ويسألونك عن ساعة العبث الإضافية فقل: «عادت ولله المشتكى» - محمد بوقنطار
مدة
قراءة المادة :
9 دقائق
.
سألني حازما: لماذا لم تصوت؟فأجبته مازحا قاطعا عليه احتمال الانسراب مع خلوات الخطرات، أوالاسترسال في عدِّ مزايا التصويت، وحسنة المشاركة في تكريس الزعامات السياسية المحلية، أو فتح جبهة الترخص، وأن في الأمر نظرا وسعة من جهة وجود من أفتى من العلماء أو المتخصصين في مثل هذا النوع من الإفتاء بجواز المشاركة، بل بوجوبها في صنع القرارات السياسية وإضفاء طابع الرسمية والنخبوية على أصحابها...
أجبته مازحا قاطعا عليه...
"لم أصوت لأن الحكومة الإسلامية أو التي تسمي نفسها إسلامية كرست عبث الساعة الصيفية الإضافية بمرسوم وزاري".
وهو الفعل الذي لم يقو على ارتكاب كبيرته الأوائل من قيادات ووجوه الحكومات التي لا ولم يتوان أصحابها عن وصفها بالحكومات العلمانية ، وهذه حقيقة لا يمكن دفعها حتى في ظل العلم بأنها هي من ابتدأت العمل بهذه الزيادة المقرفة هشا على غنمها وعطفا بما لها فيها من مآرب أخرى، غير أنها ظلت تخوض وتلعب وتناور، ولم تستطع أن تجعل لنقبها حظا ولا ظهورا، حتى جاء من اسطاع أن يجعل لبنيان الريبة وأوهن الضرار رسوخا ورصانة، ومسوغات ومأذونية قانونية تنحني لها الهامات والقامات، فتمرر على الظهور دون تطرف إنكار ولا فرط شجب ومستقبح مدافعة...
وهكذا يكون عبث الإنسان وسعيه الدائم والمستمر في إفساد الزرع وإهلاك الضرع قد تجاوز حدود المكان وأبعاد حيّزه المعروفة، وهي الأبعاد التي كانت ضحية وأرضية تدور على رحاها معركة تثبيت تجليات ذلك الإفساد القديم المتجدد الذي كان له الظهور والاستيعاب الصافق للبر والبحر والهواء بما كسبت أيدي المترفين، واليوم يستمر مسلسل الإفساد متجاوزا معهود لعبه ومناوراته، منتقلا إلى المساس بالبعد الزماني ضاربا ومتأليا ومستدركا على ذلك التقدير المحكم والتعاقب الكامل التنظيم بين الليل والنهار والتسابق المنضبط بين الشمس والقمر وما له من أثر بالغ الدقة في ذلك التلازم بين ثواني عجلة الزمان وأشبار جغرافية المكان...
رائما إدخال هذا التناسق الكوني في منظومة هذا المس والخبط الشيطاني.
وربما بدا، أو توهم متوهم أن حركة دفع سهم عدّاد الساعة اليدوية أو الحائطية في معصم موظف أو تاجر أو سياسي أو رجل من أيها الشعب، أو على حائط منزل، أو باب مكتب إداري، دفعها إلى الأمام بمقدار ستين دقيقة، هي حركة ودفع لم يكن ليصل أو يلامس درك وصفه بالعبث والإتراف، وأن الرمي بهذا التنقص ربما بل أكيد أنه وُلد ثقيلا ذا فرط وتحامل لا يناسب عدلا هذا الدفع البريء، والمصطف منذ استهلاله الأول إلى صالح العباد ومصلحة البلاد، بل لم يكن مناسبا حتى لمزاج النفع وذهنية التعدية المتولدة من أحاسيس ونوايا أصحابها الفاضلة الطاهرة، والتي كان من فضلها وتجليات سلامة نواياها ومقاصد مشروع دفعها الأمامي، أن سمّت الضرر نفعا، والقهر فخرا، والسقم عفوا وعافية، والاستفزاز علما وحلما، والاستغباء تحديثا وتمدينا، بل تخلت عن قواعد فزعها، ونعني بها قواعد استرضاء الأكثرية، ومداعبتها بالتي هي أحسن طلبا في غير إكراه ولا تحضيض، وهي الأكثرية التي تعتبر محاضن صنع وتشكيل وصناعة هياكلها ومختلف إطاراتها الوازنة والفاعلة في اتخاذ القرارات الحاسمة المشوبة بقوة الحصانة المكتسبة من عين الأكثرية المذكورة في سير السياق سابقا...
