مشكلات الشيخوخة والمسنين في المجتمع المعاصر
مدة
قراءة المادة :
9 دقائق
.
لا تخلو أسرة، وخاصة في المجتمعات الإسلامية والعربية، من وجود الشيوخ والمسنين فيها ، من الآباء والأجداد من الذكور والإناث، وما يترتب على ذلك من علاقات بين الأبناء والأحفاد، مع من يحتاجون من المسنين إلى رعاية دائمة، وتواصل في تقديم الخدمات التي تقدم لهم طواعية أو كراهية، وذلك مما يوجبه ديننا الحنيف من الاهتمام التام بهم كلما تقدمت أعمارهم.وفيما يلي أهم المشكلات التي تواجه الشيوخ والمسنين، قبل أن نقدم الحلول الإنسانية والاجتماعية والصحية لهم.مشكلات المسنين والشيوخ :تمثل مشكلة المسنين في المجتمعات المتقدمة والنامية على حد سواء، أبرز المشكلات الاجتماعية في العالم المعاصر، نتيجة لعمليات التغير الاجتماعي التي تواجه المجتمعات أيّا كان نسقها أو تحضرها.وقد أسهمت عوامل كثيرة في زيادة عدد مشاكل المسنين في العالم المعاصر، نظراً لتحسين الشروط الصحية وازدياد معدلات العمل المتوسط في معظم المجتمعات نتيجة عمليات التغير الاجتماعي التي طرأت على المجتمعات، وما رافق ذلك من التطور الصناعي والتقني، وما تبع ذلك من تغير نمط معيشة الناس، وحيث أصبح المسن يجد نفسه أحياناً وحيداً بعد زواج الأبناء وتكوينهم أسراً مستقلة.ولقد كان نتاج هذا التصور آثاراً نفسية واجتماعية على المسنين، حيث يفتقد البعض منهم أولاده، في الوقت الذي يحتاج المسنون إلى عون الأبناء ، ليس فقط من حيث الاحتياج المادي من طعام أو شراب وكساء ، بل كذلك من الناحية النفسية، وحيث الحاجة العامة من قبل المسنين للرعاية الاجتماعية من قبل الأبناء ، والشعور بالأمن والاطمئنان والانتماء والتقدير والاحترام ، وحيث تزداد الحاجة إلى هذه المشاعر عند التقدم في العمر بدلاً من الشعور بالنبذ والجحود والنكران من الأبناء عندما يستقلون بحياتهم ويبتعدون عن الآباء والأمهات من كبار السن.وفيما يلي بعض المشكلات الصحية والنفسية والاجتماعية للشيخوخة، والتي تحتاج إلى رعاية القائمين على شئون الشيوخ والمسنين، داخل الأسرة من الأبناء والأحفاد في المرتبة الأولى أو من المسئولين في المجتمع الإسلامي.أولاً- المشكلات الصحيةنتيجة للتغيرات العضوية وما يصاحبها من تغيرات حيوية ووظيفية عند الشيوخ والمسنين ، نجد أن المشكلات الصحية التي يُعاني منها الشيوخ تصل إلى ضعف أو ثلاث مرات حجم المشكلات الاجتماعية لهم ، وبطبيعة الحال تلقي هذه المشكلات عبئاً على الأجهزة والأفراد الذين يعايشون المشكلات الصحية بوجه عام.ومن المظاهر العامة للمشكلات الصحية للشيخوخة ما يأتي:1 - لا يصاب الشيوخ بمرض واحد، بل إن أجسامهم تصاب بعدة أمراض في نفس الوقت.2 - قد يُصاب الشيوخ بأمراض ليس لها أعراض.3 - ترتفع نسبة الإصابة بالأورام الخبيثة بين الشيوخ، وفي دراسات إحصائية عن أسباب الوفاة عند الشيوخ، وجد أن مسببات الوفاة ما يمثل النسب التالية:30% نتيجة لأمراض القلب والدورة الدموية.30% نتيجة للأورام الخبيثة.40% نتيجة لباقي الأمراض مجتمعة.ثانياً- المشكلات الأسريةنتيجة للتطور الحضاري القائم في مختلف المجتمعات فقدت الأسرة مكانتها بين أفرادها، وصاحب ذلك مشكلات عاطفية ومادية وعلاجية ، وخاصة مع كبار السن ، الذين يتباعد أبناؤهم عنهم ، مما تكون له آثاره السلبية على الحياة النفسية والاجتماعية للمسنين ، فمن المشكلات والمتاعب والضغوط التي يواجهها الشيوخ والمسنون، نتيجة للعلاقات الأسرية التي لا تكون في مسارها الطبيعي:1 - الشعور بالفراغ والوحدة، وخاصة عند أحد الزوجين المسنين.2 - القلق بسبب التحول في المكانة الاجتماعية داخل الأسرة.3 - رتابة الحياة، وخاصة عند التوقف عن العمل وانكماش الأعباء المنزلية أو الأسرية.4 - الحساسية الناجمة عن الشعور بافتقاد اهتمام الأهل والأقارب.5 - المشكلات النفسية التي قد تتحول إلى حالات مرضية.6 - المشكلات الصحية أو المادية.