كتاب الصلاة [19]


الحلقة مفرغة

الحمد لله، نحمده ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد وسلم تسليماً كثيراً، وبعد:

قال المصنف رحمه الله: [ الفصل الثاني: في معرفة شروط الإمامة ومن أولى بالتقديم، وأحكام الإمام الخاصة به.

وفي هذا الفصل مسائل أربع:

المسألة الأولى: اختلفوا فيمن أولى بالإمامة.. ] يعني: الأحق بالإمامة [ فقال مالك : يؤم القوم أفقههم لا أقرؤهم، وبه قال الشافعي ، وقال أبو حنيفة و الثوري و أحمد : يؤم القوم أقرؤهم ].

سبب الاختلاف في الأولى بالإمامة في الصلاة

قال المصنف رحمه الله: [ والسبب في هذا الاختلاف: اختلافهم في مفهوم قوله صلى الله عليه وسلم: ( يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء، فأقدمهم إسلاماً، ولا يؤم الرجل الرجل في سلطانه، ولا يقعد في بيته على تكرمته إلا بإذنه )، وهو حديث متفق على صحته ] يعني: أخرجه البخاري و مسلم [ لكن اختلف العلماء في مفهومه، فمنهم من حمله على ظاهره وهو أبو حنيفة ] يعني: قدم بالقراءة [ ومنهم من فهم من القراءة هاهنا الأفقه; لأنه زعم أن الحاجة إلى الفقه في الإمامة أمس من الحاجة إلى القراءة، وأيضاً فإن الأقرأ من الصحابة كان هو الأفقه ضرورة، وذلك بخلاف ما عليه الناس اليوم ]، يعني: أن الإنسان يقرأ القرآن كله ولا يفهم من معانيه شيئاً، وكان الرجل في زمن الصحابة إذا قرأ سورة البقرة فهو أفقه وفقيه؛ لأنه يعرف المعاني ويعرف كذا.. أما الآن فلا يعرف، فهو يقرأ القرآن كله ولا يعرف عامه ولا خاصه ولا كذا.. وهم كانوا يتلقون القرآن من الرسول صلى الله عليه وسلم، وتلقيهم له منه بيان لمعانيه وما يحمله؛ ولهذا أنا قلت: وهذا هو الأقرب من جهة المعنى، يعني: قول الإمام مالك و الشافعي أقرب من جهة المعنى.

قال المصنف رحمه الله: [ والسبب في هذا الاختلاف: اختلافهم في مفهوم قوله صلى الله عليه وسلم: ( يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء، فأقدمهم إسلاماً، ولا يؤم الرجل الرجل في سلطانه، ولا يقعد في بيته على تكرمته إلا بإذنه )، وهو حديث متفق على صحته ] يعني: أخرجه البخاري و مسلم [ لكن اختلف العلماء في مفهومه، فمنهم من حمله على ظاهره وهو أبو حنيفة ] يعني: قدم بالقراءة [ ومنهم من فهم من القراءة هاهنا الأفقه; لأنه زعم أن الحاجة إلى الفقه في الإمامة أمس من الحاجة إلى القراءة، وأيضاً فإن الأقرأ من الصحابة كان هو الأفقه ضرورة، وذلك بخلاف ما عليه الناس اليوم ]، يعني: أن الإنسان يقرأ القرآن كله ولا يفهم من معانيه شيئاً، وكان الرجل في زمن الصحابة إذا قرأ سورة البقرة فهو أفقه وفقيه؛ لأنه يعرف المعاني ويعرف كذا.. أما الآن فلا يعرف، فهو يقرأ القرآن كله ولا يعرف عامه ولا خاصه ولا كذا.. وهم كانوا يتلقون القرآن من الرسول صلى الله عليه وسلم، وتلقيهم له منه بيان لمعانيه وما يحمله؛ ولهذا أنا قلت: وهذا هو الأقرب من جهة المعنى، يعني: قول الإمام مالك و الشافعي أقرب من جهة المعنى.

