أرشيف المقالات

تخريج حديث: لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه (2)

مدة قراءة المادة : 67 دقائق .
تخريج حديث: لَا وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يَذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ (2)
 
استكمالًا لتخريج حديث: «لَا وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يَذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ» (1/ 145).


 

واعلم أن هذا الطريق هو أقوى طرق هذا الحديث؛ ولذلك صدرت البحث بذكره؛ لننظر في شواهده بعد ذلك، وهل هذه الشواهد تقويه أو لا.
 
وإليك بيان هذه الشواهد:
ثانيًا: حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
وقد روي عن أبي هريرة رضي الله عنه من طريقين.
 
الطريق الأول: أخرجه أحمد (9418)، وأبو داود (101)، والترمذي في «العلل» (17)، وابن ماجه (399)، وأبو يعلى (6409)، والطبراني في «الأوسط» (8080)، وفي «الدعاء» (379)، والدارقطني في «سننه» (256) و (257)، والحاكم (518) و (519)، وابن السكن كما في «التلخيص الحبير» (1/ 123)، والبيهقي في «الكبير» (183) و (195)، والبغوي في «شرح السنة» (209)، من طريق محمد بن موسى بن أبي عبد الله الفطري المخزومي، عن يعقوب بن سلمة الليثي، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَا وُضُوءَ لَهُ، وَلَا وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يَذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ».
 
قلت: هذا الطريق فيه ثلاث علل:
العلة الأولى: جهالة يعقوب بن سلمة الليثي.
العلة الثانية: جهالة أبي يعقوب.
العلة الثالثة: الانقطاع في موضوعين من الإسناد.
 
قال البخاري في «التاريخ الكبير» (4/ 76): «سلمة الليثي، عن أبي هريرة، روى محمد بن موسى، عن يعقوب بن سلمة، عن أبيه، عن أبي هريرة: «لا وضوء لمن لم يسم»؛ ولا يُعرف لسلمة سماع من أبي هريرة، ولا ليعقوب من أبيه» اهـ.
 
وقال الترمذي في «العلل» عقب الحديث: «فسألت محمدًا عن هذا الحديث، فقال: محمد بن موسى المخزومي، لا بأس به، مقارب الحديث، ويعقوب بن سلمة مدني، لا يعرف له سماع من أبيه، ولا يعرف لأبيه سماع من أبي هريرة.
قال الترمذي: سمعت إسحاق بن منصور يقول: سمعت أحمد بن حنبل يقول: لا أعلم في هذا الباب حديثًا له إسناد جيد» اهـ.
 
قال ابن الملقن في «البدر المنير» (2/ 70): «وحاصل ما يُعلَّل به هذا الحديث: الضعف والانقطاع، أما الضعف فيعقوب بن سلمة لا أعرف حاله، وقال الذهبي في «الميزان»: شيخ، ليس بعمدة.
وأما أبوه سلمة فلم يعرف حاله المزي، ولا الذهبي...
وأما الانقطاع...»، فذكر كلام البخاري.
 
وقال أيضًا (2/ 72): «وأغرب أبو الفرج ابن الجوزي، فقال في كتابه «التحقيق»: هذا حديث جيد.
والحافظ أبو محمد المنذري، فقال: هذا الحديث أجود أحاديث الباب.
قال: وقد روي في هذا المعنى أحاديث ليست بمستقيمة.
قال شيخنا أبو الفتح اليعمري: وفيما قاله المنذري نظر؛ لانقطاع حديث أبي هريرة هذا من وجهين.
قلت: لا شك فيه، بل هو ضعيف لوجهين كما قررته لك، وأما ابن السكن فإنه ذكره في «صحاحه»، وهو تساهل منه؛ كما يعرف ذلك من نظر في كتابه هذا» اهـ.
 
وقد وهم الإمام الحاكم فانقلب عليه اسم يعقوب بن سلمة إلى يعقوب بن أبي سلمة، فظنه الماجشون، فصحح الحديث لذلك؛ لأن يعقوب بن أبي سلمة الماجشون ثقة.
 
قال الإمام الحاكم رحمه الله: «هذا حديث صحيح الإسناد، وقد احتج مسلم بيعقوب بن أبي سلمة الماجشون، واسم أبي سلمة دينار، ولم يخرجاه، وله شاهد».
 
فتعقبه ابن دقيق العيد في «الإمام» (1/ 445) بأنه الليثي، وليس الماجشون.
 
وتعقبه أيضًا الذهبي في «التلخيص» بأنه الليثي، وليس الماجشون، قال: «وإسناده فيه لين».
 
وتعقبه الحافظ ابن حجر في «التلخيص الحبير» (1/ 123)، فقال: «رواه الحاكم من هذا الوجه، فقال: يعقوب بن أبي سلمة، وادعى أنه الماجشون، وصححه لذلك، والصواب أنه الليثي، قال البخاري: لا يُعرف له سماع من أبيه، ولا لأبيه من أبي هريرة، وأبوه ذكره ابن حبان في «الثقات»، وقال: ربما أخطأ، وهذه عبارة عن ضعفه؛ فإنه قليل الحديث جدًّا، ولم يرو عنه سوى ولده، فإذا كان يخطئ مع قلة ما روى، فكيف يوصف بكونه ثقة! قال ابن الصلاح: انقلب إسناده على الحاكم، فلا يُحتج لثبوته بتخريجه له، وقال ابن دقيق العيد: لو سلم للحاكم أنه يعقوب بن أبي سلمة الماجشون، واسم أبي سلمة: دينار، فيحتاج إلى معرفة حال أبي سلمة، وليس له ذكر في شيء من كتب الرجال، فلا يكون أيضًا صحيحًا» اهـ.
 
وقال في «نتائج الأفكار» (1/ 225): «أخرجه الحاكم في «المستدرك»، من طريق محمد بن نعيم، ومحمد بن شاذان، والحسن بن سفيان، ثلاثتهم عن قتيبة، وصححه، وتُعقب بأنه وقع في روايته: يعقوب بن أبي سلمة، فظنه الماجشون، أحد رواة «الصحيح»، فصححه لذلك، وهو خطأ؛ وإنما هو يعقوب بن سلمة، لا ابن أبي سلمة، وهو شيخ قليل الحديث ما روى عنه من الثقات سوى محمد بن موسى، وأبوه مجهول، ما روى عنه سوى ابنه، وقد نقل الترمذي عن البخاري، قال: لا يعرف ليعقوب سماع من أبيه، ولا لأبيه سماع من أبي هريرة» اهـ.
 
فتبين بهذا أن هذا إسناد ساقط، وأن قول الشوكاني في «الدراري المضية» (1/ 42) الذي نقله عنه الحويني: «ليس في إسناده ما يسقطه عن درجة الاعتبار»؛ قول في غاية السقوط؛ لأن إسنادًا فيه راويان مجهولان، وانقطاع، هو إسناد ساقط بلا شك.
 
الطريق الثاني: أخرجه الآجري في «الشريعة» (1132)، والدارقطني في «سننه» (222)، والبيهقي في «الكبير» (196)، من طريق محمود بن محمد أبي يزيد الظفري، عن أيوب بن النجار، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَا تَوَضَّأَ مَنْ لَمْ يَذْكُرِ اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ، وَمَا صَلَّى مَنْ لَمْ يَتَوَضَّأْ».
 
قال الذهبي في «التنقيح» (1/ 45): «هذا منكر».
 
قلت: هذا الإسناد فيه علتان:
العلة الأولى: الانقطاع.
قال البيهقي عقبه: «وهذا الحديث لا يُعرف من حديث يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة إلا من هذا الوجه، وكان أيوب بن النجار يقول: لم أسمع من يحيى بن أبي كثير إلا حديثًا واحدًا، وهو حديث: التقى آدم وموسى، ذكره يحيى بن معين، فيما رواه عنه ابن أبي مريم، فكان حديثه هذا منقطعًا.
والله أعلم» اهـ.
 
العلة الثانية: ضعف محمود الظفري.
ذكره الذهبي في «الميزان» (4/ 303)، وقال: «قال الدارقطني: ليس بالقوي، فيه نظر» اهـ.
 
