكون عادماً للماء؛ لأنك وإن لم تكن عادماً للماء حقيقة فإنك عادم للماء حكماً؛ لأنك لا تستطيع أن تتوضأ بواحد منهما فلك أن تتيمم.
والرأي الثاني في هذه المسألة: أنه إذا أمكن التحري فإن الإنسان يتحرى، وهذا مذهب الحنفية والشافعية، يعني: إذا قامت قرائن تدل على أن هذا هو الماء الطهور، أو أن هذا هو الماء النجس بسبب رائحة أو لون أو نحو ذلك فإنه يتحرى، ويعمل الظن ويتوضأ بأحدهما، وهذا القول هو الصواب، ويدل له حديث ابن مسعود رضي الله تعالى عنه في البخاري في الشك، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( فليتحر الصواب، ثم ليبن عليه ).
اشتباه الماء الطهور بالطاهر
يعني: اشتبه الطهور بماء طاهر، وهذا على رأي كثير من أهل العلم في إثبات الماء الطاهر، فلو كان عندنا ماء طهور وآخر غمس فيه يد قائم من نوم الليل الناقض للوضوء، وكان يسيراً (أقل من قلتين) فإنه يكون طاهراً كما تقدم، فاشتبه عندنا أي الماءين الذي غمست فيه هذه اليد، هل هو الماء الأول أو الثاني؟ فيتوضأ منهما وضوءاً واحداً، يعني: يتوضأ، فيأخذ غرفة من الأول ويتمضمض، ثم يأخذ غرفة من الثاني ويتمضمض ويستنشق، ثم يأخذ غرفة ويغسل وجهه، ثم يأخذ غرفة من الثاني ويغسل وجهه وهكذا، فيتوضأ من هذا ومن هذا وضوءاً واحداً، غرفة من هذا وغرفة من هذا، ويصلي صلاة واحدة.
وإنما قالوا: لا يتوضأ من هذا وضوءاً كاملاً، ولا من هذا وضوءاً كاملاً؛ لأنه يحصل عنده شك، ولا بد أن تكون النية جازمة، وهنا لا يحصل عنده جزم؛ لأنه أثناء الوضوء يشك أن هذا هو الماء الطاهر أو هذا، وإذا كان كذلك، فيتوضأ من هذا غرفة ومن هذا غرفة؛ لأنه لو توضأ من هذا غرفة ومن هذا غرفة وانتهى من وضوئه فإنه يجزم الآن أنه توضأ بماء طهور، بخلاف ما إذا توضأ من الأول فإنه يشك الآن: هل توضأ من ماء طهور أو لا؟ لكن إذا قلنا: بأن الماء ينقسم إلى قسمين، وأن الطاهر ليس له وجود لم ترد عندنا هذه المسألة.
اشتباه الثياب الطاهرة بالنجسة أو المحرمة
يعني: لو اشتبهت ثياب طاهرة بثياب نجسة، وهذا كما تقدم: أن القاعدة على المذهب في الجملة أنهم يعملون اليقين إذا حصل الشك. فهذه المسائل التي ذكرها المؤلف رحمه الله مبنية على هذه القاعدة عند الحنابلة رحمهم الله.
فمن عنده خمسة ثياب نجسة أصابها بول، وخمسة ثياب طاهرة واختلطت، فنقول: صل بعدد النجسة، وزد صلاة؛ لأنه إذا صلى ست صلوات فإنه يتيقن أنه صلى صلاة بثوب طاهر، وهنا لا بد أنه يبني صلاته على اليقين، وهنا الآن قد حصل له اليقين، ولو كانت الثياب النجسة عشرة فلا بد أن يصلي عشر صلوات ويزيد صلاة، أو كانت الثياب المحرمة -كالثياب المسروقة أو المغصوبة- عشرة فيزيد صلاة، وهذا هو المشهور من المذهب.
