خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/2580"> الشيخ محمد يوسف حربة . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/2580?sub=65036"> شرح بداية المجتهد
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
كتاب الطهارة [28]
الحلقة مفرغة
الحمد لله، نحمده ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد وسلم تسليماً كثيراً. وبعد:
فقد قال المصنف رحمه الله: [ كتاب التيمم، والقول المحيط بأصول هذا الكتاب يشتمل بالجملة على سبعة أبواب:
الباب الأول: في معرفة الطهارة التي هذه الطهارة بدل منها ]، يعني: التيمم يكون بدلاً عن أي طهارة؟
فقال: [ اتفق العلماء على أن هذه الطهارة ] التي هي التيمم [ هي بدل من الطهارة الصغرى ] أي: تقوم عن الحدث الأصغر [ واختلفوا في الكبرى، فروي عن عمر و ابن مسعود أنهما كانا لا يريانها بدلاً من الكبرى ]، أي أن التيمم بدل عن الحدث الأصغر، أما الحدث الأكبر فلا يكون التيمم بدلاً عنه.
قال: [ وكان علي وغيره من الصحابة يرون أن التيمم يكون بدلاً من الطهارة الكبرى، وبه قال عامة الفقهاء ]؛ ولهذا بعض الفقهاء حكى الإجماع على أنه بدلٌ عن الطهارة الكبرى والصغرى.
السبب في اختلاف الصحابة في كون التيمم بدلاً عن الطهارة الكبرى
ثم ذكر السبب في اختلافهم فقال: [ والسبب في اختلافهم: الاحتمال الوارد في آية التيمم، وأنه لم تصح عندهم الآثار الواردة بالتيمم للجنب ]، يعني: أن عمر و ابن مسعود لم تصح عندهم الآثار، أي: ما اطمأنوا إليها، وسبب عدم صحتها عند عمر : النسيان، وأما ابن مسعود فإنه رأى أن في رد عمر شيئاً من الارتياب فيها، وتأول الآية والأحاديث بأن ذلك قد يجعلهم يتيممون إذا كان هناك برد، وقد ورد التيمم في البرد.
قال: [ أما الاحتمال الوارد في الآية فلأن قوله تعالى: فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا[النساء:43] يحتمل أن يعود الضمير الذي فيه على المحدث حدثاً أصغر فقط، ويحتمل أن يعود عليهما معاً ] أي: على المحدث حدثاً أصغر وحدثاً أكبر [ لكن من كانت الملامسة عنده في الآية الجماع ] أي قوله تعالى: أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ [النساء:43]، [ فالأظهر أنه عائد عليهما معاً ]، لأنه أقرب شيء إلى الضمير: أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ[النساء:43]، والمراد: جامعتم، فيكون عائداً إلى الحدث الأصغر وإلى الحدث الأكبر.
قال: [ ومن كانت الملامسة عنده هي اللمس باليد، أعني في قوله تعالى: أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ[النساء:43]، فالأظهر أنه إنما يعود الضمير عنده على المحدث حدثا أصغر فقط، إذ كانت الضمائر إنما يحمل أبداً عودها على أقرب مذكور ]، وهذه قاعدة أن الضمير يعود إلى أقرب مذكور، فإذا كانت هناك أسماء متعددة، فيعود إلى الاسم الأخير.
القول بالمجاز في الآية بالتقديم والتأخير
قال المصنف رحمه الله: [ إلا أن يقدر في الآية تقديماً وتأخيراً ] بمعنى: أن من المجاز، التقديم والتأخير ولذلك يقول أهل المجاز -أهل المعاني والبيان-: من المجاز أن تقدم ما حقه التأخير: أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي[مريم:46]، (أراغب) هنا خبر، وأنت: مبتدأ مؤخر، المبتدأ حقه التقديم، والخبر حقه التأخير، فقالوا: هذا من باب المجاز، وقالوا هنا كذلك، فمن المجاز تقديم ما حقه التأخير، وأنه يمكن أن نرتب الآية ترتيباً آخر على صيغة المجاز، فيكون ترتيب الآية على غير السياق الذي في الآية القرآنية: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ [المائدة:6]، أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ [المائدة:6]، ولامستم هنا بمعنى: المس باليد، فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ [المائدة:6]، وهذا بيان حكم الحدث الأصغر. ثم يأتي ببيان حكم الحدث الأكبر: وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا [المائدة:6]، ولكن إذا كنت جنباً أو كنت مريضاً أو على سفر فإنك تتيمم، وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً [المائدة:6]، فيكون على هذا السياق عاد الضمير إلى أقرب مذكور وهو الطهارة من الجنابة.