قال المصنف رحمه الله: [ المسألة الثانية: اختلف الناس في إمامة الصبي الذي لم يبلغ الحلم إذا كان قارئاً، فأجاز ذلك قوم ] منهم الشافعي [ لعموم حديث عمرو بن سلمة ، أنه كان يؤم قومه وهو صبي. ومنع ذلك قوم مطلقاً ]، ومنهم الحنفية، [ وأجازه قوم في النفل ولم يجيزوه في الفرض، وهو مروي عن مالك ]، و أبي حنيفة و أحمد ؛ لأنهم يقولون: أنه متنفل ومن بعده يصلي فريضة، ولا تصح اختلاف النية؛ لأن صلاته نفل وصلاتهم فرض، وهذا تعليلهم.

[ وسبب الخلاف في ذلك: هل يؤم أحد في صلاة غير واجبة عليه من وجبت عليه؟ وذلك لاختلاف نية الإمام والمأموم ]، وهذا ما عللوا به.

ولكن الراجح جواز إمامة الصبي المميز مطلقاً في الفرض والنفل؛ لدلالة حديث عمرو بن سلمة على ذلك، وما قيل فيه إنه يحتمل عدم علم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فالجواب عنه: بأنه وقع في زمن الوحي، ولو كان غير جائز لأعلم الله به رسوله صلى الله عليه وسلم؛ بدليل قول ابن مسعود : ( كنا نعزل والقرآن ينزل ).

قلت: إن ما عمل في حضرة الرسول صلى الله عليه وسلم أو في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم هذا يسمى إقراراً.

وما ذكره المؤلف من سبب الخلاف فيرده حديث معاذ أنه كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم يرجع إلى قومه فيؤمهم في تلك الصلاة.

قال المصنف رحمه الله: [ المسألة الثالثة: اختلفوا في إمامة الفاسق ] هذه المسألة قد تقع في بعض الأوقات [ فردها قوم بإطلاق ]، أقول: إذا كان في استطاعة المصلين، كأن يكون هناك مثلاً قرية يتحكم فيها المصلون، وليس هناك من يتحكم عليهم، لا أوقاف ولا كذا.. فماذا يقدمون؟ سيقدمون الأصلح، ولكن هذا في مسألة أن الحكومة والأوقاف وغيرها تتدخل وتجعل للمسجد إماماً، ويكون من جهة مسئولية ولا يستطيع المصلون رد ذلك، فما هي السنة؟ وما هي طريقة السلف؟ وما هي البدعة؟

الجواب: إن طريقة السلف أنهم يصلون بعد البر والفاجر، وقد كان ابن عمر يصلي بعد الحجاج وقد علم ما فيه، كم قتل من العلماء وكم كذا.. إلى غير ذلك، فإذاً من ترك الصلاة وراء مثل هؤلاء الأئمة، وترك الجماعة وصلى في بيته، وقاطعهم فهو مبتدع، بدعته أكبر من هذا الإمام الذي جعلته السلطة.

[ وأجازها قوم بالإطلاق، وفرق قوم بين أن يكون فسقه مقطوعاً به أو غير مقطوع به، فقالوا: إن كان فسقه مقطوعاً به أعاد الصلاة المصلي وراءه أبداً ] يعني: الفاسق الذي يشرب الخمر والذي يفعل كذا.. [ وإن كان مظنوناً استحبت له الإعادة ] أي: ليس ثابتاً، أو كان متأولاً أعاد الصلاة [ في الوقت، وهذا الذي اختاره الأبهري ] وهو فقيه مالكي [ تأولاً عن المذهب. ومنهم من فرق بين أن يكون فسقه بتأويل أو يكون بغير تأويل مثل الذي يشرب النبيذ، ويتأول أقوال أهل العراق ] يعني: أنه لا يحرم النبيذ إلا لقدر المسكر منه [ فأجازوا الصلاة وراء المتأول، ولم يجيزوها وراء غير المتأول ].

