كتاب الصلاة [6]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله، نحمده ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد وسلم تسليماً كثيراً. وبعد:

قال المصنف رحمه الله: [ القسم الثالث من الفصل الأول: في وقته، وأما وقت الأذان فاتفق الجميع على أنه لا يؤذن للصلاة قبل وقتها، ما عدا الصبح، فإنهم اختلفوا في ذلك، فذهب مالك و الشافعي و أحمد إلى أنه يجوز أن يؤذن لها قبل الفجر، ومنع ذلك أبو حنيفة ، وقال قوم: لا بد للصبح إذا أذن لها قبل الفجر من أذان بعد الفجر; لأن الواجب عندهم هو الأذان بعد الفجر ]، وهذا هو الراجح، فإذا أذن لها قبل الفجر فلا بد لها من أذان بعد الفجر.

[ وقال أبو محمد بن حزم : لابد لها من أذان بعد الوقت، وإن أذن قبل الوقت جاز إذا كان بينهما زمن يسير قدر ما يهبط الأول ويصعد الثاني ]، يعني: إذا قدم بوقت يسير.

[ والسبب في اختلافهم أنه ورد في ذلك حديثان متعارضان: أحدهما: الحديث المشهور الثابت، وهو قوله عليه الصلاة والسلام: ( إن بلالاً ينادي بليل، فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم ) وكان ابن أم مكتوم رجلاً أعمى لا ينادي حتى يقال له: أصبحت أصبحت ]، وهذا الحديث أخرجه البخاري و مسلم .

[ والثاني: ما ورد عن ابن عمر : ( أن بلالاً أذن قبل طلوع الفجر، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يرجع فينادي: ألا إن العبد قد نام )، وحديث الحجازيين أثبت، وحديث الكوفيين أيضاً خرجه أبو داود وصححه كثير من أهل العلم ]، يقول المؤلف: إلا أنه حديث ضعيف.

[ فذهب الناس في هذين الحديثين إما مذهب الجمع وإما مذهب الترجيح. فأما من ذهب مذهب الترجيح فالحجازيون، فإنهم قالوا: حديث بلال أثبت والمصير إليه أوجب ]، فيكون القول على هذا الحديث أنهما أذانان.

[ وأما من ذهب مذهب الجمع فالكوفيون، وذلك أنهم قالوا: يحتمل أن يكون نداء بلال في وقت يشك فيه في طلوع الفجر; لأنه كان في بصره ضعف، ويكون نداء ابن أم مكتوم في وقت يتيقن فيه طلوع الفجر ].

ولكن الحديث ضعيف.

[ ويدل على ذلك ما روي عن عائشة أنها قالت: ( لم يكن بين أذانيهما إلا قدر ما يهبط هذا، ويصعد هذا ).

وأما من قال: إنه يجمع بينهما أعني: أن يؤذن قبل الفجر وبعده، فعلى ظاهر ما روي من ذلك في صلاة الصبح خاصة، أعني: أنه كان يؤذن لها في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤذنان: بلال و ابن أم مكتوم ].

والراجح أنه يطلب أذانان للفجر: الأول سنة، وهو قبل الفجر للتنبيه والاستعداد.

وأما الثاني: فقد سبق بيانه.

قال رحمه الله: [ القسم الرابع من الفصل الأول في الشروط:

وفي هذا القسم مسائل ثمانية: أحدها: هل من شروط من أذن أن يكون هو المقيم أم لا؟

الثانية: هل من شروط الأذان ألا يتكلم أثناءه أم لا؟ ].

والأقرب أنه لا مانع من كلمة لا تقطع التتابع.

[ والثالثة: هل من شرطه أن يكون على طهارة أم لا؟ ]، والراجح أنه لا يشترط، إذ الأصل براءة الذمة، وما ورد في اشتراط ذلك فضعيف.

[ والرابعة: هل من شرطه أن يكون متوجهاً إلى القبلة أم لا؟ ]، أما الشرط فبعيد، وأما السنة فهو المطلوب ويكره خلافه، لكن لك أن تؤذن إلى غير القبلة.

[ والخامسة: هل من شرطه أن يكون قائماً أم لا؟ ]، اشتراط ذلك بعيد، ولكنه إذا كان يقدر عن القيام فيكره له أن يؤذن جالساً.

[ والسادسة: هل يكره أذان الراكب أم ليس يكره؟ ]، والأقرب أنه إن كان دعت الحاجة إليه فلا بأس.

[ والسابعة: هل من شرطه البلوغ أم لا؟ ] والراجح أنه ليس شرطاً فيمن يؤذن، والأصل براءة الذمة، لعدم ورود شيء في ذلك.

[ الثامنة: هل من شرطه ألا يأخذ على الأذان أجراً أم يجوز له أن يأخذه؟ ]، والراجح في هذه المسألة ومثلها الإمامة، ومثلها التعليم.. إلى غير ذلك من الأعمال المطلوبة أنه لا يجوز أخذ الأجرة على ذلك، ولكنه يجوز أخذ المال على تفرغه لذلك، وهذا مما أجمع عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك في إعطائهم مرتباً لـأبي بكر حتى يتفرغ لعمل الخلافة.