ولكننا نرد على القائلين بوجود المجاز في الآية تقديماً وتأخيراً بأن لا نقول بالمجاز إلا إذا تعذرت الحقيقة، والأصل تقديم الحقيقة على المجاز، فنقول: ليس في الآية لا تقديم ولا تأخير، وهناك أدلة أخرى تبين أن الملامسة هي الجماع، وأن الضمير يعود إلى الجماع. وفي كتب أصول الفقه لما ذكروا المجاز بالتقديم والتأخير ردوه، وقالوا: ليس هناك مجاز بالتقديم والتأخير، حتى أنهم ذكروا: أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْراهِيمُ[مريم:46]، قالوا: هنا لا بد وجوباً من تقديم الخبر؛ لأنه إنما يستفهم عن رغبته، ولا يستفهم عن ذاته، وإذا كان يستفهم عن رغبته فيجب تقديم ما يكون الاستفهام عنه؛ لأن الاستفهام أصلاً له الصدارة، قالوا: فهو حقيقة، قال: [ ومثل هذا ليس ينبغي أن يصار إليه إلا بدليل، فإن التقديم والتأخير مجاز، وحمل الكلام على الحقيقة أولى من حمله على المجاز ]، كما يمكن القول بأن المجاز في التقديم والتأخير ضعيف وغير متفق عليه، [ وقد يظن أن في الآية شيئاً يقتضي تقديماً وتأخيراً ].
يقول: سياق الآية قد يظن بعض العلماء أن في الآية ما يقتضي التقديم والتأخير، وهو وجود (أو) في قوله تعالى: فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ [المائدة:6]، فوجود (أو) هنا يقتضي على أن السفر حدث، ولكنه إذا كانت (أو) بمعنى الواو، فهو يفيد على أن السفر سبب كالمرض وأنه معطوف على المرض: وإن كنتم مرضى وعلى سفر، فأو بمعنى الواو، فهو معطوف على مرضى، وليس معطوفاً على: (وإن كنتم جنباً)، وقوله: أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ [المائدة:6] معطوف على (جنباً)، فهو يقول أنه قد يقال: أن في الآية تقديماً وتأخيراً: وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ [المائدة:6]، يقدمها، وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ [المائدة:6]، هذا يكون متأخراً حتى لا يحمل على أن السفر حدث من الأحداث. وكذلك ذكره الشوكاني في السيل على أن حروف العطف تتناوب، وأن (أو) هنا بمعنى الواو، وأن ذلك أسلوب عربي.
فقال: [ وقد يظن أن في الآية شيئاً يقتضي تقديماً وتأخيراً، وهو أن حملها على ترتيبها يوجب أن المرض والسفر حدثان، لكن هذا لا يحتاج إليه إذا قدرت (أو) هاهنا بمعنى الواو، وذلك موجود في كلام العرب في مثل قول الشاعر:
وكان سيان أن لا يسرحوا نعماً أو يسرحوه بها واغبرت السرح ].
لأن سيان لا يكون ما بعدها معطوفاً بأو، وإنما يعطف بالواو، فتقول: سيان زيد وعمرو، ولا تقول: سيان زيد أو عمرو.
قال: [ فإنه إنما يقال: سيان زيد وعمرو، وهذا هو أحد الأسباب التي أوجبت الخلاف في هذه المسألة ]، يعني هذه الآية وهذا السياق في الآية هو الذي أوجب الخلاف.
المقصود بارتيابهم في الآثار
قال المصنف رحمه الله: [ وأما ارتيابهم في الآثار ]، يعني تشككهم في الآثار؛ لأن عمر تشكك في الأثر فقط [ التي وردت في هذا المعنى فبين مما خرجه البخاري و مسلم ] أي أن ذلك بين إذا قرأت الحديث في البخاري و مسلم ، وحينها تعرف أن عمر ارتاب، وأن ابن مسعود ارتاب لما ارتاب عمر في ذلك.