وقد ذكر الحافظ ابن حجر العلتين في «اللسان» (8/ 9)، فقال: «محمود بن محمد الظفري، شيخ يحيى بن صاعد، حدث عن أيوب بن النجار.
قال الدارقطني: ليس بالقوي، فيه نظر.
 
حدثنا ابن صاعد، حدثنا محمود بن محمد الظفري، حدثنا أيوب بن النجار، عن يحيى، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما توضأ من لم يذكر اسم الله عليه».
انتهى.
وللحديث علة أخرى؛ لأن ابن معين قال عن أيوب بن النجار: لم يسمع من يحيى بن أبي كثير إلا حديثًا واحدًا: احتج آدم وموسى» اهـ.
 
ثالثًا: حديث سعيد بن زيد رضي الله عنه.
أخرجه أبو عبيد في «الطهور» (52)، قال: حدثنا سعيد بن أبي مريم، عن سليمان بن بلال، عن عبد الرحمن بن حرملة، عن أبي ثفال المري، واسمه: ثمامة بن وائل، عن رباح بن عبد الرحمن بن أبي سفيان بن حويطب، قال: سمعت جدتي، تحدث أنها سمعت أباها، أما ابن أبي مريم فلم يسمه، وقال غيره: هو سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَا وُضُوءَ لَهُ، وَلَا وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يَذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ».
قال سليمان بن بلال: وقد سمعته من أبي ثفال.
 
• سعيد بن أبي مريم، ثقة ثبت.
• وعبد الرحمن بن حرملة؛ هو المديني، الأسلمي، أبو حرملة.
قال أبو حاتم في «الجرح والتعديل» (5/ 223): «يكتب حديثه، ولا يحتج به».
 
• وسليمان بن بلال، ثقة، وقد تابع عبد الرحمن بن حرملة؛ كما ذكر أنه سمعه من أبي ثِفال.
 
وقد أخرجه من طريق سليمان بن بلال، عن أبي ثفال أيضًا: الطحاوي في «شرح معاني الآثار» (108)، والحاكم في «المستدرك» (6899)، وابن عساكر في «تاريخه» (18/ 26).
 
فيبقى معنا معرفة حال أبي ثفال، ورباح بن عبد الرحمن، وجدته.
• أما أبو ثفال؛ فهو ثمامة بن وائل بن حصين المري.
قال البخاري كما في «الضعفاء» للعقيلي (1/ 484): «في حديثه نظر».
 
وذكره ابن حبان في «الثقات»، وأورد هذا الحديث عنه، ثم قال (8/ 158): «ولكن في القلب من هذا الحديث؛ لأنه قد اختلف على أبي ثفال فيه؛ قال حماد بن سلمة: عن صدقة، عن أبي ثفال، عن أبي بكر بن حويطب، أن النبي صلى الله عليه وسلم، وابنة سعيد بن زيد ليس يُدرى من اسمها هذا» اهـ.
 
وكذا ذكره الذهبي في «الميزان» (5/ 227)، وذكر حديثه هذا، وقال: «ما هو بقوي، ولا إسناده بمرضي».
 
وقال أبو حاتم وأبو زرعة في «العلل» (1/ 594): «مجهول»، وكذلك قال ابن القطان في «بيان الوهم والإيهام» (3/ 314).
 
وقال البيهقي عقب هذا الحديث: «وأبو ثفال، ليس بالمعروف جدًّا».
• ورباح بن عبد الرحمن بن أبي سفيان بن حويطب، مجهول الحال.
قال أبو حاتم وأبو زرعة في «العلل» (1/ 594): «مجهول».
 
وترجمه البخاري في «التاريخ الكبير» (3/ 314)، وابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (3/ 489)، والمزي في «التهذيب» (9/ 45)، ولم يذكروا فيه جرحًا ولا تعديلًا.
 
ولا ينفعه ذكر ابن حبان له في «الثقات».
 
• وجدته هي؛ أسماء بنت سعيد بن زيد؛ وقد ذكرها الحافظ في «التقريب»، وقال: «لم تُسَم في الكتابين، وسماها البيهقي؛ ويقال: إن لها صحبة».
 
قلت: وقد سميت في رواية الحاكم.
 
قال الحافظ في «التلخيص» (1/ 127): «وأما حالها فقد ذُكِرت في الصحابة، وإن لم يثبت لها صحبة، فمثلها لا يسأل عن حالها».
 
قلت: بل قال أبو عبيد في «الطهور» (ص144): «كان بعض أهل الحديث يطعن في إسناده؛ لمكان المرأة المجهولة» اهـ.
 
ثم لو سلمنا بعدم هذه العلة، فإنه يبقى ضعف أبي ثفال، وجهالة حال رباح بن عبد الرحمن.
 
قال ابن الجوزي في «العلل المتناهية في الأحاديث الواهية» (1/ 338) بعدما ذكر هذا الطريق: «هذا حديث لا يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم».
 
وقال ابن دقيق العيد في «الإمام» (1/ 448): «أبو ثفال مشهور، ورباح بن عبد الرحمن وجدته لا نعلمهما رويا إلا هذا الحديث، ولا حدث عن رباح إلا أبو ثفال؛ فالخبر من جهة النقل لا يثبت» اهـ.
 
وقال ابن القطان في «بيان الوهم والإيهام» (3/ 314): «ففي إسناد هذا الكلام ثلاثةٌ مجاهيل الأحوال:
أولهم: جدة رباح، فإنها لا تُعرف بغير هذا، ولا يُعرف لها اسم ولا حال، وغاية ما تعرفنا بهذا أنها ابنة لسعيد بن زيد رضي الله عنه.
 
والثاني: رباح المذكور، فإنه مجهول الحال كذلك، ولم يعرف ابن أبي حاتم من حاله بأكثر مما أخذ من هذا الإسناد: من روايته عن جدته، ورواية أبي ثفال عنه.
 
والثالث: أبو ثفال المذكور، فإنه - أيضًا - مجهول الحال كذلك، وهو أشهرهم؛ لرواية جماعة عنه» اهـ.
 
وقد أخرجه عن عبد الرحمن بن حرملة أيضًا: عفان بن مسلم في «أحاديثه» (15)، وابن أبي شيبة (15)، وأحمد (16651) و (23236) و (27145) و (27147)، والترمذي في «الجامع» (25)، وفي «العلل» (16)، والبزار كما في «الإمام» (1/ 448)، وابن المنذر في «الأوسط» (344)، والطوسي في «مختصر الأحكام» (24)، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (107)، والعقيلي (1/ 484)، وأبو يعلى في «معجمه» (255)، والطبراني في «الدعاء» (374) و (375) و (376) و (377)، والآجري في «الشريعة» (1125)، وابن المقرئ في «الأربعون» (20)، والدارقطني في «سننه» (225) و (226) و (227) و (228) و (229) و (230)، وفي «المؤتلف والمختلف» (2/ 1029)، وابن شاهين في «فضائل الأعمال» (96)، والبيهقي في «الكبير» (193) و (194)، وابن عساكر في «تاريخه» (18/ 26)، وابن الجوزي في «التحقيق» (117) و (119)، وفي «العلل المتناهية» (551).
 
قال الترمذي عقبه في «الجامع»: «وفي الباب عن عائشة، وأبي سعيد، وأبي هريرة، وسهل بن سعد، وأنس.
قال أحمد بن حنبل: لا أعلم في هذا الباب حديثًا له إسناد جيد، وقال إسحاق: إنْ ترك التسمية عامدًا أعاد الوضوء، وإن كان ناسيًا أو متأولًا أجزأه قال محمد: أحسن شيء في هذا الباب حديث رباح بن عبد الرحمن، ورباح بن عبد الرحمن، عن جدته، عن أبيها، وأبوها سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، وأبو ثفال المري اسمه ثمامة بن حصين، ورباح بن عبد الرحمن، هو أبو بكر بن حويطب؛ منهم من روى هذا الحديث، فقال: عن أبي بكر بن حويطب، فنسبه إلى جده» اهـ.
 
