القواعد لابن اللحام [20]


الحلقة مفرغة

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

اللهم فقهنا في الدين وعلمنا التأويل، اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل.

ما زال المؤلف يتحدث عن بعض الحروف التي لها أثر في الأحكام الفقهية، وقلنا: إن مثل هذه الحروف لها علاقة بدلالات ألفاظ، وهي وإن كانت معاني لغوية إلا أن علماء الأصول يرون أن هذه المعاني اللغوية لها أثر في الحكم الشرعي، فهي داخلة في موضوع أصول الفقه؛ لأن موضوع أصول الفقه هو موضوع الكتاب والسنة، وإرادة فهمهما، وفهمهما لا يتأتى إلا بلسان عربي مبين، ولغة العرب هي التي يجب المصير إليها إذا لم يكن ثمة عرف شرعي في الكتاب أو السنة.

وهذه القاعدة لا بد من فهمها فهماً دقيقاً، وألا يدخل الهوى أو ضغط الواقع علينا في فهم مراد الله ومراد رسوله.

يقول ابن تيمية في المجلد السابع: وينبغي أن يحمل كلام الله وكلام رسوله على ما أراده الله وأراده رسوله، لا على ما أراده المجتهد في نفس الأمر.

فتجد أن كثيراً من الباحثين إذا جاء إلى حديث لا يحاول أن يفهمه على ما أراده الله أو أراده رسوله في وقت التنزيل، فربما يحاكم هذا النص على مصطلح أصولي أو على مصطلح فقهي؛ فيحجم أو يقلل من مراد فهم المعنى الشرعي!

مثلاً: قوله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث ابن عمر حينما طلق امرأته قال: ( مره فليرجعها أو يراجعها )، فهم بعض الفقهاء أن قوله: (يراجعها) أي: المراجعة التي تكون بعد الطلاق، ومن المعلوم أن المراجعة والرجعة بهذا المعنى ليست مقصودة عند الشارع، نعم الرجعة شيء والمراجعة شيء، فقوله صلى الله عليه وسلم: ( مره فليرجعها )، وفي رواية ( فليراجعها )، من المعلوم أن الرسول قالها مرة واحدة، ما قال مرة في حديث: ( مره فليرجعها ) ثم في حديث آخر عند مرأة أخرى قال: ( مره فليراجعها )، إذاً الراوي هو الذي تصرف باللفظ، ومن المعلوم أن الرسول قالها مرة واحدة، إما أن يقال أنه قال: ( مره فليرجعها )، أو قال: ( مره فليراجعها )، ومن المعلوم أن (يرجعها) أو (يراجعها) لا يمكن أن تكونا بمعنيين مختلفين، إنما تكون بمعنى واحد، والمقصود من هذا أن ابن عمر حينما طلق امرأته أخرجها من بيته، ومن المعلوم أن خروج المطلقة في العدة من بيت زوجها لا يجوز لقوله تعالى: لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ [الطلاق:1]، فقال صلى الله عليه وسلم: ( مره فليرجعها )، بمعنى الرجعة إلى البيت، وليس المقصود الرجعة من بعد طلاق، ففهم بعض الفقهاء أن قوله عليه الصلاة والسلام: ( مره فليراجعها ) دليل على أن وقوع الطلاق قد حصل للحال، ونحن وإن كنا نقول -وهو قول الأئمة الأربعة وعامة السلف- أن طلاق الحائض يقع خلافاً لـابن تيمية لكن ليس لأجل هذه اللفظة، ولكن لأجل قوله: ( مره فليرجعها حتى تطهر ثم تحيض حتى تطهر، فإن شاء طلق وإن شاء أمسك )، فالدليل هو قوله: (حتى تطهر) حيث أن النبي عليه الصلاة والسلام حسب ذلك، فلو كان طلاق الحائض لم يقع لقال: مره فليرجعها حتى تطهر فإن شاء طلق وإن شاء أمسك، فجعل الطهر بعد الحيض يجوز معه الطلاق، فلما لم يأمر النبي أحداً أن يطلق بعد الطهر من حيض طلقها فيه دليل على أن طلاق الحائض واقع، لو كان لاغياً لطلقها بعد أن طهرت، فلما لم يأمره صلى الله عليه وسلم أن يطلقها فهذا دليل على أن الصحابة فهموا ذلك، ولهذا قال ابن عمر : مه! أو إن عجز أو استحمق.

الملقي: [القاعدة الثالثة والثلاثون: الباء للإلصاق سواء دخلت على فعل لازم أو متعد عند جمهور أهل اللغة. وقال بعضهم: الباء للتبعيض].

الشيخ: قال تعالى: وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ [المائدة:6]، هل تفيد الباء في الآية الإلصاق يعني إلصاق اليد بكامل الرأس، أم تفيد التبعيض كما نقل ذلك عن الشافعي ؟ وأنكر ذلك بعضهم كما سوف يأتي.