والرأي الثاني: رأي أبي حنيفة والشافعي : أنه يتحرى ثوباً ويصلي فيه، يعني: ينظر ويعمل القرائن, فالذي يغلب على ظنه أنه ثوب طاهر يصلي فيه، والدليل على ذلك حديث ابن مسعود في البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( فليتحر الصواب، ثم ليبن عليه ).
وقول المؤلف رحمه الله: (أو المحرم) يعني: أن رأيهم في مسألة الثياب المحرمة أضعف من رأيهم في مسألة الثياب النجسة؛ لأنه لو تيقن أنه ثوب محرم وصلى به فصلاته صحيحة؛ لأن النهي هنا لا يعود إلى ذات المنهي عنه، ولا إلى شرطه المختص بالعبادة، بل يعود إلى الشرط الذي لا يختص بالعبادة، كما ذكر ابن رجب رحمه الله في القواعد، وهي قاعدة أصولية كبيرة، ولها أربعة أقسام:
القسم الأول: أن يعود النهي إلى ذات المنهي عنه، فنقول: بأنه يقتضي الفساد.
القسم الثاني: أن يعود النهي إلى أمر خارج, فنقول: لا يقتضي الفساد، كما لو صلى وعليه عمامة حرير، فالحرير محرم على الرجل في الصلاة وفي خارج الصلاة، وأيضاً: لا يتعلق بشرط الصلاة؛ لأن ستر الرأس ليس داخلاً في شروط الصلاة مما يجب ستره.
القسم الثالث: أن يعود النهي إلى شرط العبادة أو المعاملة على وجه يختص, فنقول: يقتضي الفساد، مثل: الصلاة بثوب نجس، فالصلاة بثوب نجس يعود إلى شرط العبادة على وجه يختص؛ لأن لبس الثوب النجس خاص بالصلاة، أما خارج الصلاة فلك أن تلبسه، لكن ليس لك في الصلاة أن تلبسه، فما دام أن النهي يختص بالصلاة أو العبادة أو المعاملة فنقول: يقتضي الفساد.
القسم الرابع: أن يعود النهي إلى شرط العبادة أو المعاملة لكنه لا يختص، مثل: الصلاة في الثوب المسروق، فاستعمال الثوب المسروق محرم في الصلاة وخارج الصلاة، وكذا استعمال الثوب الحرير محرم في الصلاة -للرجل- وخارج الصلاة، لكن لبس الثوب النجس هذا خاص بالصلاة فلا يجوز لك، أما خارج الصلاة لو لبست ثوباً نجساً فنقول: هذا جائز ولا بأس به.
فنفهم من هذا أن الإنسان لو صلى بثوب محرم كمسروق أو مغصوب أو منتهب فالتحريم هنا أو النهي يعود إلى شرط لا يختص بالعبادة، فنقول: بأنه لا يقتضي الفساد، وحينئذ تكون هذه المسألة -أعني: إذا صلى بالثوب المحرم- أضعف من مسألة إذا صلى في الثوب النجس.
قال رحمه الله: (وإن اشتبه طهور بنجس حرم استعمالهما ولم يتحر).
أي: إذا اشتبه ماء طهور بماء نجس، يعني: لو أن عندنا إناءين أحدهما فيه ماء نجس، والآخر فيه ماء طهور، واشتبه هذان الماءان فأصبحنا لا نميز بين الماء الطهور وبين الماء النجس، فيقول المؤلف رحمه الله تعالى: (حرم استعمالهما، ولم يتحر)، أي: لا ينظر إلى القرائن التي تدل على أن هذا هو الماء الطهور أو أن هذا هو الماء النجس، حتى ولو كان هناك قرائن تؤيد أن هذا هو الطهور أو أن هذا هو النجس.
قال رحمه الله: (ولا يشترط للتيمم إراقتهما ولا خلطهما).
