عمدة الفقه - كتاب الحدود [11]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، اللهم زدنا علماً وعملاً وهدى وتقوى يا رب العالمين، وبعد:

فقد قال المؤلف رحمه الله: [ويصح إسلام الصبي العاقل] يعني بذلك: أن الصبي يصح إسلامه بأن يعرف الخطاب ويرد الجواب، أما الصبي الغير مميز فإن دينه على دين آبائه، أما لو صار الصبي عاقلاً مميزاً يعني: يعقل -وليس المراد بالعقل الذي هو ضد الجنون، بل أن يكون مميزاً-.

قال المؤلف رحمه الله: (يصح إسلامه)، ودليل ذلك أن علي بن أبي طالب و الزبير بن العوام أسلما وهما أبناء ثمان سنين، وكان ذلك من مناقبهم، ولهذا يقال: أول من أسلم من الصبيان علي بن أبي طالب ، وقد قال صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين: ( أُمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها )، والصبي المميز العاقل يعرف ما معنى لا إله إلا الله، غير أن بعض الحنابلة كـالخرقي قال: يصح إسلام الصبي ابن عشر سنين وما دونه فلا يصح إسلامه، قال: لأن كلامه وهو دون عشر كلام صادر ممن لا يعقل ما أقر به، وفي كلامه نظر، والأقرب الرواية الأخرى عند الحنابلة وهي: أن الصبي إذا بلغ سبع سنين فيصح إسلامه؛ لما جاء عند أهل السنن من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين )، فقوله: (عشر سنين) يدل على أنه يصلح أن يؤدب وأن تمييزه أعظم من ابن سبع، لكن لم ينف عن السبع عدم التمييز والإدراك.

يعني: بعض الصبيان يكون صاحب قراءة، أنا أعرف شخصاً كان عمره ثمان سنين وقرأ أكثر كتب علماء الأدب، وقرأ كتباً كثيرة جداً جداً، وأعرف أن كثيراً من المثقفين لم يقرأ مثل ما قرأ هذا الصبي، فأحياناً يكون هناك نوع من التمييز.

قال المؤلف رحمه الله: [وإن ارتد] يعني: هذا الصبي. يعني: أسلم ثم ارتد بدأ يقرأ كتب الشيوعيين والماركسيين وبدأ يقر: لا دين والحياة مادة، وأقر بذلك، وقال: أنا مؤمن بها، فهذا ردة لكنه لا يقام عليه حد الردة حتى يبلغ ثم يستتاب، لهذا قال المؤلف: [وإن ارتد لم يقتل حتى يستتاب ثلاثاً بعد بلوغه]؛ لأنه استتابته هنا غير صحيحة؛ لأنه غير مكلف، فلا يتوجه له أمر أو نهي، ولا يوقع عليه حكم نهي، وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( واضربوهم عليها وهم أبناء عشر )، إنما هو ضرب تأديب.

ومما يدل على ذلك: أن الغلام لا يجري عليه حكم لا في القصاص ولا في الزنا فكذلك لا يقام عليه أيضاً حد في الارتداد.

يحذف

قال المؤلف رحمه الله: [ وإن ارتد هذا الصبي ].

يعني: أسلم ثم ارتد بدأ يقرأ كتب الشيوعيين والماركسيين وبدأ يقر: لا دين والحياة مادة، وأقر بذلك، وقال: أنا مؤمن بها، فهذا ردة لكنه لا يقام عليه حد الردة حتى يبلغ ثم يستتاب، لهذا قال المؤلف: [ وإن ارتد لم يقتل حتى يستتاب ثلاثاً بعد بلوغه ]، لأنه استتابته هنا غير صحيح؛ لأنه غير مكلف، فلا يتوجه له أمر أو نهي، ولا يوقع عليه حكم نهي، وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( واضربوهم عليها وهم أبناء عشر )، إنما هو ضرب تأديب.

ومما يدل على ذلك: أن الغلام لا يجري عليه حكم لا في القصاص ولا في الزنا فكذلك لا يقام عليه أيضاً حد في الارتداد.

قال المؤلف رحمه الله: [ وإن ارتد هذا الصبي ].