والمعروف أن الباء تفيد الإلصاق، ولكن إفادتها للإلصاق لا يلزم مسح كامل الشعر، فرق بين مسح الرأس ومسح الشعر، فتمسح الرأس لكن لا يلزم مسح كامل الشعر؛ لأن هذا متعذر.

الملقي: [وقال ابن كيسان وبعض الشافعية: إذا دخلت على متعد اقتضت التبعيض، كقوله: وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ [المائدة:6] صوناً للكلام عن العبث].

الشيخ: الصحيح أن (امسحوا رءوسكم) متعد، فلما دخلت على متعد دل على أن الباء للتبعيض صوناً للكلام عن العبث, وهذا ليس بصحيح عند القائلين بأن الباء تفيد الإلصاق؛ لأن قوله: وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ [المائدة:6] أن الواجب يصح منه ما يمكن إجزاؤه فعله، وأما إذا قلنا: وامسحوا برءوسكم بتأكيد كامل الرأس.

تفريعات على الخلاف في دلالة الباء على الإلصاق

الملقي: [وفرع بعضهم على هذا الخلاف الخلاف في استيعاب مسح الرأس بالماء في الوضوء.

وفرع بعضهم مسح البعض على أن وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ [المائدة:6]، مجمل, والقدر المشترك ما يقع عليه الاسم فكان المتحقق].

الشيخ: هذا القصد، يقولون: إن الواجب تبرأ به الذمة، ما هو القدر المشترك الذي يتحقق به فعل المأمور، ولا يلزم كله كما قال تعالى: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ [البقرة:43]، إقامتها إقامة الواجبات، وإن كانت الإقامة تقتضي إقامة الواجب والركن والمستحب.

الملقي: [وفرعه بعضهم على أن الأمر بالفعل هل يكتفي في امتثاله الإتيان بما يقع عليه اسم ذلك أم لا؟].

الشيخ: هذا مثل اللحية، الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( أرخوا اللحى )، الإرخاء هذا هل هو المقصود به الإرخاء المطلق أم ما يحصر وهو القدر المشترك الذي يحصل به أداء الواجب وهو ما يحصل به اللحية؟ قدره الجمهور بما زاد عن القبضة أو بما فوق القبضة.

وفرع بعضهم على أن الأمر بالفعل هل يكتفى في امتثاله الإتيان بما يقع عليه اسم ذلك أنه مجرد أنه يرى عليك لحية فقد أديت الواجب، يقول ابن عابدين : ولم أر أحداً قال به بلا نزاع، يعني: ليس صحيحاً أن ما زاد عن القبضة يجوز أن تأخذ منها، وما دون القبضة يعني ما تحت القبضة، أما ما فوق القبضة فلا.

فـابن عابدين يقول: وأما ما دون القبضة فلا قائل به، وما عرف أحداً من السلف قال به، وإنما قال به بعض المتأخرين، وليسوا من السلف، وإنما بعض متأخري الشافعية ومتأخري المالكية، وهو مشهور عن المالكية، ونفى ابن عابدين أن يكون هذا.

لكن المعروف أن هذه نسميها القدر المشترك هل يحصل به أداء الواجب بما يحصل به امتثال الإتيان بما يقع عليه ذلك الاسم أم لا؟ هذا المعروف فيه الخلاف, والعلماء رحمهم الله يقولون: إن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم )، فدل ذلك على أن الاستطاعة حاصلة في الترك إلا إذا كان ذلك مضرة.

ولكن الإمام أحمد عندما سئل: ما تقول في: أرخوا، قال: ابن عمر الذي يقول: يرخي يأخذ ما زاد عن القبضة, قال أبو عمر بن البر : فدل ذلك على أن ابن عمر لم يخالف في ذلك النص, وهي قاعدة معروفة عند علماء الأصول ذكرها الشاطبي .

يقول: الفعل المطلق أو الأمر المطلق على لسان الشارع، هل يصح تقييده بفعل الصحابة؟

أنا أرى أن هذه القاعدة يجوز تقييدها بفعل الصحابة وإن كان الأفضل تركه، فيكون فعل الصحابة دليلاً على الجواز لا على الاستحباب وهذا كثير.

الملقي: [وكل هذه التفاريع ضعيفة، أما الأول فقد أنكر حذاق أهل العربية ورودها للتبعيض، قال أبو بكر عبد العزيز : سألت ابن دريد و ابن عرفة عن الباء تبعض؟ فقالا: لا نعرف في اللغة الباء تبعض، وكذلك قال: ابن جني و ابن برهان وغيرهما.

فإن قلت: إنكار ابن جني وغيره شهادة على نفي غير محصور فلا تسمع.

قلت: هذا ممنوع؛ فإن العالم بفن إذا علم منه الفحص والتحقيق قبل منه النفي, والله أعلم.