يعني: لا تستعمل هذين الماءين، ولا تخلطهما؛ لأنك إذا خلطت أحدهما بالآخر أصبح كل واحد منهما نجساً؛ لأن الطهور منهما يسير لاقى نجاسة, فيكون نجساً، وإذا كان نجساً أصبح في حكم العدم، فإذا أردت أن تتيمم فلا يشترط أن تخلطهما، ولا يشترط أيضاً أن تريقهما؛ لكي تكون عادماً للماء؛ لأنك وإن لم تكن عادماً للماء حقيقة فإنك عادم للماء حكماً؛ لأنك لا تستطيع أن تتوضأ بواحد منهما فلك أن تتيمم.
والرأي الثاني في هذه المسألة: أنه إذا أمكن التحري فإن الإنسان يتحرى، وهذا مذهب الحنفية والشافعية، يعني: إذا قامت قرائن تدل على أن هذا هو الماء الطهور، أو أن هذا هو الماء النجس بسبب رائحة أو لون أو نحو ذلك فإنه يتحرى، ويعمل الظن ويتوضأ بأحدهما، وهذا القول هو الصواب، ويدل له حديث ابن مسعود رضي الله تعالى عنه في البخاري في الشك، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( فليتحر الصواب، ثم ليبن عليه ).
قال رحمه الله: (وإن اشتبه بطاهر توضأ منهما وضوءاً واحداً من هذا غرفة ومن هذا غرفة، وصلى صلاةً واحدة).
يعني: اشتبه الطهور بماء طاهر، وهذا على رأي كثير من أهل العلم في إثبات الماء الطاهر، فلو كان عندنا ماء طهور وآخر غمس فيه يد قائم من نوم الليل الناقض للوضوء، وكان يسيراً (أقل من قلتين) فإنه يكون طاهراً كما تقدم، فاشتبه عندنا أي الماءين الذي غمست فيه هذه اليد، هل هو الماء الأول أو الثاني؟ فيتوضأ منهما وضوءاً واحداً، يعني: يتوضأ، فيأخذ غرفة من الأول ويتمضمض، ثم يأخذ غرفة من الثاني ويتمضمض ويستنشق، ثم يأخذ غرفة ويغسل وجهه، ثم يأخذ غرفة من الثاني ويغسل وجهه وهكذا، فيتوضأ من هذا ومن هذا وضوءاً واحداً، غرفة من هذا وغرفة من هذا، ويصلي صلاة واحدة.
وإنما قالوا: لا يتوضأ من هذا وضوءاً كاملاً، ولا من هذا وضوءاً كاملاً؛ لأنه يحصل عنده شك، ولا بد أن تكون النية جازمة، وهنا لا يحصل عنده جزم؛ لأنه أثناء الوضوء يشك أن هذا هو الماء الطاهر أو هذا، وإذا كان كذلك، فيتوضأ من هذا غرفة ومن هذا غرفة؛ لأنه لو توضأ من هذا غرفة ومن هذا غرفة وانتهى من وضوئه فإنه يجزم الآن أنه توضأ بماء طهور، بخلاف ما إذا توضأ من الأول فإنه يشك الآن: هل توضأ من ماء طهور أو لا؟ لكن إذا قلنا: بأن الماء ينقسم إلى قسمين، وأن الطاهر ليس له وجود لم ترد عندنا هذه المسألة.
استمع المزيد من الشيخ الدكتور خالد بن علي المشيقح - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
شرح زاد المستقنع - كتاب الطهارة [17] | 2818 استماع |
شرح زاد المستقنع - كتاب النكاح [13] | 2731 استماع |
شرح زاد المستقنع - كتاب المناسك [5] | 2678 استماع |
شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [19] | 2645 استماع |
شرح زاد المستقنع - كتاب البيع [26] | 2640 استماع |
شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [32] | 2558 استماع |
شرح زاد المستقنع - كتاب الأيمان [2] | 2555 استماع |
شرح زاد المستقنع - كتاب الحدود [7] | 2528 استماع |
شرح زاد المستقنع - كتاب الإيلاء [1] | 2521 استماع |
شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [8] | 2498 استماع |