يعني: أسلم ثم ارتد بدأ يقرأ كتب الشيوعيين والماركسيين وبدأ يقر: لا دين والحياة مادة، وأقر بذلك، وقال: أنا مؤمن بها، فهذا ردة لكنه لا يقام عليه حد الردة حتى يبلغ ثم يستتاب، لهذا قال المؤلف: [ وإن ارتد لم يقتل حتى يستتاب ثلاثاً بعد بلوغه ]، لأنه استتابته هنا غير صحيح؛ لأنه غير مكلف، فلا يتوجه له أمر أو نهي، ولا يوقع عليه حكم نهي، وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( واضربوهم عليها وهم أبناء عشر )، إنما هو ضرب تأديب.

ومما يدل على ذلك: أن الغلام لا يجري عليه حكم لا في القصاص ولا في الزنا فكذلك لا يقام عليه أيضاً حد في الارتداد.

قبول توبة المرتد

قال المؤلف رحمه الله: [ ومن ثبتت ردته فأسلم قُبل منه ].

يعني: إذا ارتد الإنسان ثم أسلم قبل إقامة الحكم عليه أو بعد إقامته؛ لأن الاستتابة دليل على قبول التوبة، ومما يدل على أنها تقبل توبته: أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل توبة عبد الله بن أبي السرح وكان قد ارتد، وقُبلت توبة عيينة بن حصن كما قيل: إنه ارتد بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ثم قُبل منه وحسُن إسلامه بعد ذلك، وهذا إجماع من الصحابة رضي الله عنهم، فقد إسلامه أقر النبي صلى الله عليه وسلم توبة عبد الله بن أبي السرح ، إلا أن إهدار النبي صلى الله عليه وسلم دماء بعض المرتدين لا يعني بالضرورة قبول توبتهم في الآخرة؛ لأن التوبة عند الفقهاء يطلقون عليها معنيان: توبة في عدم إقامة الحد عليه، وتوبة في دخوله في الإسلام، فمن سب النبي صلى الله عليه وسلم في وقتنا الحالي من غير شبهة يقام عليه حد القتل، ولا تقبل توبته بمعنى لا يسقط عنه هذا الحكم، وإن قُبلت توبته بينه وبين الله بأن يقال: هو مسلم إذا أظهر الإسلام بعد ذلك، فلو أن شخصاً سب الرسول صلى الله عليه وسلم وهو مسلم فسجن فأمر الحاكم بقتله، فأعلن إسلامه في السجن وحفظ القرآن وتاب لا يسقط هذا الحد كما أشار إلى ذلك ابن تيمية رحمه الله؛ لأن على ساب الرسول صلى الله عليه وسلم حد يجب أن يقام بخلاف الارتداد؛ لأن الارتداد حق لله، أما سب الرسول صلى الله عليه وسلم فهو حق للرسول وقد مات عليه الصلاة والسلام ولا يسقط هذا الحق.

ووصوله إلى الحاكم ليس له علاقة، سواء بعد الوصول أو قبل الوصول، فساب الرسول صلى الله عليه وسلم كما أشار ابن تيمية يقتل إذا كان مسلماً وقد نقل الإجماع غير واحد من أهل العلم، كـسحنون من المالكية، و ابن تيمية ، و ابن حجر ، و النووي ، و الخطابي ، و ابن المنذر ، و القاضي عياض ، كلهم نقلوا الإجماع على أن كل مسلم سب الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه يقتل حداً، أما من سب الرسول من الذميين أو من الحربيين فهل تقبل توبته ولا يقتل؟ قولان عند أهل العلم، فذهب مالك و أحمد إلى أنه يقتل، وذهب الغير من العلماء إلى عدم قتله، قال تعالى: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ [الأنفال:38]، والمسألة محل اجتهاد والعلم عند الله.

ما يكفي في إسلام المرتد

قال المؤلف رحمه الله: [ويكفي في إسلامه]، يعني: إن ارتد ثم أسلم، [أن يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا أن يكون كفره بجحد نبي أو كتاب أو فريضة أو يعتقد أن محمداً بُعث إلى العرب خاصة فلا يقبل منه حتى يقر بما جحده].