وذكر سيبويه أنها للإلصاق ولم يذكر سواه، ولكن أثبت قوم أنها للتبعيض؛ منهم الأصمعي و القتيبي و الفارسي في التذكرة, وقال به من المتأخرين ابن مالك .

والأظهر حمل قول من قال: إنها للتبعيض أنه مجاز, ومن قال: إنها للإلصاق أنه الحقيقة، كما قال غير واحد من أئمة العربية: الباء أصلها للإلصاق].

الشيخ: هذا الجمع حسن أن الباء على الحقيقة للإلصاق، ولا تفيد التبعيض إلا بقرينة ويكون مجازاً.

القول بدخول الباء على فعل متعد تفيد التبعيض صوناً للكلام

الملقي: [وأما قول من قال: إذا دخلت على متعد اقتضت التبعيض صوناً للكلام عن العبث، فهذا قاله أبو المعالي . فجوابه قد تكون في الفعل المتعدي زائدة للتأكيد؛ كقوله تعالى: تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ [المؤمنون:20]، أي تنبت الدهن, وكقوله تعالى: وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ [البقرة:195]، أي: أيديكم، ويدل على أنها زائدة في الآية عدم اقتصار النبي صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الصحيحة على مسح بعض رأسه].

الشيخ: استدل على مسح بعض الرأس بما جاء عنه في الصحيحين من حديث مغيرة : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على العمامة وعلى مقدمة رأسه )، فقالوا: هذا الدليل أن الرسول صلى الله عليه وسلم اكتفى بالبعض ولم ير في مسح العمامة مسحاً.

والصحيح أن الرسول صلى الله عليه وسلم إنما اكتفى بمسح بعض الرأس لأنه مسح على العمامة.

الملقي: [وقال بعضهم: الباء في الآية للاستعانة, وأن في الكلام حذفاً وقلباً، فإن مسح يتعدى إلى المزال عنه بنفسه وإلى المزيل بالباء، فالأصل امسحوا رءوسكم بالماء, ذكره ابن هشام .

وأما الثاني: وهو أن الآية مجملة، فالذي عليه المحققون من الأصوليين من أصحابنا وغيرهم أن الآية غير مجملة، وإنما حكي إجمالها عن الحنفية، ذكره في المسودة].

الشيخ: أي: في مسودة الأصول لآل ابن تيمية .

الملقي: [لأنه إن ثبت عرف في الكل كما قاله الجمهور فلا إجمال, وإن ثبت بعض كما قال الشافعي ، ومن وافقه فلا إجمال].

الشيخ: الذي يجب أن نعرفه أن الصحيح أن الباء تفيد الإلصاق على الحقيقة، ولا تفيد التبعيض إلا لقرينة جمعاً بين أقوال علماء اللغة, فمعلوم أن العلماء كـالأصمعي و القتيبي و غيرهم علماء أقحاح، ومن ذكر الإلصاق فهو على الحقيقة.

مدى كفاية الأمر بالفعل للإتيان بما يدل عليه اسم ذلك الفعل

الملقي: قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وأما الثالث: وهو أن الأمر بالفعل هل يكتفي في امتثاله الإتيان بما يقع عليه اسم ذلك أم لا بد من استيعاب ذلك الاسم؟ ].

الشيخ: هذه القاعدة الأمر بالفعل هل يكتفى في امتثاله الإتيان بما يقع عليه اسم ذلك أم لا بد من استيعاب ذلك الاسم؟ الله يقول: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ [البقرة:43]، فمن المعلوم أن إقامة الصلاة تشمل إقامة المستحبات والواجبات والأركان، فيكون ذلك استيعاب لذلك الاسم، فهل حينما يأمرنا الله أمراً يمكن تحقيق ذلك بفعل أدنى ما يطلق عليه ذلك الاسم؟ فيكون إقامة الصلاة بمعنى إقامة أركانها وواجباتها دون مستحباتها، وإن كانت المستحبات داخلة من حيث المشروعية العامة، لكن هل يأثم أو لا يأثم؟ مختلف فيه، أم نقول: إن إقامة الصلاة مقصود بها ما يستوعب ذلك الاسم، هذه مسألة.

المسألة الثانية: الرسول صلى الله عليه وسلم قال في مسألة اللحية: ( أعفوا اللحى )، إذاً هذا أمر بالإعفاء، فهل الإعفاء يحصل باستيعاب ذلك الاسم كله فلا يجوز الأخذ منها مطلقاً، أو يصدق عليه الإتيان بما يقع عليه اسم اللحية، فمتى وجدت اللحية فقد فعل الواجب؟ هذا معنى لا بد من فهمه وإدراكه، وهل الصحابة رضي الله عنهم فهموا من هذا ما يقع عليه الاسم أو الاستيعاب؟

لننظر ما هي الأمثلة التي ذكرها، ونذكر كيف غلط بعض الفقهاء في فهمهم لهذا المراد، وبعضهم يصور بعض المسائل بغير مرادها، الآن سوف نذكر هذا الأمر؛ لأن كل مسألة تختلف عن المسألة الأخرى.