أقوال العلماء في الرجلين يؤذن أحدهما ويقيم الآخر

قال المصنف رحمه الله: [ فأما اختلافهم في الرجلين يؤذن أحدهما ويقيم الآخر، فأكثر فقهاء الأمصار على إجازة ذلك، وذهب بعضهم إلى أن ذلك لا يجوز؛ والسبب في ذلك أنه ورد في هذا حديثان متعارضان: أحدهما حديث الصدائي قال: ( أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما كان أوان الصبح أمرني فأذنت، ثم قام إلى الصلاة، فجاء بلال ليقيم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أخا صداء أذن، ومن أذن فهو يقيم ).

والحديث الثاني: ما روي ( أن عبد الله بن زيد حين أري الأذان أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالاً فأذن، ثم أمر عبد الله فأقام ).

فمن ذهب مذهب النسخ قال: حديث عبد الله بن زيد متقدم، وحديث الصدائي متأخر.

ومن ذهب مذهب الترجيح قال: حديث عبد الله بن زيد أثبت؛ لأن حديث الصدائي انفرد به عبد الرحمن بن زياد الإفريقي ، وليس بحجة عندهم ].

ولكن كلا الحديثين ضعيف، فيسقط به الاستدلال وعندها يرجع الأمر إلى البراءة الأصلية، وهو عدم شرطيته، لكنه يندب لمن أذن أن يقيم؛ للمواظبة على ذلك في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم.

أقوال العلماء في أخذ الأجرة على الأذان

قال رحمه الله: [ وأما اختلافهم في الأجرة على الأذان؛ فلمكان اختلافهم في تصحيح الخبر الوارد في ذلك، أعني: حديث عثمان بن أبي العاص أنه قال: ( إن من آخر ما عهد إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن اتخذ مؤذناً لا يأخذ على أذانه أجراً ) ]، وهو حديث صحيح، صححه الترمذي ، وقال الحاكم : صحيح على شرط مسلم ، وصححه الألباني ، إذاً فهو كما تقدم أن المؤذن يأخذ أجراً بدل تفرغه.

[ ومن منعه قاس الأذان في ذلك على الصلاة.

وأما سائر الشروط الأخرى فسبب الخلاف فيها هو قياسها على الصلاة فمن قاسها على الصلاة أوجب تلك الشروط الموجودة في الصلاة، ومن لم يقسها لم يوجب ذلك ].

والراجح أن الأذان لا يقاس على الصلاة؛ لأنه ذكر متقدم على الصلاة، والصلاة تفتتح بالتكبير، وتختتم بالتسليم.

[ قال أبو عمر بن عبد البر : قد روينا عن أبي وائل بن حجر قال: ( حق وسنة مسنونة ألا يؤذن إلا وهو قائم، ولا يؤذن إلا على طهر ). قال و أبو وائل من الصحابة، وقوله: سنة يدخل في المسند، وهو أولى من القياس.

قال القاضي ] يعني ابن رشد ، وهذا من زيادات النساخ.

[ وقد خرج الترمذي ، عن أبي هريرة : أنه عليه الصلاة والسلام قال: ( لا يؤذن إلا متوضئ ) ]. ولكن الحديث ضعيف، لا تثبت به الشرطية.

قال المصنف رحمه الله: [ فأما اختلافهم في الرجلين يؤذن أحدهما ويقيم الآخر، فأكثر فقهاء الأمصار على إجازة ذلك، وذهب بعضهم إلى أن ذلك لا يجوز؛ والسبب في ذلك أنه ورد في هذا حديثان متعارضان: أحدهما حديث الصدائي قال: ( أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما كان أوان الصبح أمرني فأذنت، ثم قام إلى الصلاة، فجاء بلال ليقيم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أخا صداء أذن، ومن أذن فهو يقيم ).

والحديث الثاني: ما روي ( أن عبد الله بن زيد حين أري الأذان أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالاً فأذن، ثم أمر عبد الله فأقام ).

فمن ذهب مذهب النسخ قال: حديث عبد الله بن زيد متقدم، وحديث الصدائي متأخر.

ومن ذهب مذهب الترجيح قال: حديث عبد الله بن زيد أثبت؛ لأن حديث الصدائي انفرد به عبد الرحمن بن زياد الإفريقي ، وليس بحجة عندهم ].

ولكن كلا الحديثين ضعيف، فيسقط به الاستدلال وعندها يرجع الأمر إلى البراءة الأصلية، وهو عدم شرطيته، لكنه يندب لمن أذن أن يقيم؛ للمواظبة على ذلك في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم.




استمع المزيد من الشيخ محمد يوسف حربة - عنوان الحلقة اسٌتمع
كتاب الزكاة [9] 2956 استماع
كتاب الزكاة [1] 2912 استماع
كتاب الطهارة [15] 2904 استماع
كتاب الطهارة [3] 2616 استماع
كتاب الصلاة [33] 2565 استماع
كتاب الصلاة [29] 2414 استماع
كتاب الطهارة [6] 2396 استماع
كتاب أحكام الميت [3] 2386 استماع
كتاب الطهارة [2] 2363 استماع
كتاب الصلاة [1] 2326 استماع