ديوان الإفتاء [749]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، اللهم صلِ على محمد وعلى آل محمد, كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد.

أما بعد:

إخوتي وأخواتي! سلام الله عليكم ورحمته وبركاته, ومرحباً بكم في هذه الليلة المباركة -ليلة الجمعة- في حلقة جديدة من ديوان الإفتاء, وأوصيكم أن تكثروا في هذه الليلة من الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقد ثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: (إن من خير أيامكم يوم الجمعة, فأكثروا من الصلاة عليّ فيه فإن صلاتكم معروضة عليّ قالوا: كيف تعرض عليك صلاتنا وقد أرمت؟ -يعنون: بليت- فقال: إن الله قد حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء), عليهم الصلاة والسلام.

السؤال: زوجي يسب الدين أحياناً عندما يغضب, فهل أعيش معه، وعندي منه أطفال؟

الجواب: سب الدين -والعياذ بالله- كفر، سواء كان الإنسان جاداً أو هازلاً؛ لأن الله تعالى قال: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ [التوبة:65-66], فالمطلوب تنبيه هذا الزوج إلى هذه المصيبة الكبيرة التي يقع فيها، وأن المطلوب منه تجديد إسلامه، فإن تاب وأقلع ورجع فإنها تبقى معه بالنكاح الأول, يعني: الكفر والردة التي تحصل بسب الدين موجبة لفسخ النكاح, لكن لو أنه رجع قبل انقضاء العدة، وتاب إلى الله عز وجل, فلا يحتاج الأمر إلى تجديد نكاح.

السؤال: ابني عاق، يضربني ويشتمني, ما رأي الدين؟

الجواب: أعوذ بالله! هذه جديدة ما كنا نعرفها، ولا هي من أخلاق المسلمين في هذه البلاد؛ بل لا يزال الوالدان والحمد لله مكرمين معظمين موقرين, يحوطهما الأولاد بالرعاية والعناية والحفظ، خاصةً حال الكبر، لكن هذه آفة جديدة، ولا بد أن نعلم جميعاً بأن العقوق من كبائر الذنوب, وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ليفعل العاق ما يفعل فلن يدخل الجنة), وقال: (من ملأ عينيه غضباً من والديه ملأهما الله له ناراً يوم القيامة), ولما أوصى معاذاً بعشر خصال قال له: (لا تشرك بالله وإن قتلت وحرقت, ولا تعقن والديك وإن أمراك أن تخرج من أهلك ومالك), بل يكفينا أن الله عز وجل قرن حق الوالدين بحقه في كثير من آي القرآن، كقوله جل جلاله: وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا [البقرة:83], وكقوله: وَاعْبُدُوا اللهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا [النساء:36], وكقوله تعالى: قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا [الأنعام:151], وكقوله: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا [الإسراء:23], وكقوله على لسان العبد الصالح لقمان: أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ [لقمان:14], فالوصية بالوالدين تكررت في القرآن الكريم, فالذي نوصي به الأولاد جميعاً ذكوراً وإناثاً: بأن يتقوا الله في آبائهم وأمهاتهم, وأن يرعوهم حق الرعاية وأن يقوموا بما أوجب الله عليهم نحوهم, وأن يجتهدوا في إرضائهم وطاعتهم، وخفض الجناح لهم والذل بين أيديهم, والاستجابة لأوامرهم في طاعة الله عز جل, هذا الذي ينبغي أن يعلم، والله تعالى أعلم.

السؤال: ابني ترك مدرسته، فقلت له: لن أعفو عنك إذا ما رجعت, أفتوني؟

الجواب: هذا نوع من الترهيب الذي يمارسه الآباء أو الأمهات أحياناً على الأولاد, والأفضل من ذلك إقناعه بالتي هي أحسن، مع الدعاء له بأن يهديه الله! وأن يأخذ بناصيته إلى الحق, ولا بد أن نبين لأبنائنا وبناتنا أن العلم مطلوب لذاته, فليس العلم وسيلة لعيش كريم فقط, وليس العلم وسيلة لمكانة مرموقة فقط, وإنما نبين لهم بأن الله أمرنا بأن نتعلم, وأن هذا الدين ما جاء إلا ليرفع عن الناس الجهل والظلمات التي كانوا يعيشون فيها, ونبين لأولادنا بأن أول خمس آيات من القرآن نزلت تأمر بالقراءة، وتأمر بالعلم، وتنوه بشأن القلم: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ [العلق:1-5].