الملقي: [جوابه أن هذه المسألة فيها قولان للعلماء، اختار القاضي عبد الوهاب المالكي الاقتصار على أول ذلك الاسم والزائد على ذلك إما مندوب أو ساقط.

قال القرافي في شرح التنقيح: وكثير من الفقهاء غلط في تصوير هذه المسألة حتى خرج عليها ما ليس من فروعها.

فقال أبو طاهر وغيره في قول الفقهاء أن التيمم إلى الكوعين أو إلى المرفقين أو إلى الإبطين فيه ثلاثة أقوال: إن ذلك يتخرج على هذه القاعدة هل يؤخذ بأوائل الأسماء فيقتصر على الكوع أو بأواخرها فيصل إلى الإبط، ويجعلون كل ما هو من هذا الباب يتخرج على هذه القاعدة، وهذا باطل إجماعاً ].

الشيخ: الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بالتيمم قال كما في حديث عمار : ( إنما يكفيك أن تأخذ بيديك فتضرب به الأرض ثم تمسح الشمال باليمين، وظاهر كفيه ووجهه )، فهل المقصود بالتيمم ما يقع عليه اسم ذلك فيكون في الكفين، أو يكون كما قال المؤلف: (إلى المرفقين)، كما هو في حديث ابن عمر عند الترمذي ليكون التيمم بدلاً من الماء، ومن المعلوم أن الماء إلى المرفقين. أو أن التيمم باليدين يشمل ما يستوعب ذلك الاسم ليشمل كل ما يطلق عليها اليد إلى الإبطين.

إذاً بعض الفقهاء رأى أن قاعدة أن الأمر بالفعل هل يكتفى في امتثاله بما يقع عليه اسم ذلك أنه لا بد من الاستيعاب، وقال القرافي: إن هذا غلط في فهم القاعدة، وهذا له وجه كبير، ذلك أن مسألة التيمم لا علاقة لها بالآلة، فالتيمم هو الضرب بالأرض، ولهذا قال تعالى: فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا [النساء:43]، فلو أن شخصاً ضرب بالأرض ثم ألصق يده بيد صاحبه لكي يفعل هذا لقلنا: قد تيمم، فالمقصود من ذلك هو وجود المضروب، فالقاعدة هذه لا خلاف فيها هنا؛ لأن التيمم هو استعمال التراب، وأما أن يكون باليد فهذا يسميه العلماء عضواً وآلة للفعل، ولهذا فمسألة التيمم نأخذها من السنة، فإذا قلنا بالكفين، فإن الذي يتيمم إلى المرفقين على هذه القاعدة فعل السنة، وهذا غير مراد؛ لأن المراد بالشيء هل يتناول ما يقع عليه اسم ذلك الفعل فيكون الزائد عليه إما ساقطاً وإما مستحباً، ونحن نقول: إن التيمم بالكفين، وما زاد غير مشروع، إذاً هذا غير داخل في القاعدة.

يوضحه أن القاعدة: هل الأمر بالشيء يحصل فعله إما بما يتناول عليه ذلك الاسم، فيكون من باب إطلاق الكل وإرادة الجزء، ويكون الزائد عليه من باب الاستحباب أو أنه يشمل ما يستوعبه ذلك الاسم، فيشمل الواجب والمستحب والركن، فلو قلنا: إن التيمم بالكفين لقلنا ما زاد على ذلك إما مستحب وإما جائز، لكن نقول إن ذلك غير جائز وخلاف السنة.

إذاً هو لا يدخل في القاعدة، وهذا الذي جعل الإمام القرافي رحمه الله يقول: غلط بعض الفقهاء في ذلك.

قوله: (وهذا باطل إجماعاً)، القرافي هو الذي يقول: وهذا باطل إجماعاً.

خطأ إجراء أحكام الجزئيات على الأجزاء والتسوية بينهما

الملقي: [ومنشأ الغلط إجراء أحكام الجزئيات على الأجزاء والتسوية بينهما].

الشيخ: قوله: (منشأ الغلط إجراء أحكام الجزئيات على الأجزاء والتسوية بينهما)، الآن الجزء هو شيء يسير، والجزئيات نحن نسميها مسائل، ولهذا قالوا: القاعدة الفقهية قضية كلية يتفرع عنها جزئيات قضاياها كلية، فإذا قلنا: اليقين لا يزول بالشك، هذه قضية كلية، تدخل في جزئيات كثيرة، فمسائلها في الطهارة مثلاً أجزاءها كلية، فهي تقع علي وتقع على فلان وتقع على فلان وتقع على فلان وتقع على الناس كلهم، إذاً هي قضاياها كلية.