وقال في «العلل»: «فسألت محمدًا عن هذا الحديث، فقال: ليس في هذا الباب حديث أحسن عندي من هذا، ورباح بن عبد الرحمن بن أبي سفيان، عن جدته، عن أبيها، أبوها سعيد بن زيد.
قلت له: أبو ثفال المري ما اسمه؟ فلم يعرف اسمه، وسألت الحسن بن علي الخلال، فقال: اسمه ثمامة بن حصين.
قال الترمذي: رباح بن عبد الرحمن؛ هو أبو بكر بن حويطب فنسب إلى جده، وروى هذا الحديث وكيع، عن حماد بن سلمة، عن صدقة مولى آل الزبير، عن أبي ثفال، عن أبي بكر بن حويطب، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا حديث مرسل» اهـ.
 
قال ابن القطان في «بيان الوهم والإيهام» (3/ 313): «قول البخاري: إنه أحسن شيء في هذا الباب، قد يوهم فيه أنه حسن، وليس كذلك، وما هو إلا ضعيف جدًّا؛ وإنما معنى كلام البخاري: إنه أحسن ما في الباب على علته» اهـ.
 
وروى العقيلي، عن ابن هانئ، قال: قلت لأبي عبد الله أحمد بن حنبل: التسمية في الوضوء؟ فقال: أحسن شيء فيه حديث رُبيح بن عبد الرحمن بن أبي سعيد، عن أبيه، عن أبي سعيد الخدري، قلت: فحديث عبد الرحمن بن حرملة؟ قال: لا يثبت» اهـ.
 
وقال ابن أبي حاتم في «العلل» (1/ 594): «وسمعت أبي وأبا زرعة وذكرت لهما حديثًا رواه عبد الرحمن بن حرملة، عن أبي ثفال، قال: سمعت رباح بن عبد الرحمن بن أبي سفيان بن حويطب؛ قال: أخبرتني جدتي، عن أبيها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله»؟
 
فقالا: ليس عندنا بذاك الصحيح؛ أبو ثفال مجهول، ورباح مجهول» اهـ.
 
وقد رُوي الحديث من طرق أخرى عن أبي ثفال.
 
فقد أخرجه الطيالسي (240)، وأبو الشيخ في «طبقات المحدثين» (2/ 98)، وأبو نعيم في «تاريخ أصبهان» (1/ 360)، عن الحسن بن أبي جعفر، عن أبي ثِفال، عن ابن حويطب بن عبد العزى، عن جدته، عن أبيها، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لَا صَلَاةَ إِلَّا بِوُضُوءٍ، وَلَا وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يَذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ».
 
الحسن بن أبي جعفر؛ هو الجفري، أبو سعيد، البصري، واسم أبي جعفر: عجلان، وقيل: عمرو.
 
قال البخاري في «التاريخ الكبير» (2/ 288): «منكر الحديث، قال إسحاق: ضعفه أحمد».
 
وقال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (3/ 29): «أخبرنا ابن أبي خيثمة، فيما كتب إليَّ، قال: سئل يحيى بن معين عن الحسن بن أبي جعفر، فقال: لا شيء.
 
وعن عمرو بن علي، قال: الحسن بن أبي جعفر رجل صدوق، منكر الحديث، كان عبد الرحمن بن مهدي يحدث عنه، وكان يحيى لا يحدث عنه.
 
وسألت أبي عن الحسن بن أبي جعفر الجفري، فقال: ليس بقوي في الحديث، كان شيخًا صالحًا، في بعض حديثه إنكار.
 
وسئل أبو زرعة عن الحسن بن أبي جعفر، فقال: ليس بالقوي» اهـ.
وقال النسائي في «الضعفاء والمتروكين» (155): «متروك الحديث».
 
وقال ابن حبان في «المجروحين» (1/ 287): «وكان الحسن بن أبي جعفر من المتعبدين المجابين الدعوة في الأوقات، ولكنه ممن غفل عن صناعة الحديث وحفظه، واشتغل بالعبادة عنها، فإذا حدث وهِمَ فيما يروي، وقلب الأسانيد، وهو لا يعلم، حتى صار ممن لا يحتج به، وإن كان فاضلًا» اهـ.
 
وأخرجه أحمد (16652)، وابن ماجه (398)، والطبراني في «الدعاء» (373)، وابن شاهين في «فضائل الأعمال» (94)، وابن عساكر في «تاريخه» (18/ 26)، وابن الجوزي في «التحقيق» (118)، من طريق يزيد بن عياض، قال: حدثنا أبو ثفال، عن رباح بن عبد الرحمن بن أبي سفيان، أنه سمع جدته بنت سعيد بن زيد، تذكر أنها سمعت أباها سعيد بن زيد، يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَا وُضُوءَ لَهُ، وَلَا وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يَذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ».
 
ويزيد بن عياض، كذاب متروك.
قال البخاري في «التاريخ الكبير» (8/ 351): «منكر الحديث».
 
وفي «الجرح والتعديل» (9/ 283): «عن عبد الرحمن بن القاسم، قال: سألت مالكًا عن ابن سمعان، فقال: كذاب، قلت: يزيد بن عياض، قال: أكذب وأكذب.
 
وعن العباس بن محمد الدوري، قال سمعت يحيى بن معين يقول: يزيد بن عياض، ضعيف ليس بشيء.
 
وعن أحمد بن صالح: أظن يزيد بن عياض كان يضع للناس؛ يعني الحديث.
وسألت أبي عن يزيد بن عياض، فقال: ضعيف الحديث، منكر الحديث.
 
وسئل أبو زرعة عن يزيد بن عياض، فقال: ضعيف الحديث، وانتهى إلى حديثه فيما كان يقرأ علينا، فقال: اضربوا على حديثه، ولم يقرأ علينا»اهـ.
 
وقال النسائي في «الضعفاء والمتروكين» (647): «متروك الحديث».
وقال في موضع آخر كما في «التهذيب» (32/ 225): «كذاب».
 
تنبيه على اختلافات في حديث سعيد بن زيد:
وردت بعض الطرق لحديث سعيد بن زيد فيها بعض الاختلافات، وقد نص الأئمة على خطأ هذه الطرق.
 
فقد أخرج الحديث الإمام أحمد (27146)، قال: حدثنا يونس، قال: حدثنا أبو معشر، عن عبد الرحمن بن حرملة، عن أبي ثفال المري، عن رباح بن عبد الرحمن بن حويطب، عن جدته، قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، به.
فسقط هنا قوله: «عن أبيها».
 
وأخرجه الدولابي في «الكنى» (657)، من طريق موسى بن إسماعيل، قال: حدثنا حماد بن سلمة، قال: أنبأنا صدقة؛ هو مولى آل الزبير، عن أبي ثفال، عن أبي بكر بن حويطب، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لَمْ يُؤْمِنْ مَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِي، وَلَا صَلَاةَ إِلَّا بِوُضُوءٍ، وَلَا وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يُسَمِّ».
 
فسقطت هنا جدة ابن حويطب، وأبوها سعيد بن زيد.
وصدقة مولى آل الزبير، مجهول.
 
وأخرجه الطحاوي في «معاني الآثار» (109)، من طريق محمد بن سعيد، عن الدراوردي، عن ابن حرملة، عن أبي ثفال المري، عن رباح بن عبد الرحمن العامري، عن ابن ثوبان، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، به.
 
فجعل الحديث من مسند أبي هريرة رضي الله عنه، وزاد في الإسناد محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان.
 
وأخرجه الطبراني في «الدعاء» (378)، من طريق عبد العزيز بن محمد الدراوردي أيضًا، عن أبي ثفال المري، قال: سمعت رباح بن عبد الرحمن بن حويطب، يحدث عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان، عن أبي هريرة.
 
فهذا الإسناد عن الدراوردي أيضًا كسابقه، ولكن سقط منه ابن حرملة.
 