ولعلها أمور وحقيقة تُهم تدفع المرء في إطار ما يعرفه عن أصحابها من سعي حثيث إلى نظمها في إطار متشاكل ومتجانس بغية تمريرها في قالب لحن حضاري منغوم، يفكر هذا المرء مليا في إيجاد تسمية مناسبة تتجاوز في جرعتها استخدام وصف العبث، ولربما تقف المعاجم اللغوية عاجزة في إسعافنا ومدّنا بتوصيف يواطئ ذات الفعل وهيأته، فيشفي العليل ويروي الغليل تبيانا وتوضيحا في غير غمط ولا شماتة ولا كبير ملاسنة...
لقد عادت ساعة العبث الإضافية مهرولة إلى الأمام بدفع لم ينس أو يتغافل عنه أصحابه، وكأنه موعد مع الأجل الذي لا يستأخر ساعة ولا يستقدم، بل لم يكن من شأنهم التغافل عن الإعلام المسبق بموعد وقوع حيفه، والتوقيع على صك ترسيمة مرض موته، استذكارا فطنا يقظا لاعتساف ذلك المرسوم الذي كرست به الحكومة الإسلامية استدراكها المخل على معهود ما آمنت به، وتشبعت به وهي في محاضن شبيبتها الإسلامية، تفرق بين الإرادة الكونية والأخرى الشرعية، بله من أجل ما ظلت تنادي وتنافح مدافعة عنه ومطاردة لضده من الفصام وعدوانية نكده بجفوة وإصرار طرد وملاحقة...
لقد دُبغ الإهاب، ولكن الاستحالة هذه المرة خيبت الآمال، حيث جاءت في معكوس الصوب ومطلوب الصلاح ومجانبة الإفساد في الأرض بعد إصلاحها، مصداقا لقوله جل جلاله:" ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألدّ الخصام وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل".
ولا جرم أن نعت هذا الدفع بعقارب الساعة إلى الأمام بالعبث والإفساد في الأرض، لم يكن نعتا ولا رميا يشوبه التحامل، وتغذيه نقيصة الجهل المركب بماهية الأمور ومآلاتها ودوافعها ودواعيها، أو هو نعت تدفعه إلى الواجهة عوائد رفع اللاءات في وجه كل شيء ذي ملحظ رسمي أو حكومي، بل هو نعت يجد قاعدة انطلاقه من ذوق المعاناة التي يطرد مفعولها عموديا وأفقيا، بل وتشيب من معاناتها دوائب الصغار، ليس عندنا فقط نحن شعوب العالم الثالث، بل حتى بالنسبة للشعوب التي توصف بالمتحضرة، وكذا المجتمعات التي توسم بالديموقراطية، وترفع شارة الدفاع المستميت عن الحقوق والحريات لمواطنيها بل للناس كافة كما هو الزعم القائم.