وقول المؤلف: (إجراء أحكام الجزئيات)، الفروع على قاعدة الجزء والكل خطأ؛ لأن مسألة الجزء والكل شيء، ومسألة الجزئيات التي داخلة تحت قاعدة شيء آخر، الآن أنا معي جبنة قطعت جزءاً منها، هذه الجبنة التي قطعت جزءاً منها هل نقول: هي قضية كلية أم هي جزء من كل؟ جزء من كل.

ننظر مسألة الطهارة، الطهارة هي أحكام جزئيات، لكن هل يطلق عليها جزء؟ هي ليست جزءاً، بدليل أن الطهارة تطبق علي وتطبق على فلان وتطبق على الناس كلهم، إذاً ليست مثل الجزء الذي لا يطبق إلا عليه نفسه، ولهذا قالوا في الفرق بين المطلق والمقيد، وبين العام والخاص، أن العام شمولي يشمل أناساً كثيرين، أما المطلق والمقيد فلا علاقة له بالأشخاص المشمولين؛ لأنه لا علاقة له بالأفعال، فالأفعال لا تدخل في المطلق والمقيد، وإنما تدخل في العام والخاص، وأما الأفعال فيدخلها العام والخاص، ولا يدخل في المطلق والمقيد، وإنما تدخل في الأوصاف.

الملقي: [ولا خلاف أن الحكم في الكل لا يقتصر به على جزئه].

الشيخ: القضية الكلية لا يقتصر فيها على جزئيها، فحينما نقول: هذا الماء طاهر؛ لأن اليقين لا يزول بالشك، فلا نجعل اليقين وننزله ونقول: كل شيء طاهر، لا، اليقين لا يزول بالشك فيما كان أصله الطهارة، فيبقى طاهراً؛ لأن اليقين لا يزول بالشك، وما كان أصله نجاسة يبقى نجساً؛ لأن اليقين لا يزول بالشك.

الملقي: [فلا يجوز ركعة عن ركعتين في الصبح، ولا يوم عن شهر رمضان في الصوم، ونظائره كثيرة].

الشيخ: اليوم جزء من رمضان، هل نقول: إننا لو صمنا يوماً واحداً كأننا صمنا كل رمضان؛ لأن الأمر بالفعل في شهر رمضان يتناول ما يقع على اسم ذلك الفعل، نقول: لا، لأن هذا شيء والأحكام الأخرى شيء آخر، فلا ندخل الأمر بفعل الشيء بجزئياته مع حكم له أجزاء، فالذي له أجزاء كل جزء له حكم مستقل، فيوم رمضان له حكم مستقل، واليوم الثاني له حكم مستقل، والركعة لها حكم مستقل، والركعة الثانية من الصبح لها حكم مستقل، فلا نقول: صلاة الصبح تشمل كل ركعة يتناول عليه اسم ذلك، كل ركعة لها حكم مستقل.

الملقي: [إنما معنى هذه القاعدة إذا علق الحكم على معنى كلي له محال كثيرة وجزئيات متباينة في العلو والدناة والقلة والكثرة هل يقتصر بذلك الحكم على أدنى المراتب هذا موضع الخلاف].

الشيخ: إذاً موضع الخلاف أن الشارع يعلق الحكم على معنى كلي، وهذا المعنى الكلي له محال كثيرة، ما بين القلة والكثرة مثل اللحية، فاللحية الآن يطلق على أعلاها وعلى أدناها وعلى العارضين، هذه قضية كلية، فهل إذا قال النبي صلى الله عليه وسلم ( أرخوا اللحى ) يصدق عليه ما يقع ذلك الاسم بما يصدق عليه اسم اللحية، أم لا بد من استيعاب ذلك الاسم، فكل شعرة من اللحية تطلق عليها لحية، فيجب عليك إبقاؤها، إذاً هذا شيء وقاعدة التيمم من دخول اليدين أو المرفقين أو الإبطين شيء آخر، هذه لا علاقة بها.

الملقي: [ومثاله إذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا ركعت فاطمئن)، فأمر بالطمأنينة، فهل يكتفي بأدنى رتبة يقصد فيها الطمأنينة أو يفعل أعلاها].

الشيخ: أو يفعل أعلاها وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ [البقرة:43]، إقامة الصلاة تحصل باستيعاب ذلك الاسم لتدخل المستحبات أو يصدق عليه ما يقع عليه اسم الواجب الذي ذكرناه قبل.

إذاً هذه قاعدة شيء وتطبيقها في كل أجزائها شيء آخر.

الملقي: [وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (خللوا الشعر وأنقوا البشرة) يقتضي التدليك].