وأخرجه الشاشي في «مسنده» (228)، ومن طريقه الضياء في «المختارة» (1104)، عن محمد بن علي الوراق، عن عفان، عن وهيب، عن عبد الرحمن بن حرملة، أنه سمع أبا غالب، يحدث يقول: سمعت رباح بن عبد الرحمن بن أبي سفيان بن حويطب، يقول: حدثتني جدتي، أنها سمعت أباها، يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَا وُضُوءَ لَهُ، وَلَا وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يَذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ، وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِي، وَلَا يُؤْمِنُ بِي مَنْ لَا يُحِبُّ الْأَنْصَارَ».
 
فأُدخل في هذا الإسناد أبو غالب بين حرملة ورباح.
 
وقد أشار أبو حاتم إلى خطأ هذه الأسانيد، وأن الصواب: عبد الرحمن بن حرملة، عن أبي ثفال، عن رباح، عن جدته، عن أبيها.
 
قال ابن أبي حاتم في «العلل» (6/ 359، 360): «وسألت أبي عن حديث رواه أسد بن موسى؛ قال: حدثنا سعيد بن سالم، عن إسحاق بن حازم - أو خازم، شك أسد - قال: أخبرني عبد الرحمن بن حرملة الأسلمي، عن ثفال بن أبي ثفال، عن رباح بن عبد الرحمن بن شيبان، عن أمه بنت زيد بن نفيل، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لم يحبب الله من لم يحببني، ولم يحببني من لم يحبب الأنصار، ولا صلاة لمن لا وضوء له، ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه»؟
 
قال أبي: هذا خطأ في مواضع، والصحيح: عبد الرحمن بن حرملة، عن أبي ثفال المري، عن رباح بن عبد الرحمن بن حويطب، عن جدته، عن أبيها سعيد ابن زيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم».
 
وفي الحديث اختلافات أخرى ذكرها الدارقطني في «العلل» (4/ 434- 436).
 
حيث سئل عن حديث ابنة سعيد بن زيد، عن أبيها، عن النبي صلى الله عليه وسلم: «لا صلاة لمن لا وضوء له، ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله»؟
 
فقال: «هو حديث يرويه أبو ثفال المري، واختُلف عنه؛ فرواه عبد الرحمن بن حرملة الأسلمي، عن أبي ثفال، واختلف عنه؛ فقال وهيب، وبشر بن المفضل، وابن أبي فديك، وسليمان بن بلال، عن أبي حرملة، عن أبي ثفال، عن رباح بن عبد الرحمن بن أبي سفيان بن حويطب، عن جدته، عن أبيها، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وأبوها هو سعيد بن زيد.
 
وخالفهم حفص بن ميسرة، وأبو معشر نجيح، وإسحاق بن حازم، فرووه عن أبي حرملة، عن أبي ثفال، عن رباح، عن جدته، أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يذكروا أباها في الإسناد.
 
ورواه يزيد بن عياض بن جعدبة، والحسن بن أبي جعفر الجفري، وعبد الله بن جعفر بن نجيح المدني، عن أبي ثفال، عن رباح، عن جدته، عن أبيها سعيد بن زيد، كقول وهيب ومن تابعه، عن أبي حرملة.
 
ورواه الدراوردي، عن أبي ثفال، عن رباح، عن ابن ثوبان مرسلًا، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
 
ورواه حماد بن سلمة، عن صدقة مولى آل الزبير، عن أبي ثفال، عن أبي بكر بن حويطب مرسلًا، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
 
والصحيح قول وهيب، وبشر بن المفضل، ومن تابعهما».
 
رابعًا: حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
أخرجه ابن عدي في «الكامل» (8/ 223)، من طريق عيسى بن عبد الله، عن أبيه، عن جده، عن علي رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَا وُضُوءَ لَهُ، وَلَا وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يَذْكُرِ اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ».
 
قال ابن عدي: «وبهذا الإسناد أحاديث حدثنا بها ابن مهدي، ليست بمستقيمة».
 
وقال أيضًا بعدما ذكر عدة أحاديث أنكرها على عيسى بن عبد الله: «ولعيسى بن عبد الله هذا غير ما ذكرت، وعامة ما يرويه لا يتابع عليه».
 
قلت: عيسى بن عبد الله؛ هو ابن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب.
 
قال الدارقطني في «سننه» (3/ 307): «عيسى بن عبد الله؛ يقال له: مبارك، وهو متروك الحديث».
 
وقال ابن حبان في «المجروحين» (2/ 103): «يروي عن أبيه، عن آبائه أشياء موضوعة، لا يحل الاحتجاج به، كأنه كان يهم ويخطئ حتى كان يجيء بالأشياء الموضوعة عن أسلافه، فبطل الاحتجاج بما يرويه؛ لما وصفت» اهـ.
 
خامسًا: حديث سهل بن سعد رضي الله عنهما.
أخرجه ابن ماجه (400)، والروياني (1098)، والطبراني في «الكبير» (6/ 121) (5699)، والحاكم (992)، والبيهقي في «الكبير» (3967)، وفي «معرفة السنن» (3720)، وابن بشكوال في «القربة إلى رب العالمين بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم سيد المرسلين» (30)، من طريق عبد المهيمن بن عباس بن سهل بن سعد الساعدي، عن أبيه، عن جده سهل بن سعد رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَا وُضُوءَ لَهُ، وَلَا وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يَذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ، وَلَا صَلَاةَ لِمَنْ لَا يُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ، وَلَا صَلَاةَ لِمَنْ لَا يُحِبُّ الْأَنْصَارَ».
 
قلت: هذا خبر منكر.
قال البيهقي عقبه: «عبد المهيمن ضعيف، لا يحتج برواياته».
 
وقال الحاكم: «لم يُخَرَّج هذا الحديث على شرطهما، فإنهما لم يخرجا عبد المهيمن».
وقال الذهبي: «عبد المهيمن واه».
 
وقال البخاري في «التاريخ الكبير» (6/ 137): «عبد المهيمن بن عباس بن سهل بن سعد، منكر الحديث».
 
وقال أبو حاتم في «الجرح والتعديل» (6/ 68): «منكر الحديث».
 
وقال ابن حبان في «المجروحين» (2/ 132): «ينفرد عن أبيه بأشياء مناكير، لا يتابع عليها من كثرة وهمه، فلما فحش ذلك في روايته، بطل الاحتجاج به» اهـ.
 
وذكر ابن كثير هذا الحديث في «تفسيره» (6/ 461)، وعقبه بقوله: «عبد المهيمن هذا متروك».
وقد توبع عبد المهيمن على هذا الحديث.
 
فقد أخرجه الطبراني في «الكبير» (6/ 121) (5699)، وفي «الدعاء» (382)، قال: حدثنا عبد الرحمن بن معاوية العتبي، قال: حدثنا عبيد الله بن محمد المنكدري، قال: حدثنا ابن أبي فديك، عن أُبَيِّ بن عباس بن سهل بن سعد، عن أبيه، عن جده رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَا وُضُوءَ لَهُ، وَلَا وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يَذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ، وَلَا صَلَاةَ لِمَنْ لَا يُصَلِّي عَلَى نَبِيِّ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَلَا صَلَاةَ لِمَنْ لَا يُحِبُّ الْأَنْصَارَ».
 
قلت: وهذه متابعة لا تفيد.
• عبد الرحمن بن معاوية العتبي، مجهول.
• وعبيد الله بن محمد المنكدري، لم أقف له على ترجمة.
• وأُبَيُّ بن عباس بن سهل، ضعيف.
 
سادسًا: حديث أبي سبرة رضي الله عنه.
أخرجه ابن أبي عاصم في «الآحاد والمثاني» (873)، والدولابي في «الكنى والأسماء» (215)، والطبراني في «الكبير» (22/ 296) (755)، وفي «الدعاء» (381)، وفي «الأوسط» (1115)[1]، وأبو نعيم في «معرفة الصحابة» (6831)، وقاضي المارستان في «مشيخته» (611)، والبغوي في «معجم الصحابة» كما في «التلخيص» (1/ 128)، من طريق يحيى بن يزيد بن عبد الله بن أنيس، عن عيسى بن سبرة، عن أبيه، عن جده، قال: صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: «أَيُّهَا النَّاسُ، لَا صَلَاةَ إِلَّا بِوَضُوءٍ، وَلَا وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يُذْكَرِ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ، أَلَا وَلَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ مَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِي، وَلَمْ يُؤْمِنْ بِي مَنْ لَمْ يَعْرِفْ حَقَّ الْأَنْصَارِ».
 