معنى كلام المؤلف: أن من ارتد عن الإسلام بأن قال: أنا غير مسلم، فهذا ارتد، ولكن يقبل إسلامه بعد ذلك بأن يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وهذا يكون إذا ارتد عن الإسلام بالكلية فيقبل منه الشهادتين، أما إن كان ارتد بسبب جحده ما هو معلوم من الدين بالضرورة أو وجوبه أو إباحته ما هو معلوم من الدين بالضرورة تحريمه، فإنه لا يكفي فيه أن يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله بل مع الشهادتين أن يُقر بما أنكره، فإن كان أنكر الوجوب يجب عليه أن يقر بالوجوب، وإن كان أنكر التحريم وجب عليه أن يقر بالتحريم؛ لأنه جائز أن يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ولكنه يُنكر هذا الحكم قال تعالى: أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [البقرة:85].

قال المؤلف رحمه الله: [ ومن ثبتت ردته فأسلم قُبل منه ].

يعني: إذا ارتد الإنسان ثم أسلم قبل إقامة الحكم عليه أو بعد إقامته؛ لأن الاستتابة دليل على قبول التوبة، ومما يدل على أنها تقبل توبته: أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل توبة عبد الله بن أبي السرح وكان قد ارتد، وقُبلت توبة عيينة بن حصن كما قيل: إنه ارتد بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ثم قُبل منه وحسُن إسلامه بعد ذلك، وهذا إجماع من الصحابة رضي الله عنهم، فقد إسلامه أقر النبي صلى الله عليه وسلم توبة عبد الله بن أبي السرح ، إلا أن إهدار النبي صلى الله عليه وسلم دماء بعض المرتدين لا يعني بالضرورة قبول توبتهم في الآخرة؛ لأن التوبة عند الفقهاء يطلقون عليها معنيان: توبة في عدم إقامة الحد عليه، وتوبة في دخوله في الإسلام، فمن سب النبي صلى الله عليه وسلم في وقتنا الحالي من غير شبهة يقام عليه حد القتل، ولا تقبل توبته بمعنى لا يسقط عنه هذا الحكم، وإن قُبلت توبته بينه وبين الله بأن يقال: هو مسلم إذا أظهر الإسلام بعد ذلك، فلو أن شخصاً سب الرسول صلى الله عليه وسلم وهو مسلم فسجن فأمر الحاكم بقتله، فأعلن إسلامه في السجن وحفظ القرآن وتاب لا يسقط هذا الحد كما أشار إلى ذلك ابن تيمية رحمه الله؛ لأن على ساب الرسول صلى الله عليه وسلم حد يجب أن يقام بخلاف الارتداد؛ لأن الارتداد حق لله، أما سب الرسول صلى الله عليه وسلم فهو حق للرسول وقد مات عليه الصلاة والسلام ولا يسقط هذا الحق.

ووصوله إلى الحاكم ليس له علاقة، سواء بعد الوصول أو قبل الوصول، فساب الرسول صلى الله عليه وسلم كما أشار ابن تيمية يقتل إذا كان مسلماً وقد نقل الإجماع غير واحد من أهل العلم، كـسحنون من المالكية، و ابن تيمية ، و ابن حجر ، و النووي ، و الخطابي ، و ابن المنذر ، و القاضي عياض ، كلهم نقلوا الإجماع على أن كل مسلم سب الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه يقتل حداً، أما من سب الرسول من الذميين أو من الحربيين فهل تقبل توبته ولا يقتل؟ قولان عند أهل العلم، فذهب مالك و أحمد إلى أنه يقتل، وذهب الغير من العلماء إلى عدم قتله، قال تعالى: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ [الأنفال:38]، والمسألة محل اجتهاد والعلم عند الله.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الله بن ناصر السلمي - عنوان الحلقة اسٌتمع
عمدة الفقه - كتاب الحج [3] 2651 استماع
عمدة الفقه - كتاب البيع [1] 2533 استماع
عمدة الفقه - كتاب الحج [1] 2450 استماع
عمدة الفقه - كتاب الحج [17] 2396 استماع
عمدة الفقه - كتاب النكاح [4] 2316 استماع
عمدة الفقه - كتاب النكاح [16] 2169 استماع
عمدة الفقه - كتاب النكاح [5] 2166 استماع
عمدة الفقه - كتاب البيع [4] 2128 استماع
عمدة الفقه - كتاب الحج [2] 2110 استماع
عمدة الفقه - كتاب الحج [21] 2107 استماع