السؤال: ما حكم إظهار الكفين مزينةً برسم الحناء أو المناكير والخواتم؟

الجواب: كان ابن عباس رضي الله عنهما يفسر قول ربنا جل جلاله: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا [النور:31], بأن ما ظهر منها (الوجه والكفان وما عليهما)؛ لكن نقول: بأن رسم الحناء لا شك بأن فيه فتنةً، ثم إذا ضم إلى ذلك الخواتم والمناكير وما إلى ذلك فهذه فتنة بعد فتنة، وهي التبرج الذي نهى الله عنه, فإذا كانت المرأة قد زينت كفيها بالخضاب والمناكير، ولبست الحلي، فخير لها أن تستر كفيها بقفازين؛ لئلا تفتن ولا تُفتن.

السؤال: هل يجوز أن أتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم؟

الجواب: لا خلاف عندنا معشر المسلمين أن جاه نبينا عليه الصلاة والسلام عند الله عظيم, فهو أعظم الخلق عند الله جاهاً وهو صاحب المقام المحمود, والحوض المورود, ( وهو أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة ), ( وأول شافع, وأول مشفع ), ( وأول من يأخذ بحلقة باب الجنة ), صلوات الله وسلامه عليه, لكن التوسل بذاته عليه الصلاة والسلام محل خلاف بين أهل العلم, فمنهم من يجيز كالإمام المبجل أحمد بن حنبل ، ومنهم من يمنع كالإمام العلم أبي حنيفة النعمان رحمة الله على الجميع؛ ولذلك يتعين الخروج من الخلاف بأن نستمسك بالتوسل المتفق عليه, وهو التوسل بأسماء الله الحسنى وصفاته العلى, والتوسل بالعمل الصالح والتوسل بدعاء الأخ الذي تظن به خيراً, هذا هو التوسل المشروع, وكثير من الناس يستدل خطأً بقول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ [المائدة:35], فقد اتفق المفسرون على أن الوسيلة في هذه الآية هي العمل الصالح.

السؤال: ما تفسير قوله تعالى: الزَّانِي لا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى المُؤْمِنِينَ [النور:3]؟

الجواب: هذه الآية فيها قولان لأهل التفسير:

القول الأول: أن الآية تفيد تحريم الزواج بالزانية، وتحريم تزويج الزاني بالعفيفة؛ لأن النكاح هاهنا فسروه بالعقد, يعني: الزاني لا ينكح ولا يتزوج ولا يعقد إلا على من كانت مثله أو شراً منه, والزانية لا يعقد عليها ولا يتزوجها إلا من كان مثلها أو شراً منها, واستدلوا بسبب نزول الآية وهو: أن مرثد بن أبي مرثد الغنوي رضي الله عنه كان عنده صاحبة في الجاهلية يقال لها: عناق ، فلما أكرمه الله بالإسلام وكان يذهب إلى مكة حيناً بعد حين يهرب بعض المستضعفين المحبوسين, دعته عناق هذه إلى ما كان يفعل معها في الجاهلية، فقال: يأبى الله عليك والإسلام, فقالت له: تزوجني، فقال: لا أفعل حتى أستأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم, فأنزل الله هذه الآية التي يحرم فيها زواج العفيف بالزانية, وتزويج العفيفة من الزاني.

