فتنة النساء وضرر الاختلاط - عبد الرزاق بن عبد المحسن العباد البدر
مدة
قراءة المادة :
10 دقائق
.
تقوى الله جلّ وعلا أساس السعادة وسبيل الفلاح والفوز في الدنيا والآخرة، ثم اعلموا رعاكم الله أن الدينَ الإسلاميَّ الحنيف بتوجيهاته السديدة وإرشاداته الحميدة، صان المرأة َ المسلمة وحفظَ لها شرفها وكرامتها وتكفَّل لها بعزِّها وسعادتها وهيَّأ لها أسباب العيش الهنيء بعيدا عن مواطن الرِيَبِ والفتن والشر والفساد، وهذا كله عباد الله رحمة من الله جلّ وعلا بعباده، حيث أنزل لهم شريعته ناصحةً لهم ومصلحة لفسادهم ومقومةً لاعوجاجهم ومتكفلة بسعادتهم، ومن ذلك عباد الله ما شرعه الله تبارك وتعالى من التدابير العظيمة والإجراءات القويمة التي تقطع دابر الفتنة بين الرجال والنساء، وتعين على اجتناب الموبقات والبعد عن الفواحش المهلكات رحمةً منه بهم وصيانةً لأعراضهم وحمايةً لهم من خزي الدنيا عذاب الآخرة.عباد الله:
وقد جاء في الإسلام ما يدلُّ على أن الفتنة بالنساء إذا وقعت يترتب عليها من المفاسد والمضار ما لا يُدرَكُ مداه ولا تُحمَد عقباه، روى البخاري ومسلم من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما تركت بعدي فتنة هي أضرَّ على الرجال من النساء ، وروى وسلم في صحيحه عن أبى سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «فاتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء».
عباد الله:
ومن يتأملِ التاريخ على طول مداه يجد ذلك، فإن من أكبر أسباب انهيار الحضارات وتفكك المجتمعات وتحلل الأخلاق وفساد القيم وفُشوا الجريمة، هو تبرج المرأة ومخالطتُها للرجال ومبالغتُها في الزينة والاختلاط وخَلوتُها مع الأجانب، وارتيادها للمنتديات والمجالس العامة وهي في أتم زينتها وأبهى حلتها وأكمل تعطُّرها.
عباد الله:
والإسلام لم يفرض على المرأة الحجاب ولم يمنعها من تلك الأمور إلا ليصونها عن الابتذال وليحميَها من التعرض للريبة والفحش، وليمنعها من الوقوع في الجريمة والفساد وليكسوَها بذلك حُلَّة التقوى والطهارة والعفاف، وسدَّ بذلك كلَّ ذريعةٍ تفضي إلى الفاحشة، يقول الله تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} [الأحزاب: 33] ، ويقول تبارك وتعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} [الأحزاب: 53]، ويقول تبارك وتعالى: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} [النور: 31]، ويقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الأحزاب: 59]، وقال الله تعالى: {فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا} [الأحزاب: 32]، روى الترمذي في سننه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان » ، أي جعلها غرضًا له ليُهَيِّجَ من خلالها الفسادَ والشهوة، استشرفها الشيطان وأقرب ما تكون بِرَوحَةِ ربها وهي في قعر بيتها، وعن أم حميد الساعدية رضي الله عنها أنها جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إني أحب الصلاة معك، فقال: «قد علمت أنك تحبين الصلاة معي وصلاتك في بيتك خير لك من صلاتك في حجرتك، وصلاتك في حجرتك خير لك من صلاتك في دارك، وصلاتك في دارك خير لك من صلاتك في مسجد قومك، وصلاتك في مسجد قومك خير لك من صلاتك في مسجدي هذا» ، وعن أبى هريرة رضي الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خير صفوف الرجال أولها وشرُّها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها»، كل ذلك عبادَ الله حفظًا للمرأة من الاختلاط بالرجال ومزاحمتهم، وهذا في حال العبادة والصلاة التي يكون فيها المسلم أو المسلمة أبعد ما يكون عن وسوسة الشيطان وإغوائه، فكيف إذا عبادَ الله بالأمر في الأسواق والأماكن العامة والمنتديات، ولما دخلت على عائشة رضي الله عنها مولاتُها وقالت لها: يا أم المؤمنين طُفتُ بالبيت سبعا واستلمت الركن مرتين أو ثلاثة، قالت عائشة رضي الله عنها: قالت لها: لا آجرَك الله، لا آجرك الله، تدافعين الرجال ألا كبرت ومَررت.
قالت لها ذلك عباد الله مع أنها في أشرف مكان وخيرِ بقعة ومكانِ طاعة جوارَ الكعبة، فكيف الأمر عباد الله بمن تزاحمُ الرجال في الأسواق والأماكن العامة والمنتديات، وهي في كامل زينتها وأجمل حليتها وأبهى تعطرها.
عباد الله:
إننا نقول هنيئا للمرأة المسلمة إذا عاشت حياتها، ممتثلة هذه التوجيهات الكريمة والهدي القويم غير ملتفتة إلى الهَمَلِ من الناس، من دعاة الفاحشة والفتنة والله جلّ وعلا يقول: {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا} [النساء: 27].