ثالثاً- المشكلات الجنسية في حال بقاء الزوجين معاً في مرحلة الشيخوخة قد يكون هناك عنَّة أو نقص في المقدرة الجنسية أو نقص في الرغبة الجنسية أو ما يُعرف بالنفور الجنسي Sexual Aversion أو الاهتمام الجنسي، وما يترتب على ذلك من مشكلات نفسية واجتماعية.بل قد تكون هناك فروق في السن والحاجات الجنسية بين الزوجين اللذين يكون أحدهما في الشيخوخة، والآخر ما زال في مرحلة الرشد أو الشباب، أو عند حدوث الترمل أو الطلاق أو العنوسة، وحيث يتبع ذلك الكبت والرغبة الجنسية الشديدة، أو اللجوء إلى بدائل قد تضاعف المتاعب العضوية والنفسية.وفي حال الزواج من جديد، قد يُصر الشيوخ على الزواج من زوجات أصغر سناً، وقد يسبب ذلك مشكلات عدم التوافق النفسي والاجتماعي والجنسي إن عاجلاً أو آجلاً.وقد تسبب المشكلات الجنسية مشكلات وتغيرات انفعالية وعاطفية نتيجة لضعف الطاقة الجنسية أو التشبث بها، إذ قد يتصابى الشيخ عندما يتزوج من فتاة تصغره في العمر، وإذا ما ضعف جنسياً قد يلقى اللوم عليها ويبدأ في الشكوك والأوهام.وقد تكون هناك العجوز المتصابية، وحيث يكون هناك بعض المتقدمين في العمر من الذكور والإناث، ممن يأتون سلوكاً لا يستحسن، ولا يوقرون شيبهم، نتيجة لما يعرف بالشيخوخة الصبية Agerasi.وقد ظهر مؤخراً علاجات في مجال الطب، وهي علاجات مؤقتة أو وقتية تكلف البعض الكثير اقتصاديا وصحيا مثل الحبوب التي يطلق عليها "فياجرا" وقد لجأ إليها مسنون كثيرون، ولها آثار جانبية ذات خطورة عالية، ولا ينصح البتة باستخدامها.رابعا- مشكلات التقاعدحيث كان هناك للمسنين والشيوخ العمل والمكانة الاجتماعية وتقدير الذات والقوة والعلاقات الاجتماعية مع الرؤساء والمرؤوسين، وبعد أن كان الفرد ملء السمع والبصر، يصبح متقاعداً بلا عمل أو كيان اجتماعي.والتقاعد المفاجئ، يوجد الفراغ والملل، حيث لا تتوافر فرص العمل وتضعف المكانة الاجتماعية، وقد يلجأ الشيوخ إلى التجوال في الشوارع دون هدف محدد، أو الجلوس على قارعة الطريق ينظر للغادي والرائح، أو الجلوس في المقاهي وتمضية الوقت في لعب النرد والنميمة عند البعض.وقد يتسبب نقص الدخل الشعور بالضيق القلق الدائب وعدم تقدير الذات بل تحقير الذات(ذل النفس) Self Abasement.لذلك لا يمثل التقاعد عن العمل مشكلة من الناحية النفسية فقط ، بل يمثل مشكلة عضوية نفسية، حيث يُصاحبها- في الأعم-ا لتوتر والقلق والخوف، قد يرتب عنها الانهيار العصبي، حيث يبدو التقاعد وكأنه "تقاعد عن الحياة" وقد يحكم الشيخ على نفسه بالانعزال التام وعلى أنه طريقه إلى النهاية والممات.والواقع أن التقاعد يُعتبر من المشكلات التي أوجدها الإنسان ، إذ إن التقاعد قد يؤدي إلى البطالة، رغم أن الشيخ ما زال قادراً على العمل، وإذا أراد الشيخ العمل بعد التقاعد فإنه قد يواجه بعض المشكلات، إذ إن فرص العمل المناسبة والمتاحة أقل، كما أن جهات العمل قد ترغب في قيادة الشباب نتيجة أن الاتجاه السائد أن الشيوخ أقل إنتاجية، وأكثر عُرضة للحوادث مما يرفع معدل المخاطر والخسارة في العمل، هذا بالإضافة إلى أن التقدم العلمي التقني المعاصر، يجعل من الشيوخ فريقاً متخلفاً من النواحي الفنية والتكنولوجية عن التقدم العلمي المعاصر.ومما يزيد من مشكلة التقاعد ، أن من مضاعفاته الانهيار العصبي ، وخاصة إذا فُرض على الشيخ بعد التقاعد الفجائي أسلوب جديد من السلوك لم يألفه من قبل، ولا يجد في نفسه المرونة الكافية لسرعة التوافق معه ، وخاصة إذ لم تتح فرص الاستعداد لهذا التغيير، أو أن التغيير تم فجأة، أو إذا أشعره الناس بأنه قد أصبح لا فائدة منه بعد أن كان نفعه ظاهراً لكل الناس.خامساً : مشكلات وقت الفراغ يترتب على عدم وجود العمل المناسب أو ما يشغل وقت الشيوخ، أو التقاعد وفقدان العمل أو فقدان الرفقة Mates أو عدم القدرة على اختيار قرائن جدد ate Choice أو تقلص الدور الاجتماعي Social Role في الحياة الأسرية والاجتماعية، أو عدم القدرة على استغلال الطاقة والاهتمامات، يترتب على هذا كله مشكلات تؤثر على الحياة النفسية والاجتماعية عند الشيوخ المسنين.