ديوان الإفتاء [652]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين, حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى, وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد البشير النذير، والسراج المنير, وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

إخوتي وأخواتي! سلام الله عليكم ورحمته وبركاته, ومرحباً بكم في ديوان الافتاء, أسأل الله عز وجل أن يجمعنا على الخير مرةً بعد مرة, وأن يعلمنا علماً نافعاً ويرزقنا عملاً صالحاً، ويوفقنا لما يحب ويرضى, ويستعملنا جميعاً في طاعته إنه خير المسئولين، وخير المعطين، وأرحم الراحمين، وأكرم الأكرمين.

إخوتي وأخواتي بداية أقول: مطلوب منا جميعاً أن نشكر الله عز وجل على نعمه التي لا تعد ولا تحصى, كما قال جل جلاله: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ[إبراهيم:34], كل منا لو فكر في نعم الله السابغة، التي آتاه إياها لوجد أنه مقصر في الشكر، كما قال ربنا جل جلاله: وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ[سبأ:13].

تعريف الشكر وقواعده التي يقوم عليها

يا أيها الإخوة الكرام! الشكر كما قال أهل العلم: هو ظهور أثر نعمة الله على لسان عبده ثناءً واعترافاً, وعلى قلبه شهوداً ومحبة, وعلى جوارحه انقياداً وطاعة، هذا الشكر يقوم على قواعد خمس وهي:

خضوع الشاكر للمشكور, إذ لا بد أن تخضع لله عز وجل وتنقاد إليه وتعمل بطاعته, ولا بد من حب العبد له وثنائه عليه واعترافه بنعمته, وألا يستعملها فيما يكره, هذه قواعد خمس تتمثل فيها حقيقة الشكر, لا بد أن يجري الثناء على لسانك على الله عز وجل على لسانك, لا بد أن تحمده وتشكره، ( إن الله تعالى يحب من العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها, ويشرب الشربة فيحمده عليها ), ( من طعم طعاماً فقال: الحمد الذي أطعمني هذا ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة, غفرت له ذنوبه وإن كانت مثل زبد البحر ), ومن شكر نعمة الله عز وجل أن تتحدث بها، فإذا سُئلت: كيف حالك يا فلان, قلت: الحمد لله أنا في عافية ونعمة وستر, أنا في صحة وسلامة، أنا في سعة رزق، ( الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وكفانا وآوانا ), ولو شئت لقلت: الحمد لله الذي علمنا وهدانا، الحمد لله الذي شفانا وعافانا, الحمد لله الذي أكرمنا وأعطانا, الحمد لله الذي علمنا وفقهنا, نعم الله عز وجل على العباد كثيرة لا يستطيعون لها إحصاءً, ولا يستطيعون أن يحيطوا بها شكراً وحمداً.

وصف الله نفسه بالشاكر الشكور

إخوتي وأخواتي! من صفات ربنا جل جلاله: أنه شاكر شكور, كما قال سبحانه عن نفسه: مَا يَفْعَلُ اللهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللهُ شَاكِرًا عَلِيمًا[النساء:147], وقال جل جلاله عن نفسه: وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ[البقرة:158], وسمى نفسه شكوراً حين قال: إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ[فاطر:29-30], هو جل جلاله شاكر شكور كما قال أهل العلم؛ لأنه يجازي بكثير الحسنات على يسير الطاعات؛ فالطاعات التي نباشرها قليلة يسيرة, ثم بعد ذلك الحسنات التي يعطينا إياها ربنا جل جلاله عظيمة كثيرة, مثل هذه الصلاة الإنسان ينقل خطواته إلى المسجد، كل خطوة يرفعه الله بها درجة ويحط عنه خطيئة, فإذا دخل المسجد كان في صلاة ما دامت الصلاة هي التي تحبسه؛ فإذا رتل القرآن وهو في صلاته كان له بكل حرف حسنة والحسنة بعشر أمثالها, ثم بعد ذلك الصلاة كفارة لما بينها وبين الصلاة التي تليها, ثم بعد ذلك ( إذا فرغ من صلاته وبقي في مجلسه الذي صلى فيه فالملائكة يستغفرون له ويترحمون عليه ويقولون: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، ما دام في مجلسه الذي صلى فيه )، كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فالله شاكر والله شكور.

حال الأنبياء عليهم السلام مع الشكر

وكذلك أنبياؤه صلوات الله وسلامه عليهم, يقول الله عز وجل عن نوح: ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا[الإسراء:3], ويقولك عن إبراهيم: إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا للهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ المُشْرِكِينَ * شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ[النحل:120-121], وصفة الشكر هي التي دعا إبراهيم ربه أن يرزقها ذريته فقال: رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ المُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَهمْ يَشْكُرُونَ[إبراهيم:37], على رجاء منهم أن يكونوا من الشاكرين الذاكرين, وكان من دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( اللهم اجعلني لك ذكاراً، لك شكاراً، لك مطواعاً، لك مخبتاً، إليك أواهاً منيباً ), وكان يقول: ( اللهم تقبل توبتي، واغسل حوبتي، وأجب دعوتي، وثبت حجتي, وسدد لساني، واهد قلبي، واسلل سخيمة صدري ).

