أرشيف المقالات

الإجابة تنهيدة حارة ودموع محبوسة

مدة قراءة المادة : 7 دقائق .
- كيف توفق المرأة بين بيتها وعملها؟- معركة يومية بين الأعباء والوقت في بيت كل امرأة عاملة، وضحيتها غالبا هي وحدها.- صورة الزوجة المتفرغة التي تنتظر زوجها بشوق ولهفة كادت تختفي، وصار الشجار وانفلات الأعصاب خبرًا يوميا في بيوت كثيرة.- اللائي يعملن لأسباب اقتصادية لا يطورن أنفسهن مهنيا، وتنعكس آثار صراع الأدوار اليومي سلبا على وظائفهن.- طرح بديل عودة المرأة إلى البيت ليس عمليا، والأهم كيف نساعد النساء على فك الاشتباك بين أدوارهن المتعددة.- مهارات الزوجية والأمومة ليست حكرًا على المتفرغات ..
ولكن!- الربط بين المفاسد الأسرية والاجتماعية وعمل المرأة تعسفي؛ فكم من جرائم شهدتها بيوت المتفرغات...........................في بيت كل امرأة عاملة حرب يومية خفية بين الوقت والمسؤوليات، كلاهما يحاول أن يصرع الآخر، وفي الغالب تنتهي المعركة بلا منتصر أو مهزوم، لتتكرر كل يوم، والمرأة المسكينة يتجاذبها طرفا الصراع لتسقط بينهما، وتختطف سويعات راحة قليلة تواصل بعدها الدوران في الطاحونة، وتعيش تفاصيل المعركة التي لا ضحايا لها، سوي المرأة العاملة نفسها.ولو سألنا معظم العاملات: كيف توفقين بين بيتك وعملك، فالإجابة المشتركة غالبا ستكون تنهيدة حائرة، وربما دموعا محبوسة، يبدأ بعدها سيل الشكوى من ضيق الوقت، وتكدس الأعباء وتجددها، أما اللاتي يستعنّ بخادمات فلسن أحسن حالا ، وإن كن خارج دائرة هذا الصراع؛ إذ يعانين كثيرًا للحصول على مساعدات منزل أمينات ومستقيمات السلوك، ويُجدن المهام المنزلية، ويخضن أكثر من تجربة فاشلة مع جهات "التخديم" وكثيرات منهن يتوقفن عن البحث، ويرفعن شعار؛ ما حك جلدك مثل ظفرك".زهو بلا خدماتمعاناة العاملات ملف مفتوح خاصة أن المجتمع المدني العربي صار يزهو في كل مناسبة بأن المرأة حصلت على حقوقها، وخاضت مجال العمل بتفوق، وتجاوزت الفوارق البيولوجية بينها وبين الرجل لتمارس مهنا كانت حتى وقت قريب قاصرة على الرجال، ولا ترافق حالة الزهو هذه خدمات يقدمها المجتمع للمرأة لتعينها على حسم الصراع بين أدوارها المتعددة زوجة، وأما، وعاملة.وغالبا ما تنعكس هذه المعاناة على واحد من الأطراف التالية، أو أكثر من واحد، أو حتى جميعها.المرأة ذاتها: وذلك حين تحاول أن تحقق الحد الأقصى من كفاءة الأداء على جميع الأصعدة الأسرية والمهنية، وذلك على حساب حقها في الراحة والترفيه، بل على حساب صحتها.الاستقرار الأسري: فقد اختفت، أو كادت، صورة الزوجة المسترخية نفسيا، التي تستقبل زوجها العائد من عمله مرهقا بابتسامة ترحاب، وبلهفة شديدة لتخلع عنه ملابسه، وتحمل له منشفة وتنتظره واقفة حتى يغتسل ليستلقي قليلا ، ويجد الغداء معدًّا بعد دقائق، وحلت محلها صورة الزوجين اللذين يعودان من العمل في وقتين متقاربين، فلا أحد يستقبل الآخر، بل تهرع الزوجة بملابسها إلي المطبخ لتعد الطعام، أو تكمل إعداده بينما ينام الزوج حتى تنتهي أو ربما أشفق عليها فساعدها، ولو بكلمة "أعانك الله"؛ ومع تراكم أعباء المرأة يقل لديها الاستعداد للإصغاء إلى زوجها، وتصبح أعصابها على طرف أنفها، ويتحول الشجار والخلاف إلى خبز يومي يأكله الزوجان مرغمين حتى يصير عادة يتكيفان معها.