سبب الاختلاف في إمامة الفاسق

قال المصنف رحمه الله: [ وسبب اختلافهم في هذا أنه شيء مسكوت عنه في الشرع ] يعني: أن الصلاة وراء الفاسق شيء مسكوت عنه في الشرع، لا ورد في الشرع جوازه ولا نفيه [ والقياس فيه متعارض. فمن رأى أن الفسق لما كان لا يبطل صحة الصلاة، ولم يكن يحتاج المأموم من إمامه إلا صحة صلاته فقط على قول من يرى أن الإمام يحمل عن المأموم أجاز إمامة الفاسق، ومن قاس الإمامة على الشهادة واتهم الفاسق أن يكون يصلي صلاة فاسدة كما يتهم في الشهادة أن يكذب لم يجز إمامته؛ ولذلك فرق قوم ] يعني: بالقياس على الشهادة [ بين أن يكون فسقه بتأويل أو بغير تأويل ] لأن الفسق بالتأويل قد يكون عذراً في ذاته [ وإلى قريب من هذا يرجع من فرق بين أن يكون فسقه مقطوعاً به أو غير مقطوع به; لأنه إذا كان مقطوعاً به، فكأنه غير معذور في تأويله، وقد رام أهل الظاهر ] يعني: قصدوا [ أن يجيزوا إمامة الفاسق بعموم قوله صلى الله عليه وسلم: ( يؤم القوم أقرؤهم ) قالوا: فلم يستثن من ذلك فاسقاً من غير فاسق ]، يعني: أنه داخل في هذا العموم، لكن المؤلف يقول: [ والاحتجاج بالعموم في غير المقصود ضعيف ]، ولكن مال شيخنا في أحد دروسه إلى الاحتجاج بهذا العموم، كما في المذكرات التي عندي فقد مال إلى الاحتجاج بهذا العموم على صحة إمامة الفاسق.

الراجح في إمامة الفاسق

قلت: فالراجح صحة إمامة الفاسق لما يأتي:

أولاً: لدخوله في هذا العموم.

ثانياً: صحة صلاته لنفسه.

ثالثاً: أنه من الأمر المسكوت عنه، والأصل عدم البطلان.

رابعاً: القول بالبطلان حكم شرعي يحتاج إلى دليل.

خامساً: عمل الصحابة يدل على صحة الصلاة وراء الفاسق، فقد ثبت أن عبد الله بن عمر كان يصلي بعد الحجاج وفسقه ظاهر كالشمس، حتى إنه قيل: إنه تسبب في قتله، فجاء يزوره، فقال: من قتلك؟ قال: أنت.

قال المصنف رحمه الله: [ وسبب اختلافهم في هذا أنه شيء مسكوت عنه في الشرع ] يعني: أن الصلاة وراء الفاسق شيء مسكوت عنه في الشرع، لا ورد في الشرع جوازه ولا نفيه [ والقياس فيه متعارض. فمن رأى أن الفسق لما كان لا يبطل صحة الصلاة، ولم يكن يحتاج المأموم من إمامه إلا صحة صلاته فقط على قول من يرى أن الإمام يحمل عن المأموم أجاز إمامة الفاسق، ومن قاس الإمامة على الشهادة واتهم الفاسق أن يكون يصلي صلاة فاسدة كما يتهم في الشهادة أن يكذب لم يجز إمامته؛ ولذلك فرق قوم ] يعني: بالقياس على الشهادة [ بين أن يكون فسقه بتأويل أو بغير تأويل ] لأن الفسق بالتأويل قد يكون عذراً في ذاته [ وإلى قريب من هذا يرجع من فرق بين أن يكون فسقه مقطوعاً به أو غير مقطوع به; لأنه إذا كان مقطوعاً به، فكأنه غير معذور في تأويله، وقد رام أهل الظاهر ] يعني: قصدوا [ أن يجيزوا إمامة الفاسق بعموم قوله صلى الله عليه وسلم: ( يؤم القوم أقرؤهم ) قالوا: فلم يستثن من ذلك فاسقاً من غير فاسق ]، يعني: أنه داخل في هذا العموم، لكن المؤلف يقول: [ والاحتجاج بالعموم في غير المقصود ضعيف ]، ولكن مال شيخنا في أحد دروسه إلى الاحتجاج بهذا العموم، كما في المذكرات التي عندي فقد مال إلى الاحتجاج بهذا العموم على صحة إمامة الفاسق.