كان يدعو صلوات ربي وسلامه عليه بأن يجعله الله شكوراً, وقد أمره ربه جل جلاله بأن يشكر فقال: بَلِ اللهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ[الزمر:66], مثلما قال لـموسى عليه السلام: قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ[الأعراف:144], ومثلما قال لداود وذريته: اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ[سبأ:13], وكان من دعاء داود وسليمان عليهما السلام: رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ[النمل:19], هكذا كان دعاؤهما صلوات الله وسلامه عليهما.

يا إخوتاه! الشكر كما قال علماؤنا أصله الظهور, ويقال: دابة شكور إذا ظهر عليها من السمن فوق ما تعطى من العلف, يعني: ربما تعطى علفاً قليلاً، ثم بعد ذلك يظهر عليها من السمن شيء عظيم, فيقال: هذه دابة شكور.

الشكر بعد أداء العبادة

مطلوب منا أن نشكر الله عز وجل ونحمده, إذا طعمنا, إذا شربنا, إذا نمنا, إذا قمنا, إذا وفقنا لطاعة من الطاعات لعبادة من العبادات, الله عز وجل لما أمرنا بالصيام قال: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَهمْ يَرْشُدُونَ[البقرة:186], قبل ذلك قال: يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ[البقرة:185], وبين أن الشكر هي الغاية التي من أجلها شرعت العبادات؛ ولذلك ربنا جل جلاله حين يحدثنا عن الطهارة في تلك الآية المفصلة: إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى المَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ[المائدة:6], ثم قال: مَا يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ[المائدة:6], وفي الأحكام كذلك الله عز وجل لما بين كفارة اليمين: فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ[المائدة:89], قال: ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ[المائدة:89].

كان سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أشكر الناس لله عز وجل, وقد عرض عليه ربه أن يحول له بطحاء مكة ذهباً, فقال: ( لا يا رب! بل أجوع يوماً فأصبر, وأشبع يوماً فأشكر ), ولما ( قام من الليل حتى تورمت قدماه قالت له عائشة رضي الله عنها: يا رسول الله! لم تصنع ذلك وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال عليه الصلاة والسلام: أفلا أكون عبداً شكوراً ), كان يشكر الله عز وجل على نعمته ويثني عليه بما هو أهله جل جلاله.

أمر الله عباده بالشكر

لو تأملنا في نعم الله عز وجل نجد أن ربنا سبحانه قد أمرنا بالشكر فقال تعالى: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ * وَذَلَّلْنَاهَا لَهمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ * وَلَهمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلا يَشْكُرُونَ[يس:71-73], هذه الأنعام التي ذللها الله عز وجل لنا، عليها نركب ومنها نأكل، ومن صوفها ووبرها وشعرها نلبس ونتدفأ, هذه كلها مطلوب منا أن نشكر نعمة الله علينا فيها, والحمد مطلوب والشكر مطلوب.

فضل الحمد

هذا الكلام أسوقه وقد يسر الله لي أن أطعم مع بعض عباد الله الطيبين, فكان كلما أكل شيئاً من طعام يقول: الحمد لله, لربما حمد الله في تلك الأكلة التي أكلناها أكثر من عشرين مرة, وتشعر بأن هذه الكلمة تخرج من قلبه لا من لسانه, يشعر بأن هذا الطعام الذي آتاه الله إياه، وسهل له أن يطعمه وأن يمضغه وأن يبتلعه وأن يتلذذ به, تجد بأنه يشكر الله عز وجل لربما مع كل لقمة فيقول: الحمد لله، الحمد لله، يكررها مراراً, وهي كلمة طيبة مباركة، قال النبي عليه الصلاة السلام: ( لو أن الدنيا بحذافيرها كانت بيد رجل من عباد الله فقال: الحمد لله لكانت الحمد الله أفضل من ذلك )؛ لأن الدنيا فانية والحمد لله من الباقيات الصالحات، والله عز وجل يقول: وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا[الكهف:46].

يا إخوتاه! ما أطيب هذه الكلمة وما أعظمها, ما أعظم أجرها وثوابها عند الله عز وجل, كان نبينا عليه الصلاة والسلام يصلي بالناس فقال: ( سمع الله لمن حمده، فرفع أحد الصحابة صوته قائلاً: الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه, فلما انتهت الصلاة قال عليه الصلاة والسلام: أيكم قائل تلك المقالة، قال: أنا يا رسول الله! قال: والذي نفسي بيده لقد رأيت بضعة وثلاثين ملكاً يبتدرونها -يتزاحمون عليها- أيهم يرفعها إلى الله, وإن عبداً قال: يا رب! لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، فعضلت بالملكين كيف يكتبانها, فصعدا إلى الله عز وجل وهو أعلم قالا: يا ربنا! إن عبدك قال كلمة لم ندر كيف نكتبها, قال وهو أعلم: وما قال عبدي؟ قال الملكان: قال عبدك: يا رب! لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك, قال الله عز وجل: اكتباها كما قالها عبدي حتى يلقاني فأجزيه بها ), اكتبا هذه الكلمة: ( يا رب! لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك, حتى يلقاني فأجزيه بها).

