لقاء الباب المفتوح [212]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين, وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين, أما بعد:

فهذا هو اللقاء الثاني عشر بعد المائتين من اللقاءات التي تسمى لقاء الباب المفتوح, التي تتم كل يوم خميس وهذا الخميس هو الرابع والعشرون من شهر ربيع الأول عام 1420هـ.

نبتدئ هذه الجلسة بما اعتدناه من تفسير القرآن الكريم.

وإني أقول لكم -أيها الإخوة-: إن القرآن الكريم نزل على محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم ووصفه الله بأنه مبارك, وبيّن الحكمة من إنزاله فقال جل وعلا: كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ [ص:29] وهذا يعني: أنه لابد للمسلمين من أن يتدبروا القرآن, ويتفهموا معناه, وإلا لكانوا كالذين لا يقرءون, لأن الذي لا يفهم المعنى كالذي لا يفهم الوقت, قال الله عز وجل: وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ[البقرة:78] فوصف هؤلاء الذين لا يعلمون الكتاب إلا أماني, أي: إلا قراءة, وصفهم بأنهم أميون أي: كالذي لا يقرأ ولا يكتب.

لذلك أحثكم -أيها الإخوة- ومن بلغه كلامي هذا على تدبر القرآن وتفهم معناه, لكن لا يقول فيه أحد برأيه بدون علم, لأن من قال برأيه في القرآن فليتبوأ مقعده من النار, وقد أخطأ ولو أصاب, والحمد لله كتب التفسير موجودة, لكن المراد الكتب التي يوثق بها وبمؤلفيها, لأن الذين تناولوا تفسير القرآن لهم مناهج ولهم مذاهب كلٌ منهم يحمل الآيات على مذهبه الذي كان يتبعه, فتجد تفسير المعتزلة يوافق منهج المعتزلة وآراءهم وعقائدهم, وكذلك الخوارج, وكذلك غيرهم من أهل الأهواء والبدع, لكن عليكم بالكتب الموثوق بها كـتفسير ابن كثير وتفسير السعدي رحمه الله, فإنهما خير ما نعلم مما يتداوله الناس بينهم اليوم.

تفسير قوله تعالى: (آمنوا بالله ورسوله)

الآية التي نريد أن نفسرها هي قول الله تعالى: آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ [الحديد:7] (آمنوا) الخطاب للعباد كلهم, (بالله) رب العالمين (ورسوله) محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم, والأمر هنا للوجوب، الذي هو أشد أنواع الوجوب تحتماً, الإيمان بالله أن تؤمن بأنه رب العالمين, أن تؤمن بأنه الإله المعبود حقاً الذي لا يستحق العبادة إلا هو, أن تؤمن بأن له الأسماء الحسنى والصفات العليا, أن تؤمن بأنه الفعال لما يريد, أن تؤمن بأنه لا معقب لحكمه وهو السميع العليم, أن تؤمن بأن مرجع الخلائق إليه في الأحكام الشرعية وفي الأحكام الكونية, فمن يدبر الخلق؟! الله. لا يدبر الخلق إلا الله عز وجل.

من الذي يحكم بينهم فيما كانوا فيه يختلفون؟ الله عز وجل.

رسوله محمد عليه الصلاة والسلام أرسله الله تعالى إلى جميع الخلق الإنس والجن, وختم به النبوات, فلا نبي بعده والدليل: مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ [الأحزاب:40] فلا نبي بعده, فمن ادعى النبوة بعده فهو كافر, يجب أن يقص عنقه إلا أن يتوب ويرجع.

تفسير قوله تعالى: (وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه)

قال تعالى: وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ [الحديد:7] الإنفاق البذل, و(مما جعلكم مستخلفين فيه) أي: المال؛ لأن الله جعلنا مستخلفين في هذا المال, فهو الذي ملَّكنا إياه, فلا منة لنا على الله بما ننفق, بل المنة لله علينا بما أعطى، والمنة له علينا بما شرع لنا من الإنفاق, ولولا أن الله شرع لنا أن ننفق لكان الإنفاق ضياعاً وبدعة, ولكن شرع لنا أن ننفق, إذاً له المنة أولاً لما ملكنا من المال, وله المنة ثانياً بما شرع لنا من إنفاقه.

تفسير قوله تعالى: (فالذين آمنوا وأنفقوا لهم أجر كبير)

قال تعالى: فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ [الحديد:7] الذين آمنوا بمن..؟! بالله ورسوله؛ لأنه قال: (آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِه) وأنفقوا أي: مما جعلهم مستخلفين فيه لهم أجر كبير, والآيات كما تعلمون لهم أجر كبير, ولهم أجر عظيم مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا [الأنعام:160] فوصف الله الأجور على العمل بهذه الأوصاف كبير, وعظيم, وكثير؛ أما الكثير نأخذه من قوله: (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا) وبهذا تعرف منة الله عز وجل علينا والحمد لله, يأمرنا بالعمل ونعمل به ويأجرنا عليه أجراً كثيراً, أجراً عظيماً, أجراً كبيراً, منة عظيمة كبيرة, فعلينا أن نشكر الله, وأن ننفق مما جعلنا مستخلفين فيه.

وهل ننفق كل ما نملك أم بعضه؟ (وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ) (من) هذه هل هي للتبعيض أم هي لبيان ما ينفق منه؟ إذا كانت للتبعيض فالمعنى أنفقوا بعض ما جاءكم، ليس كله, وإذا جعلناها للبيان فالمعنى أنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه حسب ما تقتضيه المصلحة، إما الكل وإما البعض, فأيهما أحسن، أن نجعل من للتبعيض أم نجعل من للبيان؟ الثاني, إذا جعلناها للبيان صار الإنسان مخيراً أي: ينفق كل ماله أو بعض ماله أكثره أو أقله حسب ما تقتضيه المصلحة.