قلت: فالراجح صحة إمامة الفاسق لما يأتي:

أولاً: لدخوله في هذا العموم.

ثانياً: صحة صلاته لنفسه.

ثالثاً: أنه من الأمر المسكوت عنه، والأصل عدم البطلان.

رابعاً: القول بالبطلان حكم شرعي يحتاج إلى دليل.

خامساً: عمل الصحابة يدل على صحة الصلاة وراء الفاسق، فقد ثبت أن عبد الله بن عمر كان يصلي بعد الحجاج وفسقه ظاهر كالشمس، حتى إنه قيل: إنه تسبب في قتله، فجاء يزوره، فقال: من قتلك؟ قال: أنت.

قال المصنف رحمه الله: [ المسألة الرابعة: إمامة المرأة.

اختلفوا في إمامة المرأة، فالجمهور على أنه لا يجوز أن تؤم الرجال، واختلفوا في إمامتها النساء.. ] كذلك إمامة النساء الراجح أنه يجوز [ فأجاز ذلك الشافعي .. ] يعني: أن تؤم النساء [ ومنع ذلك مالك .. ] قال: لا تؤم لا رجالاً ولا نساء، يصلين فرادى أو يصلين بعد رجل [ وشذ أبو ثور و الطبري ، فأجازا إمامتها على الإطلاق.. ]، والإمام الطبري دائماً له مخالفات ومنها أنه قال: يجوز أن تكون المرأة قاضية والإمام الطبري له مذهب مستقل.

هناك امرأة اسمها غزالة ، كانت قائدة وإمامة، كانت تقود المعارك للخوارج، وعندما كانت تتجهز للدخول على البصرة، نذرت لله نذراً إن هي انتصرت ودخلت البصرة، أن تصلي بقومها صلاة الفجر في مسجد البصرة بسورة البقرة، وفعلاً دخلت وانتصرت ودخلت البصرة وأوفت بنذرها، فصلت بهم إمامة في صلاة الفجر بسورة البقرة كلها.. وهم واقفون وراءها يصلون، وبعد ذلك كان يقول صبيان البصرة:

أوفت غزالة نذرها يا رب لا تغفر لها

ودليل أبي ثور والطبري الحديث الذي سيأتي، ورواه أبو داود بسند صحيح من حديث أم ورقة : ( أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يزورها في بيتها، وجعل لها مؤذناً يؤذن لها، وأمرها أن تؤم أهل دارها )، فاستدلوا بهذا الحديث، وشيخنا كان في الدرس يميل إلى هذه القضية خاصة، وليس إلى إمامتها مطلقاً، لكن كان يقول: إذا كان أهل دارها -يعني محارمها- فتصلي بهم عملاً بهذا الحديث.

وقد كان فيهم رجل؛ لأنه كان يؤذن لها رجل وهو غلامها فتصلي بهم كما في الحديث، فالشيخ مال إلى مثل هذه القضية فقط في البيت تؤم أهل بيتها، إذا كانت فقيهة.. فتؤم أولادها أو كذا.. فقد أجاز لها في مثل هذا فقط، أما أنها تكون إمامة مطلقاً فلا؛ لأنها عورة.

وقوله: (فأجازا إمامتها على الإطلاق)، يعني: أبا ثور و الطبري ، وفيه شيء، لكن لو قالا بأنها تؤم أهل بيتها فقط؛ لكان الحديث دليلاً لهم.

[ وإنما اتفق الجمهور على منعها أن تؤم الرجال; لأنه لو كان جائزاً لنقل ذلك عن الصدر الأول ]، يعني: أن الصدر الأول ما نقل عنهم شيء إلا ما نقل عن الخوارج الذين (يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية)، وقال: ( إنهم حدثاء الأسنان، سفهاء الأحلام )، ( ويقولون من قول خير البرية ويمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية )، فهؤلاء لا يعتبر خلافهم.