الشيخ: حديث (إن تحت كل شعرة جنابة، ألا فخللوا الشعر وأنقوا البشرة)، هذا الحديث لا يصح مرفوعاً، ولا يصح عن علي رضي الله عنه أيضاً كما أشرنا إلى ذلك في شرحنا لبلوغ المرام فلا يصح هذا الحديث، ولكن المؤلف أراد المثال.

الملقي: [هل يقتصر على أدنى رتبة أو أعلاها، فهذه صور القاعدة في الجزئيات والمحل لا في الأجزاء.

ثم الفرق بينهما أن الجزء لا يستلزم الكل، فلذلك أجزأ الثاني دون الأول، وأدنى رتبة الموالاة موالاة، وليست الركعة ركعتين ولا اليوم شهراً].

الشيخ: قوله: (الجزء لا يستلزم الكل)، أما القضية الكلية التي لها جزئيات فإطلاق بعضها يدخل فيها البعض الآخر، أما الكل والجزء فمختلف، مثلاً: الكف لا يطلق على الساعد، ولا يطلق أيضاً على العضو، فالكف جزء من اليد، لكن الساعد ليس جزءاً من الكف.

الملقي: [وعبارة القاضي عبد الوهاب صحيحة في قوله: يقتصر، الاقتصار على أوله أي: أول رتبة، فمن فهم أول أجزائه فقد غلط، انتهى].

الشيخ: عبد الوهاب المالكي من فقهاء المالكية، وليس من فقهاء المغاربة، بل هو من فقهاء العراقيين، ولهذا تجدون كتابه (المعونة في مذهب عالم أهل المدينة) يختلف عما هو مرجح عند المالكية اليوم، فمذهب المالكية مرجح؛ بسبب كتاب السحنون الذي أخذه مؤلفه من كتاب المدونة عن ابن القاسم ، فأما عبد الوهاب فإنه فهم عن مالك مذهب أهل العراق، ولهذا له تصانيف قوية، وهو من الفقهاء الأفذاذ، ولهذا يقول القرافي: إن عبد الوهاب قال كلمة صحيحة لكنه فهم معناها على غير ما أراد، فقال: (يقتصر الاقتصار على أوله)، يعني: أول رتبه، يقول: معنى الرتب هي التي لها أدنى وقلة وكثرة، مثلما يحصل في مسح الشعر، ولهذا ذكرها المؤلف في حرف الباء هل يفيد الإلصاق أم لا؟ وتدخل فيها مسألة إقامة الصلاة واللحية وغير ذلك.

الملقي: [قلت: فإذا تقرر هذا فقد بان بطلان التفريع على هذه القاعدة، إذ مسح الرأس حكم في الكل، فهل يقتصر على جزئه؟ لا حكم في الكل فيقتصر على أجزائه].

الشيخ: الآن القرافي يريد أن يقرر أن الباء تفيد الإلصاق، وأن مسح الرأس يشمله كاملاً؛ لأنه مذهب مالك و أحمد، فيقول: إن قاعدة الأمر بالشيء هل تتناول بعض أجزائه، أم يجب استيعاب ذلك الاسم فقط؟ فيجيب بأنه لا علاقة له بمسح الرأس لماذا؟ قال: (فقد بان بطلان التفريع على هذه القاعدة، إذ مسح الرأس حكم في الكل فلا يقتصر على جزئه)، يقول: فمسح الناصية جزء، ومسح الأعلى جزء، ومسح الأدنى جزء، فلا يجوز مسح الجزء ليشمل الكل.

الظاهر في مسألة هل الأمر بالشيء يتناول بعض أجزائه أو يستوعب ذلك الشيء

ولهذا نعرف ذلك بالأدلة الأخرى، فالرسول صلى الله عليه وسلم هل اقتصر في عامة وضوئه مرة واحدة على مسح بعض الرأس؟ لم يقتصر صلى الله عليه وسلم على مسح بعض الرأس إلا في حالة واحدة حينما كانت معه عمامة، فمسح على الناصية وعلى العمامة. يقول ابن تيمية : ولم يثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه مسح على الناصية ولم يمسح على العمامة، فدل ذلك على أنه لم يفعل صلى الله عليه وسلم ما يصدق عليه ما يتناول ذلك الاسم.