ووصلا بهذا السياق صرح الدكتور "يوري روزكانين" من خلال دراسة قام بها قائلا:"تحويل عقارب الساعة إلى الوراء أو إلى الأمام ساعة واحدة يبدو غير مؤذ ولكنه كاف لتعطيل الساعة البيولوجية الخاصة بك" انتهى كلامه، وهو يعني بالساعة البيولوجية ساعة الجسم الداخلية التي تسيطر على دورة أو تعاقب سكون النوم وحركة اليقظة عند الإنسان، بل حذرت دراسة علمية حديثة قام بها علماء وباحثون متخصصون من الولايات المتحدة الأمريكية من أن تغيير التوقيت الصيفي بإضافة ساعة إلى الأمام، هو أمر خطير من جهة ما يترتب وترتب عليه من ارتفاع فرص الإصابة بالسكتة الدماغية وذلك بمعدل ثمانية في المائة، كما أفادت دراسة بلجيكية عكفت على تحليل نتائج ظاهرة الزيادة هذه لمدة ناهزت الأربع سنوات، وخرجت بنتائج مفادها أن هذه الإضافة المزعجة قد ساهمت في ارتفاع حوادث السير بنسبة تجاوزت الخمسين في المائة، بينما نجد بعض الدراسات في ألمانيا قد أقرت بأن حالات التوتر والاكتئاب والاستفزاز والغضب الذي يصاحب هذه الزيادة قد أثّر على السير العادي والعادل للسلطة القضائية، حيث لوحظ أن التأثير النفسي للساعة الإضافية قد دفع بالكثير من القضاة الألمان إلى إصدار أحكام متسرعة يشوبها التوتر، ويطبعها الإخلال بواجب تحقيق العدالة والإنصاف والتجرد.
ومن عجيب الأمور هناك أن تعلم أن الفرنسيين يعتبرون هذه الساعة ساعة استعمارية فرضتها عليهم بالنار والحديد النازية الألمانية...
ويبقى أن نقول أن المعركة هناك قائمة على قدم وساق، تنخرط فيها النخبة لتساند وتؤطر ردود الأفعال المحتجة على هذا الاعتساف، ولعله انخراط بإمكانه أن يحجر من واسع رجحان طول بقاء هذه المظلمة، ويستشرف الغلبة عليها ولو بعد حين، وهو الاستشراف الذي يحذو بنا هنا كشعوب مصنفة "درجة ثالثة" إلى الاستمساك بعرى الصبر والرجاء عسى الله أن يحدث أمرا، يسافر إلينا على متن خبر غلبته الفرج، قاطعا معكوس حركة الهلاك والتردي الحضاري الذي تسلكه قوارب الموت تحمل تراب الوطن ومادته الحية والحيوية إلى هناك، سيما وأننا كجيل بل أجيال آمنت وشهدت وصدقت بواقع يحكي أنه متى ما أمطرت سماء الغرب فزعنا إلى حمل المظلة حتى ولو كان جو سمائنا صحوا مشمسا.
وإلا فالأمر دون هذا الرجاء وجميل الانتظار، يحتاج منا إلى كفاح ونضال طويل الأنفاس لرد هذا العدوان، والكابوس الثقيل الذي ما فتئ يجثم ويكتم على الأنفاس هنا وهناك وهنالك.
وربما احتجنا مرة أخرى إلى التنبيه على أن ألفاظا من جنس الكفاح والنضال والعدوان ليست بالألفاظ الكبيرة ولا البعيدة عن معترك هذه المصيبة، أو التي نعتقد مع غيرنا أنها مصيبة، ليس من فرط تحامل ولا كبير ميل، وإنما بإحساس صادق يتجرع مرارة فَقْدنا لذلك التعايش والتناغم مع الطبيعة، وابتعادنا شيئا فشيئا عن التشاكل الفطري مع الحياة الدنيا في بُعديها المكاني والزماني، وتجليات ترادف الليل والنهار والشمس والقمر دون أن يدرك أحدهما الآخر أو يسبق الأول الثاني، ويكفي عندي في استحقاق هذه الإضافة لوصف المصيبة والعدوان أنها لا تزال في كل عودة تستهدف نفسية الناشئة المتعلمة، وتضرب في أعماق ودواخل شطء زرعنا مطلوب التوازن النفسي والذهني، وهو الذي لم يستو على سوقه بعد، حتى يتحمل تقلبات الزمان وعبث وإتراف بني علمان.