[ ولأنه أيضاً لما كانت سنتهن.. ] أي: الطريقة في الشرع [ في الصلاة التأخير عن الرجال؛ علم أنه ليس يجوز لهن التقدم عليهم؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: ( أخروهن حيث أخرهن الله ) ]، وهو حديث حسن، يعني يضعهن في منازلهن، وليس هذا تحقيراً للنساء، بل يعني: المواضع التي وضعهن الله فيها فنحن نضعهن فيها، فالله سبحانه وتعالى ما اختار لهن إلا ما هو الأحسن لهن في حياتهن وفي آخرتهن، والأحسن للمجتمع الإسلامي..

وأما ما أورده المؤلف أنه حديث: ( أخروهن حيث أخرهن الله ) فهو ليس بحديث مرفوع، إنما هو أثر عن ابن مسعود ، قال المحقق: إنما أخرجه عبد الرزاق في مصنفه عن ابن مسعود من قوله: وإسناده صحيح.

وقد كان ابن مسعود صحابياً فقيهاً، ليس صحابياً فقط، إنما هو صحابي فقيه، فيكون لكلامه وجه من النظر، إما بالرفع وإما بالاستنباط، ولم نر مخالفاً له من الصحابة، فيكون قوله معمولاً به، ولكن المصنف رحمه الله كأنه ظنه حديثاً، وحكم عليه بالرفع.

[ ولذا أجاز بعضهم إمامتها النساء إن كن متساويات في المرتبة في الصلاة.. ] وهذا جائز [ مع أنه أيضاً نقل ذلك عن بعض الصدر الأول ] يعني: إمامتها [ ومن أجاز إمامتها ]، يعني: أبو ثور و الطبري .

[ فإنما ذهب إلى ما رواه أبو داود من حديث أم ورقة : ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يزورها في بيتها وجعل لها مؤذناً.. ) ] رجلاً [ ( يؤذن لها، وأمرها أن تؤم أهل دارها ).. ].

يعني بأهل دارها الذين هم محارم لها، لكن إذا كانوا غير محرم لها، فهذا لا يجوز، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم فقد قال: ( شر صفوف الرجال آخرها.. وشر صفوف النساء أولها ).

وقوله: وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ [الحجر:24]، ذكر شيخنا ناصر الدين وصححه، أنها نزلت في رجل كان يتأخر لينظر النساء في الصفوف.

وقد قال الإمام الشوكاني في السيل، (1/250): لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في جواز إمامة المرأة بالرجل أو الرجال شيء.

فلعل الشوكاني لم يبلغ عنده الحديث إلى درجة الحسن، فلهذا نفى عدم الثبوت مطلقاً، ولو ثبت عنده لقال به في تلك الواقعة. أما الرجال الأجانب فهذا لم يثبت، وأما أهل دارها فقد ثبت.

قال الشوكاني : (ولا وقع في عصره..) يعني: في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم (ولا في عصر الصحابة والتابعين من ذلك شيء..)، يعني ما ورد من ذلك شيء.. إلا هذه المرأة - غزالة - والعياذ بالله.. وقالوا: إن واحدة منهن كان يخافها الحجاج في الحرب، فقرروا أنهم إذا ظفروا بها فسوف يجردونها وهذا ليس بجائز؛ فلهذا يراد منعهم من الدخول في الحرب.

قال الشوكاني : (وقد جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم صفوفهن بعد صفوف الرجال؛ وذلك لأنهن عورات، وائتمام الرجل بالمرأة) يعني: اقتداء (خلاف ما يفيده هذه)، يعني: أن تقف في آخر الصفوف.. حتى ولو كانت منفردة فلا تقف جانب الرجل، بل تقف وراءه، ولو كان من أقاربها، وصلت وراءه فإنها تقف خلفه.