[ أن رجلاً أتى عمر رضي الله عنه فقال: أجنبت فلم أجد الماء، فقال: لا تصل.. ]، هذا مذهب عمر أنه لا يصلي ويترك الصلاة ولا تجب عليه الإعادة، وقد ذكره الحافظ ابن حجر في الفتح أنه مذهبه، وعلق عليه ابن باز : على أن هذا المذهب ضعيف جداً، وأن عليه الصلاة، واستدل بحديث: ( إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم )، فذكر أنه إذا كان يستطيع الصلاة ولا يستطيع مثلاً الوضوء ويستطيع التيمم فيأتي بالتيمم.
[ فقال عمار .. ] أي لـعمر [ ( أما تذكر يا أمير المؤمنين! إذ أنا وأنت في سرية فأجنبنا فلم نجد الماء، فأما أنت فلم تصل، وأما أنا فتمعكت في التراب فصليت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنما كان يكفيك أن تضرب بيديك، ثم تنفخ فيهما، ثم تمسح بهما وجهك وكفيك، فقال عمر : اتق الله يا عمار .. ) ]، يعني: تثبت، لا تتسرع في الحديث، أنا كنت معك لكن ما أذكر في هذا شيئاً، فلا تتسرع، [ ( فقال: إن شئت لم أحدث به ) ]، إذا رأيت أن المصلحة في عدم تحديثي به، فأنا قد أديت الواجب وبلغته فلا أعيده مرة أخرى؛ لأنه قد سقط عني بالبلاغ.
[ وفي بعض الروايات: ( أنه قال له عمر : نوليك ما توليت.. ) ]، هنا ذكر الحافظ ابن حجر نقلاً عن البخاري معنى هذا الكلام، وتوضيحاً لمعنى هذا الحديث.
فقال الحافظ ابن حجر في الفتح: قال الإمام النووي : معنى قول عمر : اتق الله يا عمار ! أي: فيما ترويه وتثبت فيه، فلعلك نسيت أو اشتبه عليك، فإني كنت معك ولا أتذكر شيئاً من هذا، ومعنى قول عمار : إن رأيت المصلحة في الإمساك عن التحديث به راجحة على التحديث وافقتك وأمسكت، فإني قد بلغته فلم يبق علي فيه حرج؛ لأنه قد بلغ، وقد أخذه ونقله عنه الناس، وسيفهمها من بلغه ذلك.
فقال له عمر : نوليك ما توليت، أي: لا يلزم من كوني لا أتذكره ألا يكون حقاً في نفس الأمر، فليس لي منعك من التحديث به الفتح (1/545) وبهذا ظهر معنى هذا الحديث.
ارتياب ابن مسعود في عدم الأخذ بالأحاديث، وتأويله الآية، والذي دعاه إلى عدم القول بأن الجنب يتيمم بدلاً عن الوضوء.
فقال: [ وخرج مسلم عن شقيق قال: كنت جالساً مع عبد الله بن مسعود و أبي موسى فقال أبو موسى : يا أبا عبد الرحمن ! أرأيت لو أن رجلاً أجنب، فلم يجد الماء شهراً كيف يصنع بالصلاة؟ ]، معنى: (أرأيت) أخبرني.
[ فقال عبد الله لـأبي موسى : لا يتيمم وإن لم يجد الماء شهراً ]، يعني يترك الصلاة، مثل قول عمر .
[ فقال أبو موسى : فكيف بهذه الآية في سورة المائدة: فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً[المائدة:6] ]، هذا يدل على أن أبا موسى الأشعري عرف أن الضمير عائد إلى أصحاب الحدث الأصغر والأكبر، وهو من أهل اللغة، وهو الذي تلقى القرآن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويدل على أن ابن مسعود لم يخالفه في هذا. أنه لم يقل له: أن الضمير يعود إلى أقرب مذكور، وأن اللمس بمعنى الجس باليد، ولكنه عدل إلى معنى آخر، وهو ترجيح بعض المصالح على الأخذ بظواهر الأدلة، فقد يكون هناك مصلحة ولو مؤقتة تصرف أخذ العالم بظاهر الدليل.