الأبناء: فرغم أن العبرة ليست بكم الوقت الذي تمكثه الأم مع أبنائها، بل بكيفية ملء هذا الوقت بالأنشطة المفيدة، ولمسات الحنان والرقابة غير المباشرة والتقويم السلوكي الهادئ، فإن المرأة العاملة غالبا لا تحقق الكم، ولا الكيف، فمسئولياتها لا تتسع للجلوس وقتا كافيا مع أبنائها، والوقت الذي تنتزعه لهذا الهدف لا يتحقق منه مردود إيجابي؛ إذ يخصص إما للمذاكرة والتوبيخ واللوم، أو لانتقاد سلوكيات الأبناء بشكل حاد يفقدهم الثقة في أنفسهم.مهنة المرأة: فالتي خرجت إلى العمل لسبب اقتصادي بحيث لا يعنيها كثيرًا تطوير نفسها مهنيا، بل ربما مارست مهاما منزلية في عملها على حساب وقت العمل "كتنظيف الخضر" مثلا ، وفضلا عما يحمله عدم إتقان المرأة لعملها من شبهات شرعية تتعلق بدخلها منه، فإن المحصلة النهائية تعود بالسلب على قطاعات العمل في المجتمع، والتي تمتلئ بنساء عاطلات فعليا، وإن حسبن على قوة العمل وكبدن خزانة الدولة مرتباتهن.ليس مجرد عناء يوميعلاقات الجوار وصلات الأرحام: فلا وقت لدى المرأة العاملة لزيارة جاراتها، وتفقد أحوالهن، وكذلك لصلة ذوي رحمها، إلا في مناسبات معدودة.وإن كان الجانب الآخر في الصورة ليس إيجابيا أيضا، فالمتفرغات تقفز علاقات بعضهن بجاراتهن على حقوق الجيرة وآدابها إلي إهدار الوقت في جلسات الغيبة والنميمة، ومن ثم أداء المهام المنزلية في آخر وقت ليتساوين مع العاملات المهرولات إلى منازلهن ليؤدين هذه المهام أيضا في آخر وقت.وإذا كانت هذه هي السمات شبه المشتركة بين العاملات، فإن التعميم هنا ليس من الإنصاف؛ لأن هناك من استطعن حل المعادلة الصعبة، وعرفن كيف يرتبن أولوياتهن، ووجدن من أزواجهن السند والعون.ومع ذلك يظل كثير من البيوت مغلقا على معاناة يومية لنساء مسكينات، يدفعن ضريبة باهظة لاستمرارهن في العمل كل لحظة، ولا يستطعن في الوقت نفسه تركه لاعتبارات اقتصادية في الأساس، وأيضا لاعتبارات تتعلق بالجدوى الدعوية والاجتماعية والفكرية لهذا العمل، خاصة إذا كان في مجال التدريس، أو الطب، أو الإعلام الملتزم.القضية أعمق من مجرد عناء يومي متكرر؛ إذ إن لها تبعاتها التي تتحملها الأسرة والمجتمع معا، ومن هنا يمثل فك الاشتباك بين الوقت والمهام في حياة المرأة العاملة خطوة ضرورية للإصلاح الاجتماعي، خاصة بالنظر إلي الدراسات التي تربط بين المفاسد الأسرية والاجتماعية وعمل المرأة، وقد يكون هذا الربط تعسفيا، ولا يصلح لأن تبنى عليه نتيجة مؤداها أن المرأة لابد أن تعود إلى المنزل لإنقاذ أسرتها من التفكك والانهيار؛ إذ إن هناك مجالات لعمل المرأة تخدم من خلالها مجتمعها أكثر مما يمكنها أن تخدمه في حال تفرغها، فالمشكلة ليست في عمل المرأة ذاته، بل فيما يحيطه من ظروف تحوله من حق، وأحيانا واجب، إلى معضلة، وهنا يصبح حل هذه المعضلة خطوة أولى لإزالة كل الآثار السلبية المترتبة عليها.كما أن كثيرًا من الجرائم الأسرية من قتل، وسرقة، وزنا محارم ..
قد حدثت في أسر الأم فيها غير عاملة، كما توضح ذلك التقارير التي تنشر في الصحف حولها، فالقضية في الأساس هي مدى امتلاك الأم للمهارات التربوية والقدرات التي تؤهلها لأن تكون أما صالحة عملت أو تفرغت.ومن ثم فربما كان طرح بديل عودة المرأة إلي البيت غير عملي أو واقعي، مما يعني أن السؤال الأكثر إلحاحا هو كيف تكون المرأة زوجة صالحة، وأما ناجحة، وعاملة مخلصة، وجارة تعرف حقوق جاراتها في الوقت نفسه؟ وكيف تجعل يومها المحدود يتسع لأدوار متعددة ومتوازنة؟

شارك الخبر

روائع الشيخ عبدالكريم خضير