(ولا يقال: الأصل الصحة لأنا نقول: قد ورد ما يدل على أنهن لا يصلحن لتولي شيء من الأمور..) يعني ما يصلح -على كل حال- أن تتولى شيئاً من الأمور، فإذا كانت طاعة ربها متوقفة على إذن زوجها، فلا تصوم نافلة وهو حاضر إلا بإذنه، فكيف نقول لها: أنت ستكونين في مجلس النواب؟! وامكثي خمسة عشر يوماً في مجلس النواب، فهل هذا يصلح؟! وزوجك يكون في البيت ويأخذ الأولاد ويحضنهم، وترجع هي الرجل وهو المرأة!! فهذا والله ما نراه أنه من تقدم للنساء أو من حقوق النساء أو إرضاء للنساء.. وإذا كانت هناك امرأة تريد أن تعمل للإسلام.. فلا مانع لها أن تنتخب، ولا مانع أن تجمع النساء وتعلمهن وترد شبهات.. وتعرفهن بالشبهات التي في الأحزاب الضالة فهذا لا مانع منه.

لكن لا تقول لنا: كيف أن الأحزاب جعلت من نسائهن من يكن في مجلس النواب؟ بل وجعلوا منهم رئيسة وزراء! فنقول لنسائنا: ذلك جزاء عملهم في الدنيا، وأنتن تعملن للآخرة، فسوف يقنعن بذلك لأنهن يعملن للآخرة، وخير لهن أن يكن في بيوتهن، ولا مانع من أن يقمن بالوعظ والإرشاد والتنظيم النسوي في صفوف النساء.

أما أن نقول: إنا متأخرون ورجعيون؛ لأنا لم نقدم نساءنا في مجلس النواب، ولا في الوزارات فهذا ليس من حقهن.

وهناك رجل دكتور يسمى الحسامي من تعز رأيته كتب كتاباً، وذهب يتلمس كلام الطبري في أن المرأة يجوز أن تكون قاضية.. ويتلمس الأقوال الشاذة في المذاهب.. وهذا لم تطمئن إليه نفوسنا، وإن كان الصحابيات يقمن بأعمال يساعدن فيها الرجال في الحرب. أما أنهن يتولين فلا. وكن أيضاً مفتيات، وكن مدرسات يؤخذ عنهن العلم.

وأما الاستشارة فلا مانع منها، لا مانع من أن نستشيرهن، لكن أن يتركن بيوتهن فلا.

ثم إنه لا يحل للمرأة أن تدخل في بيت زوجها أحداً إلا بإذنه، ونحن لما نجعلها في مجلس النواب فلا بد أن يكون هناك رجال يريدون أن يتفقوا معها على وضع قرار، ويجتمعوا في لجان خاصة، وهذا ما يتصور أن يكون الزوج بهذه السذاجة، فيقبل أنها تجتمع مع هذا وتجتمع مع هذا.. فوالله ما لنا حاجة إلى النساء في هذا، بل لنا حاجة إلى النساء في غير هذا، وفي الرجال كفاية، وليس هذا من التقدم وإنما هو من التشبه.

قال الشوكاني : (وهذا من جملة الأمور..) وهذا يعني: الإمامة (بل هو أعلاها وأشرفها..) يعني: الإمامة (فعموم قوله صلى الله عليه وسلم: ( لا يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة )، كما في الصحيحين وغيرهما يفيد منعهن من أن يكون لهن منصب الإمامة في الصلاة للرجال). انتهى كلام الشوكاني ، وهو كلام وجيه.

الراجح في إمامة المرأة

والراجح أنها لا تصلي.. وتلك واقعة حال، وعدم العمل بها من الصحابيات يدل على أنه كان شيئاً خاصاً، وإلا لنقل عن الصحابيات إمامتهن بأقاربهن، وأما إمامتها للنساء فجائز، وقد ورد عن عائشة ( أنها كانت تؤم النساء وتقوم في وسطهن )، وإن كان في الحديث بعض الشيء لكنه صحيح.