ومعلوم أنه كلما كان المعنى أوسع كان أولى بالأخذ به, والقرآن الكريم العظيم معانيه واسعة عظيمة, ولذلك حث النبي صلى الله عليه وسلم مرة على الصدقة وكان الصحابة رضي الله عنهم يتسابقون إلى الخير, كل واحد يحب أن يكون هو السابق, فقال عمر رضي الله عنه: اليوم أسبق أبا بكر؛ لأن هذين الرجلين هما أخص الصحابة بالرسول عليه الصلاة والسلام, وأحب الصحابة إلى الرسول.

إن النبي صلى الله عليه وسلم، يحب أبا بكر رضي الله عنه أشد من حب علي بن أبي طالب رضي الله عنه, مع أن علي بن أبي طالب ابن عمه وزوج ابنته, لكن أبا بكر يحبه أشد وأكثر, فقد سئل: (من أحب الناس إليك؟ قال:أبو بكر ) وهذا كلامه, وكلامه صدق ولا شك في ذلك, يقول: (لو كنت متخذاً من أمتي خليلاً لاتخذت أبا بكر ).

المهم أن عمر كان هو وأبو بكر كفرسي رهان, يحب أن يسبقه, لا حسد لـأبي بكر ولكن حباً للفضل لنفسه, قال: اليوم أسبق أبا بكر فجاء بنصف ماله لينفقه, أتى به للنبي عليه الصلاة والسلام قال: (يا عمر ماذا تركت لأهلك؟ قال: تركت لهم الشطر أي النصف-) وجاء أبو بكر قال: (ما تركت لأهلك؟ قال: تركت لهم الله ورسوله) أي أنفق كل ماله, فقال عمر: والله لا أسابقك على شيء بعدها أبداً, عرف أنه يعجز أن يسبق أبا بكر.

الشاهد من هذا الحديث أن أبا بكر تصدق بجميع ماله, فإذا رأى الإنسان المصلحة في التصدق بجميع ماله وأن عنده من قوة التوكل, والاعتماد على الله, واكتساب الرزق، ما يمكنه أن يسترد شيئاً من المال لأهله ونفسه حينئذٍ نقول: تصدق بجميع مالك, إذا كان الأمر بالعكس.

كان رجلاً أخرق لا يعرف أن يكتسب, وليس هناك داعٍ أن ينفق كثيراً, فهنا نقول: الأولى أن تنفق بعض المال.

إذاً: (وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ) هل (من) للتبعيض أو للبيان؟ للبيان, أي: أنفقوا من هذا المال ما يكون فيه المصلحة, في هذه الآية دليل على أنه ينبغي للإنسان أن يحقق إيمانه ويثبته, وكلما رأى فيه تزعزعاً استعاذ بالله من الشيطان الرجيم ومضى في سبيله, وأن ينفق من المال.

وهنا سؤال: هل المال محبوب للنفوس؟ نعم, قال الله تعالى: وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبّاً جَمّاً [الفجر:20] وقال الله عز وجل: وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ [العاديات:8] أي: المال؛ لا يمكن أن يبذل الإنسان شيئاً محبوباً إليه، إلا لما هو أحب, فإذا بذل الإنسان المحبوب إليه ابتغاء رضوان الله, علمنا أن الرجل يحب رضوان الله أكثر من محبة المال, وبذلك يتحقق الإيمان.

أسأل الله تعالى أن يجعلني وإياكم من ذوي العلم الراسخ, والإيمان الثابت, إنه على كل شيء قدير.

الآية التي نريد أن نفسرها هي قول الله تعالى: آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ [الحديد:7] (آمنوا) الخطاب للعباد كلهم, (بالله) رب العالمين (ورسوله) محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم, والأمر هنا للوجوب، الذي هو أشد أنواع الوجوب تحتماً, الإيمان بالله أن تؤمن بأنه رب العالمين, أن تؤمن بأنه الإله المعبود حقاً الذي لا يستحق العبادة إلا هو, أن تؤمن بأن له الأسماء الحسنى والصفات العليا, أن تؤمن بأنه الفعال لما يريد, أن تؤمن بأنه لا معقب لحكمه وهو السميع العليم, أن تؤمن بأن مرجع الخلائق إليه في الأحكام الشرعية وفي الأحكام الكونية, فمن يدبر الخلق؟! الله. لا يدبر الخلق إلا الله عز وجل.

من الذي يحكم بينهم فيما كانوا فيه يختلفون؟ الله عز وجل.

رسوله محمد عليه الصلاة والسلام أرسله الله تعالى إلى جميع الخلق الإنس والجن, وختم به النبوات, فلا نبي بعده والدليل: مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ [الأحزاب:40] فلا نبي بعده, فمن ادعى النبوة بعده فهو كافر, يجب أن يقص عنقه إلا أن يتوب ويرجع.


استمع المزيد من الشيخ محمد بن صالح العثيمين - عنوان الحلقة اسٌتمع
لقاء الباب المفتوح [63] 3395 استماع
لقاء الباب المفتوح [146] 3350 استماع
لقاء الباب المفتوح [85] 3315 استماع
لقاء الباب المفتوح [132] 3293 استماع
لقاء الباب المفتوح [8] 3275 استماع
لقاء الباب المفتوح [13] 3259 استماع
لقاء الباب المفتوح [127] 3116 استماع
لقاء الباب المفتوح [172] 3090 استماع
لقاء الباب المفتوح [150] 3037 استماع
لقاء الباب المفتوح [47] 3033 استماع