عباد الله:
ثم إن الإسلام إنما حرم على المرأة ذلك ومنعها منه حماية لها وللمجتمع كلِّه أن تنحل أخلاقه وتتفكّك عُراه وتفشوَ فيه الجريمة ويعظمَ فيه الفساد، قال العلامة ابن القيم رحمه الله: ولا ريب أن تمكين النساء من اختلاطهنّ بالرجال، أصل كلِّ بلية وشر، وهو من أعظم أسباب نزول العقوبات العامة، كما أنه من أعظم أسباب فساد أمور العامة والخاصة، واختلاط الرجال بالنساء - والكلام لابن القيم رحمه الله - واختلاطُ الرجال بالنساء سبب لكثرة الفواحش والزنا، وهو من أسباب الموت العام والطواعين المتصلة، انتهى كلامه رحمه الله.
عباد الله:
وثمةَ أصل عظيمٌ، لابد من التنبيه عليه في هذا المقام، ألا وهو أن أحكام الشرع المتعلقة بالمرأة أو غيرها، محكمة غاية الإحكام متقنة غاية الإتقان لا نقص فيها ولا خلل ولا ظلم فيها ولا زلل، كيف وهي أحكام خير الحاكمين وتنزيل رب العالمين الحكيمُ في تدبيره البصيرُ بعباده العليم بما فيه سعادتهم وفلاحهم وصلاحهم في الدنيا والآخرة، ولهذا عباد الله، فإن من أعظم العدوان وأشد الإثم والهوان، أن يقال في شيء من أحكام الله المتعلقة بالمرأة أو غيرها أن فيها ظلما أو هضما أو إجحافا أو زللاً، ومن قال ذلك أو شيئاً منه، فما قدر ربه حق قدره، ولا وقره حق توقيره والله جلّ وعلا يقول {مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا} [نوح: 13]، أي لا تعاملونه معاملة من توقرونه، والتوقير التعظيم، ومن توقيره سبحانه أن تُلتزم أحكامه وتُطاع أوامره ويعتقد أن فيها السلامة والكمال والرفعة، ومن اعتقد فيها خلاف ذلك فما أبعده عن الوقار وما أجدره في الدنيا والآخرة بالخزي والعار، اللهم اشرح صدورنا للالتزام بشرعك، اللهم اشرح صدورنا للالتزام بشرعك، والتمسك بدينك وجنبنا اللهم الفتن كلها ما ظهر منها وما بطن، اللهم أصلح نساء المسلمين وبناتهم، اللهم أصلح نساء المسلمين وبناتهم، اللهم وفقهن لما تحبه وترضاه، اللهم جنبهن مواطن الريبة والزلل واهديهن سواء السبيل، اللهم جنبهن دعاة الشر والفساد يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام، اللهم آمن روعاتنا واحفظ عوراتنا، اللهم احفظنا من بين أيدينا وعن أيماننا وعن شمائلنا ومن خلفنا، اللهم إنا إليك نلجأ وبك نستغيث أن تحفظ علينا ديننا الذي هو عصمة أمرنا يا ذا الجلال والإكرام، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه يغفر لكم، إنه هو الغفور الرحيم.
أما بعد عباد الله:
اتقوا الله تعالى واعلموا رعاكم الله أنكم تعيشون هذه الأيام، أياماً فاضلة كريمة عند الله عز وجلّ عظيمٌ شأنها رفيعٌ قدرها عظمها الله في كتابه وعظمها رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته، ومن تعظيم الله لها قوله جلّ وعلا: {وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ} [ الفجر : 1- 2]، قال غير واحد من المفسرين إن العشر هنا هي الأيام الأُول من شهر ذي الحجة، وقد جاء في صحيح البخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه العشر» يعنى العشر الأول من ذي الحجة، قالوا يا رسول الله: ولا الجهاد في سبيل الله، قال: «ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله ولم يرجع من ذلك بشيء» .
عباد الله:
إنها أيامُ قلائل وإنها ماضيةٌ سريعة فاغتنموا هذه الأيامَ المباركةَ بالتقرب إلى الله عز وجلّ والمحافظةِ على طاعته والمواظبة على عبادته جلّ وعلا، وما تقرب عبد إلى الله بشيء أفضلَ مما افترضه الله جلّ وعلا عليه، ولا يزال العبد يتقرب إلى الله بالنوافل حتى يحبه، فإذا أحبه الله كان سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها وقدمه التي يمشي بها، أي أنه جلّ وعلا يسدده في أقواله وأعماله وحركاته وسكناته، فاتقوا الله عباد الله واغتنموا المواسم الفاضلة والأوقات الكريمة بالمواظبة على طاعة الله، ولتكن هذه المواسم لكم إلى طاعة الله مغنما وإلى التقرب إليه والدخول فيما يرضيه مرتقى وسلما، اللهم وفقنا لطاعتك يا حي يا قيوم، أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين.