أريد حياته ويريد قتلي
مدة
قراءة المادة :
6 دقائق
.
قالها أب محترق وهو يعالج مرارة العقوق بعد أن لطمه ابنه العاق لطمة أفقدته صوابـه " أريد حياته ويريد قتلي ".قرر هذا الأب أن يبحث عن أصل المشكلة وسبب اللطمة..
فماذا وجد ؟
وجد أنه لم يختر المرأة الصالحة والمتعلمة الواعية التي تربي وتنشئ الجيل الصالح، وأيقن حقاً معنى قول الشاعر:
الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق
ونظر لحاله فوجد الزوجة جاهلة لا ترعى لزوج حقاً ولا للأبناء مستحقاً، ليس هذا فحسب وإنما هي العقبة الكؤود أمام الوالد في تربيته لأبنائه، فلا هي تربي ولا تدع الأب يربي.
نظر في حالة فلم يذكر أنه طبق سنة النبي - صلى الله عليه وسلم- في تربيتهم.
ففي صحيح البخاري ومسلم عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال النبي - صلى الله عليه وسلم- :" لو أن أحدكم إذا أتى أهله قال : بسم الله، اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا فقضي بينهما ولد لم يضره شيطان أبداً ".
هذا ليس كلام شاعر ولا كاهن وإنما قول النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي قال الله عنه : " وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى" لذا كان لزاماً على المرء أن يجلس مع نفسه جلسة محاسبة فينظر هل امتثل هذه السنن النبوية والأدعية المباركة أم لا؟.
ونظر في حاله فلم يجد لتربية النبي - صلى الله عليه وسلم- وأساليبه أي أثر على ابنه، وما ظنك بتربية غير تربية محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم- !!
كان هذا الأب المسكين يريد من ابنه أن يكون حضارياً لا متخلفاً، منفتحاً لا منغلقاً، فاستجلب له من آلات اللهو أخسها، ومن الملهيات أحطها، فصدق فيه حين ذلك قول الشاعر:
وينشأ ناشئ الفتيان فينا على ما كان عوده أبوه
فأصبح الولد وفياً لتربيته الأولى، فنشأ عليها ورضع من ثديها وشبع، ليس هذا فحسب وإنما تطاول الابن على الأب ورفع منخره تكبرا،ً وجحد الفضل تنكراً، ليس هذا فحسب بل تعدى الولد على الوالد ضرباً وركلاً، وانقلبت الآية فأصبح المؤدَّب مؤدَّباً، والضارب المضروب، وكأن في أذنيه وقراً عن قول الله- تعالى- : " ولا تقل لهما أفٍ ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً " وعمي عن قوله – تعالى- : " واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيراً " وهذا العاق يتولاهما ضرباً ويكيلهما ركلاً.
وإذ يرتكب هذا العاق الجرم المشهود إذ بالأب يتذكرقصة منازل مع أبيه التي طال العهد بنسيانها.
حدث الأصمعي فقال كان هنالك رجل يقال له ( فرعان) وكان له ابن يقال له (منازل)، وكان منازل هذا لا يتورع عن معصية، فلم يسمع بمعصية إلا ارتكبها ولا جرم إلا اقترفه، وكان فرعان هذا تقياً ورعاً دائماً ما ينصح ابنه فلما ضاق منازل بنصائح أبيه ذرعاً وسئم نصحاً رفع هذا العاق يده ذات مرة ولطم أباه لطمة أردته أرضاً، فبلغ الحنق من الأب مبلغاً حتى أنه حلف غير حانث على أن يأتي الكعبة ويتعلق بأستارها ويدعو على ابنه ، فلما أتى الكعبةأنشأ يقول:
وربيته حتى إذا ما تركته أخا القوم واستغنى عن المسح شاربُه
وربيته حتى صار جعداً شمردلا إذا قام ساوى غارب الفحل غاربه
وإني لداع دعوة لو دعوتها على جبل الريان لانقضّ جانبُه
تغمط حقي ظالماً ولوى يـدي لوى يده الله الذي هو غالبُه
لإن رعشت كفا أبيك وأصبحت يداك يدا ليث فإنك ضاربه
وتنهد عالياً وقال في غضب :
يا من إليه أتى الحجاج قد عبروا عرض القفار ومن طول ومن قصر
هذا منازل لا يرتد عن عقبي خذ بحقي يا رحمن من ولدي
وشُلّ منه بحول منك جانبه يا من تقدس لم يولد ولم يلد
فسقط الابن وشقه ميت مشلول النصف.
فيا أيها الابن العاق إنك والله ما زلت في نعيم وقرة عين ما دام والداك أو أحدهما موجوداً على قيد الحياة، ألم تسمع عن قصة أحد العباد وقد أبطأ يوماً على إخوته وقد انتظروه ملياً- وكان من عادته أن يقبّل رجلي أمه – فسألوه عن سبب التأخر فقال: كنت أتمرغ في روضة من رياض الجنة ؟
اعلم أيها الولد - يا رعاك الله- أن المعاصي مهما بلغت فإنها لا تعدل جرم عقوق الوالدين .
اعلم أيها الولد - لا حرمنا الله وإياك من بر الوالدين - أن لهما عليك حقاً من الله عظيماً لن تؤدي منه معشاراً مهما ابتغيت إلى ذلك سبيلاً، وإن أردت دليلاً فاستمع إلى حبيبك - صلى الله عليه وسلم- حيث يقول في الحديث الذي فيما معناه: " لا يجازي ولد والده إلا أن يجده رقيقاً فيشتريه فيعتقه" أما الأم فليس إلى مكافأتها سبيل.
وإليك أيها الولد كلمة تصاغ بالذهب في البّر، استمع إلى علي بن الحسن - رضي الله عنه- وقد ضرب لنا من الأمثلة أروعها حين قيل له : أنت من أبر الناس ولا تؤاكل أمك! فقال: " أخاف أن تسبق يدي إلى ما قد سبقت إليه عينها فأكون قد عققتها!!!".
عند ذا استيقظ الأب من غفلته وعاهد الله أن يتعلق بأستار الكعبة وأن يدعو الله لابنه بأن يصلح قلبه ويلهمه رشده.
وليد الروساء