قلت: هذا إسناد مسلسل بالمجاهيل.
 
قال الهيثمي في «المجمع» (1/ 228): «رواه الطبراني في الكبير، وفيه يحيى بن أبي يزيد بن عبد الله بن أنيس، ولم أر من ترجمه».
 
وقال أيضًا: «عيسى بن سبرة، وأبوه، وعيسى بن يزيد، لم أر من ذكر أحدًا منهم».
 
وقال البغوي عقب الحديث كما في «نتائج الأفكار» (1/ 234): «عيسى منكر الحديث».
 
سابعًا: حديث أبي ذر رضي الله عنه.
أخرجه ابن عدي في «الكامل» (9/ 593)، من طريق المنذر بن زياد، عن عمرو بن دينار، عن أبي نضرة، عن أبي ذر رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَا يُؤْمِنُ عَبْدٌ حَتَّى يُؤْمِنَ بِي، وَلَا يُؤْمِنُ بِي حَتَّى يُحِبَّ الْأَنْصَارَ، وَلَا صَلَاةَ إِلَّا بِوُضُوءٍ، وَلَا وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يَذْكُرِ اسْمَ اللهِ».
 
قال ابن عدي: «وهذا بهذا الإسناد غير محفوظ، ولم أره إلا من رواية المنذر بن زياد».
 
قال عمرو بن علي الفلاس كما في «الجرح والتعديل» (8/ 243): «سمعت المنذر بن زياد، وكان كذابًا».
 
قال العقيلي (6/ 32): «منذر بن زياد الطائي، منكر الحديث».
 
ثامنًا: حديث أنس رضي الله عنه.
ذكره الحافظ ابن حجر في «التلخيص الحبير» (1/ 128)، قال: وأما حديث أنس، فرواه عبد الملك بن حبيب الأندلسي، عن أسد بن موسى، عن حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس رضي الله عنه، بلفظ «لَا إيمَانَ لِمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِي، وَلَا صَلَاةَ إِلَّا بِوُضُوءٍ، وَلَا وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يُسَمِّ اللَّهِ».
 
قال ابن حجر: «وعبد الملك شديد الضعف».
 
وقال في «التقريب»: «عبد الملك بن حبيب الأندلسي، أبو مروان الفقيه المشهور، صدوق، ضعيف الحفظ، كثير الغلط».
 
وبعد سرد جميع طرق هذا الحديث يتبيَّن لنا جليًّا عدم ورود هذه اللفظة من طريق مقبول، أو ضعيف ضعفًا هيِّنًا، فيتقوى بعضها ببعض؛ وإنما جميع طرقها ضعيفة ضعفًا شديدًا لا يخلو واحد منها من أكثر من علة قوية؛ كوجود عدد من المجاهيل في الإسناد الواحد، أو راو متروك، أو راو منكر؛ ومثل هذه الطرق لا ترتقي إلى مرتبة الاحتجاج، ولو كثرت؛ لا سيما في أحاديث الأحكام.
 
وهذا كلام نفيس للحافظ ابن حجر رحمه الله بيَّن فيه عدم ارتقاء ما كانت طرقه شديدة الضعف، وما كان من رواية المجاهيل، إلى مرتبة الاحتجاج، ما دامت جميع طرقه هكذا.
 
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في «الإمتاع بالأربعين المتباينة السماع» (ص70)، عند ذكره لحديث من حفظ على أمتي أربعين حديثًا بعثه الله فقيهًا، وقد عدَّ عشرة من الصحابة رُوي عنهم هذا الحديث، وكل واحد منهم يُروى عنه الحديث من طرق، قال رحمه الله: «ولا يصح منها شيء.
قال أبو علي سعيد بن السكن الحافظ: ليس يُروى هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم من طريق يثبت.
وقال الدارقطني: لا يثبت من طرقه شيء.
وقال البيهقي: أسانيده كلها ضعيفة.
وقال ابن عساكر: أسانيده كلها فيها مقال، ليس فيها للتصحيح مجال.
وقال عبد القادر الرهاوي: طرقه كلها ضعاف؛ إذ لا يخلو طريق منها أن يكون فيها مجهول لا يعرف، أو معروف مضعَّف.
وقال الحافظان رشيد الدين العطار وزكي الدين المنذري نحو ذلك.
فاتفاق هؤلاء الأئمة على تضعيفه أولى من إشارة السِّلَفي إلى صحته.
قال المنذري: لعل السِّلَفي كان يرى أن مطلق الأحاديث الضعيفة إذا انضم بعضها إلى بعض أخذت قوة.
قلت [ابن حجر]: لكن تلك القوة لا تُخرِج هذا الحديث عن مرتبة الضعف؛ فالضعف يتفاوت؛ فإذا كثرت طرق حديث رجح على حديث فَرْدٍ، فكون الضعف الذي ضعفه ناشئ عن سوء حفظ رواته إذا كثرت طرقه ارتقى إلى مرتبة الحسن، والذي ضعفه ناشئ عن تهمة أو جهالة إذا كثرت طرقه ارتقى عن مرتبة المردود المنكر الذي لا يجوز العمل به بحال إلى رتبة الضعيف الذي يجوز العمل به في فضائل الأعمال» اهـ.
 
فقد بيَّن الحافظ ابن حجر بهذا التفصيل النفيس أن رواية المجاهيل وشديدي الضعف لا ترتقي إلى مرتبة الاحتجاج مهما كثرت الطرق التي حالها هكذا، وأيضًا غيره من الأئمة لم يُرقُّوا هذا الحديث على كثرة طرقه.
 
ويقول الحافظ ابن الصلاح رحمه الله في «علوم الحديث» (ص33، 34): «لَعَلَّ الباحثَ الفَهْم يقول: إنا نجد أحاديث محكومًا بضعفها، مع كونها قد رُوِيَت بأسانيد كثيرة من وجوه عديدة؛ مثل حديث: «الْأُذُنَانِ مِنَ الرَّأْسِ»، ونحوه، فهلَّا جعلتم ذلك وأمثاله من نوع الحسن؛ لأن بعض ذلك عَضَّدَ بعضًا؛ كما قلتم في نوع الحسن على ما سبق آنفًا؟!
 
وجواب ذلك: أنه ليس كل ضعف في الحديث يزول بمجيئه من وجوه؛ بل ذلك يتفاوت:
فمنه ضعف يزيله ذلك بأن يكون ضعفه ناشئًا من ضعف حفظ راويه، مع كونه من أهل الصدق والديانة؛ فإذا رأينا ما رواه قد جاء من وجه آخر، عرفنا أنه مما قد حفظه، ولم يَخْتَلَّ فيه ضبطه له، وكذلك إذا كان ضعفه من حيث الإرسال زال بنحو ذلك؛ كما في المرسل الذي يرسله إمام حافظ؛ إذ فيه ضعف قليل، يزول بروايته من وجه آخر.
 
ومن ذلك ضعف لا يزول بنحو ذلك؛ لقوة الضعف وتقاعد هذا الجابر عن جبره ومقاومته؛ وذلك كالضعف الذي ينشأ من كون الراوي متهمًا بالكذب، أو كون الحديث شاذًّا.
 
وهذه جملة تفاصيلها تُدْرَك بالمباشرة والبحث، فاعلم ذلك، فإنه من النفائس العزيزة.
والله أعلم».
انتهى كلام ابن الصلاح.
 
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله في «نزهة النظر» (ص130): «ومتى توبع السيئ الحفظ بمعتبر؛ كأن يكون فوقه، أو مثله، لا دونه، وكذا المختلط الذي لم يتميز، والمستور، والإسناد المرسل، وكذا المدلَّس؛ إذا لم يُعرف المحذوف منه، صار حديثهم حسنًا، لا لذاته، بل وصفه بذلك باعتبار المجموع، من المتابع والمتابع؛ لأن كل واحد منهم احتمال أن تكون روايته صوابًا، أو غير صواب، على حد سواء، فإذا جاءت من المعتبرين رواية موافقة لأحدهم رجح أحد الجانبين من الاحتمالين المذكورين، ودل ذلك على أن الحديث محفوظ؛ فارتقى من درجة التوقف إلى درجة القبول» اهـ.
 