ولهذا في مسألة: هل الأمر بالشيء يتناول بعض أجزائه أو يجب استيعاب ذلك الاسم كله؟ الذي يظهر أن نقول: الأصل أن الأمر بالشيء يتناول ويستوعب ذلك الاسم ما لم يرد بخصوصه شيء، فقد قال صلى الله عليه وسلم: ( لا صلاة بحضرة طعام، ولا وهو يدافعه الأخبثان )، وقال: ( لا صلاة لمن لم يقرأ بأم الكتاب )، وقال: ( لا صلاة إلا بوضوء )، فعندنا الآن ثلاثة أحاديث: ( لا صلاة بحضرة طعام، ولا وهو يدافع الأخبثان )، فإذا نظرنا إلى ظاهره حكمنا ببطلان الصلاة، ولهذا ذهب ابن حزم إلى أن من صلى وهو حاقن بطلت صلاته، وذهب الأئمة الأربعة ومذهب عامة السلف إلى أن صلاته صحيحة، وقالوا: إن قوله: (لا صلاة بحضرة طعام)، أي: لا صلاة كاملة، عرفنا ذلك بقرينة أخرى، وهي: أن هذا ليس من الواجب، فصح أن الصلاة صحيحة مع الكراهة، وقلنا في حديث: ( لا صلاة لمن لم يقرأ بأم الكتاب )، بأن الصلاة باطلة، وعرفنا ذلك لأن قراءة أم الكتاب في الصلاة ركن، ففهمنا أن قوله: (لا صلاة) هنا يعني: لا صلاة صحيحة.

إذاً فالذي فرق لنا هو وجود أدلة وقرائن.

فاللحية الآن دخلت في قاعدة أخرى، ولولا هذه القاعدة الثانية لقلنا بوجوب استيعاب اللحية كلها في تحريم الأخذ منها، ولا يجوز أخذ حتى ما زاد عن القبضة، وأنتم تعلمون أن ما زاد عن القبضة جوزها عبد الله بن عمر و أبو هريرة و ابن عباس كما صح عنه في تفسير قول الله تعالى: ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ [الحج:29]، قال أبو عمر بن عبد البر: إسناده صحيح. وكذلك ابن جرير قال: نتف الإبط وحلق العانة والأخذ مما ما زاد عن القبضة من اللحية، وهو مذهب الشافعي وهو مذهب أحمد ومالك وأبي حنيفة في الحج، قال أبو عمر : فإذا جاز في الحج فلا معنى أنه اقتصر على الحج، فهو قص جائز.

وهنا قاعدة أخرى ذكرها الإمام الشاطبي رحمه الله في الموافقات فقال: هل اللفظ العام يجوز تخصيصه بفعل الصحابة؟

الذي يظهر والله أعلم أنه يجوز تخصيصه بفعل الصحابة وإن كان تركه جائزاً أو مستحباً.

وهذه القاعدة هي التي جعلت الشيخ الألباني رحمه الله وغفر له يرى أن من لم يأخذ ما زاد عن القبضة فهو بدعة؛ لأنه خالف فعل الصحابة، والواقع أن الصحابة إنما قالوا بذلك لبيان الجواز لا لبيان الوجوب والمشروعية، وهذه القاعدة هي الأصل: أن كل ما يتناوله ذلك الاسم فيجب استيعابه إلا بدليل، فالدليل إما أن يكون فعل الصحابة، كما قلنا في القاعدة: اللفظ العام يخصصه فعل الصحابة، وإما أن نقول: إنه دل الدليل على أن هذا لم يقصد استيعابه، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: ( لا صلاة بحضرة طعام، ولا وهو يدافعه الأخبثان ).

ويقول الأدرب : فقلت لـأبي عبد الله : ما ترى فيمن أخذ من اللحية؟ قال: كان ابن عمر يأخذ من اللحية وهو الذي روى حديث: ( أرخوا اللحى )، يعني: أن ابن عمر لم يخالف الحديث، وهذا دليل على أن من أخذ ما زاد عن القبضة فإنه يصدق عليه أنه أعفى لحيته، وليس المقصود الإعفاء مطلقاً، بدليل أنهم أجمعوا على أن ما تطاير من شعر اللحية فلا بأس بأخذها كما ذكر ذلك ابن تيمية و النووي وغير واحد من أهل العلم.

وسبق أن أبا حنيفة يقول في الصحابي: العبرة بما روى لا بما رأى، ونحن نرى أن راوي فقه الصحابة أقوى حجة؛ لأن فعل الصحابة حجة، فهم أعلم بتحقيق المناط، وأفهم بمراد الرسول صلى الله عليه وسلم، ولهذا إذا اختلف الصحابة عرفنا أنه لم يكن قولهم حجة لا في اللغة ولا في قول الرسول صلى الله عليه وسلم، فإذا اختلفوا عرفنا هذا الأمر، أما إذا لم يختلفوا وأخذوه كابراً عن كابر فإننا نعرف أن هذا الفهم مقصود، ولهذا قال ابن عباس: من ترك شيئاً من نسك فليهرق عنه دماً، فلم نقل: إن قول ابن عباس هذا اجتهاد من عنده، بل إنما فهمه من الرسول صلى الله عليه وسلم، وفهمه الصحابة أيضاً، فهذا العمل حجة، فمن ترك واجباً فليهرق دماً.

نقف عند هذا، والله أعلم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.

الملقي: [وفرع بعضهم على هذا الخلاف الخلاف في استيعاب مسح الرأس بالماء في الوضوء.