وهذا يدل على أن هذه القاعدة ترجيح المصلحة على الأخذ بظاهر بعض الأدلة، كان شيئاً ثابتاً في زمن الصحابة وفي زمن الأئمة، وأنهم يرون أن في ذلك مندوحة تجيز لهم العدول عن ظاهر هذا الدليل، ولا ينبغي أن نتهجم على الأئمة ونقول: خالفوا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن لهم مندوحة في ذلك.
والمندوحة التي لـابن مسعود [ فقال عبد الله : لو رخص لهم في هذه الآية لأوشك إذا برد عليهم الماء أن يتيمموا بالصعيد ]؛ فرأى أن المصلحة ألا يرخص لهم فيتساهلوا، فهذا ظاهر على أنه رأى أن من المصلحة العدول عن ظاهر الآية لكن هل وافقه أحد من الصحابة على هذه القاعدة أي: أنه قد تكون من المصلحة عدم الأخذ بظاهر الدليل، أو عدم العمل به.
ومثال هذا الأضحية سنة ولكن ثبت عن بعض الخلفاء أنه كان لا يضحي، خشية أن يعتقد الناس أنها واجبة؛ فعدلوا عن العمل بالظاهر ولم يضحوا خشية أن تصبح واجبة.
وكذلك ما فعله عثمان من أنه صلى في مواسم الحج مع الرسول صلى الله عليه وسلم ركعتين ومع أبي بكر ركعتين ومع عمر ركعتين وصدراً من خلافته ركعتين، ثم رأى أن من المصلحة الإتمام، وألا يأخذ بظاهر هذه القضية، مع أنها فعل استمر في وقت الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء لكنه رأى أن من المصلحة الإتمام فقال: إن الناس قد كثروا في مواسم الحج أكثر مما كانوا سابقاً، ولديهم جهل أكثر مما كان سابقاً، ولعلهم يروني أصلي الرباعية ركعتين فيظنوا أنها ليست بلازمة أربعاً، فيصلوها ركعتين، فأتم خشية هذا.
فهذا يدل على أنهم كانوا يتركون ظاهر الدليل لمصلحة، وكذلك الأئمة، منهم الإمام مالك ، كان لديه تشدد كثير في الابتعاد عن البدعة..
فكان أكثر الأئمة تشدداً في الابتعاد عن البدعة هو الإمام مالك ، وأكثر الأتباع تشدداً عن البدعة هم المالكية، وأكثر المؤلفين في البدع هم المالكية.
ومن ذلك ولما كره الإمام مالك صيام الست من شوال، كراهة أن يتخذها الناس واجبة ويصلوها بشهر رمضان مع أن الحديث قد ورد فيها.
قال الإمام الشاطبي معلقاً على هذا في بعض كتبه: وما قيل أنه لم يبلغه الحديث ليس كذلك، بل بلغه الحديث ولكنه كرهها خوفاً من أن يتخذها الناس واجبة ويصلوها برمضان.
وما خافه الإمام مالك قد وجد فقرأت في كتاب لـابن تيمية قال فيه: ومن البدع ما اتخذه الناس من العيد الأكبر بعد الست من شوال، فإنهم لا يعيدون عيد الفطر إلا بعد صيام الست من شوال، وهذا بدعة.
وكنت أتذاكر مع بعض العلماء هذه القاعدة، وهو العالم الشيخ: عمر أحمد سيف فقال لي: لقد شاهدت ما ظنه الإمام مالك عندما كنت في الحبشة، فإنهم يصومون رمضان ولا يخرجون ولا يتزاورون في يوم عيد الفطر، وإنما يتزاورون ويخرجون بعد الست من شوال.
فلهذا نقول: إنه قد يقع في ذهن العالم المجتهد مصلحة إما مؤقتة أو راجحة في عدم الأخذ بظاهر الحديث؛ لأنه قد يرى أن ظاهر ذلك الحديث سنة أو رخصة، وليس بأمر واجب، وأن الأخذ بالسنة أو الرخصة قد تؤدي إلى أمر لا يجوز، فيتركه لهذا.
فلا نقول: إنه خالف الكتاب والسنة بكذا وكذا، وإنما هو لمصلحة مؤقتة أو راجحة. وهذا الكلام من حيث تقرير القاعدة فقط لا من حيث تصويب الرأي، فنحن لا نصوب رأي الإمام مالك أن صيام الست من شوال بدعة، ولا نصوب كذلك رأي ابن مسعود بأن الجنب لا يصلي إذا لم يجد الماء، لكن من حيث تقرير القاعدة فالقاعدة موجودة.