فبيَّن الحافظ رحمه الله أن المجاهيل إنما تُقبل أحاديثهم إذا توبعوا بمعتبر، وتوبعوا بمن هم أقوى منهم، وما سوى ذلك فلا تُقبل.
 
وهذا ما ذكره العلامة الصنعاني رحمه الله في «توضيح الأفكار» (1/ 190)، حيث قال: «وقد ذكر الشافعي مثل هذا في المراسيل؛ فقال: إذا جاء المرسل من طريقين مختلفين فأكثر قَبِل التقوية، وإلا لم يقبل؛ لضعفه بالانفراد، وأما المجهول فليس يقوى حديثه بمتابعة مثله.
أي: بمتابعة مجهول مثله» اهـ.
 
فصرح الصنعاني هنا بأن رواية المجهول لا تُقَوَّى بمتابعة مجهول مثله.
 
وقال المناوي رحمه الله في «فيض القدير» (1/ 41): «وإذا قوي الضعف لا ينجبر بوروده من وجه آخر؛ وإن كثرت طرقه، ومِن ثَمَّ اتفقوا على ضعف حديث: «من حفظ على أمتي أربعين حديثًا»، مع كثرة طرقه؛ لقوة ضعفه، وقصورها عن الجبر؛ بخلاف ما خف ضعفه، ولم يقصر الجابر عن جبره؛ فإنه ينجبر ويعتضد» اهـ.
 
وقد ذَكَر العلامة الألباني رحمه الله نفس المعنى.
 
قال العلامة الألباني رحمه الله في «تمام المنة» (ص31، 32): «القاعدة العاشرة: تقوية الحديث بكثرة الطرق ليس على إطلاقه.
 
من المشهور عند أهل العلم أن الحديث إذا جاء من طرق متعددة فإنه يتقوى بها ويصير حجة، وإن كان كل طريق منها على انفراده ضعيفًا، ولكن هذا ليس على إطلاقه؛ بل هو مقيد عند المحققين منهم بما إذا كان ضعف رواته في مختلف طرقه ناشئًا من سوء حفظهم، لا من تهمة في صدقهم أو دينهم؛ وإلا فإنه لا يتقوى مهما كثرت طرقه، وهذا ما نقله المحقق المناوي في «فيض القدير» عن العلماء قالوا...»، وذكر كلام المناوي المتقدم، ثم قال الألباني رحمه الله: «وعلى هذا فلا بد لمن يريد أن يقوِّي الحديث بكثرة طرقه أن يقف على رجال كل طريق منها حتى يتبين له مبلغ الضعف فيها، ومن المؤسف أن القليل جدًّا من العلماء من يفعل ذلك، ولا سيما المتأخرين منهم؛ فإنهم يذهبون إلى تقوية الحديث لمجرد نقلهم عن غيرهم أن له طرقًا دون أن يقفوا عليها ويعرفوا ماهية ضعفها، والأمثلة على ذلك كثيرة من ابتغاها وجدها في كتب التخريج وبخاصة في كتابي «سلسلة الأحاديث الضعيفة» اهـ.
 
وهناك كلام للعلامة الألباني رحمه الله ينص فيه على تقوية حديث مجهول العين إذا تابعه مثله في غير طبقته.
 
حيث قد جاء في كتاب: «الدرر في مسائل المصطلح والأثر»: (ص33):
السؤال: مسألة الاستشهاد بالمنقطع ومجهول العين؟
الجواب: كذلك تارة، وتارة بالقرائن.
 
السؤال: يعني من الممكن أن يكون طريق منقطع وآخر منقطع، أو مجهول عين ومجهول عين؟
الجواب: نعم لكن لا يكونوا في طبقة واحدة؛ كي لا يكون المخرج واحدًا، والرجل واحدًا.
انتهى.
 
قلت: وقد نصر هذا الكلام بعض المعاصرين؛ مستدلًّا على ذلك ببعض النصوص الواردة عن أهل العلم:
من ذلك: قول الإمام الدارقطني رحمه الله في «سننه» (4/ 226): «وأهل العلم بالحديث لا يحتجون بخبر ينفرد بروايته رجل غير معروف، وإنما يثبت العلم عندهم بالخبر إذا كان راويه عدلًا مشهورًا، أو رجل قد ارتفع اسم الجهالة عنه، وارتفاع اسم الجهالة عنه أن يروي عنه رجلان فصاعدًا، فإذا كان هذه صفته ارتفع عنه اسم الجهالة وصار حينئذ معروفًا، فأما من لم يرو عنه إلا رجل واحد انفرد بخبر وجب التوقف عن خبره ذلك حتى يوافقه غيره.
والله أعلم» اهـ.
 
قالوا: هذا نص صريح منه في صحة الاستشهاد برواية مجهول العين.
 
قلت: كلام الإمام الدارقطني رحمه الله لا يدل على ما ذهبتم إليه من قريب أو بعيد؛ وذلك أن قوله «حتى يوافقه غيره»؛ معناه: أي من المعتبرين؛ ولم يقل الدارقطني: (حتى يوافقه غيره ممن هو مثله).
 
وأما ما فهمتموه أنتم من أن هذا الكلام يدل على تقوية أحاديث المجاهيل بعضها ببعض، فليس في كلام الدارقطني ما يدل عليه.
 
ومما استدلوا به أيضًا: قول الإمام أبي حاتم الرازي رحمه الله في «الجرح والتعديل» (6/ 262): «عمرو بن محمد، روى عن سعيد بن جبير، وأبي زرعة بن عمرو بن جرير، وروى عنه إبراهيم بن طهمان.
 
سألت أبي عنه، فقال: هو مجهول، والحديث الذي رواه عن سعيد بن جبير، فهو حسن، والحديث الآخر الذي رواه عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير، فإنه يرويه الناس» اهـ.
 
قلت: واستدلالهم بهذا الكلام على تقوية روايات المجاهيل بمثلهم في غاية العجب، ويدل على عدم فَهْم لكلام أهل العلم.
 
فقول الإمام أبي حاتم رحمه الله: «حديث حسن»، وقوله في الحديث الآخر: «فإنه يرويه الناس»؛ ليست فيه أي دلالة على أنه قوَّى حديثه برواية مجهول مثله؛ إذا لم يصرح الإمام بذلك، ولا يُفهم هذا من كلامه.
 
بل إنَّ كلامه فيه دلالة واضحة على أنه إنما قوَّى حديثه برواية المعتبرين لها؛ حيث قال: «فإنه يرويه الناس».
 
بل لو قلنا بأن الإمام أبا حاتم لم يعتبر روايته أصلًا، لَمَا كان هذا بعيدًا.
 
فقوله: «حديث حسن»؛ أي: حسن من طرق أخرى ثابتة، فهي مقبولة لذلك؛ ورواية المجهول لها لا تنفعها ولا تضرها.
 
وقوله: «حديث يرويه الناس»؛ أي: أنه مقبول لأنه يرويه الناس، لا لأجل رواية هذا المجهول.
 
وقد وردت أحاديث أخرى في التسمية عند الوضوء، ولا تعدُّ شاهدًا لهذا اللفظ؛ لأن ألفاظها تدل على استحباب التسمية، بخلاف هذا اللفظ الذي يدل ظاهره على اشتراطها.
 
فمما ورد في هذا الباب، ويدل لفظه على استحباب التسمية:
1- ما أخرجه أحمد (12694)، والنسائي في «المجتبى» (78)، وفي «الكبرى» (84)، وغيرهما، عن عبد الرزاق، قال: حدثنا معمر، عن ثابت، وقتادة، عن أنس رضي الله عنه، قال: نظر بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وَضوءًا، فلم يجدوا، قال: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «هَاهُنَا مَاءٌ»، قال: فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم وضع يده في الإناء الذي فيه الماء، ثم قال: «تَوَضَّئُوا بِاسْمِ اللَّهِ»، فرأيت الماء يفور بين أصابعه والقوم يتوضئون، حتى توضئوا عن آخرهم، قال ثابت: قلت لأنس: كم تراهم كانوا؟ قال: نحوًا من سبعين.
 