وفرع بعضهم مسح البعض على أن وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ [المائدة:6]، مجمل, والقدر المشترك ما يقع عليه الاسم فكان المتحقق].

الشيخ: هذا القصد، يقولون: إن الواجب تبرأ به الذمة، ما هو القدر المشترك الذي يتحقق به فعل المأمور، ولا يلزم كله كما قال تعالى: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ [البقرة:43]، إقامتها إقامة الواجبات، وإن كانت الإقامة تقتضي إقامة الواجب والركن والمستحب.

الملقي: [وفرعه بعضهم على أن الأمر بالفعل هل يكتفي في امتثاله الإتيان بما يقع عليه اسم ذلك أم لا؟].

الشيخ: هذا مثل اللحية، الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( أرخوا اللحى )، الإرخاء هذا هل هو المقصود به الإرخاء المطلق أم ما يحصر وهو القدر المشترك الذي يحصل به أداء الواجب وهو ما يحصل به اللحية؟ قدره الجمهور بما زاد عن القبضة أو بما فوق القبضة.

وفرع بعضهم على أن الأمر بالفعل هل يكتفى في امتثاله الإتيان بما يقع عليه اسم ذلك أنه مجرد أنه يرى عليك لحية فقد أديت الواجب، يقول ابن عابدين : ولم أر أحداً قال به بلا نزاع، يعني: ليس صحيحاً أن ما زاد عن القبضة يجوز أن تأخذ منها، وما دون القبضة يعني ما تحت القبضة، أما ما فوق القبضة فلا.

فـابن عابدين يقول: وأما ما دون القبضة فلا قائل به، وما عرف أحداً من السلف قال به، وإنما قال به بعض المتأخرين، وليسوا من السلف، وإنما بعض متأخري الشافعية ومتأخري المالكية، وهو مشهور عن المالكية، ونفى ابن عابدين أن يكون هذا.

لكن المعروف أن هذه نسميها القدر المشترك هل يحصل به أداء الواجب بما يحصل به امتثال الإتيان بما يقع عليه ذلك الاسم أم لا؟ هذا المعروف فيه الخلاف, والعلماء رحمهم الله يقولون: إن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم )، فدل ذلك على أن الاستطاعة حاصلة في الترك إلا إذا كان ذلك مضرة.

ولكن الإمام أحمد عندما سئل: ما تقول في: أرخوا، قال: ابن عمر الذي يقول: يرخي يأخذ ما زاد عن القبضة, قال أبو عمر بن البر : فدل ذلك على أن ابن عمر لم يخالف في ذلك النص, وهي قاعدة معروفة عند علماء الأصول ذكرها الشاطبي .

يقول: الفعل المطلق أو الأمر المطلق على لسان الشارع، هل يصح تقييده بفعل الصحابة؟

أنا أرى أن هذه القاعدة يجوز تقييدها بفعل الصحابة وإن كان الأفضل تركه، فيكون فعل الصحابة دليلاً على الجواز لا على الاستحباب وهذا كثير.

الملقي: [وكل هذه التفاريع ضعيفة، أما الأول فقد أنكر حذاق أهل العربية ورودها للتبعيض، قال أبو بكر عبد العزيز : سألت ابن دريد و ابن عرفة عن الباء تبعض؟ فقالا: لا نعرف في اللغة الباء تبعض، وكذلك قال: ابن جني و ابن برهان وغيرهما.

فإن قلت: إنكار ابن جني وغيره شهادة على نفي غير محصور فلا تسمع.

قلت: هذا ممنوع؛ فإن العالم بفن إذا علم منه الفحص والتحقيق قبل منه النفي, والله أعلم.

وذكر سيبويه أنها للإلصاق ولم يذكر سواه، ولكن أثبت قوم أنها للتبعيض؛ منهم الأصمعي و القتيبي و الفارسي في التذكرة, وقال به من المتأخرين ابن مالك .

والأظهر حمل قول من قال: إنها للتبعيض أنه مجاز, ومن قال: إنها للإلصاق أنه الحقيقة، كما قال غير واحد من أئمة العربية: الباء أصلها للإلصاق].

الشيخ: هذا الجمع حسن أن الباء على الحقيقة للإلصاق، ولا تفيد التبعيض إلا بقرينة ويكون مجازاً.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الله بن ناصر السلمي - عنوان الحلقة اسٌتمع
القواعد لابن اللحام [21] 2467 استماع
القواعد لابن اللحام [3] 2350 استماع
القواعد لابن اللحام [23] 2234 استماع
القواعد لابن اللحام [22] 2225 استماع
القواعد لابن اللحام [8] 2084 استماع
القواعد لابن اللحام [2] 1925 استماع
القواعد لابن اللحام [16] 1923 استماع
القواعد لابن اللحام [9] 1871 استماع
القواعد لابن اللحام [17] 1825 استماع
القواعد لابن اللحام [27] 1796 استماع