القول الثاني: قول جماهير العلماء رحمهم الله، وهو أن النكاح هاهنا معناه الوطء, وفسروا هذه الآية فقالوا: بأن الزاني لا يزني إلا بمن كانت مثله زانيةً أو شراً منه مشركة, والزانية لا يزني بها إلا من كان مثلها زانياً أو شراً منها مشركاً, ولو رجعنا إلى القرآن نجد بأن النكاح يطلق أحياناً على العقد، وأحياناً يطلق على مجموع العقد والوطء معاً, أما إطلاقه على العقد ففي قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ المُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا [الأحزاب:49], (نكحتم) هاهنا بمعنى: عقدتم, وأما إطلاقه على مجموع العقد والوطء معاً ففي قول الله عز وجل: فَإِنْ طَلَّقَهَا [البقرة:230], أي: المرة الثالثة فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ [البقرة:230], فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم النكاح في هذه الآية بأنه يعقد عليها ويدخل بها, قال: (حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتكِ ).

السؤال: ما حكم من لا يبر والديه في الطلاق؟

الجواب: كأن السائل يقول: لو أن الوالدين قالا للولد: لا بد أن تطلق هذه المرأة, وهذه قضية متكررة الآن, فنقول: بأنه إذا لم يكن بالمرأة بأس, وكانت مرضية في دينها وخلقها، فلا ينبغي أن يطاع الوالدان في الطلاق؛ لأن كثيراً من الناس لا يتقي الله عز وجل, فلأدنى سبب ولأدنى خلاف يأمر ولده بالطلاق, ويقول له: أنا لن أعفو عنك لو ما طلقت, فنقول: لا ينبغي للولد أن يسارع في طاعة أبيه أو أمه أو كليهما في أمر الطلاق, ولا ينبغي كذلك أن يظهر لهما المخالفة والعصيان؛ بل يسوف في الأمر، ويشفع الشفعاء, وفي الوقت نفسه يحمل الزوجة على أن تخفض لهما الجناح، وأن تعتذر إليهما، ولو لم تكن مخطئة، لعل الله عز وجل أن يؤلف بين القلوب.

السؤال: دعاء المصلين بين خطبتي الجمعة, ما الدليل عليه؟

الجواب: الدليل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرنا: (أن يوم الجمعة خير يوم طلعت عليه الشمس، فيه خلق آدم، وفيه أسكن الجنة، وفيه أخرج منها، وفيه تيب عليه, وفيه تقوم الساعة, ما من دابة إلا وهي مسيخة من طلوع فجرها إلى طلوع شمسها إلا الجن والإنس، وفيه -أي: في يوم الجمعة- ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يسأل الله تعالى شيئاً إلا أعطاه إياه), وأشار بيده يقللها, وبعض أهل العلم قالوا: هي الساعة من حين جلوس الإمام على المنبر إلى أن تنقضي الصلاة, وبعضهم قال: هي آخر ساعة قبل غروب الشمس؛ ولذلك من دعا بين الخطبتين فلا ينكر عليه ولا يثرب.

السؤال: هل غسل الجمعة واجب على المرأة؟

الجواب: لا يجب غسل الجمعة على المرأة ولا على الرجل, وإنما هو سنة مؤكدة, وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (غسل الجمعة واجب على كل محتلم), قال أكثر أهل العلم: بأن الوجوب هنا وجوب السنن لا وجوب الفرائض, واستدلوا على ذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل), وهذا الحديث في سنده كلام، لكن أيضاً ثبت أن عمر رضي الله عنه كان على المنبر فدخل عثمان فقال عمر رضي الله عنه مستنكراً على عثمان : تأتون متأخرين، قال: يا أمير المؤمنين! ما هو إلا أن سمعت النداء فتوضأت وأتيت, قال له: وتوضأت ولم تغتسل! يعني: عمر رضي الله عنه هاهنا لم يأمر عثمان بأن يرجع، ولا حتم عليه الاغتسال للجمعة؛ لكنه أنكر عليه أنه فرط في هذه السنة؛ لذلك نقول: غسل الجمعة ليس بواجب.

السؤال: ماذا تفعل المنقبة عندما يريد الخاطب رؤيتها؟

الجواب: تكشف عن وجهها، فلا يصلح إذا أراد الخاطب رؤيتها أن تقول له: لا أنا ما أكشف عن وجهي.