لكن هذا يقع إذا كان الدليل من باب الرخص أو الاستحباب ويكون معارضاً لأمر أحق منه، كأن يؤدي التساهل فيه إلى الوقوع في الحرام، أو يؤدي التشدد فيه إلى الوجوب.
قال المصنف رحمه الله: [ فقال عبد الله : لو رخص لهم في هذه الآية لأوشك إذا برد عليهم الماء أن يتيمموا بالصعيد، فقال أبو موسى ].
مسألة التيمم للبرد وخوف التهمة عند الشافعية
في مسألة التيمم للبرد الشافعية يقولون: يجوز التيمم للبرد ولكن يشترط فيه شروطاً وهو أن يكون في السفر، وألا يجد ما يدفئ الماء، وألا يجد كناً يستكن به بعد الاغتسال، ففي مثل هذه الحالة يتيمم للبرد، وأما كونه إذا وجد واحداً من هذه، إذا وجد مثلاً ما يسخن الماء فنقول: لا يوجد مشقة، إذا وجد سخانة، أو وجد كنا فلا توجد مشقة، لكن إذا كان في هذه الحالة مشقة كأن يكون في كن ضعيف ما يكنه، فلا مانع من التيمم.
كذلك الشافعية أجازوا التيمم خوفاً من التهمة؛ لأن الخوف على العرض أشد من الخوف على المال، فإذا كان عندك مال وتخاف أن يؤخذ مالك فلا تذهب للتيمم، وكذلك إذا خفت على عرضك، كأن جلست في محل ريبة وتهمة يتهم من يجلس فيه بالفجور نمت في ذلك المكان ضرورة، فوقع عليك حدث أكبر، فإذا اغتسلت فستسلط عليك الأنظار، أنك دخلت في الأشياء المحظورة التي في هذه المحلات، فهنا يجوز لك التيمم، وهو قول وجيه.
ثم هل يغتسل بعد ذلك، هذه مسألة طويلة سنقف عليها فيما بعد، وهل التيمم رافع للحدث أو لا سنذكر ما قاله الإمام الشوكاني ونرجح فيها إن شاء الله.
قال: [ فقال أبو موسى لـعبد الله: ألم تسمع لقول عمار ؟ وذكر له الحديث المتقدم، فقال له عبد الله : ألم تر عمر لم يقنع بقول عمار .
لكن الجمهور رأوا أن ذلك قد ثبت من حديث عمار ، و عمران بن الحصين ] أي: التيمم عن الحدث الأكبر [ خرجهما البخاري ، وإن نسيان عمر ليس مؤثراً في وجوب العمل بحديث عمار ]، وهذا كلام جيد.
[ وأيضاً فإنهم استدلوا بجواز التيمم للجنب والحائض بعموم :( جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً ) ]، فهذا عام في الحدث الأكبر والأصغر.
[ وأما حديث عمران بن الحصين فهو: ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً معتزلاً لم يصل مع القوم فقال: يا فلان! أما يكفيك أن تصلي مع القوم؟ فقال: يا رسول الله! أصابتني جنابة ولا ماء ) ]، أي: لماذا لا تصلي مع الجماعة؟!
وهذا له دلالة كما في الحديث: ( أن رجلاً جاء وقد صلى في رحله فلم يصل مع الناس، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: ألست من المسلمين فتصلي مع الجماعة؟ فقال: إني قد صليت في رحلي، قال: إذا صليت في رحلك وأقيمت الجماعة فصل معهم )، فهذا يدل على أن الإنسان إذا صلى فرداً أو صلى مع جماعة ثم وافق جماعة أخرى، وأقيمت الصلاة فإنه يدخل معهم ولا يكون لافتاً للأنظار، وهذا عام حتى في وقت الكراهة؛ لأن الإعادة تجوز في وقت الكراهة ولكنه يعيدها بنية النافلة، ودليل هذا الرجل الذي جاء في صلاة الصبح وقد صلى الناس فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( من يصلي مع هذا )، فصلى معه أبو بكر ، فكانت إعادته في وقت الكراهة.
[ فقال صلى الله عليه وسلم: ( عليك بالصعيد فإنه يكفيك ) ]، هذا دليل على أنه ترك الصلاة، يظهر على أنه لا يحتمل التأويل على أن التيمم يكون بدلاً عن الوضوء.