وأما حديث أم ورقة وهو: ( أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يزورها في بيتها وجعل لها مؤذناً يؤذن لها، وأمرها أن تؤم أهل دارها )، فهذا الحديث قلنا: إن شيخنا ناصر الدين الألباني كان يرى في مثل هذه أن تؤم أهل دارها - يعني من الرجال المحارم لها - وأما ما أخذ به أبو ثور و الطبري من أنه يجوز لها أن تؤم الرجال مطلقاً فهذا بعيد، ولا يصلح هذا الدليل له.

وقلت أنا: إن هذا وإن كان فيه ما يدل عليه، فهو من المسائل التي إذا انقدح للعالم شيء فيها ورأى أن من المصلحة عدم الفتوى بها فلا يفتي فيها، فمثل هذه المسألة أنها أمت أهل دارها، هناك ما يعارضه من أنها لا تكون حتى في الصف مع محارمها، بل تتأخر كما سيأتي: ( والعجوز من ورائنا )، وهي عجوز ومع ذلك كانت من ورائهم، فما كانت حتى بجانبهم، فالأولى أنها لا تؤم أهل دارها، وهذا الحديث وإن كان فيه دليل على ذلك، فيحتمل أنه على الخصوصية، أو أن الأحاديث الأخرى أقوى منه دلالة.

والراجح أنها لا تصلي.. وتلك واقعة حال، وعدم العمل بها من الصحابيات يدل على أنه كان شيئاً خاصاً، وإلا لنقل عن الصحابيات إمامتهن بأقاربهن، وأما إمامتها للنساء فجائز، وقد ورد عن عائشة ( أنها كانت تؤم النساء وتقوم في وسطهن )، وإن كان في الحديث بعض الشيء لكنه صحيح.

وأما حديث أم ورقة وهو: ( أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يزورها في بيتها وجعل لها مؤذناً يؤذن لها، وأمرها أن تؤم أهل دارها )، فهذا الحديث قلنا: إن شيخنا ناصر الدين الألباني كان يرى في مثل هذه أن تؤم أهل دارها - يعني من الرجال المحارم لها - وأما ما أخذ به أبو ثور و الطبري من أنه يجوز لها أن تؤم الرجال مطلقاً فهذا بعيد، ولا يصلح هذا الدليل له.

وقلت أنا: إن هذا وإن كان فيه ما يدل عليه، فهو من المسائل التي إذا انقدح للعالم شيء فيها ورأى أن من المصلحة عدم الفتوى بها فلا يفتي فيها، فمثل هذه المسألة أنها أمت أهل دارها، هناك ما يعارضه من أنها لا تكون حتى في الصف مع محارمها، بل تتأخر كما سيأتي: ( والعجوز من ورائنا )، وهي عجوز ومع ذلك كانت من ورائهم، فما كانت حتى بجانبهم، فالأولى أنها لا تؤم أهل دارها، وهذا الحديث وإن كان فيه دليل على ذلك، فيحتمل أنه على الخصوصية، أو أن الأحاديث الأخرى أقوى منه دلالة.

قال المصنف رحمه الله: [ وأما أحكام الإمام الخاصة به: فإن في ذلك أربع مسائل متعلقة بالسمع.

إحداها: هل يؤمن الإمام إذا فرغ من قراءة أم القرآن؟ أم المأموم هو الذي يؤمن فقط؟

والثانية: متى يكبر تكبيرة الإحرام؟

والثالثة: إذا ارتج عليه هل يفتح عليه أم لا؟

والرابعة: هل يجوز أن يكون موضعه أرفع من موضع المأمومين؟.. ] يعني: يكون في محل مرتفع.




استمع المزيد من الشيخ محمد يوسف حربة - عنوان الحلقة اسٌتمع
كتاب الزكاة [9] 2956 استماع
كتاب الزكاة [1] 2912 استماع
كتاب الطهارة [15] 2905 استماع
كتاب الطهارة [3] 2617 استماع
كتاب الصلاة [33] 2566 استماع
كتاب الصلاة [29] 2415 استماع
كتاب الطهارة [6] 2396 استماع
كتاب أحكام الميت [3] 2388 استماع
كتاب الطهارة [2] 2364 استماع
كتاب الصلاة [1] 2327 استماع