عمدة الفقه - كتاب البيع [8]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله وصلى الله وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل.

اللهم إنا نسألك إيماناً صادقاً، ويقيناً ليس بعده كفر، ورحمة ننال بها شرف كرامتك في الدنيا والآخرة، اللهم انفعنا بما علمتنا وعلمنا ما ينفعنا، وارزقنا علماً وعملاً يا كريم!

اللهم هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماماً، اللهم زدنا إيماناً ويقيناً وصبراً وفقهاً يا رب العالمين، وبعد:

فقد قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب بيع الأصول والثمار.

روي عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: ( من باع نخلاً بعد أن تؤبر فثمرتها للبائع إلا أن يشترطها المبتاع )، وكذلك بيع الشجر إذا كان ثمره بادياً، فإن باع الأرض وفيها زرع لا يحصد إلا مرة فهو للبائع ما لم يشترطه المبتاع، وإن كان يجز مرة بعد مرة أخرى فالأصول للمشتري والجزة الظاهرة عند البيع للبائع].

المقصود بأصول الثمار وما يثبت منه للبائع أو المشتري

قول المؤلف رحمه الله: (باب بيع الأصول والثمار)، يُقصد بالأصول: النخل، والثمار: ثمر هذا النخل.

والقاعدة في هذا الباب أن كل من باع نخلاً يُنظر فيه، فإن كان هذا النخل قد أُبر فإن العقد إنما صار على النخل لا على بدايته.

وهذا من باب التغليب وإلا فإن التأبير هو ظهور الثمر من جف الطلع، وأرى والله أعلم أن هذا هو الأظهر؛ لأنه أحياناً تكون الرياح هي التي تُلقح وليس بني آدم.

والشارع إنما يُعلق الحكم على أمر يقيني مقطوع وهو ظهور الثمر في جف النخل، فالعلماء قاسوا على ذلك غيرها من الشجر، مثلاً أنا بعت حقلاً مزروعاً، وهذا الحقل فيه مثلاً بداية نبت الخيار أو الكوسة أو الباذنجان فإن نبتت بدايتها فيكون ما ظهر وقت إبرام العقد للبائع، وما ظهر بعد ذلك فهو للمشتري، وما كان يُجز جزاً كالعلف والبرسيم والحشيش فإن أصوله للمشتري قولاً واحداً، وأما الجزة الأولى فإنما هي للبائع إلا أن يشترطه المبتاع.

وما له قشر لا يزول إلا عند الأكل كالموز والرمان فإن ظهر فهو للبائع إلا أن يشترطه المشتري، وما كان نبته يبدأ بالزهرة فإن لم تخرج هذه الزهرة فإنما هو من مال المشتري، وإن خرجت فهو من مال البائع إلا أن يشترطه المبتاع.

أقسام بيع الثمار

قال المؤلف رحمه الله: [( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها )].

بيع النخل أو بيع الثمر ينقسم إلى أقسام:

القسم الأول: بيع الثمر مع الأصل فهذا يجوز سواء كان الثمر قد بدا أو لم يبد صلاحه، ودليل الجواز: قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( من باع نخلاً بعد أن تؤبر )، فدل ذلك على أن الثمر يجوز بيعه إذا دخل تبعاً للأصول.

القسم الثاني: بيع الثمر بعد بدو صلاحه -بعد احمراره أو اصفراره- أو بيع الحب بعد اشتداده، فهذا يجوز بيعه مستقلاً قولاً واحداً.

القسم الثالث: بيع الثمر أو الحب قبل اصفراره واحمراره وقبل اشتداده وبياضه، فإن كان من غير الأصول فقد منعه الجمهور وجوزه أبو حنيفة بشرط أن يقطعه، والراجح هو قول الجمهور.

إذاً بيع ثمر النخل قبل بدو صلاحه، فهذا لا يجوز؛ لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمر حتى يبدو صلاحه، وجوزه أبو حنيفة بشرط القطع.

القسم الرابع: أن يبيع الثمر على حاله قبل بدو صلاحه مقطوعاً، فهذا لا يجوز.

مثلاً: هو يقول: اقطعه وأشتري منك، أو اشتريت منك هذا الثمر إذا قطعته، فلا يجوز؛ لأنه باع معلوماً لا يُنتظر به إلى الصلاح، وهذا يحصل أحياناً لأصحاب الغنم، حيث يأتون إلى بعض النخل الذي لم يصلح فيطلبون من المالك البيع لكي تأكله الغنم، وهذا ينفع الغنم.