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله أئمة ثقات أثبات.
 
2- ما أخرجه الطبراني في «الصغير» (196)، من طريق عمرو بن أبي سلمة، عن إبراهيم بن محمد البصري، عن علي بن ثابت، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، إِذَا تَوَضَّأْتَ، فَقُلْ: بِسْمِ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، فَإِنَّ حَفَظَتَكَ لَا تَسْتَرِيحُ، تَكْتُبُ لَكَ الْحَسَنَاتِ حَتَّى تُحْدِثَ مِنْ ذَلِكَ الْوُضُوءِ».
 
قال الطبراني: «لم يروه عن علي بن ثابت إلا إبراهيم بن محمد، تفرد به عمرو بن أبي سلمة».
قلت: هذا حديث منكر.
 
قال ابن عدي في «الكامل» (2/ 21): «إبراهيم بن محمد بن ثابت الأنصاري، مديني، روى عنه عمرو بن أبي سلمة وغيره مناكير».
 
وقال الذهبي في «الميزان» (1/ 244): «ذو مناكير».
 
وأخرج الطبراني في «الصغير»، من طريق عمرو بن أبي سلمة، عن إبراهيم بن محمد البصري، عن علي بن ثابت، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، رفعه: «يا أبا هريرة إذا توضأت فقل: بسم الله، والحمد لله» الحديث، وهو منكر»اهـ.
 
3- ما أخرجه الدارقطني في «سننه» (232)، ومن طريقه البيهقي في «الكبير» (200)، من طريق مرداس بن محمد بن عبد الله بن أبي بردة، عن محمد بن أبان، عن أيوب بن عائذ الطائي، عن مجاهد، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ تَوَضَّأَ وَذَكَرَ اسْمَ اللَّهِ، تَطَهَّرَ جَسَدُهُ كُلُّهُ، وَمَنْ تَوَضَّأَ وَلَمْ يَذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ، لَمْ يَتَطَهَّرْ إِلَّا مَوْضِعُ الْوُضُوءِ».
 
مرداس هو أبو بلال الأشعري، ضعفه الدارقطني.
 
وقال الذهبي في «الميزان» (4/ 311): «مرداس بن محمد بن عبد الله، عن أبان الواسطي، لا أعرفه، وخبره منكر في التسمية على الوضوء» اهـ.
 
وقال ابن حجر في «نتائج الأفكار» (1/ 226): «هذا حديث غريب، تفرد به مرداس، وهو من ولد أبي موسى الأشعري، ضعفه جماعة، وذكره ابن حبان في «الثقات»، وقال: يغرب، وينفرد.
قلت: وبقية رجاله ثقات، والله أعلم».
 
قال الحويني في «كشف المخبوء» (ص20): «فمثله يصلح للاعتبار».
 
قلت: المتن علامات النكارة عليه ظاهرة، وقد ذكر الذهبي أنه منكر، والمنكر لا يتقوى به.
 
ثم إنه لا يصلح شاهدًا هنا؛ لأن الكلام ليس في استحباب التسمية؛ وإنما في لفظة: «لَا وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يَذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ»؛ التي ظاهرها اشتراط التسمية في الوضوء.
 
4- ما أخرجه ابن أبي شيبة (16)، وإسحاق بن راهويه في «مسنده» (999)، وأبو يعلى (4796)، وابن عدي (3/ 217)، وغيرهم، من طريق حارثة بن محمد بن أبي الرجال، عن عمرة، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم إلى الوضوء، فيسمي الله حين يكفئ الإناء على يديه، ثم يتوضأ فيسبغ الوضوء».
 
قال ابن عدي: «وبلغني عن أحمد بن حنبل رحمه الله أنه نظر في «جامع إسحاق بن راهويه»، فإذا أول حديث قد أخرج في جامعه هذا الحديث، فأنكره جدًّا، وقال: أول حديث في الجامع يكون عن حارثة بن محمد!.
 
قلت: حارثة بن أبي الرجال، منكر الحديث، متروك، كما قال البخاري وغيره.
 
5- ما أخرجه الدارقطني في «سننه» (231)، والبيهقي في «الكبير» (198)، وغيرهما، من طريق يحيى بن هاشم، عن الأعمش، عن شقيق، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إِذَا تَطَهَّرَ أَحَدُكُمْ، فَلْيَذْكُرِ اسْمَ اللَّهَ؛ فَإِنَّهُ يُطَهِّرُ جَسَدَهُ كُلَّهُ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ فِي طُهُورِهِ، لَمْ يَطْهُرْ مِنْهُ إِلَّا مَا مَرَّ عَلَيْهِ الْمَاءُ، فَإِذَا فَرَغَ مِنْ طُهُورِهِ، فَلْيَشْهَدْ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، فَإِذَا قَالَ ذَلِكَ، فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ».
 
قال البيهقي: «وهذا ضعيف لا أعلمه رواه عن الأعمش غير يحيى بن هاشم، ويحيى بن هاشم متروك الحديث».
 
وقال ابن عدي في «الكامل» (10/ 648): «يحيى بن هاشم السمسار الغساني، يكنى أبا زكريا، كان ببغداد، يضع الحديث، ويسرق»، ثم ذكر له عدة أحاديث، ثم قال: «وليحيى بن هاشم، عن هشام بن عروة، والأعمش، والثوري، وشعبة غير ما ذكرت، وهو يروي أيضًا عن إسماعيل بن أبي خالد، وأبي حنيفة، وغيرهم بالمناكير، يضعها عليهم، ويسرق حديث الثقات، وهو متهم في نفسه أنه لم يلق هؤلاء، وعامة حديثه عن هؤلاء وغيرهم إنما هو مناكير، وموضوعات، ومسروقات، وهو في عداد من يضع الحديث» اهـ.
 
وقال الحافظ في «نتائج الأفكار» (1/ 234): «تفرد به يحيى بن هاشم الكوفي، عن الأعمش، وهو متروك الحديث، متفق على ضعفه».
 
6- ما أخرجه الدارقطني في «سننه» (233)، والبيهقي في «الكبير» (199)، وغيرهما، من طريق عبد الله بن حكيم أبي بكر الداهري، عن عاصم بن محمد، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ تَوَضَّأَ وَذَكَرَ اسْمَ اللهِ عَلَى وَضُوئِهِ كَانَ طَهُورًا لِجَسَدِهِ، وَمَنْ تَوَضَّأَ وَلَمْ يَذْكُرِ اسْمَ اللهِ عَلَى وَضُوئِهِ كَانَ طَهُورًا لِأَعْضَائِهِ».
 
قال البيهقي: «وهذا أيضًا ضعيف؛ أبو بكر الداهري غير ثقة عند أهل العلم بالحديث».
 
وقال الحافظ في «نتائج الأفكار» (1/ 234): «تفرد به أبو بكر الداهري، واسمه عبد الله بن حكيم، وهو متروك الحديث».
 
7- ما أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (17)، قال: حدثنا خلف بن خليفة، عن ليث، عن حسين بن عمارة، عن أبي بكر، قال: «إذا توضأ العبد فذكر اسم الله في وضوئه طهر جسده كله، وإذا توضأ ولم يذكر اسم الله لم يطهر، إلا ما أصابه الماء».
 
فهذا إسناد ضعيف، وهو موقوف على أبي بكر رضي الله عنه.
 
المضعفون والمثبتون للحديث من الأئمة:
ضعَّف هذا الحديث:
1- الإمام أحمد.
قال الإمام أحمد في «سؤالات أبي داود» (ص11)، عن التسمية في الوضوء: «ليس فيه إسناد».
 
وقال أيضًا كما في «علل الترمذي» (ص32): «لا أعلم في هذا الباب حديثًا له إسناد جيد».
 
وقال في «مسائل صالح» (1/ 381): «لا يثبت عندي، إسناده ضعيف».
 
وقال ابن هانئ في «مسائله» (ص40): «سألت أبا عبد الله عن التسمية في الوضوء؟ فقال: لا يثبت حديث النبي صلى الله عليه وسلم فيه.
 
وسألته عن الذي ينسى التسمية عند الوضوء؟ قال أبو عبد الله: يجرئه ذلك، حديث النبي صلى الله عليه وسلم، التسمية، ليس إسناده بقوي»اهـ.
 
وقال العقيلي في «الضعفاء» (5/ 31): «حدثنا أحمد بن حفص السعدي، قال: سئل أحمد بن حنبل، يعني وهو حاضر، عن التسمية في الوضوء، فقال: لا أعلم فيه حديثًا يثبت، أقوى شيء فيه حديث كثير بن زيد، عن ربيح، وربيح رجل ليس بمعروف»اهـ.
 
وقال أبو بكر الأثرم كما في «التحقيق» لابن الجوزي (1/ 143): «سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل يقول: ليس في هذا حديث يثبت، وأحسنها حديث كثير بن زيد، وضعف حديث ابن حرملة، وقال: أنا لا آمره بالإعادة، وأرجو أن يجزئه الوضوء؛ لأنه ليس في هذا حديث أحكم به» اهـ.
 
وقال أبو زرعة الدمشقي في «تاريخه» (1/ 631): «قلت لأبي عبد الله أحمد بن حنبل: فما وجه قوله: لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه؟ قال: فيه أحاديث ليست بذاك، وقال الله تبارك وتعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ۚ وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا ۚ وَإِن كُنتُم مَّرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ ۚ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَٰكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [المائدة: 6]، فلا أوجب عليه، وهذا التنزيل، ولم تثبت سنة» اهـ.
 
2- الإمام العقيلي.
قال العقيلي في «الضعفاء الكبير» (1/ 484): «الأسانيد في هذا الباب فيها لين».
 
3- الإمام البيهقي.
قال البيهقي في «الصغير» (1/ 43): «ورُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم من أوجه غير قوية: لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه».
 
4- الإمام النووي.
نقل ابن الملقن في «البدر المنير» (2/ 89)، عن النووي أنه قال: «ليس في أحاديث التسمية على الوضوء حديث صحيح صريح».
 
وأثبت هذا الحديث:
1- الإمام أبو بكر بن أبي شيبة.
نقل عنه الإمام المنذري في «الترغيب والترهيب» (1/ 98)، قوله: «ثبت لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا وضوء لمن لم يسم الله».
 
2- الإمام المنذري.
قال في «الترغيب والترهيب» (1/ 99): «ولا شك أن الأحاديث التي وردت فيها، وإن كان لا يسلم شيء منها عن مقال، فإنها تتعاضد بكثرة طرقها، وتكتسب قوة.
والله أعلم» اهـ.
 
3- الإمام ابن الصلاح.
نقل عنه ابن الملقن في «البدر المنير» (2/ 90)، قوله: «رُوي هذا الحديث من وجوه في كلٍّ منها نظر، لكنها غير مطرحة، وهي من قبيل ما يثبت باجتماعه الحديث ثبوت الحديث الموسوم بالحسن» اهـ.
 
4- الإمام ابن القيم.
قال في «زاد المعاد» (1/ 188): «وكل حديث في أذكار الوضوء الذي يقال عليه، فكذب مختلق، لم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا منه، ولا علَّمه لأمته، ولا ثبت عنه غير التسمية في أوله» اهـ.
 
قلت: وهذا ليس صريحًا في إثبات هذه اللفظة.
 
5- الحافظ ابن كثير.
قال الشوكاني في «السيل الجرار» (ص50): «قال ابن كثير في «الإرشاد»: طرقه يشد بعضها بعضًا فهو حديث حسن أو صحيح» اهـ.
 
6- الإمام ابن الملقن.
قال في «البدر المنير» (2/ 90): «ولا يخلو هذا الباب في ذلك من حسن صريح، كما قدمته لك».
 
7- الحافظ ابن حجر.
قال في «التلخيص الحبير» (1/ 128): «والظاهر أن مجموع الأحاديث يحدث منها قوة، تدل على أن له أصلًا».
 
8- الإمام الصنعاني.
قال في «سبل السلام» (1/ 75): «وقد يروى الحديث في التسمية من حديث عائشة، وسهل بن سعد، وأبي سبرة، وأم سبرة، وعلي، وأنس، وفي الجميع مقال، إلا أن هذه الروايات يقوي بعضها بعضًا، فلا تخلو عن قوة» اهـ.
 
9- الإمام الشوكاني.
قال في «السيل الجرار» (ص50): «وهذه الطرق يقوي بعضها بعضًا، فتصلح للاحتجاج بها».
 
10- الشيخ أحمد شاكر.
حيث قال في حاشية «جامع الترمذي» (1/ 37) عن حديث أبي ثفال: «إسناد جيد حسن».
 
ولا يخفى عليك بُعد هذا القول عن الصواب؛ لما ذكرنا من العلل التي في طريق أبي ثفال.
 
11- الشيخ الألباني.
حسَّن الحديث في «الإرواء» (81).
 
فهؤلاء هم الأئمة الذين رجحوا ثبوت الحديث، ولكن من نظر في أقوال أغلب المثبتين، يجد أنهم إنما حكموا بالثبوت بمجموع الأحاديث الواردة في الباب، ومنها الأحاديث الدالة على الاستحباب، ولم يحكموا على لفظة: «لَا وُضوءَ لِمَنْ لَمْ يَذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ» بمفردها.
 
ويتبين لك ذلك من قول ابن الملقن في «البدر المنير» (2/ 90): «وقد ذكرنا من الأحاديث ما يستدل الفقهاء بمثله، ويستند العلماء في الأحكام إليه، فليس من شأنهم أن لا يحتجوا إلا بالصحيح، بل أكثر احتجاجهم بالحسن، ولا يخلو هذا الباب في ذلك من حسن صريح، كما قدمته لك.
قال الشيخ تقي الدين ابن الصلاح في «مشكل الوسيط»: رُوي هذا الحديث من وجوه في كلٍّ منها نظر، لكنها غير مطرحة، وهي من قبيل ما يثبت باجتماعه الحديث ثبوت الحديث الموسوم بالحسن.
قلت: بل وجد في التسمية حديث صحيح من غير شك ولا مرية، لكن ليس بصريح؛ بل يستدل بعمومه، وهو ما رواه الأئمة، واحتجوا به: النسائي، وابن منده، وابن خزيمة، والدارقطني، والبيهقي، من حديث معمر، عن ثابت، وقتادة، عن أنس، قال: «طلب بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وضوءًا فلم يجدوا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل مع أحد منكم ماء؟ فوضع يده في الإناء، وقال: توضئوا باسم الله...» اهـ.
 
قلت: فضم جميع ما ورد في التسمية عند الوضوء؛ سواء ما ورد بلفظ: «لَا وُضوءَ لِمَنْ لَمْ يَذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ»، أو غيره، وقوى بعضه ببعض، وليس البحث في هذا، وإنما البحث في لفظة معينة دلَّ ظاهرها على اشتراط التسمية، أو وجوبها على أقل الأحوال.
 
تنبيه:
بعض من عدهم الشيخ الحويني من المثبتين للحديث؛ لا يدل كلامهم على ذلك، وإليك بيان ذلك.
 
قال في «كشف المخبوء» (ص52): «أما العلماء الذين ثبَّتوا الحديث فهم كثير؛ منهم: إسحاق بن راهويه، قال: «أصح شيء فيه حديث كثير بن زيد»، والبخاري، قال: «حديث سعيد بن زيد أحسن شيء في هذا الباب...
الحافظ العراقي، نقل في «المغني» قول البخاري السابق وأقره».
انتهى كلامه حفظه الله.
 
قلت: لا يسلم لكم هذا حفظكم الله؛ لأن من المعلوم أن قولهم: «أصح شيء»، أو «أحسن شيء»؛ لا يدل على الصحة أو الحسن.



[1] صُحِّفت عنده إلى: (عيسى بن يزيد)، بدل: (يحيى بن يزيد).


 

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٣