ما أحرانا إذا أصبحنا أن نقول: ( الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا وإليه النشور ), ما أحرانا أن نقول: (اللهم ما أصبح بي من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك؛ فلك الحمد ولك الشكر, من قالها فقد أدى شكر يومه, ومن قالها إذا أمسى فقد أدى شكر ليلته ), ما أحرانا أن نكثر من كلمة الحمد من أجل أن ندخل في تلك البشارة النبوية، قال الله عز وجل: ( يا عيسى! إني باعث أمةً من بعدك أرزقهم الحمد والشكر ولا حلم ولا علم, قال: يا رب! وكيف ذلك ولا حلم ولا علم؟ قال: أعطيهم من حلمي وعلمي )؛ فهذا الذي يكثر من حمد الله وشكره إنسان عليم بقدر ربه جل جلاله، قد سلم من الظلم والكفر, وكذلك هو إنسان حليم, ليس كذاك الأحمق الذي يقال له: كيف حالك؟ فيشكو ربه جل جلاله, ويتسخط أقداره ويزدري نعمته, ولربما قال قائل: كيف حالك يا فلان؟ فيقول: الحمد لله ويشيح بيده هكذا وكأنه يستكثر هذه الكلمة على الله عز وجل, ولو فكر المسكين في أن الله عز وجل قد أصح له بدنه, وقد كان قادراً على أن يشغله بضرسه.. برأسه.. بعينه.. بأنفه, وكان قادراً على أن يشغله بجوفه, وكان قادراً على أن يشغله بأي عضو من أعضائه, وكما قال ربنا: وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا[النساء:28], أي أن الإنسان لا يتحمل شيئاً, حتى الشوكة يشاكها ما يتحملها, ولذلك واجب علينا أن نجري على ألسنتا مجرى النفس كلمة: الحمد لله, فإذا سُئلت يا عبد الله: كيف الحال؟ فقل: الحمد لله، ولو كنت مريضاً، قل: الحمد لله، ولو كنت فقيراً, قل: الحمد لله، ولو كنت في ضيق في هم في غم, قال ربنا جل جلاله: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ[إبراهيم:7].

اللهم اجعلنا لك ذاكرين, لك شاكرين, لك مخبتين, لك مطواعين, إليك أواهين منيبين, اللهم يسر أمورنا واشرح صدورنا واغفر ذنوبنا وطهر قلوبنا واستر عيوبنا.

والحمد لله رب العالمين.

يا أيها الإخوة الكرام! الشكر كما قال أهل العلم: هو ظهور أثر نعمة الله على لسان عبده ثناءً واعترافاً, وعلى قلبه شهوداً ومحبة, وعلى جوارحه انقياداً وطاعة، هذا الشكر يقوم على قواعد خمس وهي:

خضوع الشاكر للمشكور, إذ لا بد أن تخضع لله عز وجل وتنقاد إليه وتعمل بطاعته, ولا بد من حب العبد له وثنائه عليه واعترافه بنعمته, وألا يستعملها فيما يكره, هذه قواعد خمس تتمثل فيها حقيقة الشكر, لا بد أن يجري الثناء على لسانك على الله عز وجل على لسانك, لا بد أن تحمده وتشكره، ( إن الله تعالى يحب من العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها, ويشرب الشربة فيحمده عليها ), ( من طعم طعاماً فقال: الحمد الذي أطعمني هذا ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة, غفرت له ذنوبه وإن كانت مثل زبد البحر ), ومن شكر نعمة الله عز وجل أن تتحدث بها، فإذا سُئلت: كيف حالك يا فلان, قلت: الحمد لله أنا في عافية ونعمة وستر, أنا في صحة وسلامة، أنا في سعة رزق، ( الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وكفانا وآوانا ), ولو شئت لقلت: الحمد لله الذي علمنا وهدانا، الحمد لله الذي شفانا وعافانا, الحمد لله الذي أكرمنا وأعطانا, الحمد لله الذي علمنا وفقهنا, نعم الله عز وجل على العباد كثيرة لا يستطيعون لها إحصاءً, ولا يستطيعون أن يحيطوا بها شكراً وحمداً.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الحي يوسف - عنوان الحلقة اسٌتمع
ديوان الإفتاء [485] 2824 استماع
ديوان الإفتاء [377] 2651 استماع
ديوان الإفتاء [263] 2535 استماع
ديوان الإفتاء [277] 2535 استماع
ديوان الإفتاء [767] 2508 استماع
ديوان الإفتاء [242] 2477 استماع
ديوان الإفتاء [519] 2466 استماع
ديوان الإفتاء [332] 2444 استماع
ديوان الإفتاء [550] 2408 استماع
ديوان الإفتاء [303] 2407 استماع