قال: [ ولموضع هذا الاحتمال اختلفوا ] هذه مسألة أخرى وهي مسألة إذا كان الرجل في سفر أو في ليلة في بيته وليس له ماء، فهل له أن يجامع أهله أو ليس له أن يجامع أهله؛ لأنه لا يوجد ماء؟ فقال: [ اختلفوا، هل لمن ليس عنده ماء أن يطأ أهله أم لا يطؤها؟ أعني: من يجوز للجنب التيمم ] فمن يجوز له التيمم حضراً وسفراً، فإنه يقول: يطؤها.
والشافعية يجوزون له التيمم سفراً وأما حضراً فإنما هو لحرمة الوقت عندهم، ويجب الإعادة عليه؛ فلهذا لا يجوزون له في الحضر أن يطأ زوجته، ويجوزون له الوطء في السفر وسيأتي معنا الترجيح أن التيمم يكون في الحضر والسفر.
الراجح في مسألة كون التيمم بدلاً عن الطهارة الكبرى
الراجح في كون التيمم بدلاً عن الحدث الأكبر أو لا ما ذهب إليه علي وغيره من الصحابة وعامة الفقهاء من أن التيمم يكون بدلاً عن الحدث الأكبر، كما يقع بالاتفاق بدلاً عن الحدث الأصغر، وذلك لما يأتي:
أولاً: ما سبق من الترجيح من أن المراد بالملامسة في الآية: الجماع.
الثاني: ما ثبت في حديث عمار المتفق عليه، وهو مقدم على نفي عمر ؛ لأن نفيه مبني على نسيان، والمثبت مقدم على النافي، فضلاً عن الناسي، لأن النسيان لا يثبت به حكم.
الثالث: ما ثبت في حديث عمران بن حصين المتفق عليه.
الرابع: أما ما ورد عن ابن مسعود من عدم جوازه فمجرد رأي، فلا يرد به ما ثبت في الكتاب والسنة.
ثم ذكر السبب في اختلافهم فقال: [ والسبب في اختلافهم: الاحتمال الوارد في آية التيمم، وأنه لم تصح عندهم الآثار الواردة بالتيمم للجنب ]، يعني: أن عمر و ابن مسعود لم تصح عندهم الآثار، أي: ما اطمأنوا إليها، وسبب عدم صحتها عند عمر : النسيان، وأما ابن مسعود فإنه رأى أن في رد عمر شيئاً من الارتياب فيها، وتأول الآية والأحاديث بأن ذلك قد يجعلهم يتيممون إذا كان هناك برد، وقد ورد التيمم في البرد.
قال: [ أما الاحتمال الوارد في الآية فلأن قوله تعالى: فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا[النساء:43] يحتمل أن يعود الضمير الذي فيه على المحدث حدثاً أصغر فقط، ويحتمل أن يعود عليهما معاً ] أي: على المحدث حدثاً أصغر وحدثاً أكبر [ لكن من كانت الملامسة عنده في الآية الجماع ] أي قوله تعالى: أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ [النساء:43]، [ فالأظهر أنه عائد عليهما معاً ]، لأنه أقرب شيء إلى الضمير: أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ[النساء:43]، والمراد: جامعتم، فيكون عائداً إلى الحدث الأصغر وإلى الحدث الأكبر.
قال: [ ومن كانت الملامسة عنده هي اللمس باليد، أعني في قوله تعالى: أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ[النساء:43]، فالأظهر أنه إنما يعود الضمير عنده على المحدث حدثا أصغر فقط، إذ كانت الضمائر إنما يحمل أبداً عودها على أقرب مذكور ]، وهذه قاعدة أن الضمير يعود إلى أقرب مذكور، فإذا كانت هناك أسماء متعددة، فيعود إلى الاسم الأخير.
