عمدة الفقه - كتاب البيع [5]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً وعملاً يا كريم! اللهم اجعلنا لك شاكرين, لك ذاكرين, لك راهبين أواهين منيبين. اللهم تقبل توباتنا, واغسل حوباتنا, وثبت حجاتنا، واسلل سخيمة قلوبنا، وبعد:

فقد وصلنا إلى مسألة النهي عن بيعتين في بيعة، وقد ورد النهي عن هذا البيع في حديث: ( بيعتين في بيعة ) الذي رواه أهل السنن من طريق محمد بن عمرو بن عطاء عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه ( أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيعتين في بيعة ).

الصورة الأولى: عدم معرفة الثمن

وبيعتان في بيعة معناها مختلف فيه عند الفقهاء, وهي مهمة في زماننا, فأكثر الفقهاء على أن معناها مثلما ذكره المؤلف في قوله رحمه الله: [وهو أن يقول: بعتك هذا بعشرة صحاح أو عشرين مكسرة]، يعني يقول الرجل للبائع: بعتك هذه السلعة بعشرة دنانير صحاح ليست مكسرة، أو بعشرين مكسرة، أو يقول: بعشرة نقداً أو بعشرين نسيئة, ثم يتفرقان ولم يبينا أي العقدين أو أي الثمنين اختارا، فيكون هذا خللاً في أحد شروط العقد وهو معرفة الثمن.

فالجهالة في الثمن تبطل العقد، وهذا ما فسره مالك بن أنس رحمه الله وقبله سماك بن حرب والإمام الشافعي و أحمد رحمهم الله وغيرهم. ولا شك أن هذا العقد إذا تم بهذه الصورة فالعقد باطل؛ لأنه لم يحدد.

قد تقول: هذه الصورة غير واردة في زماننا, لكن أنا سأذكر لك صورة يتعامل بها أهل العقار، فيقول صاحب العقار: أبيعك هذه الأرض أو هذه العمارة بمليون ريال على أن تسدد على أقساط في سنة وأول دفعة منها ثلاثمائة ألف, وفي حال عدم تسديدك في مدة السنة ينقلب العقد إجارة, وما أخذته يكون من ضمن الإيجار، فهذا العقد يعتبر بيعتان في بيعة ولا يجوز؛ لأنهما تفرقا ولا يعلما هل هو عقد إجارة أم عقد بيع؟ لكن لو قال بعد مرور سنة لي حق الخيار والفسخ إن لم تسدد الأقساط، وإذا استمر قبضك لهذه السلعة فسوف أحاسبك إجارة بسعر المثل، فهذا الإيجار من حين فسخ العقد وهو صحيح.

يعني: أنا بعته بمليون والدفعة الأولى ثلاثمائة ألف على أن تسدد خلال سنة, ثم تمت السنة, إن قلت: إذا تمت السنة ولم تسدد يكون مرور هذه السنة التي أخذتها إجارة نقول: هذه باطلة، أما لو قلت: وعند مرور سنة كاملة ولم يحصل تسديد كامل المبلغ فلي حق الفسخ، وإذا استمريت بهذا القبض -الذي هو قبض العقار- فإنه يكون عليك إجارة من بعد السنة فهذا عقد صحيح.

هذه صورة من صور بيعتين في بيعة, وقلنا: إن هذا هو تفسير مالك و الشافعي ولا شك في دخول هذه الصورة.

الصورة الثانية: اشتراط عقد في عقد

الصورة الثانية: وهي قول المؤلف رحمه الله: (أو يقول: بعتك هذا) يعني هذا الشيء، هذه السيارة، هذا البستان (على أن تبيعني هذا) أو أن تشتري مني هذا، قال: فاشتراط عقد في عقد داخل في بيعتين في بيعة، أن أقول: أبيعك سيارتي على أن تبيعني سيارتك، أو على أن تشتري مني عقاراً، أو على أن تبيعني بيتك, قالوا: هذا داخل في بيعتين في بيعة.

وهذا التفسير هو قول جمهور الفقهاء من المالكية، والحنابلة، والشافعية، والحنفية, إلا أن الحنفية والمالكية قالوا: إن جرى به عقد في تعامل الناس جاز؛ لأنهم يرون أن الأعراف لها اعتبار كبير في باب المعاملات.

وذهب أبو العباس بن تيمية وأكثر الباحثين خاصة في زماننا إلى أن اشتراط عقد في عقد ينظر فيه, فإن كان فيه نوع محاباة أو انتفاع بلا عوض، أو دخول في الربا والقرض الذي يجر نفعاً حرم وإلا جاز.

صورة ذلك: إذا قلت: أبيعك بشرط أن تسلفني فهذا محرم؛ لأن هذا القرض جر نفعاً، أو أقول: أبيعك على أن ترهنني هذه الأرض وأنتفع بها مدة الرهن فهذا لا يجوز؛ لأن فيه نوع انتفاع, لأن الرهن معناه الضمان, كأنك أقرضتني وأمسكته وانتفعت بها فصار قرضاً جر نفعاً أو أني أقرضك مائة ألف وترهنني العمارة أستفيد منها، أؤجرها أو أسكنها فهذا كله محرم.

أما إذا لم يكن فيه محاباة ولا ربا ولا قرض جر نفعاً, بل كل واحد باع السلعة بسعر مثلها فإن الأقرب والله أعلم تجويز ذلك.

وهذا يحصل كثيراً في المعاملات المعاصرة، مثاله: أنا أرغب بشراء سيارة زيد, ولي اهتمام في شرائها غير أن زيداً لا يريد أن يبيعها مني, وزيد يرغب في شراء بيتي، فقال: أريد أن تبيعني بيتك قلت: لا؛ إلا أن تبيعني سيارتك هذه، فليس في ذلك محاباة تفضي للربا، بل سوف يبيع سيارته بسعر السوق، وأنا أبيع بيتي بسعر السوق فهذا جائز ولا حرج في ذلك، وهذا القول أقعد وأقرب، وقلنا: إن التعاملات المالية إذا لم يكن فيها ربا بأنواعه أو غرر بأنواعه أو غش وتدليس وتلبيس بأنواعه فالأصل في العقد الجواز وهذا منها.

الصورة الثالثة: البيع الذي قصد به الربا

الصورة الثالثة: من تفسير بعض العلماء لبيعتين في بيعة، هو تفسير ابن تيمية رحمه الله قال: إن بيعتين في بيعة هي كل بيعة قصد بها الربا، كبيع العينة: وهو أن أبيعك السلعة بأجل ثم أشتريها منك بأقل من سعرها حالّة، قال: صورة المسألة كلها بيعة لكنها بيعتين.

قلت: الحديث الوارد في بيعتين في بيعة, قواه ابن القيم في الإعلام, وقال: لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على أن: أبيعك على أن تبيعني ثابت في التحريم, وهذا القول أقرب والله أعلم.

لكن الأولى أن نقول: إنه ليس خاصاً ببيع العينة فقط, بل هو داخل في كل بيعة دخل فيها الربا, مثل أن يقول: أبيعك سيارة وبعد سنة تعطيني مائة ألف وقبل أن يحل الأجل قلت لك: أريد أن أبيعك المحصول الذي سوف يأتي بعد سنة بمائة ألف، فيكون هذا بيعتين في بيعة وهو ربا, فكلما كان فيه ربا فهو محرم ويدخل في البيعتين في بيعة وهذا القول كما قلت: أقرب، والله أعلم.

وهنا مسألة عصرية وحقيقة الأمر أنها تحتاج إلى بحث, بعض البنوك الإسلامية تملك عقارات وتؤجرها لمدة عشرين سنة أو عشر سنوات لكن أحياناً الثمن لا يحدد, يقول: أبيعك أو أؤجرك العقار على أنه كل سنة بقيمة الفائدة العالمية زائداً 10%، الآن الفائدة العالمية تصل إلى 2,70% أو 2,75% أو 3% .

هو يقول: الفائدة العالمية 3% زائد 10% صارت 13%، لكن بعد سنتين أمريكا سوف تزيد في الفائدة، صارت زائداً 10% كم صارت؟ 14% قالوا: هذا فيه نوع انضباط يرضى به الطرفان, فهل يدخل مع أن العقد عشر سنين أو عشرين سنة, فكل سنة أحياناً يختلف السعر فيها, فهل هذا العقد داخل في بيعتين في بيعة أم لا نقول: إنما هو بسعر السوق مثل: أن أقول: أؤجرك لمدة عشر سنوات كل سنة بسعر السوق؟ هذا محل تأمل وإن شاء الله سوف يكون فيها بحث في ذلك, أنا لم يتبين لي شيء ثابت في هذه المسألة.

وبيعتان في بيعة معناها مختلف فيه عند الفقهاء, وهي مهمة في زماننا, فأكثر الفقهاء على أن معناها مثلما ذكره المؤلف في قوله رحمه الله: [وهو أن يقول: بعتك هذا بعشرة صحاح أو عشرين مكسرة]، يعني يقول الرجل للبائع: بعتك هذه السلعة بعشرة دنانير صحاح ليست مكسرة، أو بعشرين مكسرة، أو يقول: بعشرة نقداً أو بعشرين نسيئة, ثم يتفرقان ولم يبينا أي العقدين أو أي الثمنين اختارا، فيكون هذا خللاً في أحد شروط العقد وهو معرفة الثمن.

فالجهالة في الثمن تبطل العقد، وهذا ما فسره مالك بن أنس رحمه الله وقبله سماك بن حرب والإمام الشافعي و أحمد رحمهم الله وغيرهم. ولا شك أن هذا العقد إذا تم بهذه الصورة فالعقد باطل؛ لأنه لم يحدد.

قد تقول: هذه الصورة غير واردة في زماننا, لكن أنا سأذكر لك صورة يتعامل بها أهل العقار، فيقول صاحب العقار: أبيعك هذه الأرض أو هذه العمارة بمليون ريال على أن تسدد على أقساط في سنة وأول دفعة منها ثلاثمائة ألف, وفي حال عدم تسديدك في مدة السنة ينقلب العقد إجارة, وما أخذته يكون من ضمن الإيجار، فهذا العقد يعتبر بيعتان في بيعة ولا يجوز؛ لأنهما تفرقا ولا يعلما هل هو عقد إجارة أم عقد بيع؟ لكن لو قال بعد مرور سنة لي حق الخيار والفسخ إن لم تسدد الأقساط، وإذا استمر قبضك لهذه السلعة فسوف أحاسبك إجارة بسعر المثل، فهذا الإيجار من حين فسخ العقد وهو صحيح.

يعني: أنا بعته بمليون والدفعة الأولى ثلاثمائة ألف على أن تسدد خلال سنة, ثم تمت السنة, إن قلت: إذا تمت السنة ولم تسدد يكون مرور هذه السنة التي أخذتها إجارة نقول: هذه باطلة، أما لو قلت: وعند مرور سنة كاملة ولم يحصل تسديد كامل المبلغ فلي حق الفسخ، وإذا استمريت بهذا القبض -الذي هو قبض العقار- فإنه يكون عليك إجارة من بعد السنة فهذا عقد صحيح.

هذه صورة من صور بيعتين في بيعة, وقلنا: إن هذا هو تفسير مالك و الشافعي ولا شك في دخول هذه الصورة.

الصورة الثانية: وهي قول المؤلف رحمه الله: (أو يقول: بعتك هذا) يعني هذا الشيء، هذه السيارة، هذا البستان (على أن تبيعني هذا) أو أن تشتري مني هذا، قال: فاشتراط عقد في عقد داخل في بيعتين في بيعة، أن أقول: أبيعك سيارتي على أن تبيعني سيارتك، أو على أن تشتري مني عقاراً، أو على أن تبيعني بيتك, قالوا: هذا داخل في بيعتين في بيعة.

وهذا التفسير هو قول جمهور الفقهاء من المالكية، والحنابلة، والشافعية، والحنفية, إلا أن الحنفية والمالكية قالوا: إن جرى به عقد في تعامل الناس جاز؛ لأنهم يرون أن الأعراف لها اعتبار كبير في باب المعاملات.

وذهب أبو العباس بن تيمية وأكثر الباحثين خاصة في زماننا إلى أن اشتراط عقد في عقد ينظر فيه, فإن كان فيه نوع محاباة أو انتفاع بلا عوض، أو دخول في الربا والقرض الذي يجر نفعاً حرم وإلا جاز.

صورة ذلك: إذا قلت: أبيعك بشرط أن تسلفني فهذا محرم؛ لأن هذا القرض جر نفعاً، أو أقول: أبيعك على أن ترهنني هذه الأرض وأنتفع بها مدة الرهن فهذا لا يجوز؛ لأن فيه نوع انتفاع, لأن الرهن معناه الضمان, كأنك أقرضتني وأمسكته وانتفعت بها فصار قرضاً جر نفعاً أو أني أقرضك مائة ألف وترهنني العمارة أستفيد منها، أؤجرها أو أسكنها فهذا كله محرم.

أما إذا لم يكن فيه محاباة ولا ربا ولا قرض جر نفعاً, بل كل واحد باع السلعة بسعر مثلها فإن الأقرب والله أعلم تجويز ذلك.

وهذا يحصل كثيراً في المعاملات المعاصرة، مثاله: أنا أرغب بشراء سيارة زيد, ولي اهتمام في شرائها غير أن زيداً لا يريد أن يبيعها مني, وزيد يرغب في شراء بيتي، فقال: أريد أن تبيعني بيتك قلت: لا؛ إلا أن تبيعني سيارتك هذه، فليس في ذلك محاباة تفضي للربا، بل سوف يبيع سيارته بسعر السوق، وأنا أبيع بيتي بسعر السوق فهذا جائز ولا حرج في ذلك، وهذا القول أقعد وأقرب، وقلنا: إن التعاملات المالية إذا لم يكن فيها ربا بأنواعه أو غرر بأنواعه أو غش وتدليس وتلبيس بأنواعه فالأصل في العقد الجواز وهذا منها.




استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الله بن ناصر السلمي - عنوان الحلقة اسٌتمع
عمدة الفقه - كتاب الحج [3] 2647 استماع
عمدة الفقه - كتاب البيع [1] 2531 استماع
عمدة الفقه - كتاب الحج [1] 2446 استماع
عمدة الفقه - كتاب الحج [17] 2392 استماع
عمدة الفقه - كتاب النكاح [4] 2311 استماع
عمدة الفقه - كتاب النكاح [16] 2164 استماع
عمدة الفقه - كتاب النكاح [5] 2163 استماع
عمدة الفقه - كتاب البيع [4] 2124 استماع
عمدة الفقه - كتاب الحج [2] 2106 استماع
عمدة الفقه - كتاب الحج [21] 2102 استماع