فإذا باع النخل بعد بدو صلاحه جاز، ومن المعلوم أن الصلاح لا يشمل كل الشجر فالعبرة ببدو صلاح أكثره ولو لم يصلح الباقي فإنه يدخل تبعاً؛ لأنه يجوز تبعاً ما لا يجوز استقلالاً، كذلك إذا باع النخلة بعد بدو صلاحها وطلب المشتري من البائع أن يبقيها حتى يكون الثمر رُطباً، الآن يحمر ثمر النخل أو يصفر، لكن الناس لا يريدونه مثل السكري يريدونه رُطباً كاملاً فيشتريه من صاحب المزرعة ولكن يطلب منه أن يبقيه إلى حين الجذاذ، يعني: إلى وقت أن يكون تمراً أو رُطباً، فلو أبقاه عند البائع وقبل أن يكون رُطباً أو بدا بعضه فقط جاءته جائحة من السماء فأضاعت هذا التمر كله، وقد أبرم المشتري مع البائع صاحب المزرعة صفقة هذا المنتج بمليون ريال فضاع، فتكون الخسارة على البائع؛ لأن المشتري ملك ولكنه لم يقبض وكونه لم يقبض فإن الخسارة تكون على البائع، قال صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم وأصله في البخاري : ( إذا بعت من أخيك ثمراً فأصابته جائحة فلا يحل لك أن تأخذ شيئاً بم تأخذ مال أخيك بغير حق؟! )، وهذا هو الذي يظهر والله أعلم.

ضابط صلاح ثمر النخل والعنب

قال المؤلف رحمه الله: [وصلاح ثمر النخل أن يحمر أو يصفر، والعنب بأن يتموه].

(يتموه) يعني: يلين، ويدخل فيه الماء وهذا هو القصد، فلابد أن يدخل فيه الماء ولا يجوز بيعه حصرماً، والحصرم هو القاسي المر، ولهذا يقال لطالب العلم الصغير الذي لم يعل كعبه ولم ينضج رأيه في هذا الفن: لا تتزبب قبل أن تتحصرم، وهذا قاله أبو علي الفاسي لـابن جني ، حين قدم أبو علي الفاسي فوجد ابن جني يشرح للناس، فجلس عنده فرأى أن عنده بعض الهفوات، فسأله أبو علي الفاسي سؤالاً، وكان أبو علي من علماء الإسلام في العربية، فسأل ابن جني سؤالاً في الحلقة فلم يُجب، فسأله ثانياً فلم يُجب، فقال: لا تتزبب قبل أن تتحصرم، يعني: لا تنصب نفسك شيخاً وأنت ليس عندك أصول، قال: فخرج أبو علي فلحقه ابن جني وقرأ عليه، ثم ألف بعد ذلك الخصائص، فكان أبو علي يُقدر ابن جني تقديراً عظيماً، وكان من احترام ابن جني لـأبي علي الفاسي أنه كان بين أبي علي الفاسي والمتنبي الشاعر المعروف بعض الجفاء وكان أبو علي الفاسي لا يُقدر للمتنبي شعراً ولا أدباً ولا براعة في ذلك، فكان ابن جني إذا جلس مع أبي علي يقول: ما رأيك في بلاغة هذا الشاعر، فيعطيه بيتاً أو بيتين فيقول: لمن هذا الأمر؟ والله إنه لشاعر عجيب، فيقول: لا أحفظه عن أحد، ثم يعطيه مرة ثانية وثالثة ورابعة حتى يُعجب أبو علي بهذا الشاعر، قال: هذا هو المتنبي ، قال: فبعد ذلك بدأ أبو علي يُقدر المتنبي قدره.

نسأل أن يرزقنا وإياكم الفقه في الدين.

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.

قول المؤلف رحمه الله: (باب بيع الأصول والثمار)، يُقصد بالأصول: النخل، والثمار: ثمر هذا النخل.

والقاعدة في هذا الباب أن كل من باع نخلاً يُنظر فيه، فإن كان هذا النخل قد أُبر فإن العقد إنما صار على النخل لا على بدايته.

وهذا من باب التغليب وإلا فإن التأبير هو ظهور الثمر من جف الطلع، وأرى والله أعلم أن هذا هو الأظهر؛ لأنه أحياناً تكون الرياح هي التي تُلقح وليس بني آدم.

والشارع إنما يُعلق الحكم على أمر يقيني مقطوع وهو ظهور الثمر في جف النخل، فالعلماء قاسوا على ذلك غيرها من الشجر، مثلاً أنا بعت حقلاً مزروعاً، وهذا الحقل فيه مثلاً بداية نبت الخيار أو الكوسة أو الباذنجان فإن نبتت بدايتها فيكون ما ظهر وقت إبرام العقد للبائع، وما ظهر بعد ذلك فهو للمشتري، وما كان يُجز جزاً كالعلف والبرسيم والحشيش فإن أصوله للمشتري قولاً واحداً، وأما الجزة الأولى فإنما هي للبائع إلا أن يشترطه المبتاع.

وما له قشر لا يزول إلا عند الأكل كالموز والرمان فإن ظهر فهو للبائع إلا أن يشترطه المشتري، وما كان نبته يبدأ بالزهرة فإن لم تخرج هذه الزهرة فإنما هو من مال المشتري، وإن خرجت فهو من مال البائع إلا أن يشترطه المبتاع.