قال المصنف رحمه الله: [ إلا أن يقدر في الآية تقديماً وتأخيراً ] بمعنى: أن من المجاز، التقديم والتأخير ولذلك يقول أهل المجاز -أهل المعاني والبيان-: من المجاز أن تقدم ما حقه التأخير: أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي[مريم:46]، (أراغب) هنا خبر، وأنت: مبتدأ مؤخر، المبتدأ حقه التقديم، والخبر حقه التأخير، فقالوا: هذا من باب المجاز، وقالوا هنا كذلك، فمن المجاز تقديم ما حقه التأخير، وأنه يمكن أن نرتب الآية ترتيباً آخر على صيغة المجاز، فيكون ترتيب الآية على غير السياق الذي في الآية القرآنية: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ [المائدة:6]، أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ [المائدة:6]، ولامستم هنا بمعنى: المس باليد، فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ [المائدة:6]، وهذا بيان حكم الحدث الأصغر. ثم يأتي ببيان حكم الحدث الأكبر: وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا [المائدة:6]، ولكن إذا كنت جنباً أو كنت مريضاً أو على سفر فإنك تتيمم، وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً [المائدة:6]، فيكون على هذا السياق عاد الضمير إلى أقرب مذكور وهو الطهارة من الجنابة.
ولكننا نرد على القائلين بوجود المجاز في الآية تقديماً وتأخيراً بأن لا نقول بالمجاز إلا إذا تعذرت الحقيقة، والأصل تقديم الحقيقة على المجاز، فنقول: ليس في الآية لا تقديم ولا تأخير، وهناك أدلة أخرى تبين أن الملامسة هي الجماع، وأن الضمير يعود إلى الجماع. وفي كتب أصول الفقه لما ذكروا المجاز بالتقديم والتأخير ردوه، وقالوا: ليس هناك مجاز بالتقديم والتأخير، حتى أنهم ذكروا: أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْراهِيمُ[مريم:46]، قالوا: هنا لا بد وجوباً من تقديم الخبر؛ لأنه إنما يستفهم عن رغبته، ولا يستفهم عن ذاته، وإذا كان يستفهم عن رغبته فيجب تقديم ما يكون الاستفهام عنه؛ لأن الاستفهام أصلاً له الصدارة، قالوا: فهو حقيقة، قال: [ ومثل هذا ليس ينبغي أن يصار إليه إلا بدليل، فإن التقديم والتأخير مجاز، وحمل الكلام على الحقيقة أولى من حمله على المجاز ]، كما يمكن القول بأن المجاز في التقديم والتأخير ضعيف وغير متفق عليه، [ وقد يظن أن في الآية شيئاً يقتضي تقديماً وتأخيراً ].
يقول: سياق الآية قد يظن بعض العلماء أن في الآية ما يقتضي التقديم والتأخير، وهو وجود (أو) في قوله تعالى: فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ [المائدة:6]، فوجود (أو) هنا يقتضي على أن السفر حدث، ولكنه إذا كانت (أو) بمعنى الواو، فهو يفيد على أن السفر سبب كالمرض وأنه معطوف على المرض: وإن كنتم مرضى وعلى سفر، فأو بمعنى الواو، فهو معطوف على مرضى، وليس معطوفاً على: (وإن كنتم جنباً)، وقوله: أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ [المائدة:6] معطوف على (جنباً)، فهو يقول أنه قد يقال: أن في الآية تقديماً وتأخيراً: وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ [المائدة:6]، يقدمها، وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ [المائدة:6]، هذا يكون متأخراً حتى لا يحمل على أن السفر حدث من الأحداث. وكذلك ذكره الشوكاني في السيل على أن حروف العطف تتناوب، وأن (أو) هنا بمعنى الواو، وأن ذلك أسلوب عربي.
فقال: [ وقد يظن أن في الآية شيئاً يقتضي تقديماً وتأخيراً، وهو أن حملها على ترتيبها يوجب أن المرض والسفر حدثان، لكن هذا لا يحتاج إليه إذا قدرت (أو) هاهنا بمعنى الواو، وذلك موجود في كلام العرب في مثل قول الشاعر:
وكان سيان أن لا يسرحوا نعماً أو يسرحوه بها واغبرت السرح ].
لأن سيان لا يكون ما بعدها معطوفاً بأو، وإنما يعطف بالواو، فتقول: سيان زيد وعمرو، ولا تقول: سيان زيد أو عمرو.
قال: [ فإنه إنما يقال: سيان زيد وعمرو، وهذا هو أحد الأسباب التي أوجبت الخلاف في هذه المسألة ]، يعني هذه الآية وهذا السياق في الآية هو الذي أوجب الخلاف.